بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 أبريل 2013

الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي

كان الرحالة الجغرافي الألماني ""هنريش بارث"" ثالث أوروبي يصل إلى مدينة تمبكتو سنة 1853، فقد سبقه إليها الرحالة الإنجليزي "غوردون لاينغ" (Laing) الذي اغتيل في ظروف غامضة قرب تنبكتو في 30 سبتمبر 1826، وسبقه كذلك الرحالة الفرنسي رينيه كاييه ("ولد كيجه النصراني" كما يقول الموريتانيون) الذي حل بتبكتو في 20 إبريل 1828 بعد أن مر بموريتانيا وأقام أشهرا بمنطقة البراكنة. لقي "هنريش بارث"، أو عبد الكريم كما كان يسمي نفسه تخفيا وتخوفا، حفاوة وضيافة من الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيدي المختار الكنتي. وكانت رحلة "هنريش بارث" بتمويل بريطاني وبرعاية مباشرة من صاحبة الجلالة أليزابيت الأولى. وقد تحدث "بارث" باستفاضة عن حفاوة الشيخ الكنتي وضيافته في كتابه "رحلات ومشاهدات في شمال ووسط إفريقيا" (Travels and Discoveries in North and Central Africa). وكان "بارث" أقام زمنا طويلا في الحضرة الكنتية مع الشيخ سيدي أحمد البكاي، وقد أعلن الأمير الفلاني أحمدُو بن أحمد لبو، أمير ماسنة، هدر دم الرحالة الألماني فبعث رسالة إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي يطالبه فيها بتصفيد "بارث" بالأغلال وإرساله إلى حمدالله عاصمة إمارة ماسنة، وفي تلك الرسالة حديث عن الحكم الفقهي في التعامل مع الذمي، وفيها كذلك نوع من التهديد للشيخ سيدي أحمد البكاي الذي آوى هذا النصراني الكافر. لكنه يبدو أن الشيخ الكنتي أفقه من أن تقنعه آراء ابن أحمد لبو الفلاني، وأقوى من أن تخيفه تهديداته. فرد الشيخ البكاي مخاطبا أمير ماسنة ومتحدثا عن "بارث": "إنه جاء إلى تنبكتو –كما قلتَ- بغير استئذان ولا إذن وذلك لا يبيح لك ماله ولا سجنه، فإني أنكر عليك أمرك بسجنه وطلبك لماله؛ فإنه حرام عليك وظلم له، فإنه إنما وصل في عهد المسلمين. فإن جميع قبائل النصارى في العهد والصلح إلا الموسكو. بلغني هذا العام أنهم حاربو السلطان عبد المجيد. وعلى كل فإنك لست بإمام المسلمين، إنما إمام المسلمين مولاي عبد الرحمن أو السلطان عبد المجيد، فمولاي عبد الرحمن هو أهلها بالشريعة، والسلطان عبد المجيد هو الأكبر والأكثر في الملك. وإنما أنت أمير من حمدالله إلى تنبكتو: مسيرة خمسة أيام في الأخصاص، في منتهى أرض السودان في المغرب. وإمام المسلمين في المسلمين في أرضهم لا يجوز لك أن تنقض أو تنقص عهده وصلحه مع النصارى وقد صالحهم وعاهدهم كل من السلطانين." انتهى الاستشهاد. وهذا النص من رسالة للشيخ سيدي أحمد البكاي وهي عندي بنصها المخطوط الواقع في ثماني عشرة صفحة فيها الكثير من التاريخ والعلم و"التكنتي"... وكتاب "رحلات ومشاهدات في شمال ووسط إفريقيا" لهنريش "بارث" يقع في خمس مجلدات في لغتين: الإنجليزية والألمانية، وترجمت أجزاؤه الأربعة الأولى إلى الفرنسية. والطريف أن جزأه الخامس، الذي ما زال بلغتيه الأصليتين ولم يترجم للفرنسية بعدُ، فيه الكثير من تاريخ موريتانيا وأخبار قبائلها وساكنتها وتفاصيل حياتهم. فقد كان الرحالة هنريش "بارث" حريصا على تدوين كل ما يسمع من معلومات بدقة متناهية وضبط دقيق واجتهاد أكاديمي. وقد أعانه فيما جمعه من أخبارٍ عن موريتانيا وساكنتها في المجلد الخامس من كتابه أن حضرة أهل الشيخ سيدي المختار الكتني في منطقة أزواد كان فيها جميع الموريتانيين من جميع الجهات ومن جميع الأجناس، فكأن الحضرة الكنتية عبارة عن موريتانيا مصغرة فيها أهل الساحل وأهل الحجرة من تكانت وآدرار وأهل العصابة وأهل الكبلة وأهل آفطوط واهل الحوض وأهل تيرس وغير ذلك من المناطق الموريتانية التي كان أبناؤها يفدون إلى الحضرة الكنتية بأزواد ينهلون من علم الشيخ سيدي المختار وأبنائه ويتصدرون عليهم في الطريقة الصوفية القادرية. وبعد رجوع هنريش "بارث" للندن بعثت الملكة أليزابيت الأولى هدايا ثمينة للشيخ سيدي أحمد البكاي ورسالة شكر ربما تكون هي أولى مظاهر العلاقة الدبلوماسية لبلادنا ببريطانيا. توفي الشيخ سيدي أحمد البكاي في فبراير 1866م ولم تكن دبلوماسيته مقصورة على التاج البريطاني بل هي كانت متعددة الأبعاد: فله مراسلات مع سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام العلوي ومع ابنه محمد بن عبد الرحمن، وله مراسلات مع السلطان العثماني عبد المجيد. الدكتور سيد أحمد ولد أحمد سالم
وصلى الله على الهادى الأمين