بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 يوليو 2013

البنك الدولي للعقول مقترح إلى منظمة المؤتمر الإسلامي

    
   البنك الدولي  للعقول
 مقترح إلى منظمة المؤتمر الإسلامي   
عندما يُذكر البنك يتبادر إلى ذهن السامع- لأول وهلة- محل إيداع الأموال،وإدارة الأرصدة والسندات...ونحن بحمد الله جل إقبالنا منصب على ذلك المنحى.
وإذا انتقلنا إلى المجاز قليلا قد يخطر ببال السامع "بنك الدم"، حيث تجمع- بشتى الطرق - أكياسه وصفائحه في المستشفيات، لإمداد المرضى والمصابين بها عند الحاجة، ونحن أحوج ما نكون اليوم لمثل هذا البنك لكثرة ما نزف من دمائنا في هذه العشر الأوائل من القرن الحالي ،  كما قد يخطر بذهن السامع أيضا - في هذا السياق- "بنك المعلومات" الذي يعني خزان القواعد البيانية، في شتى حقول المعارف والخبرات، والذي مازال لم يأخذ موقعه المكين في التداول الاصطلاحي، ضمن جهازنا المفاهيمي، لتدني اهتمامنا بتخزين  المعارف، والاستثمار فيها.
وعلى ضوء هذا وجدتني- وأنا في دوامة العصف الفكري الذي يغرق فيه المتتبع للمؤتمرات والندوات المتلاحقة في الدوحة عاصمة قطر، حيث تزدحم العقول، وتتبرج المعارف والخبرات- أفكر في إمكانية إنشاء مشروع  "بنك دولي للعقول الإسلامية"، وخصوصا أن هذه الفكرة تولدت لدي وأنا أتابع وقائع مؤتمر "محاكاة منظمة المؤتمر الإسلامي"،الذي نظمته كلية الشريعة بجامعة قطر، فأبدع طلابها في تمثيل أدوار جل الدول المنضوية في عضويتها ، بدرجة جعلتني أستشعر أن الصورة هنا ربما تكون أفضل من الأصل وعيا وطرحا وتحليلا، فهجس في خلدي أن هذه الدول- بغنى تركيبتها السكانية والجغرافية والحضارية، وبثرائها الاقتصادي والمعرفي- قادرة على أن تخرج من واقع التخلف المناقض تماما لإمكانياتها وموقعها وخلفياتها،ووجدت أن التركيز في هذا السياق على اقتصاد المعرفة أولى، لأن إهماله والتركيز- بالمقابل- على السياسة الجوفاء ، والاقتصاد المالي، المُتَحَكَّم في خيوط لعبتهما  من طرف القوى الخارجية المهيمنة ، هو أكبر سبب  لتردي الأوضاع المستشري في عالمنا منذ عقود وعقود...لأن هذه القوى الخارجية الموصوفة بالعظمة والهيمنة لا تملك – مع تقدمها- ما نملك – مع تأخرنا – من موارد بشرية واقتصادية، ولكنها أدركت أن طريق تقدمها،وضمان تطورها وقوتها، هو أن تترك هذا العالم الإسلامي يسبح في سياساته الديكتاتورية العرجاء، ونُظُمِهِ الاقتصادية المتهالكة العمياء،وذلك – يا للمفارقة!- عبر استغلال ثرواته الاقتصادية المُتَنَاهَبَةِ، وتسيير دورتها بعقوله العلمية المهدورة والمهجورة داخل أوطانها، والمعتبرة المستثمرة خارجها، من لدن حتى أعدائها- ويا أ سفاه- في بعض الأحيان.
ومادامت منظمة المؤتمر الإسلامي أرخبيلا من الدول التي يعتبر دينها  أكبر جامع لشتاتها، رغم احتوائها لكيانات متعددة في نواظمها الداخلية، مثل جامعة الدول العربية،بما فيها اتحاد دول الخليج العربي، واتحاد المغرب العربي،وكذلك بعض الكتل الآسيوية بما فيها نمورها ، إضافة إلى غالبية دول الاتحاد الإفريقي، فإن اهتمام هذه المنظمة بفتح بنك للعقول الإسلامية المتناثرة عبر العالم، يفوق في أهميته- حسب نظري- تجربة البنك الإسلامي،والبنك العربي ...، حيث إن رأس المال المعرفي أهم من رأس المال الاقتصادي،  باعتبار الأول فاعلا، والثاني مفعولا به، رغم ما يكتنف تفاعلهما من جَدَلٍ خلاَّق ، قد يؤدي بعلاقة الفاعلية والمفعولية بينهما إلى حالة الدور والتسلسل، لا سيما إذا توفرت لهما السياسة الذكية المدركة  لسر التباس تأثير بعضهما ببعض، كما هو حال العقول اليهودية عبر العالم ، التي تستثمر المال في العلم والإعلام ، وتستثمر العلم والإعلام في المال، متحكمة بهذه الجدلية العتيدة في مفاصل صنع القرار الدولي، وفي توجيه بوصلة الرأي العام، حيثما اتجهت مصالحها الخاصة.
إن فكرة هذا البنك- كما أراها- هي عبارة عن خلق جهاز ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي، مهمته رصد العقول العلمية في كل دولة من أعضائها،وجمع سيرهم الذاتية في قاعدة بيانية ، باعتبارها أرصدة رمزية بالغة الأهمية في بناء الأمم وتقدم عجلة تنميتها وحضارتها ، وذلك عن طريق وضع هذه العقول رهن سداد حاجات السوق الداخلي لدول المنظمة أولا، ثم تصدير فائضها- دون تسليع ممجوج، أونخاسة مرفوضة - عبر تصريف رساميلها ، بشكل منظم ومؤسسي،إلى الخارج ،حسب الطلب، وبشروط مقننة وممتازة، حتى لا تظل العقول الإسلامية مُتَنَاهَبَةً بين الدول الأجنبية ، تمتص رحيقها، وتستهلك طاقاتها الجبارة، بأقل الأثمان، وحتى ضد مصالح بلدانها أحيانا، مستغلة حالة الضياع والتشرد والإهمال، وحتى المطاردة- في بعض الحالات- لهذه العقول من طرف أمهات أوطانها،ويالها من أمهات.!
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه العقول لن ينفعها أن تظل سيرها الذاتية وخبراتها المعرفية والمهنية أرصدة مجمدة ، تنتظر من يطلبها في سوق كاسدة، بل لابد من تضحية منظمة المؤتمر الإسلامي بتسويق هذه الأرصدة الرمزية، وبتوفير وضعية يحصل عليها السكوت، لكل عقل مخزن لديها ، ما لم تتوفر له الجهة الراغبة فيه داخليا أو خارجيا، ولأن هذا الشرط قد يكون القشة التي تقصم ظهر مشروعنا المقترح وهو في مهده، كان لا بد أن أفكر في حل معقول،يكمن في ضرورة نظر منظمة المؤتمر الإسلامي إلى هذه العقول باعتبارها مشاريع استثمار، وكما أن مكاتب استيراد وتأجير اليد العاملة، من المفروض أن تتكفل بمن تستورد،  سواء وجدت له مستخدما أم لا، في انتظار الربح الذي ستجنيه من يديه فور تشغيله، فإن المنظمة ينبغي أن تنظر إلى هذا المشروع من هذه الزاوية على الأقل، فتقتطع من ميزانيتها جزءً للاستثمار في هذا المجال،على أن تسترده – بعد التشغيل- من  رواتب علمائها المضمونة خارجيا، إنْ لم تتوفر داخليا، فأمريكا وأوربا- مثلا- لا تنظران إلى العقول العلمية التي يزخر بها العالم الإسلامي بالمنظار الذي تراهم به أوطانهم دولا ومنظمات، وإنما تعتبران أن هذه العقول العلمية روافع جاهزة وضرورية لتنمية القارتين المتقدمتين والمتفوقتين بواسطة مثل هذه الأطر، حيث يرون أن نمو مجتمعاتهم المتناقص ديمغرافيا، لا يساير توسع حاجاتهم التنموية المتزايدة باضطراد، ثم يحسبون- أيضا-:كم كان سيكلفهم إعداد كفاءات وطنية أمريكية أو أوربية بمستوى هذه العقول الإسلامية ، وبمجرد عملية جمع وطرح غير معقدة ، يتجلى لهم – بما لا يدع مجالا للشك- أنهم الرابحون ، مهما قدموا لهذه الكفاءات المستوردة، حيث لن يكون إلا مجرد فُتات، بالمقارنة مع ما يتطلبه تكوين مثيلاتها داخل أمريكا وأوربا، وهكذا ظلت عقول الدول الإسلامية مُضَيَّعَةً بين مطرقة أوطانهم الأزلية ، وبين سندان مواطن هجرتهم الاضطرارية، فبلاد الهجرة عموما - والغربية منها خصوصا – تحتاجهم، ولكنها تريدهم بأقل من نظرائهم المحليين، وفق معايير انتقائية ، تُحْكِمُ إغلاق حدودها، إلا في وجوه المهاجرين النوعيين، من ذوي العقول الكبيرة، أو الجيوب المنتفخة، أو الأرجل اللاعبة ، حتى إن بعض واضعي شبكات الكلمات المتقاطعة، يعبرون عن كندا- مثلا- بالبلد الذي يصطاد الأدمغة، وهي ليست بدعا في هذه الهواية الاحترافية، فهذا شأن القارة الأمريكية كلها، القائمة على أكتاف المهاجرين منذ اكتشافها،وهي تسمى: " امبراطورية العقول المستوردة "، وقد ظل للعقول الإسلامية موقع بارز في تنميتها وتقدمها، حتى بعد الحادي عشر من سبتمبر، ويكفي هنا أن نذكر العبقري: فاروق الباز في وكالة نازا، الذي هو صنيعة علمية مصرية خالصة، نشأ علي يد أساتذة مصريين ، ظل يعترف بأنهم – وحتى بعض زملائه- كانوا أعلم منه،ولكنه عاش-وإياهم - في وطنهم معيشة ضنكا، حتى أقتنصته " نازا " ،وانتشلته من الضياع، وكذلك العبقري: أحمد زويل، الذي هو الآن مستشار علمي للرئيس الأمريكي:أوباما، وليس مستشارا- ويا للمفارقة-لأي حاكم عربي، ولا حتى مسلم !، والأدهى أن كلا من الرجلين قدم مشروعا علميا – في اختصاصه- كفيل بالمساهمة الفعالة في النهوض ببلده،ولكن الرئاسة وبطانتها التي تزين لها- دائما – سوء أعمالها، كانت تنظر إلى المشروعين - كل في وقته - بعين الريبة والتوجس، وتعتبره تهديدا لشعبية الحاكم، مقابل شعبية العالم، فترمي به في سلة المهملات ـ رغم أن العالمين،لم يفكرا في هذه المآلات السياسية الضيقة.
 أما في في فرنسا فنجد أن ساركوزي - خلال حكمه- كان قد أثار ضجة بإعلان عدائه للمهاجرين غير النوعيين، وألمانيا وإيطاليا  وإسبانيا...ظلت تدافع النزعات الشوفينية للأحزاب اليمينية فيها ضد المهاجرين المسلمين والأفارقة خصوصا، بأن تنمية هذه البلدان الأوربية لا يمكن أن تعتمد على  صفوة أبنائها الآئلة للانقراض ، بل لا غنى لها عن هذه العقول المهاجرة ، مهما كانت درجة العداء للإسلام والمسلمين.
 هذا في الوقت الذي وجَدتْ فيه هذه العقول الإسلامية نفسها داخل بلدانها ، مُكَوَّنَةً – هكذا- بدون سابق تخطيط حصيف، وحين أصبحت جاهزة لرد الجميل لهذه الأوطان أدركتْ- ويا للمفاجأة! – أن حكومات دولها تبدو كما لو كانت درَّسَتْها داخليا، وابتعثتها خارجيا خطأ، أو بمحض صدفة عمياء، في غفلة من الزمن والرشد والحكمة، وعندما رأتهم  طوابير ينتظرون العمل المشروع المناسب لكفاءاتهم- بينما مواقعهم مشغولة بأنصاف الجهال، وذيول الأنظمة المستبدة هنا وهناك - أصبحت هذه الحكومات-ا لمعادية للمعرفة دائما- تراهم مصدر قلق، يجب قمعه، وتجويعه، وتهميشه، وتحقير المعرفة والخبرة اللتين يزهون بهما،وتمرغيمها تحت أقدام الجهال المُمَكَّن لهم في الأرض، حتى يموت هؤلاء العلماء غما،أو يودَعوا غياهب السجون بشبهة المعارضة، أو ينفوا من الأرض، لتنهض  بعقولهم المحتقرة في مساقط رؤوسهم، بلاد الغرب والشرق المتقدمة ، في حين تستورد هذه الدولُ الإسلامية- الطاردة لعقولها الفعّالة- كفاءاتٍ أجنبية بامتيازات مضاعفة لما يتمتعون به في بلدانهم الغربية، مع أن نظراءهم من بلاد الإسلام متوفرون  بكفاءات عالية،ربما داخل الدولة ذاتها، فإلى متى نظل نعقتد أن "زامر الحي لا يطرب" ، وأن" العود في أرضه نوع من الخشب"؟ غير مفكرين- بالمقابل- في مقولة : " وظلم ذوي القربى أشد مضاضة".
أعتقد أننا الآن مطالبون بمراجعة مسلماتنا حول أنفسنا،فإن "في الإمكان أبدع مما كان"، وليس  التخلف قدرا مكتوبا- أزلا- في سجل المسلمين، كما يراد لنا أن نعتقد، بل نحن نملك من مقومات التقدم والتفوق الحضاري ما لا يتوفر لغيرنا، ممن هم - الآن- أكثر تقدما منا، ولكننا نحتاج مجرد "إرادة الحياة"، وحسن إدارتها،تصميما على تغيير ما بأنفسنا.
ولا شك أن مناخ الثورات الذي يجتاح اليوم عالمنا يمثل لحظة مواتية للمثقفين والساسة من أجل إنتاج الأفكار، بدل الاكتفاء باجترار ما أنتجه الآخرون، بطريقة ببغاوية ،لا سيما إذا كانت تلك الأفكار المجترة سلبية في حقنا.
ولعل فكرة تأسيس هذا البنك العلمي تكون فاتحة شلال من الأفكار البناءة القابلة للانجاز، إذا وجدت من يملك "زمام المبادرة"،ومقود القيادة والريادة،وخصوصا إن الإحساس بالحاجة الملحة إلى الموارد البشرية أصبح يفرض نفسه ربما أكثر من أي وقت مضى ، وآخر مثال على ذلك"منتدى الدوحة،ومؤتمر المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط"،في الشهر الماضي، حيث صرح رئيس وزراء قطر بأن" الاقتصاد العالمي مقبل على أزمة جديدة بسبب تراجع معدلات النمو في أوربا وأمريكا"، وأكد وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام : "أن الموارد البشرية عامل رئيسي في تحقيق التنمية المستدامة، وعليه فإن مراجعة الخيارات التنموية ضرورية"، بينما أعتبر جورج ميتشل:" أن الشرق الأوسط - وحده- بحاجة لخلق أربعة ملايين فرصة عمل سنويا"، كما خلصت جلسة الأزمة المالية في هذا المؤتمر إلى " أن البطالة ساهمت في صنع الثورات العربية"، وأنا أضيف إلى ذلك أن هذه الأزمة ذاتها ساهمت - أيضا- في تصدير هذه الثورات حتى إلى أمريكا وأوربا، فهل يُساوِرُنا – بعد هذا- شك في جدوائية إنشاء مثل ذلك البنك الدولي للعقول الإسلامية؟
وعلى كل حال هناك إحصائيات هائلة حول وفرة عدد هذه الأدمغة العلمية الإسلامية، وأخرى صادمة حول نزيف هجرة عقولنا المبدعة من عالمنا الزاهد فيها، الطارد لها، إلى العالم الغربي ، الجاذب المستقطب لها،وهناك ثالثة أعنف صدمة حول تدني نسبة النفاق العلمي في بلداننا ، مقارنة مع إسرائيل على سبيل المثال.
وانطلاقا من كل ما تقدم أعتبر أن منظمة المؤتمر الإسلامي ربما لن تنجز مشروعا أكثر نفعا على أعضائها –حاضرا ومستقبلا- من إعادة هيكلة عقولها العلمية، والاستثمار فيها وبها، داخليا، وخارجيا، وهنا لا يفوتني أن أسحل لمؤسسة قطر سبقها في محاولة استقطاب هذه العقول الكبيرة، للعمل ضمن مشرروع المدينة التعليمية، وبما أن سقف طموح هذا الاقتراح يرقى إلى مستوى تطبيقه في الإطار العام لهذه المنظمة ، فإن ذالك لا يمنع من تطبيقه جزئيا، وبصفة تدريجية، إذا تعذر تعميمه، لأن" ما لا يدرك كله، لا يترك جله"، وحينئذ يمكن أن ننشئ بنكا للعقول العربية، في إطار"جامعة الدول العربية"، أو مؤسسة العمل العربي، فإنْ لم يمكن، فلتحاول ذلك دول " اتحاد الخليج العربي"، أو دول "اتحاد المغرب العربي"، أو لتتبناه الدول الإسلامية الآسيوية، أو الدول الإسلامية الإفريقية....ففي كل دائرة من هذه الدوائر أرصدة هائلة من العقول العلمية الكافية – إنْ أُحْسِنَ استثمارها- لنهضةٍ تنموية جبارة، إلا أن من المؤسف جدا أن الفضاء الإقليمي أو القُطْري قد لا يكون مدركا لحدود طاقاته العلمية، لعدم وجود قوائم أو قواعد بيانية لباحثيه،وغياب خرائط توضح توزع عقوله عبر العالم، فنحن- مثلا- في موريتانيا المشتهرة بالتفوق في اللغة العربية وعلومها- حتى عرفت في المشرق والمغرب بـ "بلاد المليون شاعر"- حاول مرة عبقري الرياضيات فينا  لبروفسور المرحوم يحي بن حامد، المصنف أولا في اختصاصه الدقيق، على مستوى العالم العربي، وثانيا أو ثالثا على المستوى الدولي،أن يُنَظِّمَ في بلده مؤتمرا للباحثين الدوليين الموريتانيين في العلوم البحتة، فلبَّى دعوتَه عشراتُ الباحثين، في أعرق الجامعات الدولية  بأمريكا وأوربا وغيرهما، ممن لا علم لدولتهم بوجودهم أصلا، هذا مع ضرورة ملاحظة أن هناك الكثير من عقولنا العلمية التي يعرفها الأستاذ ولم تصلها دعوته، أو وصلتها دعوته وتعذر عليها الحضور، فضلا عمن جهلهم المرحوم يحيى بن حامد من عباقرة موريتانيين، منتشرين في أرض الله الواسعة،لا يأبه لهم وطنهم، ولا هم يأبهون له، لتفريطه في رعايتهم، وزهده في استقطابهم، مع شدة حاجته إليهم، رغم أن جلهم مستعد لخدمة وطنه بأقل ما يحصل عليه السكوت من امتيازات، وقد عبر عن ذلك من حضروا المؤتمر العلمي السابق ذكره، حيث أعلنوا عرضهم الجميل للرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع المخلوع منذ سنة2005،حيث كان مؤتمرهم في أخريات أيام حكمه، ولم يتجاوب مع ذلك العرض المغري ،وترك صوت ضميرهم الوطني يضيع صرخة في واد.
وإذا كان  هذا مجرد مثال، من ذلك البلد المُنْتَبِذِ مَكانا قصيا، همزة وصل ، بين الوطن العربي ، وبين القارة السمراء،فما بالك بالدول،الأقدم تأسسا، والأعرق تمدرسا، و الأكثر عددا وعدة!؟
مهما يكن، فأنا أدرك أن سوق العقول- في هذا الزمن الرديئ - أصبحت بائرة، لدرجة أن السجال تحول من الجدل بين"العقل والنقل" قديما، بدون ترجيح نهائي، إلى سجال جديد بين"العقل والرِّجْل"، حُسم فيه النزاع بتفضيل الأقدام على الأفهام،ورجحان "الجسم على العلم"، حتى أضحت ركلات اللاعبين، وتراقص الفنانات- بضع دقائق- فوق المسارح، تكافأ بالملايين،وتُجْنَى منها المليارات، في وقت يموت فيه العلماء والأدباء جوعا، ولا يَتَلَقَّوْنَ- مقابل عصارة أفكارهم، ورحيق آدابهم وأشعارهم- إلا"دراهم معدودة"،إنْ وجدتْ أصلا، لأن الجميع في إبداعهم من الزاهدين.
مهما يكن، فإن العقول- في عالمنا الإسلامي- لن يُحْتاج إليها أكثر من فترة كهذه، يسودها السفه والنزق والجنون،ويقود الجهل سفينتها الجانحة، في بحر لُجِّي من الأحداث المتلاطمة.
وفي الختام، يبقى مشروع البنك الدولي للعقول الإسلامية، مقترحا بناء لمن "ألقى السمع وهو شهيد"،إلا أنني أخاف أن ينتحله بعض المستثمرين "الشاطرين"-ضمن فضاء منظمة المؤتمر الإسلامي- فيعبئوا هيكله المقترح بغير العقول،مؤسسين : "البنك الدولي لأرجل اللاعبين الإسلاميين"، أو "البنك الدولي لخصور الراقصات الإسلاميات"...،لأنهم يعتقدون- خطأ- أن الاستثمار هنا أربح منه هناك، ولكنني أتوعد من تسول له نفسه ذلك بمقاضاته دوليا،لاعتدائه على الملكية الفكرية،فمن الظلم الفادح أن تسرق الأثرياء الأفكار ممن لا يملك غيرها.
                  د- أدي ولد آدب- باحث موريتاني- مقيم في قطر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تضمين الرسالة أدناه

وصلى الله على الهادى الأمين