بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 6 فبراير 2019

المقاومة الأخلاقية في شعر أسرة "أهل آدب"

ر
المقاومة الأخلاقية في شعر أسرة "أهل آدب"
مدخل تأسيسي:
"المُقاوَمَة" مُتلازمةٌ فطْريةٌ لكلِّ كائنٍ حيٍّ وَجَدَ نفْسَه في خِضَّمِ هذه الدنيا؛ حيث يُولدُ مُسْتشْعِرا ضعْفَه الوُجوديّ، ونِسْبيةَ الحياة من حوْلِه، واسْتحالةَ الخُلودِ لغيْر الخالق، فيبدأ في مُواجَهة عواملِ الفَنَاءِ الحتْمِيّ المُتَرَبِّصَةِ به من الداخل والخارج، لتأسيسِ خُلودِه النِّسْبِيّ، "لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ"؛ ومنْ هُنا تأخذُ مُقاوَمَتُه طابعا مُزْدَوجا، بيْنَ الذاتِيِّ الداخليِّ، والغيْرِيّ الخارجيّ، لا سيما بالنسبة للإنسان، الذي "خُلِقَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ" مُتَنازَعا بيْن قبْضةٍ من طِينٍ، تشدُّه إلى الأسْفلِ، تُخْلِدُ به إلى الأرض، وبيْنَ نفْحةٍ من روحٍ، تسْمُو به إلى مَصْدره العُلْوِيّ، ليَكُونَ تردُّدُه بيْن هذيْن القطبيْن هو مَجالُ اخْتبارِه وابْتلائه، في جَدَارَتِه بالخِلَافةِ في الأرْض: هلْ ينجحُ.. أمْ يفشلُ؟ هل يفضُلُ.. أمْ يرذلُ؟ هل يسْمو.. أمْ يسفُلُ؟
ومن هنا تتأطَّرُ صِفَةُ "الأخْلاقية"، التي وَسَمْتُ بها المفْهومَ الشاملَ لـ"المُقاوَمَة"، واخْترتُها زاويةً للمُقارَبَة، حيث يبْدو تكريسُ هذا المَفهوم -لمُقاوَمَة العَدُوِّ الخارجيّ- اخْتزالا وتسْطيحا، دَرَجَ عليْه الناسُ، حتَّى أصْبَحَ مُبْتَذَلًا، لكثْرَةِ ما خاضتْ في لُجَّتِه الأقلامُ.. وأنا -بطبْعِي- أكرهُ مَطروقاتِ المَواضيعِ، ومَألوفاتِ المُقارَبَات.. لأنَّ اتِّبَاعَها مُنَافٍ للإبداع، إذْ ليس إلا تحصيلا لحاصل، وتكْرارا بدُون طائل.. فبَدَلا من رصْدِ وقائعِ وتَجَلِّياتِ مُقاومَة العَدُوِّ الخارجيّ، بالمُتاحِ منَ الأسْلِحَةِ العاديةِ.. ينْبَغِي أنْ نُسلِّطَ الضوْءَ على الوجْه الآخَرِ لهذه العُمْلَةِ، فنَتَرَصَّد تجَلِّيات البُعْد الداخليّ "للمُقاوَمَة الأخْلاقية"، التي ينْبغي أنْ تكونَ ذاتيةً في البِداية، لتنْطلقَ- بنجاحٍ- منَ الأنَا إلى الآخَر.. بأسْلحةٍ مُغايِرَةٍ، وبأهْدافٍ مُخْتَلِفةٍ.. اسْتلهامًا للتوْجِيهِ النَّبَوِيِّ بنقْلِ المَعْرَكَةِ - مَبْدئِيا- إلى الداخل.. داخل أسْوار الذات الإنسانية؛ فـ"أعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ التِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ"، وعِنْدَما رَأى الناسَ -منْ حوْله- مُنْبَهِرينَ بالقُوَّةِ البَدنِيةِ لرجُلٍ عمْلاقٍ؛ لا يَقومُ له أحَدٌ إلا صَرَعَهُ، شاءَ- عليْه الصلاةُ والسلامُ- أنْ يَصْرِفَ ذِهْنِيةَ الجُمْهورِ عن تمْجيدِ القوةِ البَدَنِيةِ المادِّيةِ المُوَجَّهَة إلى الآخر، نحْوَ القوة الرُّوحيةِ المُوَجَّهَة إلى الذات.. فزَلْزَلَ قنَاعاتِهم السائدةَ، نازعًا معْنَى القوة العَضَلِيةِ الخارقة من كلمتيْ" الشَّدِيد= الصُّرَعَة"، اللتيْن عبَّأتْهُما بها مُواضَعاتُ اللغة العربية الجاهِلية، ليشْحَنَهُما- بعْدَ تفْريغِهُما- بمَعْنَى القوة الروحية الداخلية، ففاجَأهم بقوْلِه النافِي:" ليس الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ"، وقبْلَ أنْ يفِيقوا من هوْلِ الصدْمةِ اللغوية، وكلُّهم يتساءَلُ -في داخِله- مُسْتعْرِضا مُعْجَمَه العربيّ: بَادَرَهُمْ باسْتِدرَاكِ الحُكْمِ المُذْهِلِ؛ مُكَمِّلا حديثَه: " لكن الشديدُ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عنْدَ الغَضَب"، مُؤسِّسا بذلك لمَفْهومٍ روحيٍّ للقوة، في إطارِ ثَوْرَتِه الأخْلاقيةِ الجديدةِ علَى المَفاهيم الخاطئة، حيث ينطلقُ "الجِهَادُ الأكْبَرُ" من مُحَارَبَةِ نَوَازِعِ الغرائز الحَيَوَانِية في النفْس الإنسانية، لتتخَفَّفَ من ثقلِ كُتْلَةِ الطينِ الجَسَدِيةِ المُثَبِّطَةِ، حتّى ترْتقِي فِي "مَدَارِج السالِكينَ"، إلى "مَرَاقِي السُّعُودِ"، عبْرَ مَحَطَّاتِ الأشْوَاقِ الرُّوحِية العُلْيَا، وهذا ما فهِمَه أبْطال "المُقاوَمَة الأخْلاقية" من المُتَصَوِّفِينَ الصالحينَ، في عمَلِهمْ لتصْفِية الأرواح؛ فعبَّرُوا عنْه بمُصْطَلَحَيْ" التخْلِيةِ" من الرَّذائِلِ، و"التَّحْلِيةِ" بالفضائل.
وقد اخترتُ فنَّ "الشِّعْر عنْد أهْل آدبَّ"، مَظْهَرًا لتجَلِّياتِ هذه المُقاوَمَةِ الأخْلاقيةِ، لأنَّ المَوْهَبَةَ الشعْريةَ، والمَنْزَعَ الأخْلاقِيّ لَصِيقَانِ بهذه الأسْرَةِ التي تُعْتَبَرُ- فعْلا- أحَدَ أعْرَقِ بُيُوتاتِ الشِّعْر والتربية الروحية معا، وعنْد مُلتَقي هاتيْن الصفتيْن يتأطَّرُ مَبْحَثِي هذا، حيث لا يكادُ مفْهوم بُيُوتاتِ الشِّعْر -كما حدَّدَهُ ابنُ رشيق القيْرَوانِيّ- ينطبقُ علَى أسْرةٍ بقدْرِ ما هو مُتَحِقِّقٌ في "أهْل آدبَّ"، فنسْغُ الشّعْريةِ، متغلْغِلٌ بعيدا في جُذُورِ وفُروع شَجَرَة هذه الأسْرة، حيث للجذْر الكنْتِيّ صِلَةُ نَسَبٍ مَا معَ جذْر التجْربَةِ الشِّعْرِيةِ في بلادِ" البيضان"، فعِنْدَما نعودُ لحفْرَياتِ الدارسِينَ في نَشْأَةِ الشِّعْر الموريتاني بشِقَّيْه: الفَصِيحِ واللهَجِيّ، نجِدُ لأجْدادِ هذه القَبِيلَةِ نصيبًا مُعْتَبَرا من دعْوَى رِيادَةِ هذا الشِّعْرِ بنوْعَيْهِ؛ حيث نَسَبَ بعْضُ الدارسين إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي رِيادةَ الشِّعْرِ الحسَّانِيّ المُفْتَرَضَةِ أسْبَقِيتُه على الفَصيحِ، في هذه الرُّبُوع؛ وذلك بقوْله في "الكاف" المشْهور:
كْتَاب الله كِيمْيَا وكْرَامَه***وكنْزْ ما تخْشَ عْلِيه نْفَادْ
ديرْ الهِمَّهْ فِيهْ لا تتْعَامَ*** واعْمَلْ مِنُّهْ خَاصَّهْ ووْرَادْ
كلْ نْهارْ إجدْ للْفَهَّامَه *** منُّهْ مَعَانِي بالترْدَادْ
أمَّا في رِيادةِ الشِّعْرِ الفَصيحِ فإنَّ د.عبد الله بن أحميده في بحْثه عن نشأة هذا الشعر، أعتبرَ أنَّ سيد أعمر الشيخ أحدُ رُوَّادِ هذا الفنِّ في القرْن العاشر الهجْري، من خلال القصيدة الميمية الموْسُومة بـ "القبَّة الخضْراء"، المَنسُوبَة إليْه.
وللأمَانةِ العلْمية أسَجِّلُ اعتقادي أنَّ هذه القصيدةَ للشيْخ: "المقيلي"، وليست لتلْميذه: سيد اعمر الشيخ ، حيث التبستْ مَراجِعُ الضمَائرِ بيْن الشيْخ وتلميذه، في نصِّ الشيْخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي، في كتابه: "الطرائف والتلائد"، فشوَّشَ ذلك على جِهاز التلقِّي عنْد بعْض القرَّاء، ومن ثَمَّ التبستْ نِسْبَةُ النصِّ بيْن الرجُليْن.

ولكن، مهْمَا تكنْ هشاشةُ مُسْتَنَدَات مَبَاحث رِيادةِ الشعريْن، تبْقى نشْأتُهما معًا توْأمًا لنَشْأة قبيلة كنتة، ولو في أذهان هؤلاء الدارسين على الأقل، عِلْمًا بأنَّ الشيخ سيدي أحمد البكاي "نزيلَ وَلاتة" ، هو الجَدُّ الذي تفرَّعتْ منْه جميعُ فُرُوع "كنتة الشرْقيين" والغرْبيين، وحتى الشماليين، بيْنما ابْنُه سيدي اعمر الشيخ هو الجَدُّ العامُّ لـ "كنتة الشرقيين" خُصوصا.
وإذا تجاوزْنا توْأمَةَ جذْر هذه القبيلة بجذْر الشِّعْر، عبْر تأريخ نشْأتيْهما المُفْترضَة في تلك "البلاد السائبة"، إلى ترَصُّدِ علاقةِ الفُرُوع هنا وهناكَ، نجِدُ أنَّ الشِّعْريةَ قد جَعَلَها ذانِكَ الجدَّان الرائدان "كلِمَةً باقيةً" في عَقِبِهما، فتفرَّقتْ مُورِّثاتُها في "جِينات" جميع القبائل الكنْتية، بدليل أنَّ الباحثَ: يحيى بن سيد أحمد، قد أصدرَ مُدَوَّنَةً شعْريةً لهذه السُّلالَةِ المنْتشِرَة في الصَّحْرَاء الكبْرَى
وقد تضمَّنَتْ حوالي(7000)بيْت، متجاوزًا كمَّ المُدوَّنَة الشعْرية المنْشورة حتَّى الآنَ من الشعْر المُوريتاني، في كلٍّ منْ كِتابَيْ: "الوَسيط في تراجم أدباء شنقيط"، لأحمد بن الأمين، و "الشِّعْر والشعَراء في موريتانيا"، للدكتور: محمد المختار بن أباه، الذيْن لم يُخصَّصْ فيهما مَوْقعٌ لقبيلة كنتة ضمْنَ القبائل الشاعرة.
ولكي نتدَرَّجَ أكثرَ في دوائر شاعرية القوم، من العُموم، إلى الخُصوص، إلى الأخصِّ، نلاحظُ أنَّ فخذ "أولاد بوسيف"، من سُلالة الشيخ سيدي أحمد الكنتي الصغير بن الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الكنتي الكبير، يبْدو أكثر شاعرية من إخْوانِه الأفْخاذ الستة المُشَكِّلِين معه، لأغْلب الكُتْلةِ الكنْتية الغرْبية، رغْم أنَّه لا يُوجد واحدٌ من هذه الأفْخاذ إلَّا وله "شِعْرٌ"، حيث جمعتُ لهم مُدَوَّنةً مُسْتَنْقَذَةً من يَدِ الضياعِ، لا تُمَثِّلُ إلا "بقية من بَقاياه" ولكن حتى داخلَ أولاد بوسيف، يتركَّزُ الشعْرُ أكثرَ في فرْع " الخُضْرِ" أبْناء الجارية، أكثر من "البيض" أولاد "البيضانية"، حيث نستحضرُ هنا أسْطورةً تُسَمَّى "القصيدةَ الأرْبعينِيةَ" مُتواتِرَةً في أوْساط الجَمَاعَةِ كابرًا عن كابر، تقولُ: إن أربعين فارسا من "أولاد بوسيف الخضْر" قدْ شكَّلُوا ذاتَ يوْمٍ طليعةَ "سَلْفَةً" لجيْشٍ، جهَّزُوه من أعْماق "تِيرَس"؛ لنَجْدَة إخْوَتِهم "أولاد بوسيف البيض"، المُحاصَرين من طرَفِ حِلْفٍ مُعاٍد لهمْ، في منطقة "شكَار كادِل" في ولاية البراكنة الحالية، بوسَط موريتانيا، وفي طريقهمْ لخوْضِ معْرَكةِ فكِّ الحِصارِ هذه، ارْتَجَلَ كلُّ واحدٍ من فرْسانِ "السَّلْفَة" الأرْبعينَ، بيْتا شعْريا، حتى اكْتملتْ "القصيدةُ الأرْبعينية"، التي ما زلتُ أحْفظُ منْها بيْتيْن، علِقا بذاكرتي من قصصِ الرُّوَاة، في مَجالسِ السَّمَر:
غدتْ أرْضُنا والدهْرُ ديْدنُه المَكْرُ***كأنْ لمْ يكنْ فيها "حَمَاءٌ" ولا "مَكْرُ"
وأضحتْ ولا مَرْعَى فيها لِخَرُوفَةٍ***وكانتْ بِها ترْعَى الهُنَيْدَاتُ والعَكْرُ
ومَهْما كانت خيالِيَّةُ هذه الأسْطورة الفُرُوسية الشعْرية، فإنَّ الأساطيرَ لا تنْبَثِقُ عادةً إلا من نَوَاةٍ واقِعيةٍ، يستطيعُ الخيالُ أنْ يبْنيَ عليْها، بمعْنى أنَّه لوْ لمْ يكنْ الشعْرُ منتشرًا يومَئذٍ بشكْلٍ واسعٍ في ذلك الفَخِذِ الكنْتِي، لمَا كانَ هناكَ مُسَوِّغٌ لميلاد هذه الأسطورة، وقبول تداولها أُمْثولةً في الذاكرة الجماعية؛ فوُجودُ أرْبعينَ فارسا من فخذٍ واحدٍ، تمَّ انتقاؤهم طليعةً على مَعايير عسْكرية، وهم- في الوقت نفسه- يستطيعون ارْتجالَ الشعْر بيْتا بيْتا، على طريقةِ "الإجازة"، هو في الحقيقة مُعْطى له دلالتُه الكبْرى والعميقة، في سياق تأطيري للتسلْسُل الوِراثيّ للشعْر، بالنسبة لـ"أهل آدبّ" "بيْت القصيد"، في مُقارَبتي هذه، حيث يُغْريني بمُواصلة المُغامرة -في تتبُّع سيْرورةِ "الجِينات" الوراثية الشعرية- أنَّها تتكثَّفُ أكثر كلما اقتربْنا من الدوائر الضيقة لهذه الأسرة، فداخل "أولاد بوسيف الخضْر"، يتركَّزُ الشعر أكثر في أهْل أمحمد بن الطالب أعمر بن خيري، أعْمَام "آدبَّ" وبنِي عمومته، مثل المختار ولد أمحمد، وبنه أحمد بن المختار، وأحمد بوها بن محمد بن أمحمدـ وأخيرا سيد الأمين بن أمحمد بن الطالب أعمر بن خيري، والد "آدبَّ" نفسه، الذي كان قاضي جماعة أولاد بوسيف "الخضر"، حين جاءهم صَرِيخُ إخْوتهم "البِيض" في مَعركة "شَكَارْ"، فأوقفَ زعيمُ الجَماعةِ اسْتِجابتَهم للنجْدة، على فتْوَى القاضي: سيدي الأمين، التي أرادَها شِعْرِيَّةً، وشَرْعِيَّةً، في الوْقْتِ نفْسه، فارْتجلَ "قافَه" الحَسَّانِي المَشْهُور:
عدْنَا المْحَاصَرْ طمْعَهْ***مرْحَانْ لَقْلِيمْ انْسَرْمُ
يوْلادْ بُوسيفْ الرَّتْعَهْ***وامْنَازلْ السَّاحلْ حرْمُ
ثم طرحَ خيْمتَه أرْضًا، إيذانًا بالتحرُّكِ لنجْدة الإخْوَةِ المُسْتَبَاحِي الحريم، مُنْخَرطًا في الفرْسان الأشاوسِ، المُنَتَخبين طليعةً للجيش، وقد كانَ له دوْرٌ كبيرٌ في صنْع النصر الحاسم للمَعْركة، مُقدِّما نفْسَه فِداءً للجماعة، حيث قُتِلَ في مُطارَدَةِ فُلُولِ العَدُوِّ، بعْد الهزيمة، شعبان 1237 هـ الموافق: 30/04/ ،1822م، تاركا ابنه "آدبَّ" الأصغر المُسَمَّى" "عبد القادر"، مع شقيقيْه الأكبريْن: محمد "وَيْقِي" والشيخ، ابنيْ سيدي الأمين، وقد كانا -بالمناسبة- شاعريْن مفْلقيْن، حيث كان "ويْقي" تلميذًا للشيْخ الكبير: سيدي المختار الكنتي، وابْنِه: الشيخ سيدي مُحمد الخليفة، مُشَكِّلًا مع الشيْخ سيديَّ الأبْيَيْري، فرَسَيْ رِهانٍ، في تلك الحضْرة، علْما، وشِعْرا، وخُصوصِية لدَى مَشايخِهم هناك، ونحن نمتلك له ديوانا لمَّا يزلْ مخطوطا، يعتبر خير شاهد على روعة شاعريته الفذة، حيث يقول من ضمْنه متشوقا من "أزواد"، إلى أهْلهِ في مَنْطقَةِ "أَكَانْ"، في موريتانيا، رَبْعِ عَزَّتِه، وعِزَّتِه:
صبٌّ.. لنأْيكمُ.. جفَاه هجوعُهُ*** تُحْنَى على جمْر الغرَام ضُلوعُهُ
أبدًا.. هواكمْ في سَوادِ فُــؤادِه*** يجْري.. فيجْري بِالدموعِ نَجيعُهُ
ويَدُومُ كتْمانُ الغرَامْ.. ودمْعُه*** مُغْرًى بمَكْــتُومِ الغَــرَامِ.. يُذيعُهُ
كما أنَّ أخاه الآخر: الشيخ بن سيدي الأمين، كان شاعرا أيضا، حيث يقول مادحا الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي:
الحقُّ أبْلجُ.. نورُه.. يَتَــــــــــلَالا*** يزْدادُ كلَّ أنًى.. سنًا وجَمَالا
والشمسُ تبْدُو للبَصير ولا ترَى*** في مُقْلة الأعْمى لهَا إعْمَــالا
وهنا -طبعا- ينتهي بنا المَطَافُ إلى "آدبَّ" (عبد القادر) الشقيق الأصْغر لهذيْن الشاعريْن، سَلِيلِ هذه الدوْحة الشِّعْريةِ الراسخةِ الجُذور، الفيْنَانَةِ الفُرُوعِ، حيْث لم تزل تفاعلات هذه السلالات الشاعرة تتكثف، حتى انتهت إلى وريثها الشرعي "آدب"، الذي كان أخوه الأكبر: امحمد "ويقي" بن سيد الأمين، يقول لشيْخِيْهِ في الحضْرة المُخْتَاريةِ الكنْتية بـ "أزواد"، إنَّه لا يدْرسُ العلومَ، ولا الترْبيةَ الصُّوفيةَ، لنفْسه، وإنَّما يخدمُ بالنِّيَابةِ عن شقيقِه الأصْغر الذي ترَكَهُ وحيدا يعْتنِي بعائلتهم، في الوقْتِ الذي تفرَّقَ من حوْلِه، كلُّ أقاربه- طلبًا للمَعرفةِ والعِرْفان- باتجاه أهْل الشيخ سيدي المختار في الشرْق، أو أهْل الشيخ سيدي في الغرْب، وقد اسْتجابَ الله لرغْبة أخِيه فيه، حيث ورِثَ- منْ لَدُنْهُ- سِرَّ أسْرتِه العِلْمِيّ، والرُّوحِيّ، والشِّعْريّ، فكسَفَتْ شُهْرتُه إشْعاعَ أخَوَيْه، وأبِيه، وأعْمامه، العُلَمَاء الشُّعَراء، دون أنْ يَكونَ له رِحْلَةٌ في طلَبِ العِلْم، غيْر رِحْلتِه إلى حضْرَةِ الشيْخ سيدي، حوالي ستة أشهر فقط، تكللت بإجازته ،1265هـ، (فى الأوراد القادرية، والأحزاب والتوجيهات المحمدية والمختارية، أخذا وعطاءً وروايةً وإرْواءً، بالشرْط المَألوف والسَّنَنِ المَعْروف خَلَفًا عن سَلَفٍ...
وأجزتُه أيْضا فِيما تحَصَّلْتْ وتحصُل فيه أهْليَتُه من العلوم الشرْعية أصُولِها وفرُوعِها ومَقاصدِها ووسائِلِها على نحْوِ مَا أذِنَ لِي وأجاَزنِي فيهَا شيْخُنا الخليفةُ سيدي مُحمد..."
ونظرا لأنَّ مثْلَ هذه الإجازاتِ لمْ يكنْ المَشايخُ العُلماءُ الأتْقياءُ يمْنحونَها جُزافا، كما تُمْنَحُ اليوْمَ الشَّهَادَاتُ العُليا، فقدْ أوْضَحَ الشيخُ سيديَّ المُرْتَكَزَاتِ التي أسَّسَ عليْها حُكْمَه بالأهْلِيَّةِ المُزْدَوجَةِ للمُرِيدِ المُجَازِ في المَعَارِفِ الصُّوفية، والعُلوم الشرْعِية مُطلقا:
"وإنَّما أذنتُ له وأجزْتُ له؛ لِمَا لاحَ لِي فيه من لَوائحِ الصلاحِية للتقْديم، ولِمَا شمَمْتُ فيه من روائحِ الخُصوصية الممْزُوجَةِ بالصِّدْق والتسْلِيم "
وكما كانت الإجازةُ مُزْدوجةً في مَضْمُونِها، كانتْ مُزْدَوجةً أيْضا في أسْلوبها، حيث شفَعَ الشيخُ سيديَّ نثْرَه، بشِعْرِه، مُخاطبا تِلْميذَه عبد القادر "آدبَّ":
لكَ الخيرُ يُرْجَى.. والمُنَى.. والأمَانُ***وفيكَ -لمَكنُونِ الخُصُوصِ- بَيَانُ
براهينُ من ناسُــــــوتِ ذاتِكَ أنْبَأَتْ*** بمَا -يَنْطَوِي فِي سَرِّها- ويُصَـانُ
بأنَّك مَيْمُــــونٌ.. وسَعْدُكَ طــــــالِعٌ***وربْحُكَ -في الدَّاريْن- فيهِ ضَمَانُ
ولعلّ اخْتيارَ الشيخ سيديَّ للشعْر وسيلةً إضافيةً لتوْديعِ "آدبَّ"، كانَ فيه إجَازَةٌ لشاعِريَّتهِ، التي لا نجِدُ دليلا على أنَّه أبَانَ عنْها خِلال َفتْرةِ تلْمَذَتِه عليْه، لكنَّها ربما كانت من "بَراهينِ نَاسُوتِه" التِي قرَأَ الشيْخ -ببصيرتِه الوقَّادَة- " ما يْنْطَوِي في غيْبِها ويُصَانُ".. حيث كان "آدبَّ" سليلَ الشاعِريَّةِ الكنْتيةِ عُموما، وخُلاصةَ شاعريَّةِ "أوْلاد بوسيف الخضْر" خصوصا، ومُلتَقى روافِدِ شاعِريةِ بَيْتَيْ أهل أمحمد بن الطالب أعمر بن خيري، أعمامه، وأهل سيدي الأمين بن أمحمد بن الطالب أعمر، أبيه وأخوته، وحتى شاعرية أخْواله أهل "أحمد أشَنَان" البُوسيفييْن أيْضا.
فبَعْد هذا كلِّه لا غرَابَة أنْ يكونَ "آدبَّ" عَمُودَ بيْتِ الشِّعْرِ" الأعْرَق في هذه السُّلَالَة الكنتية، دون مُنازِع، وأنْ يُورثَ أبناءَه وأحْفادَه -حتى الآن- سِرَّ القوافي، لدرجةِ أنَّه كان "يُحَنِّكُ" أبناءَه بالشعْر، بدَلَ التمْر واللبَنِ المَألوفيْن عند الآخرين، حيث كان كُلَّما وُلِدَ له ابْنٌ يصْدَعُ في أُذْنِه اليُمْنَى، بتكبيراتِ الأذَانِ، وتَعاويذِ القْرْآنِ، ويُدَنْدِنُ في أُذْنِه اليُسْرَى أبياتا شِعْريَّةً يرْتجِلُها في حقِّ ذلك الوَلِيد، لتنْدَسَّ نفحاتُ الإيمان، وإيقاعات الأوْزان، مع أوَّلِ قَطرات لِبَانِ الأمِّ، التِي كانَ أخَوَاها شاعريْن، فعِنْدَما رُزِقَ ابْنَه البِكْرَ(سيدي محمد) لقَّبَه "سِيدِيَّ" تَيَمُّنًا باسْم الشيخ سِيدِيَّ، ورغم أننا لمْ نعْثرْ على الشعْر الذي اسْتقبله به، فقد كان شاعرَ كنْتة الغرْبيين بإجْمَاع، وكان فارسًا، وقاضيا، وكانَ قلَمَ "البَيان والتبْيين" لدَى جَماعتِه، ولِسَانها الناطِقَ باسْمها.
ثم رُزِقَ بابْنه" الشيخ أحمد" فتنبَّأَ لهُ شعْريا، بما سَيَكونُ له من زَعَامَةٍ سَيَاسِيَّةٍ، ومشْيَخة روحية، ومَكانة علْمِية وشعْرية، وكأن "آدَبَّ" يُقَلِّدُ شيْخَه الشيْخ سيدِيَّ، فِي قِرَاءَتِه لِمَا ينْطوِي ويُصَانُ في غيْبِ النَّاسُوتِ؛ فيقول:
إليكَ تُضْرَبُ أكْبَادُ العَطامِــــيسِ*** يَا شيْخُ أحْمَد نِبْرَاسُ النَّبَاريسِ
تَسْعَى إليْكَ رُوَّادُ الحَاجِ مِنْ بُعُدٍ*** فَيُفْلِحُــونَ.. بتخْويلٍ.. وتقْدِيسِ
ثم وُلِدَ له "محمد" الذي لقبه بـ"الحِوَار" استلهاما لما يُسَمَّى في الثقافة الشعبية بـ "حِوار الجنة"، فخاطبه أيضا:
إن الحوارَ محمَّدًا سيَسُودُ*** ولقوْمِه وعشيرِه سيَقُودُ
وقد صدقتْ -فعْلا- فِرَاسَةُ والدِه، الذي كان- بإيمانه- "ينظر إلى الغيْب من سِتْرٍ رقيق"، حيث كان محمد الحوار هذا عالِما وشاعرًا وفارسا وسيِّدا، وهو الوحيد من أبناء آدبَّ، الذي رحَل في طلب العلْم، وتخرَّجَ -مُتَبَحِّرًا فِيه- من مَحْظَرَتَيْ: " الكحْلاء والصفْراء"، في أحْياء قبيلة "أجيجب"، بمنطقة البراكنة، دون أنْ يَعْتَمِدَ على "الوَهْبِ" (العِلْمِ الَّلدُنِّيِّ)، المزْعوم توارُثهم له، من أبِيهم، الذي نالَ ما نالَ من مَكانتِه الرُّوحِية والعِلْمِيةُ، دون كسْبٍ مَعْرِفِيٍّ مَشْهُود، هذا مع مُفارَقةٍ أخْرَى تُعَزِّزُ هذا المَنْحَى ، تتمثَّلُ في أنَّ "أدبَّ"، غطَّتْ شُهْرَتُه على صِيتِ إِخْوَتِه وَأبْنَاءُ عُمُومَتِه، رغْم أنَّه الوحيدُ- بيْنهم- الذي لمْ يرْتحِلْ فِي طلَبِ العِلْم، وكذلك ابْنَاهُ: سِيدِيَّ، والشيخ أحمد، الذيْن غطَّتْ شُهْرتُهما على شُهْرة أخيهما: مُحمد الحوار، رغْم أنَّه تفرَّدَ-دونهما- برحْلة عِلْمية مُظَفَّرَة، وقد حاولَ شَقِيقُهُ الأكْبَرُ: سِيدِيَّ إقناعَه، بالرضى بطريقة الأسْرة، ضاربا له المَثَلَ على جَدْواها، بما ناله والدُهما: "آدبَّ"، وبما نالَه "سِيدِيَّ" نفسه، من مَواهبَ " لَدُنِّيَّةٍ"، مُؤلِّفا في ذلك رسالة سمَّاها: "فتْح القهَّار في الرَّدِّ على محمد لحْوار".
المهمُّ أنَّ أبناء "آدبَّ" كلهم كانوا شعراء، مثل سَلَفِهم، وقد تركوا الشِّعْرَ كلِمَةً باقيةً في عَقِبِهم.. أبْناءً وأحْفادا...باسْتثناءِ رابِعهم سيْد امْحمد بن آدبَّ، الذي كان هو نفْسه شاعرًا، غيْر أنَّه لم يتركْ عقِبا.
وبعْد هذه الحفْريات الخاطفة في عمْق الترابُط بيْن "أهْل آدبَّ" و" الشعر" يبدو موقعهما في العنوان، مسوغا، لا إقحام فيه، فحتى اسم هذه الأسرة، مشتق من صميم مادة "الأدب"، بكل ما تعنيه من الأدب النفسي، والدرسي، ومن المآدب الروحية، والمادية، حتى لكأنهم المعنيون بقول الشاعر الجاهلي: طرفة بن العبد:
نحْن في المَشْتاةِ نَدْعُوا الجَفَلَى***لا ترَى الآدِبَ فِينا ينْتَقِرْ.
وذلك أيضا ما يرشِّحُ لترابط عضْوِيّ بيْن عجُزِ العنْوان وصدْره، فـ "المقاومة الأخلاقية" تليقُ بالفرْسان، الشعراء، العلماء، المُرَبِّين، وهذا ما سَنتلمس أصداءه وتجلياته عبر مدونة القوم، لاختبار صلابة أطروحة العنوان.


تجليات المقاومة الأخلاقية:
بعْد تأسيس أطروحة الموْضوع، وتحْليل بنْيةِ العنْوان، تفْكيكا وترْكيبا، حانَ لنا اسْتجلاءُ تجلياتِ شواهدِه، الدالة على مَقاصدِه، من نُصوص "شعْر أهْل آدبَّ، وفُصُوص أدَبِيَاتهم العامّة، عبْر النقاط التالية:
مقاومة الذات:
لقد أدركَ القوْمُ -بترْبيتهم الروحية العريقة – أنَّ معركة بناءِ الشخصية السَّوِيَّةِ، وتعْزيز السلوك المستقيم، تبدأ من داخل كيْنونَة الإنْسان، قبْل أنْ تشرعَ أسْلحَتها إلى الخارج/ الآخر، لا سيما لمَنْ تتركَّبُ نفْسِيتهم من نَوَازِع الشاعر العاشق- بفِطْرَتِه- للجَمَال، بكلّ تجلياته، ورَوَادِع العالم الصُّوفيّ الناسِكِ، وعلى ضوْء هذا التحْليل كانتْ نُصوصُ عِتَابَ النفْس، وتأنِيب الضَّمير "تيمة" حاضرَة بقوَّة في مُدَوَّنَةِ القوْم.
فهذا "آدبَّ" ربُّ "البيْتِ الشِّعْريّ" العِلْمِيّ، يقرَع أجْرَاسَ الإنْذار لنفْسه، قبْل أنْ يقْرَعها لغيْره، قائلا:
ألا أيُّها العبْدُ.. الكَسِيرُ.. المَهِيضُ*** ألمْ يَـانِ- بعْد الشيْبِ- منْكَ.. نُهُوضُ؟!
ألمْ يَانِ أنْ تسْلُو.. ولِلنَّفْسِ- بعْدَما*** طغتْ، جَهْدَها، واستخْدَمَتْكَ- تَرُوضُ؟!
وتأخُذَ-منك-الجَهْدَ.. دَأبًا.. مُشَمِّرًا*** ومَالكَ- في ليْلِ التَّمَــــــامِ- غُمُــوضُ!
رَأيْتُكَ لمَ تَسْتَحْيي بِيضًا، تلامَعَتْ*** برَأْسِكَ.. أنْ يَقْـــــتَـــــادَ قَلْبَكَ بِـــيضُ!
فَهَيِّئْ.. دَواءً.. حمْيَةً.. وعَقـــائدًا*** تَنَـــــالُ -بِها- بُرْءً.. فأنْتَ مَرِيــــــضُ!
فبَادِرْ ولا تشْغَلْكَ"سوْفَ"و"عَلَّمَا"***ولا يُلْهِكَ الطَّرْفُ..الكَحِيلُ.. الغَضِيضُ!
هكذا نرى مَراصِدَ الوالد، تتوجَّهُ مَراياها العاكسة إلى ذاتِه،- قبْل غيْره، وتشخِّصُ مأزَقها الصعْبَ، في مَقام "النفْس اللوَّامة"، مُنْصَرِفَة عن "النفْس الأمَّارَة" المرْهوبة، إلى " "النفْس المُطمئِنَّة"، المرْغوبة، وعلى هذا المَنْهج تبِعَ البَنُون أبَاهم، و "من شابهَ أباهُ فما ظلم"، حيث وجدنا هناك نصا- في هذا السياق نفسه- عانق فيه صوتُ "سِيدِيّ"، صوْتَ "آدبَّ"، حين قام الابنُ بتخْميس أبْياتِ الوَالد، وعنْدما أصبح "سِيدِيّ عميدَ الأسْرة، كانَ أخُوهُ الشيخ أحمد في ريعان فُتُوَّتِه، فبَدأ حِوارُهما – شِعْرًا- بيْن "الشيخ والمُريد"، حوْل " المُقاومة الأخلاقية" ذاتها، إذ كان الفتَى يسْتشعِرُ بعْضَ جُنُوح نفْسه، إلى شهَواتِها، شاكِيا ذلكَ إلى أخِيه الأكبْر شيخه:
يَعُودُ السلامُ، الحافِلُ، الأوْفَرُ، الأسْنى*** إلَى سَــيِّـــدِي "سِيدِيَّ" وَالِــدِي الأحْنى
ثِمَالَ اليَتَــامَى.. فهْوَ بَهْجَةُ عصْـــــرِه***وطــــــلَّاعُ تلِّ المَجْدِ.. وهْوَ له مَغْـــنَى
وشَافِي مُرُيـدٍ.. مِنْ مَــرِيـــدِ.. بنظْرة***ومَرْمَى عِصِيِّ السيْر الأقْصَى أوِالأدْنَى
بَأنِّي لمْ أرْدُدْ.. لِنَفْسِيَ.. عنْ هــــوًى*** ولمْ- سَيِّـــــدِي- يَرْدُدْ لهَــا رَبُّها الأعْنَى
وأنتمْ.. إذا تاقَـتْ تَرُومُونَ ردَّهَــــــا*** وقوْلُكُمُ هَذَا.. كــ "الأعْــوَرِ قدْ جُـــــــنَّا"!
وقد كانت الوصفة الشافية قصيدة "سيدي"، التي فعلتْ فعْلَها الخَارِق، فِي نفْسِيةِ الشيخ أحمد، وفِي سُلوكِه، حيث سُمِّيَتْ هذهِ القصيدةُ فِي أوْسَاطِ تَدَاوُلِهَا: بـ "الترْبية":
عَتَبْتُكَ.. فاهْنأ.. لا عِتَـابَ.. ألا فاهْـــنا*** ومأْتاكَ -أيًّا كانَ- عنْــدي هو الأهْـنَا
أُحِبُّ الــــــــــذِي أحْبَبْتَ.. غَيْرَ مُحَرَّمٍ***وأبغضُ ما أبْغضتَ بالحِسِّ، والمَعْنَى
وأبذلُ.. مَــــالِي.. في رضاكَ.. وكلَّما***حَمَيْتكَ.. لمْ أمْنَعْهُ حِرْصًا.. ولا ضَـنَّا
ولكن.. لأمْرٍ.. لمْ أُكَلَّفْ.. بنـــــشْــرِه*** مَغَبَّــــــــــــتُه محْمُـــودَةٌ.. لمَنْ اسْتَأْنَا
وما خِلْتُ تصْرِيـــــفي لأمْرٍ.. مُخَالِفًا***هوَاكَ.. كمَا عنْدِي هَوَاكَ مُنًى حُسْـنَى
وحَاشَى.. ويَأْبَى اللهُ.. تقليدَكَ الهَوَى***وطَوْعَكَ قِتْلا.. مُفْسِدًا.. غيْر أنْ يُثْنــَى
فلَلنَّفْسُ أعْـــدَى كُلَّ قِتْلٍ.. كمَا أتَــى*** وأخْبَثُ منْ عيْنِ الشياطينِ.. بلْ أجْـنَى
فــــلا خيْرَ إلا فِي الذِي هيَ لمْ تُـرِدْ***ومَا زَيَّنَتْ.. لا خيْــرَ فِيهِ.. ولو أغْــنَى
تَزَخْرِفُ شِبْهَ الخيْر.. وهْيَ وَسِيلـةٌ *** إلى الشرِّ، لا تَألو خَبَالًا.. لها.. خِــدْنَا
لهَا اللؤمُ وصْفٌ لازمٌ.. إِنْ منًعْــتَها***علَى رَغْمِها- أعْطتْكَ سُؤْلَكَ.. أو أسْنَى
فرُضْها، وذُدْها عنْ هواها.. وزَكِّها***ولا تُعْطِها نَيْلًا.. تَنَلْ مَــــــــا به تُعْنَى!
لأنَّ بظَلْفِ النفْسِ.. عن شهواتِــــها***يَنالُ الفَتى.. المَأمُولَ -فِي اللهِ- والأَمْـنا
ولا عِـزَّ.. إلا بَعْـــدَ إِذْلَالَ مُهْجَــــةٍ*** ولا رَاحَةٌ- دُونَ العَنَا- ثَمْرُها.. يُجْـنَى
فتلْكَ سَبـــــيلُ الحق.. قامتْ بقوْمِها*** ومَنْ لمْ يُقِــــمْها.. لا يُقِـــــيمُ لَهُ وزْنـا
وما حــــازَ قَصْبَ السَّبْقِ إلا مُشَمِّرٌ*** قد آثرَ.. ما يبْـــقَى.. على كل ما يَفْنَى
وأَلْقَى حُظوظَ النَّفسِ، ظِهْرِيةً.. ولمْ*** يعرِّجْ على كــأسٍ.. سقتْه.. له.. وهْنا
وضمَّرَ طِرْفَ العزْم، لمْ يثْنِ طَرْفَه*** إلَى غيْرِ مَطْلُوبٍ.. أمَامَ.. لهَا اسْتدْنى
وجَدّ سَبيلَ القَوْمِ.. لمْ يــأْلُ.. قاطِعا***صَحَاصِحَها، والمَهْمَهَ القَفْرَ.. والدَّهْــنا
تلاشَـى.. لدَيْهِ الكوْنُ.. ينْحُو مكوِّنا***فقدْ هَجَر َالأفْراحَ، واسْتَصْحَبَ الحُـزْنا
ولمْ يتَّخِذْ -غيْرَ المُهَيْمِنِ- صـــاحِبًا***ولا دُونَ ما يخْشَى-سِوَى ذِكْرِهِ- حِصْنا
هنالكَ.. يَحْـظَى.. بالذي هُوَ آمِــــلٌ***ويَصْحَبُه التَّيْسِــــــيرُ.. فِــــيمَا له عنَّا
وتصْحَبُه -منْهُ- العِنَـــــــايَةُ.. كائِنا***له- في المَرَامِ- العيْن.. واليَدَ.. والأُذْنا
وتُطْوَى له قُصْوَى المَفَاوِزِ.. مُلْقِيًا***عَصَا سَيْـرِهِ.. قد بُوِّئَ المَقْعَدَ الأَسْـنَى
على نحْوِ هذا،فانْحُ،إنْ كنْتَ ناحِيًا***ولا تَرَ شأْنًا.. غيْرَ مَـــا شَأْنُــــــهُ شأْنا
لتبلغَ أقْصَى مـــا تُريــدُ.. وتقْتَفي***ورَاثَةَ مَنْ أغْــــنَى مُحِبَّيهِ.. مَنْ أقْـــنى
عليْه صَلَاتِي.. مَحْوَ ذنْبٍ.. بتوْبَةٍ***ومَــا زهْزَهَتْ أرْوَاحُ شَامِيةٍ غُصْــــنَا
وهكذا أستتب الشيخ أحمد- بعْدَ هذه القَصِيدة- على طريق " القوم"، مرتقيا "في مَدَارج السالكين"، حتى أصبح وريث أخيه "سيديّ"، في المشيخة، وتصدير المريدين، جاعلا من عتاب النفس، موضوعا لجملة من نصوصه:
عبْدٌ.. عَلَا الشيْبُ فــوْدَيْهِ.. ومَـــا كتَمَهْ*** لوْ كَـــانَ يُمْكِنُه كِتْمَـانُـــهُ كَتَمَهْ
بلْ لَا بَقَاءَ لليْلٍ.. كـــــــــــانَ حَـــــادِيَهُ***صبْحٌ.. مُنيرٌ.. عليْه ناشرٌ علَمَهْ
لمَّا رأى البِيضُ بِيضًا.. فِي مَفَـــــارِقِهِ*** أبَيْنَ تكْلِــيمَــهُ.. والسُّقْمُ قدْ كَلَمَهْ
وكُنَّ.. إنْ زَارَ.. أوْ إنْ رِيء.. مِنْ بُعُد***يُعْوِلْنَ مِنْ شَغَفٍ.. يُعْلِنَّ: وَاسَقَمَهْ!
البِيضُ يُنْكِرْنَ مَا قدْ كانَ مِنْكَ فخُضْ*** بَحْرَ السُّلُوِّ.. وذرْ ما كنْتَ مُغْتَنِمَهْ
والحقيقة أنَّ هذا هو الموضوع الأثيرُ عند جميع أفراد " بيْت الشعر" هذا، فمُحمد لحوار بن آدبَّ، شقيقُ سابقيْه، يرفعُ أنَينَ روحه- في مَقام العُبودية ذاتِه- شاكيا إلى الله كثافة رَيْنِ الذنُوب، على مِرْآةِ نفْسِه، مُشْفِقا من هاجسِ القطيعةِ معَ لذيذِ صِلَتِه بربِّه:
عبْدٌ.. شَجَاهُ.. لمَا رَأَى.. من حالِهِ *** حذَرُ القطيعةِ من لذيذِ وِصـالِهِ
عبْدٌ.. تَرَاكـمَ.. مِنْ كَـثَافَةِ ريْــــــنِه*** بحِجاهُ.. جَالِبُ حتْـفِه.. ووَبَـالِهِ
وإذَا تَرَاكَمَـتِ الهُمُــــــومُ.. فحَسْبُه*** ربٌّ يَرَى مَا قد يرَى منْ حَالِه
يَرْجُـو.. ويَدْعُو أنْ يُقابَلَ.. بالَّـذِي*** يَعْـتَــادُ من إفْضــــالِه.. ونَوَالِهِ
وهكذا يبدو أن شبابَ هذه الأسْرة ينْزَعُ إلى الفُتُوَّةِ، بكلِّ تجلِّياتِها، ولكنَّه سرْعانَ ما يُدْرِكُ "أنَّ منْ َتَّقِي اللهَ البَطَلْ".

البطولة الداخلية والخارجية:
إنَّ مَرْكزية "المُقاومة الأخلاقية" في ذهْنيةِ القوم، وشِعْرِيَّتهم، مثْلما تفاعلتْ بيْن أبَّهةِ "الفُتُوَّة"، ورهْبَنَةِ التصوُّف، تفاعلتْ كذلك بيْن البُطولَة الداخلية، في مُواجَهة نوَازع الذات، ورُعُونة أهْواء النفْس، وبيْن تهْديدات الأعْداءِ الخارجيين، في " البلاد السائبة"؛ حيث كلُّ كِيانٍ اجتماعي فيها مُطالَبٌ بالدفاع عن نفْسه، ضدَّ الكِياناتِ الأخْرى، المُتصَارِعَة- في غياب السُّلْطة المَرْكَزِية- على مُقوِّمَات الحياةِ الشحِيحة، إذ "الحياة للأقْوى، والضعيفُ لا يعيش"، إلَّا إذا رَضِيَ بهَوَانِ حياةِ التَّابَعِيَّةِ، التي هي – حقيقة- أشدُّ من الموت:
ليس مَنْ مَاتَ؛ فاسْتراحَ بميْتٍ*** إنما الميْتُ مَيِّتُ الأحْياءِ!
ومِن هُنا كانت النزْعةُ الأخْلاقية، في مُقاوَمَة الذات لا تَصِلُ -عنْد القوْم- إلى حَدِّ" الدَّرْوَشَة" المهِينة... فيكْفِي- في مثْل هذه البيئةِ " السائبة"- أنْ لا تكونَ لِصًّا، ولا قاطعَ طريق، ولا مُعْتَدِيا "صَائلا" على غيْرِك.. لكنَّك -في الوقْت نفْسه- لا تتخلَّى عن حَقِّ "الدِّفاع الشرْعِيِّ" عن النفْس... وهكذا كان يتعايشُ تحْت جِلْدِ كلِّ واحدٍ من هؤلاء.. عالمٌ، وناسكٌ، وشاعرٌ، وفارسٌ، وعاشقٌ.. ولعلَّ خيْرَ مِثلٍ على ترْكِيبَةٍ "كِيميا الشخْصيةِ الكنْتية العجيبة" هذه، هو "سِيدِيَّ بن آدبَّ"، وخصوصا في رائيته المشْهُورَة، التي قالها سنة 1882، وكانَ بعْضُ رُمُوزِ كنْتَة يَعْتَبرُونها نشيدَ الجَماعة، الذي يُمَثِّلُ صميمَ هُوِيتها المُرَكَّبة، ويَلْزِمُونَ المُتألِّقينَ من شبابهم بحِفْظِها وتَمَثُّلِها لاكْتمالِ فُتُوَّتِهم، فرغم سَطْوَةِ الجَمَالِ والحُبِّ، في نفْسية الشاعِرِ العاشقِ، تبْقي لرُوحِ الفَارِسِ، خُطوطٌ حمْراء...تبْدأ عنْد حُدود قَدَاسَة الشرَف، والكرامة، وعلى ضوْء هذه الفلْسفة والرُّؤْية كانت المُقدّمَة الغزَلية مَدْخَلا مُوَفَّقا إلى الفخْر، والانتقالِ من الحُبِّ إلى الحرْب:
ألا طرقتْ -كاليُسْر- من بعْدِمَا عسْـرٍ*** بمَسْرَى يُسَرِّي الهمَّ إمَّا لنَا تسْــــــــري
أمَامَةُ.. عنْ وصْلٍ.. لنا.. بعْد هجْرِنا*** فأهْلًا.. بهَا.. منْ واصِلٍ.. بعْدمَا هَـجْـرِ
مُخَبَّأةٌ.. تسْــبِي الحلِـــــــيمَ.. بِمَنْطِقٍ***هُوَ السِّحْرُ، لا السِّحْرُ المُؤدِّي، إلى الكُفْر
مُعَطَّرَة.. يُزْرِي-علَى المِسْكِ- طِيــبُها***وبالبَدْرِ.. تُزْرِي.. نصْف رابِعَةِ العَـشْرِ
بَعِـيدةُ مَهْـوَى القُرْطِ.. عجْـزَاءُ.. خدْلَةٌ***مُهَفْـفَةٌ.. بيْــضَــاءُ.. بـــــــــرَّاقةُ الثَّغْرِ

وكنتُ على الآزَامِ.. مِنْ قبْلِ هجْرِهــا***صبُورا؛ فَأفْنَى هجْرُها ساحتيْ صبري
فلمَّا.. رَأَيْتُ الهجْرَ-لا شَــكَّ- قَــــاتِلي***علَى أنَّه -لِــي دائمًا- بالهَـوَى يُغْـــرِي
تَمَنَّيتُ.. لوْ-في الهَجْر- تَذْكُرُنِي.. ولوْ*** بِهُجْرٍ.. وَمَنْ لِي -مِنْ أُمَامَةَ- بالهُجْـرِ
أرَاهَــا.. تُــــــــــرِينِي المَوْتَ.. عَمْدا***وإِنَّها لَتَقْصُدُنِي-بالقتْل- تِيهًا،وما تدرِي
أ قَـاتِـلَتِــي.. عمْدًا.. أُمَامَةُ.. بَـــــاطِلا***جِهَــارًا.. كأنِّي لسْتُ.. بالصَّاحِبِ البرِ؟
فقلْتُ لها: مهْلًا.. أُمَامَةُ.. قَصِّـــــرِي***عنِ الفَتْكِ بي.. فِعْلَ السَّفاهَةِ.. وَالخُسْرِ
وإلَّا فَـــإنِّي مِنْ مَعَـــــــــاشِرَ.. دأْبُهمْ***-إذَا وُتِـرُوا- التَّشْمِــيرُ.. والأخْذُ بالثَّأْرِ
نَرَى الظفْرَ.. بالأعْدَاءِ.. نذْرًا.. وإنَّنَا***-إذَا مَـا نذَرْنا الأمْرَ- مُوفُــــونَ بالنذْرِ
مقاومة الجهل والجبن: جدل الكتاب والركاب
لقد كانتْ نظْرَةُ مُجْتمَع "البلاد السائبة" إلى طرفيْ جَدَلِية السيْف والقلَم نظْرةً حَدِّيَّةُ ("إمَّا.. و.. وإمَّا)؛ بحيْث إنَّ منْ أخَذَ "الكِتاب بقوَّةٍ"، لا "يَتَأبَّطُ شَرًّا"، أيْ سيْفًا، ومن تَنَكَّبَ "المدْفعَ"، تَنَكَّبَ عن "اللوْح"، هذه هي القاعدة العامة، التي اقتضاها تَوَازُنُ الرُّعْب بيْن السُّلْطَتَيْن: "الدِّينِية"، و "العَسْكَرِية"، حتى لا تُهَيْمِنُ إحْداهما على الأخْرى، في مُجْتَمَعٍ "سائبٍ"، تُرَوِّجُ فيه طبَقَتَا " الزوايا" و "العرب" معا: أنَّ الحياةَ لا تسْتقيمُ إلا تحْت "كِتَابٍ" أو "رِكَابٍ"، غيْر أنَّ القاعدةَ دائما لا تسْتَغْنِي عن اسْتثناءاتٍ تُصَحِّحُها، وقدْ كانَ المُجْتَمَع الكنْتي، من بيْن منْ كسَرُوا صَرَامَة حَدِّية هذه الرُّؤْية؛ فغلبَ عليْهم "الجَمْعُ بيْن الأخْتَيْنِ": قوَّتَيْ" "السَّيف" و "القلَم"، وليست أسْرة "أهل آدبَّ" بِدْعًا في ذلك، فسيدي الأمين بن أمحمد بن طالب أعمر بن خيري البوسيفي، كانَ قاضي أولاد بوسيف "الخضْر"، المُعْلِنُ بشِعْرِيَّتِه شَرْعِيةَ الحرْبِ الدفاعِية عن حُرُمَاتِ الأهْل، والمُتَمَوْقِعُ في طلِيعة فُرْسَانِ القوَّةِ الضارِبَةِ، والمُسْتَشْهِدُ فِي الخُطُوطِ الأمَامِيَّةِ، في الهُجوم/ الدفاعي، وقد ترَكَ ابْنَه الأصْغَر عبْد القادر "آدبَّ"، في هذه البيئة الحرْبية، ذاتِ الظروف الحياتية الصعْبة، غيْر المُوَاتِية لطلَبِ العِلْم، وهذا ما يَسْتَحْضِرُهُ ابْنُه سيدي محمد "سِيدِيَّ" رِوَايَةً عنْ والِدِه، حينَ يَرُدُّ علَى أخِيهِ": محمد لحْوار"، عنْدما اسْتَأذَنَه في الرحْلة لطلَبِ العِلْمِ، فيقول له، في تَضاعيفِ رِسالتِه الجَوابِية: "فتْح القهَّار في الرَّدِّ على محمد لحْوار":
(إذْ قد أدْركْتُ والدَنا رضي الله عنه، فقد حدَّثَنِي ـ رضْوانُ الله عليْه ـ غَيْرَ ما مرَّة ـ وأنتَ شاهدٌ ـ أنَّه نَشأ فيما ينْشأ فيه مِثْلُه من أطفال أهْل الحرْب، من مُعاناةِ المَعِيشةِ وكدِّ العِيالِ، في شظَفِ العيْش، وشُغْلِ البَال، مُوَافَقَةَ مَسِيرِ إخْوَتِه طَلَبَةً، فمَا زالَ كذلك حتى بَلَغَ، وهو على تلك الحالة، لم يكتسبْ عِلْمًا، ولمْ يُطالعْ...)
ولعلَّ إجَازَةَ الشيخ سيدي بن المختار الهيبة الأبييري، لعبد القادر "أدبَّ" المُشَار إليْها سابقا، في كلِّ الأوْرَادِ القادريةِ، والعُلومِ الشرْعيةِ، بأصُولِها، وفُرُوعِها، ومَقاصِدَها، بعْدَ سِتَّةِ أشْهُر، من مَقامِه مَعَه، خيْرُ دليلٍ على ما بَلَغَه هذا الرَّجُلُ، من مَعارِفَ لَدُنِّيَّةٍ، لمْ يُوجِفْ- عَلى طَلَبِها- منْ خيْلٍ، ولا رِكَابٍ..
وابْنُه "سيدِيَّ" هنا يَسُوقُ هذه اللفْتة الدالَّةَ، ليُبَرْهِنَ لأخيه، أنَّ العِلْمَ السائدَ يوْمَها علْمٌ دِنْيَوِيٌّ، لا يُرادُ به وجْه الله، ولذلك فهو من "العلْم غيْر النَّافِع"، ولا يَسْتحِقُّ عناءَ طلَبِه، وأنَّ "آدبَّ" رَغْمَ الظروفِ السيِّئة المُشار إليها آنفا، قد تضلَّعَ بـ "العِلْمِ اللدُنِّيّ"- وهو لم يبرحْ خِدْمَةِ والِدَتِه والبرِّ بأهْلِه، مُعْتَمِدًا على قاعدةٍ ذهبيةٍ، آمنَ بها، وهي: " التقْوى" فأعطتْه أُكْلَها ضِعْفيْن بأمْرِ ربِّها، حيث عَمِلَ بما عَلِمَ فأوْرَثَه اللهُ عِلْمَ ما لمْ يَعْلَمْ، واتَّقى اللهَ فعَلَّمَه اللهُ، و"جَعَلهَا كلِمَةً باقيةً في عَقِبِه"، فمِنْ حضْن ذات القاعدة/ المَدْرَسَةِ تخرَّجَ "سيدِيَّ"، وبقيةُ إخْوَتِه، وللبَرْهَنَةِ علَى صِحَّتَها يقتَبِسُ منْ أقْوالِ العُلماءِ في هذا السياق: (ليس العالِمُ منْ يَحْفِظُ، وإلا لَصَارَ جاهلا، وإنَّما العالِمُ الذى يأخذُ علْمَه من ربِّه، أيّ وقْتٍ شاءَ، بلا تحْفيظٍ، ولا درْسٍ، وهذا هو العالِم الرَّبَاني، وإلى مِثْلِه الإشارةُ بقوْله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}، مَعَ أنَّ كلَّ عِلْمٍ من لَدُنْهُ، ولكنَّ بعْضه بوسائطِ تعْليم الخَلْق، ولا يُسمَّى ذلك عِلْمًا لدُنِّيًا، بل العلْمُ الَّلدُنِيُّ الذى ينفتحُ من سِرِّ القلْب، من غيْر سببٍ مَألوفٍ من خارج. وبالجُمْلَةِ، فالتَّقْوَى رَأْسًا، والعِلْمُ الناشِئُ عنْها، إنَّما يُنالانِ بظلْف النفْس عن شَهَواتِها ومَألُوفاتِها، مع الحَكَمَة عليْها، واتِّهامِها في مَنْهيَاتها ومَأمُوراتِها، إذْ هي كما قيل: كالدابة التي تُرَاضُ، أمَا ترَى أنَّك إنْ ضيَّقتَ عليها بالحَكَمَةِ والزمام والضرْب لانتْ؛ فانقادتْ إلى مُرادِك، ووجدتَ منْها السيْر الفسيحَ، وإذا تركتْها تتفسَّحُ في مَراتِعها، حتَّى سمَنتْ، ركضتْ بكَ، فألْقتكَ عن ظهْرها سالما، أوْ مَيتا، أوْ مَعْطوبًا....)
ولا شكَّ أنَّ القارئَ سوْف يتذكَّرُ أنَّ هذا المُعْجَمَ ذاتَه، هو مَا طغَى على قصيدة "سيدِيَّ" الآنفة، التي سَاقها في توْجيه وترْبِيةِ أخيه الآخر: الشيخ أحمد، الذي انْصاعَ لمنْهج "المَدرَسة الآدبِّيَّةِ" تلك، فنالَ نصِيبَه من مِيرَاثِها" الَّلدُنِيّ"، عِلْمًا، وعِرْفانا، وسُلوكا، وأدَبًا، وإبْداعا، وفُرُوسية، وتمْكينًا، فسرْعانَ ما أصبحَ -بعْدَ خِلافَتِه لأخِيه "سيديَّ- شخصيةً مرْكزيةً في فضائه الواسِع، ما بيْن البَراكنة، وتكانتْ، والحوْضيْن، وغيْرها، فكان شيْخًا "رُوحِيا"، له مُريدُوه، وشيخا "زمَنِيا" له سِجِلُّه "كنَّاشُه" الخاص، دون فخِذه ، أحْرى قبيلته الكبيرة، لأَّن أغْلَبَ شيوخ وُزعَماء قبيلته -في فضائه- كانوا من مُرِيدِيه؛ فاسْتحالَ أنْ ينْضَوِي تحْتَ ظِلِّ زَعَامَاتِهم، كما أنَّه كانَ صاحبَ مَكانَةٍ عِلْمِيَّةٍ، وشِعْرِيَّةٍ بارزة، وهنا نَجِدُ الشاعرَ القدير: مُحمد عبد الله بن عبيد الرحمن العلوي، في مرثيته الرائعة للشيخ أحمد هذا، مُرَكِّزًا -في هذا المَقْطَع- على موسوعية مَعارفه:
قد أغْمَدَ منْهُ الموْتُ سيْفَ هِدَايَةٍ *** وَلوْ شاوَرَ الموْتُ الهُدَى ليْسَ يُغَمَدُ
قد أنْصَفَتِ العلْيَاءُ إذْ بَعْدَهُ غَدَتْ*** قَريحَةَ جَفْنٍ.. لَيْلُـهَـــــــا ليْس يرْقـدُ
وَمَا زَالَتِ التَّقْوَى ادِّكَارًا لِدَهْرِهِ*** مُفَجَّعَةً.. ثَكْـــلَى.. تَـقُـــومُ.. وَتَـــقْعُدُ
بَكَتْهُ المَعَالِي.. والمَعَانِي وبَعْدَهُ*** سَيَمْكُثُ عِـلْـمُ الشَّـــرْعِ، وهْوَ مُسَهَّـدُ
تَـزَوَّدَ خَيْرَ الزَّادِ.. طُولَ حَيَاتِهِ***وَإِنَّ التُّـقَــــى خَيْرُ الَّــــــــــذِي يُتَزَوَّدُ
وتَـشْهَدُ أرْبَابُ المَقَامَــــاتِ أنَّه*** -عَلَيْهُمْ- لهُ التَّقْدِيـــمُ.. والحَالُ يَشْهَـدُ
لقد أفَلَتْ شَمْسُ العُلُومِ بِفَــــقْدِهِ***وفُلَّ حُسَــامُ المَكْـــــرُمَـــاتُ.. المُهَنَّدُ
وحُلَّ لِــوَاءُ الدِّيـــنِ يوْمَ وَفَـاتِه*** وَإنِّــي لأَحْجُــــــــــو أنَّهُ ليْسَ يُعْـقَدُ
فَيَا وَيْحَ مَا سَنَّ الجُنَيْدُ لِحِزْبِــهِ***وَمَا قدْ رَوَى أهْلُ الحَدِيـثِ.. وَأسْنَدَوا
أجل، فكلُّ المَكاسِبِ، والمَواهِبِ، هي "لَدُنِّيَّة" عند هؤلاء القوم، فـ "سيديَّ بن آدبَّ"- مثلا- يُعْنْوِنُ أحدَ مؤلفاتهِ: "فتْح القهَّار، في الرَّدِ علَى محمد الحوار"، و الآخر: "فتْح الجليل في الردِّ على الدجاجيل"، حين ينتقدُ في الأول من يُسَمِّيهمْ مُتَفَقِّهَة العصْر، لسيْطَرَة المَقْصَدِيَّةِ الدنْيَوِيّة، عليْهم تَعَلُّما، وتعْلِيما، ويَنْتَقِدُ في الثاني دَجَاجِلَةَ المُتَصَوِّفَة، وغيرهم، كما أنه يعتبر كل فَخْرٍ وتمْكِينٍ لجَمَاعَتِه هو أيضا مُعْطًى لدُنِّيا من الله، حيث يقول في مَقطع من رائيته الآنفة المُقدِّمَة، والتَّخَلُّصِ، متحدِّثا بضمير الجمْع الكنتي:
ونحْنُ بنُو الكنْتيّ-لا فخْرَ- خيْرُ مَنْ***-وَحَقِّ إلهِ العرْش- يمْشِي عَلَى العَفْرِ
كَــرَامٌ.. نَمَتْـــنَا -من مَعَدٍّ- سُـرَاتُهمْ***إلى أنْ توَسَّـــطْـــنا الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ
عَزُيزُونَ.. أحْسَابًا.. ودِيـنًا.. لِعِزِّنَا*** تَذِلُّ نُخَــــــــــا أهْلِ التَّخَمُّطِ، والكِبْرِ
لنا الناسُّ.. مُلِّكْنَــــــاهُمُ منْ مَلِيكِهِمْ***ونَحْنُ لــهُ طوْع الأوَامِــــرِ، والزَّجْرِ
إذا مَا أرَدْنَـــا سَيِّدًا.. سَــــادَ سِرْبَه***ولوْ لمْ يَكُنْ مِنْ قَـبْـلِهَا ذِكْرُه يجْــرِي

ثم يُعَرِّجُ على الفخْر بازْدِوَاجِيتِهم، في امْتِلاكِ قُوَّتَيْ: " الكِتَابِ والرِّكَابِ":

ونحْنُ بُحُــورُ العِلْمِ.. قدْما.. وكلُّنا***لدَى الحرْبِ كالليْثِ الهزَبْر أبِي الأجْرِ
لنا شَــاهِدٌ -فِيمَا ادَّعَيْـــنا- مُصَدّقٌ***غَدَاةَ الْتَـقَـــيْنَا-وَالأَعَــــادِيّ- بالغــــمْرِ
غَدَاةَ زحَفْنا، في خَميسٍ، عَرَمْرَمٍ*** إليْهمْ.. جِـــــرَاءً.. عنْد مُنْصَدعِ الفجْرِ
بجُرْدٍ، عَنَاجِــيجٍ، يَعَابِيبَ، شُـزَّبِ*** عَلَى زُمَرِ الأعْـدَاءِ.. مُعْتَادَةِ الظَّــفْــرِ
عليْهَا كُمَاةٌ، من بَنِي سَامَ، عَـوَّدُوا*** جَــــــــوَامِحَـها الكَرَّ، المُؤَذِّنَ بالظفْرِ
جَحَاجِحُ بُسْلٌ كالأُسُودِ لدَى الوَغَى*** وُجُوهُهُمُ-في الأزْلِ- كالأنْجُمِ الزُّهْرِ
بأيْديهمُ.. أُولَى المَـدَافِعِ.. مُخْرِجًا***بِمَا قدْ حَوَتْ أسْخَى من البحْر والقَطْرِ
إذا سَدَّدُوها.. فِي نُحُــورِ عدَوِّهمْ***أصابَتْ، فَلَمْ تُخْطِئْ -لهمْ- ثُغْرَةَ النحْرِ
وإذا كان "سيدِيَّ بن آدبَّ" يتكلَّمُ هنا باسْم الضمير الجمْعي لقوْمه، فالحقيقة أنَّه لم يكنْ ذلك الشاعر الذي يصفُ المَعاركَ منْ خارجِها، أوْ يَتَمَثَّلُها، وهو عنْها غائبٌ، بلْ كانَ هو وإخْوتُه فرْسان الميْدان، المُسْتَبْسِلِينَ في الدفاع الشرعي عن حُرُمَاتِ جمَاعتهم، حسبَ المَرْجَعِيةِ الأخْلاقيةِ لمُقاوَمَتِهم العسْكرية، التي كان قوْمُهم يحرصون- في زعْمِهم- على أنْ لا يَتَخَنْدَقُوا خارِجَها، ظُلْما، وعُدْوانا، وحِرَابَة، ولُصُوصِية.. حسَبَ ما تفْرضُه -أحْيانا- طبيعةُ "البلاد السائبة"
وتدليلا على جمْع هذا الرَّجُل- في حدِّ ذاتِه- بيْن فُرُوسِيتَيْ: "القلَم" و "المدْفع"، نجِدُه يُحَدِّثُ أخاه الشيخ أحمد عن شخْص ما، ناقَضَهُ في حُكْمٍ شرْعِيٍّ، فاسْتطالَ عليْه بلِسانِه، فقال بنبْرةِ تهْديدٍ واضحة:
فأفْحَمْتُه.. في الحُكْم.. عنْدَ اجْتِهَادِه*** وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى أخَذْنا المَدافِعا!
والشيخ أحمد يَرْثِي شقيقَهما محمد لحْوار بن آدبَّ، مُؤبِّنًا فيه كلَّ القِيم الفاضلةِ، ناصًّا على ثنائية "السيْف والقلم" خصوصا:
العِلْمُ، والحِلْمُ، حَنَّا.. حنَّتْ الحِكَمُ*** والحُكْمُ.. أنَّ.. وأنَّ الجُودُ.. والكَرَمُ
وكلُّ مُعْضِلَة.. طَمَّتْ.. بِـــدَاهِيةٍ***حَنَّتْ.. كذا السيْفُ- يا لَلنَّاسِ- والقَلَمُ!
مقاومة البخل:
إنَّ وصْفَ" التكَنْتِي"، الذي وُسِمَ به هؤلاءِ القوْم، عبْر التاريخ، كان- في أصْل إطْلاقِه- يَخْتَزِلُ مَنْظُومَةً من القِيم الفضيلة النبيلة.. تُرَادِفُ" اسْتَفْتِي" باللهْجَة الحسَّانية، أو "الفُتُوَّة" بالفُصْحَى، لكنَّ "الكرَمَ/السخاءَ" كانَ أبْرزَ تلك المَنْظُومَةِ الأخلاقية، وألْصَقَها برُوح "التكَنْتِي" مَفْهومًا، ومُصْطَلَحًا، وهُوُيةً، وذِهْنِيةً.. وقد كانَ لأهْل "آدبَّ".. دوْرٌ بارزٌ في ترْسيخِ وإشاعَةِ تلك المُثُلِ عُموما، كما رأيْنا، وهذه خُصوصا، كما سنرَى، فـ "سِيدِيَّ ولد آدبَّ" مثَلا، يقول فِي قصيدتِه السابقة، باسْمِ قوْمه جميعا:
لنا العِزُّ.. لا بالمَالِ.. والفخْرُ.. لا بِه***إذا صـانَه الأرْذالُ للعِزِّ والفخْرِ
مَكـــــاسِبُنا الجَاهُ.. الوَجيهُ.. ومالُــنَا*** مُعَدٌّ.. لديْنا.. للمَحامِدِ.. والشُّكْرِ
ولعلَّنا لا زَال يتردَّدُ في أذانِنا حِوَارَه الشعْريَّ الترْبَوِيّ مَعَ أخِيه الشيخ أحمد:

أُحِبُّ الــــــــــذى احْبَبْتَ غيْر مُحَرَّمٍ***وأبْغَضُ ما أبْغَضْتَ بالحِسِّ والمَعْنَى
وأبْذُلُ مَالِي.. فِي رِضَاكَ.. وكلُّ مَا***حَمَيْتُكَ.. لمْ أمْنَعْهُ حِرْصًا.. وَلا ضَنَّا
ويبْدُو أنَّ الشيخ أحمد المُخاطَبَ، ليْس أقلَّ مُقاوَمة لشُحِّ النَّفْسِ، وبُخْلِها من أخِيه، فهو نفْسُه يُراسِلُ أحَدَ مُرِيدِيه، مُوصِيا إيَّاه، بالتَّحَرُّرِ منْ حَبائل الدُّنْيا، بقوْلِه:
(وما وَجَدْتَ مِنْهَا فاجْعَلْهُ بيدِكَ، وأخْرجْه من قلْبِكَ، إذْ بُعْدَ مَا بيْن الدنْيا والآخِرة، بُعْدُ ما بيْن المَشْرق والمَغْرب، ولا يَصِحُّ إمْساكُها لسَالكِ طريقِ الآخِرَة، إلا بعْد القدْرة على إمْسَاكها فِي يَدِه، وإخْرَاجِها منْ قلْبِه، فإذا بَلَغَ ذلك، فلَهُ أنْ يُمْسِكَها، وَيفْعَلَ فيها ما يشاءُ، ويتصرَّفَ فيها كيْف شاءَ؛ لكوْنها صارتْ لا لِمُباهاةٍ، ولا تكاثُرٍ، ولا تفاخُرٍ، بل لعِفَّةِ النَّفْسِ عنِ السُّؤالِ، والنفقَةِ علَى العِيال، وتأديةِ ما فرَضَ اللهُ فيها من الحُقوق)
وإذا كان الشيخ أحمد لم يتحدَّثْ عنْ كرَمِه الشخْصِي، فإنَّ والدَه "آدبَّ"، قد نابَ عنْه، في هذا السياق، مَتَنَبِّئًا له- منْذ طُفُولَتِه المُبَكِّرَة- بسَخائِه المَادِّيّ والرُّوحِيّ، "تخْويلا"، و"تقْديسا" لكلِّ منْ سيَحُجُّ حضْرَتَه، منْ رُوَّادٍ، ومُرِيدِينَ، قائلا:
إليْه يَسْعَى رُوَّادُ الحَاجِ منْ بُعُدٍ*** فيُفْلِحُونَ بتخْويلٍ، وتقْديسٍ
كما أنَّ الوالدَ، أكَّدَ أيْضا مَا سَيَؤولُ إليْه ابْنُه هذا منَ الكرَم، وكلِّ الفَضائِلِ الأخْرَى:
الشيخ أحمدُ.. فخْرٌ.. حين يُفْتَخَرُ *** ما إنْ يُشابِهُه بحْرٌ.. ولا مَطرُ
بجُودِ يُمْنَاهُ.. جادَ الباخِلُونَ.. كما***-مِنْ راحتَيْهِ-بُحُورُ العِلْمِ تَنْفَجِرُ
معلِّمٌ.. عــــــــالمٌ.. علَّامَةٌ.. عَلَمٌ***قد فـاقَنا.. وكذا مَنْ قبْلَنا غَبَرُوا.
ولكيْ نتأكَّدَ- نَصِيًّا- منْ أنَّ فِرَاسَة "آدبَّ" لمْ تَخِبْ في ابْنِه، سنسْتحْضِرُ شاهِدا من غيْر أهْلِه، هو الشاعرُ محمد عبد الله بن عبيد الرحمن العلوي، صديقَه الذي رَثَى فيهِ كلَّ مَكْرُمَةٍ وفَضِيلةٍ:
فشُلَّتْ يَدُ الموْت.. التِي مَـدَّهَــا.. إلى*** تَقِـيٍّ.. نَـقِيٍّ.. لا تُضَــــــــــمُّ لَــــهُ يَدُ
مَضَى منْه مِتْـلافٌ.. فَـرَائِصُ مَـــالِه***-مَدَى الدَّهْرِ- مِنْ خوْفِ التفَرُّقِ تَرْعُدُ
وغَيْثٌ عَلَى أهْلِ الحَـوَائِج.. قدْ همَى*** ولكنَّه يهْـــــــــمِي.. ولمْ يَــكُ يُــرْعِدُ
فَتًى.. قدْ بَكَـتْه المَكْرُماتُ.. ولمْ يَكُنْ*** بَكَـــاهُ طَريــفٌ.. يَوْمَ بَــــانَ.. ومُتْلَدُ
هُمَـــامٌ.. إذا مَا قَــالَ وَاصِفُ فَضْلِـه:***مُضَاهِـيهِ.. لا يُلْـــــــــقى.. فليْسَ يُفَنَّدُ
هُمَـــامٌ.. بِهِ شَمْلُ الفَخَــــارِ.. مُجَمَّعٌ*** ولكنْ.. بِــهِ شمْلُ الثَّــــــــرَاءِ.. مُبَدَّدُ

فيَـــا لهْفَ أضْيَافِ الشِّتَاءِ.. لقدْ علا*** -عَلَى مُكْرِمِ الأضْيَافِ- تُرْبٌ.. مُلَبَّدُ!
ومَنْ لِليتامَـى.. والأيَامَى.. يُنِــــيلُهمْ***-إذَا اسْترْفَدُوا مِنْ رِفْـدِهِ- مَا تَعَـــوَّدوا
مقاومة زهرة الدنيا
رغْم عشْق الجَمَال ، و طابع الأرْيَحِية، والتبَسُّطِ، الذي يغلبُ على مِزَاجِ هذه الأسْرة، فإنَّ كوَابِحَ "التَّصَّوُّفِ"، كانت حاضرةً بِقُوَّةٍ، تمارسُ رِقابَتَها الداخلية والخارجية، على أرْوَاِح القوْم، ومنْ ثَمَّ على أقْلامِهم، وألْسِنَتِهم؛ فقد مرَّتْ بنا نُصوصٌ و فُصُوصٌ من أدَبِيَّاتِ أهْل "أدَبَّ" تُؤكِّدُ أصَالَةَ هذا المَنْزَعِ في كيْنُونَتِهم، بدْءً من قصيدةِ "كبيرهم الذي علَّمَهُم" كيْف تُؤَدَّبُ الأرْواحُ الجامِحةُ، وتُرَوَّضُ المَشاعِر الطافحة...حين خاطبَ ذاته:
ألمْ يَـــــانِ أنْ تَسْلُــو.. ولِلنَّفْسِ- بَعْدَما***طَغَتْ جَهْدَهــــا، واسْتَخْدَمَتْكَ- تَــرُوضُ؟!
فَبَـادِرْ.. وَلا تَشْغَلْكَ "سَوْفَ" و "عَلَّمَا"***وَلا يُلْهِكَ الطَّرْفُ.. الكَحِيلُ.. الغَضِيضُ!
وعلى هذا الوترِ الحسَّاسِ ذاتِه، عزَفَ وَرِيثُه "سِيدَيَّ"، مُدَنْدِنًا علَى إيقاعِه لنفْسِه، ولأخِيه الشيخ أحمد:
فرُضْهَا، وذُدْها-عنْ هَوَاها- وزَكِّها***ولا تُعْطِها نَيْلًا.. تَنَلْ مَا بِه تُعْنَى
ومَا حَــــازَ قَصْبَ السَّبْقِ الَّا مُشَمِّرٌ***قد آثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى كُلِّ مَا يَفْنَى
وهناك عِدَّةُ فُصُوصٍ منْ نَثْرِيَاتِه، تَدْرجُ علَى المَسَارِ ذاتِه.
أمَّا الشيخ أحمد، فيكتبُ إلَى مُرِيدِه السابق:
(وإنَّه، بحمْدِ الله إليْكَ، الذى لا إله إلا هو، والوَصِية لنفْسي ولكَ بتقْوَى اللهِ العظيم، وعدَمِ الرُّكُونِ إلى الدنْيا والميْلِ إليْها، وتَوَقِّي حَبَائِلها التي تصْطادُ بها مَنْ مَرَّ عليْها، إذ هِي أسْحَرُ منْ "هَارُوت" و "ماروت"، وليس لصاحِبها المُقْبِلِ عليْها إلا أنْ يَكونَ لا يَمُوتُ، واسْتعِذْ منْ شرِّها بالله ربِّكَ، ومَا وَجَدْتَ منْها فاجْعَلْهُ بِيَدَكَ، وأخْرِجْهُ مِنْ قلْبِكَ...)
والحقيقة أنَّ الشيخ أحمد- بحِسِّ الشاعرِ العاشق للجَمَال- هَلَّلَ لِبَنَاءِ "قصْر البركة" إحْدَى عاصِمَتَيْ قبيلتِهِ في تكانتْ، مأْخوذا بسحْر روْعَتِه، مُعْلِنا بشعْرِيتِه شرْعِيةَ إعَادَةِ تأسِيسِهِ، بقوْله:
أ بَانِيَ "قَصْرِ البَرْكَة".. شَيِّدْه.. وابْنِهِ*** وَأقْرِأْ تَحَايَانَا.. علَى القصْرِ.. وابْنِهِ
فَذَا العَــالَــمُ العُلْوِيُّ.. رَاضٍ بِنَــــاءَهُ*** وذَا العَــــالَمُ.. السُّفْلِيُّ.. جَنَّةُ عَــدْنِهِ
وكما اسْتَبْسَلَ هو -معَ أخَوَيْهِ: سِيدِيَّ، ومحمد لحْوار، وخِيرَةِ فرْسانِ "أوْلاد بوسيف الخضْر" (فَصِيلَتِه التِي تُؤْوِيهِ)- دفاعا عن هذا الوادي المُبارَك- فقدْ رَأى الشيخ أحمد أنَّ منْ واجِبِه المُسَاهَمَةَ فِي تعْمِير "قصْر البَركة"، فبَنَى هناك دارًا كبيرةً، مَدْخَلُها قوْس، تستطيعُ الجِمَالُ المُحَمَّلَةُ بالمِيرَةِ، وهَوَادِج الظعائن، أنْ تدْخلَ منه، ربما يكون هو القوْس الموْجودة صورةٌ منه ضمْنَ صور أطلال المدينة/القصر.
لكنّه سرْعانَ ما كتبَ – فِي مَقام "النفْس الّلوَّامَة"، التي قلَّما تطلِقُ العِنَانَ لأفْراد هذه الأسْرة، مُقاوِمًا زَخارِفَ زهْرةِ الدُّنيا:
قُلْ للَّذِي قدْ بَـنَى مَـــا ليْسَ يَعْمُرُهُ***وَفَضْلُ خَــــالِقِهِ -فِي الدَّهْرِ- يَغْمُرُهُ
والمَاءُ جَارٍ-حَوَالَيْهِ- يَهِفُّ.. وما*** فِي الأرْضِ مِنْ ثَمَرٍ هَا هِيَ تُثْمِـرُهُ
وصَارَ فِي فرَحٍ مِنْهُ، وفِي تَرَحٍ***وعُمْقُ بَحْرِ المَنَـــــــايَا سَوْفَ يَعْبُرُهُ
لا تَغْتَرِرْ.. بَمَنَامَـاتٍ.. مُزَخْرَفَـةٍ*** كَانَ المَنَـــــامُ.. بِمَنْ فِيهِ يُـزَوِّرُهُ
إنِّي رَأيْتُ قُرًى كَـــانَتْ مُحَصَّنَةً***دَهْـرًا.. مُنَعَّمَةً.. والخُلْدَ تُضْمِــرُهُ
هَذِي مَعَاهِدُهَا، صَرْعَى أمَاجِدُها***أمْسَتْ مُكَسَّـرَةً.. لا كَسْرَ تَجْبُــرُهُ
مِنْ بعْدِما قدْ بَنَوْا.. بُنْيَانَهُمْ وحَوَوْا***مُلْكًا عَظِيمًا فَنَوْا، والوَعْظُ أكْبَرُهُ
مَا قدْ ذَكَرْتُ لكُمْ-قَوْمِيَّ- فاعْتَبِرُوا***وَلْيَعْتَبِرْ مَنْ بَنَى مَا رَاقَ مَنْظَـرُهُ.
مُقاوَمَة الدَّجَل:
لقد كان موْقفُ "سيدِيَّ ولد آدبَّ" صارمًا، تُجَاهَ دَجَاجِلَةِ عصْرِه، سواء ممن تسلَّلُوا إلى هذا المَجَال، من الفُقَهَاءِ والصُّوفِيّنَ معًا، حيث نحَتَ لهُمَا اسمين من اختصاصهما، يوحيان في بنيتهما الصرفية بالتكلف والدعوى، فهؤلاء "متفقهة"، وهؤلاء "متصوفة"، فكلاهما -في نظره- "مُتَفَعِّلٌ"، وليس منفعلا، بمجال معارفه، وضمن ذلك يكمن الفرق، بين الحق، والباطل ، هنا، وهناك، وهو لا ينخدع بأي من الصنفين، ولا يوقِّرُ أيا منهما، ولا يريد لشقيقه: محمد لحْوار- ولا لغيره- أن ينخدع، بثياب الضأن، فوق قلوب الذئاب، حين يقتبس لهم هذا الوصف القديم، قائلا:
(وإنما جلبت لك ما جلبت فى متفقهة الزمن، دون متصوفته، حرصا على مطابقة مكتوبك وموافقته، مع أنّى أفردتُ فيهمْ تأليفا دعوته: "فتح الجليل فى الرد على الدجاجيل"؛ فليطالعه من أراد الفرْق بين أرْباب الدعوى، ومشائخ الحق أهل التقوى
وقد جمح بنا جواد الفكر في هذا الميدان، حرصا على بيان شبه أهل الزمان؛ لئلا يغتر بشعوذتهم الجاهل، ويتيه في غرور بهرجتهم الغافل، إذ لا ينال التابع إلا حظ المتبوع، ولا يتصور من هؤلاء منتفع ولا منفوع، كيف وهم المنعوتون هم وأتباعهم بقوله صلى الله عليه وسلم:" يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل")
وتأسيسا على هذا تَصَدَّى لكل "أرْبابِ الدَّعْوَى"، في زمنه، فكتب قصيدة في أحد منتحلي اسم "المهدي" وصفته؛ فقال:
لقد أكْحَلَ الأجْفـانَ.. منِّي.. بالسُّهْدِ*** وَهَيَّجَ أحْـــــــزانِي.. وأعْدَمَنِي برْدِي
وتيَّمَ قــلْبي.. عِنْدمَا شــــــاعَ هوْلُه*** ضَــلَالُ مُضِلٍّ.. يَدَّعِـــي أنَّهُ المَهْدِي
يُزَخْرِفُ.. زُورًا.. منْ أبَاطيلِ قَوْلِه*** يَغُرُّ بِه سُفْلَ الحَمَــاقَى.. ذَوِي الجَحْدِ
ويُظْهِرُ خيْرًا للوَرَى، وهْوَ مُضْمِرٌ*** شُرُورًا.. عِظَامًا.. والإلهُ.. لهَا مُبْدِي

فيا أيُّها النَّاسُ.. انْظُرُوا.. قدْ دُهِيتُمُ*** بِداهِيةٍ.. عُظْمَى.. بَوَائِقُــــها.. تُبْـدِي
أتَاكمْ.. مُضِلٌّ.. بالغِــــوَايَةِ.. غَالَكمْ*** إذَا لمْ تَـــــــرُدُّوا بَغْيَه.. أشْــنَعَ الـرَّدِّ
ذلِــيلٌ.. قلِــيلٌ.. أشْعَلَ النَّـارَ.. فِتْنَةً*** فيَالَكِ.. مِنْ نَـــارٍ.. وُقِدْتِ.. بِـلا زَنْدِ
يقولُ: أنَا المَهْدِيُّ.. جَهْلًا.. بوصْفِه*** فهَلَّا نظَرَتْمْ فِي "صَــوَارِمَةِ المَهْدِي"
لغوْثِ الوَرَى مُبْدِي الحَقائِقِ سَيِّدِي*** مُحَمَّدٍ المُعْـــــلِي سَنَـــامَ ذُرَى المَجْدِ
الخاتمة:
أخيرا وجدتُ نفْسي دارسا، وموضوعا، في الوقت نفسه، عالقا في قبضة حَرَجٍ مُزْدَوج، حَرَج اجتماعي؛ لأني أكتبُ عن أسْرتي، وحَرَج فنِّيٍّ؛ حيث أكْرَهَني مفهوم "المقاومة"، الذي هو الإطار العام للندْوَة هذه السنة، على اخْتيار المَنْزَع "الأخلاقي" زاويةً لمُقارَبَةِ شِعْرِيةِ هذه المُدَوَّنَةِ البِكْر، علْمًا بأنَّ "الشِّعْرَ- في تصوُّر الأصمعي- نَكدٌ بابُه الشرُّ، فإذَا دَخَلَ فِي الخيْر ضَعُف"؛ إذْ حُمُولة المَضْمُون التوْجيهي، تُثْقِلُ جناحَ الشاعرية، عن التحْليقِ بعيدا، وهذا يعْني أنَّ هذا القيْدَ الخُلُقِيّ في العنْوان، سَيَحُدُّ من تلمُّسِ الجَمالياتِ الشِّعْرية الفنية الأكثر توهُّجا، داخلَ مُدَوَّنَة القوم، باعْتبار موْضوعاتِها خارجةً عن منْطوق العنوان.
كما أنَّ هناكَ حرَجًا منْهجِيا، أجْبَرَنِي عَلَى الحَديثِ عن الموْضوعِ بلُغَةِ أهْله، وعصْره، وسياقه التاريخي، خلال تناول البُعْدِ المَنَاقِبِي، وَالكرَامَاتِي، والحُروبِ القبَليةِ، في ظلِّ "السيْبة"؛ حيث المَقامُ مقامَ تقديم وتعْريف، أكثر مما هو مَقام نقْد وتفْنيد.
ثم هناك حَرَجٌ أكاديمي؛ لأني أكتبُ عن موضوع لا تُوجَدُ له مَراجِعُ ومَصادِرُ، غير ما بِـأيدِينا من بقايا مخطوطات ووثائق عائلية خاصة، اسْتَنْقَذْنَاها من يَدِ الضياع، بَعْدما زاحَمْنا عليْها الأرضَةَ، والفئْرانَ، وغيْرَهما من القوَارِض، ونَقَّبْنا عنْها تحْت رُكامِ الغُبار، وأنْسِجَةِ العَناكِب، وداخِلَ مُحْتوياتِ أشْباه المَكْتبات الخصوصية البَدَوِية المُتنقلة المُتهالِكَة، وفي تلافيفِ أدْمغةِ وذاكِرةِ رجال ونساء الجِيل السابق، عبْر جلساتٍ أشْبَهَ ما تكونُ بجَلساتِ التنْويم المغْناطيسيّ، أو اسْتحضار الأرْواح، أو العصْف الذهْنيّ، وتقْنيات التداعِي الحُر...
فهذه مُجَرَّدُ خواطرَ، وملاحظاتٍ، لا تنبثقُ من أيِّ دراساتٍ سابقة علْمية تحيل عليْها، حيث أتحرَّكُ الآنَ في منْطِقة مجْهولة، انْحسرَ دونها مَدُّ الدراساتِ الوطنية، وبقيتْ جزيرةً معرفيةُ بِكْرا، بمَنأى عن أقلام الباحثين، المُولَعَةِ بالخوْض في المَواضيع المَطْرُوقة، وتكْرار المُتداول، وتحْصيل الحاصل، لأنَّ أغْلبَ الدراساتِ المُنْجزَة، تتمحْوَرُ حوْل منْطقة "القِبْلة"/ الغرْب الموريتاني، ورغْم أنَّ مُهِمَّةَ الباحث الحقيقي هي الكشْفُ عن المَجْهُولِ، وتقْديمه، فقد ظَّل الدارسون للأدب الموريتاني يُدْمِنون الدوَرَانَ في الحَلقة المُفْرَغَةِ ذاتِها، حتى ترسَّخَ لديهم أنْ "ليْس في الإمْكان أبْدَع ممَّا كان"، وأنْ لا وُجُودِ لمُدَوَّناتِ شِعْرِيَّةٍ خارجَ مَدَارِ رُؤْيَتِهم المَحْدُودة، بل ندَّتْ عن بعْضهم أحْكامٌ بسلْبِ الشاعرية عنْ بعْض مَناطقِ الوطَنِ الأخْرَى، وتقْزيم مُنْتَجِ بعْضِها في الشِّعْر الدّينيّ، والوَصايا فقط، وبَنَى جُلُّهمْ دِراساتِه على مُصادَرَةٍ، تتمثَّلُ في إطْلاق اسْم "شنقيط"، و "موريتانيا" -فِي شُمُوليتهما- على ثقافةِ وأدَبِ منْطقة غَنَية معْرفيا، ومتميزَّة عِلْما، وأدَبًا، ولكنَّها ليست هي "شنقيط"، أوموريتانيا" كلها.
ومن هنا قررتُ أنْ أحوِّلَ القرَابَةَ من عائقٍ عن البحْث العلميّ، إلى حافزٍ عليْه، وجسْر إليْه، اسْتِشْعارًا لمَسؤوليةٍ أخْلاقية، وعلْمية، ووطنية ، تدْعو لتَجَشُّمِ عنَاءِ القِيامِ بهذا الدوْر، في سَبيلِ تَلافِي جُزْء مجْهولٍ من تُراث ذلك البلد، وتلك الأُمَّة، ولعَلَّ هذا ما يجْعلُ التصْريحَ بالاقتصار على تَناوُلِ أدَبياتِ منْطقة مُحدَّدَةٍ، أو قبيلةِ مُفْرَدة، أو أسْرَةٍ مُعَينةِ-على عِلَّاتِه- أكْثر مِصْداقيةً، من هاتيكَ الدراسات القائمة على تلك المُصادرات.. لا سِيما إذا وضعْنا في الاعْتبار مُشْكلَ اخْتلافِ البِيئات، وتمايُز كلٍّ منْها عن الأخْرَى، في أخْلاقياتِه، وعاداتِه، وثقافاتِه، بدرجةٍ لا يُمْكنُ معَها لأيِّ بَاحثٍ أنْ يَقْرَأ منْطقةً مُعينة، بعيون وخلفيات منْطقة أْخرى، لمَا سيترَتًّبُ على ذلك من مُصادَرة، وقياسٍ مع وُجودِ الفارق.
وهكذا يكونُ مُجَرَّدُ اقْتراحي لعنوان عن "شِعْر أهْل آدبَّ" أطروحةً في حَدِّ ذاتِه، فهذا الاسْم العائليُّ معْروفٌ لدَى الكثيرين، وعلاقتُه بالشِّعْر حميمةٌ في الذهْنية الجَماعية لدى "البيضان"، لكنْ مَنْ ذا يعرفُ شيْئا ذا بالٍ عن "الشعر والشعراء"، في هذه الأسْرةِ، باستثاء المُبْدِع/ الظاهرةِ: محمد بن آدبَّ، الذي ليس -حَقيقة- إلا "الشجَرَة التي حجبت الغابَة؟
حسْبي أنِّي برهنْتُ على أطْرُوحَتِي بتقدْيم أسْماء ونُصوصٍ مَجْهولةٍ خارجَ دائرتي الضيقة.. في انتظار المزيد.
أدي ولد آدب
وصلى الله على الهادى الأمين