بحث هذه المدونة الإلكترونية
الثلاثاء، 10 فبراير 2015
كنتة .. و قصة " لفراد"
كنتة .. و قصة " لفراد :
لست هنا بصدد الكتابة عن تاريخ هؤلاء الأعلام ؛ بقدر ما أريد التموقع لالتقاط صورة ذاتية بصحبتهم . !.
إذا ذكرت بعض كراماتهم ؛ فما هي إلا نقرة عصفور من بحر مسجور .
و إذا وقفت على بعض أخبارهم ؛ فلأن أخبارهم لا تعدم كلمة تدل على هدى وأخرى تنهى عن ردى .
حقيقتهم هي كما قال الشيخ سيد محمد الخليفة عن كنتة في رسالة منه إلى أخيه باب احمد :
" إنما نحن ظل الله ، و ركنه الذي يأوي إليه كل مهتضم و مهين ، و يلجأ إليه كل خائف و شجين ، فالآوي إلينا آوٍ إلى ظل الله ، و المعتز بنا معتز بعزة الله ( و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين) .
تعالوا معي في رحلة طويلة من حيث الزمان و المكان ؛ رحلة يمتد مداها الزماني من قدوم عقبة إلى إفريقيا فاتحا ، حتى قدوم سيد احمد البكاي إلى ولاته مصلحا مُرَبِّيا .
و يمتد مداها المكاني من القيروان بتونس ، إلى اتوات بالجزائر ، فتيرس زمور و ولاته بموريتانيا
عمود النسب الكنتي :
في الحلقة الماضية تعرفنا على سلسلة عمود نسب كنتة على النحو التالي :
سيد احمد البكاي بن سيد امحمد الكنتي بن سيد اعلي بن سيد يحي بن سيد عثمان بن دومان(عمرو) بن يهس(عبد الله) بن شاكر(ورد) بن يعقوب بن العاقب بن عقبة المستجاب ( و لا ترفعوني فوق عقبة ) . و به سنبدأ :
1 ـ عقبة المستجاب بن نافع الفهري : قرشي من الظواهر(قسم من قريش) ، فاتح و قائد ، تنفست رئتاه نسائم النبوة ، غير أن لا صحبة له . شهد فتح مصر ، و وليَّ على إفريقية مرتين ، فبنى مدينة القيروان ، و توغل في تخوم السودان فاتحا ، و اكتسح كل بلاد المغرب حتى وصل إلى المحيط الأطلسي ، لكن يد الغدر أصابته و من معه من أجلاء الصحابة عند عودته بالقرب من تهودة (الجزائر) حيث دفنوا هناك .
له مواقف جليلة ، و كرامات عظيمة ، تزخر بها كتب التاريخ ، و يضيق المقام عن ذكرها .
2 ـ العاقب بن عقبة المستجاب : هو خامس أبناء عقبة ( عباس ، موسى ، عثمان أبو عبيدة ) . كان حاكما على ولاته الموريتانية أيام كانت تدعى بـ "بيرو" بنى أول مسجد قام في البلاد حيث تم دفنه فيه .
3 ـ يعقوب بن العاقب : أحد الحجاج الأربعة الذين هاجروا إلى الصحراء تحت ضغط الزحف الموحدي ضد المرابطين و شيعتهم . عاش في منطقة الزاب (الجزائر) ، و دفن فيها ، و قبره مشهور يتوافد إليه الزوار من كنتة و القبائل الأخرى التي تجتمع معها عنده ؛ كإيديعقوب "إيدياقب" من إيدولحاج و ازلامطه من تجكانت
4 ـ شاكر : لُقِّبَ بـورد ، و كان يدعى القطب الخليفة ، فقد خلف أباه يعقوب . يعرف عنه أنه هو مؤلف كتاب المدخل ، عاش في المغرب يعلم الناس شرائع الإسلام ؛ حتى سمي عليه رباط من أشهر رباطات المغرب [رباط شاكر] على الرغم من وجود من يعتبر حصول خلط في الاسم ،" إلا أن الراجح أنه بالفعل كان من مرتادي هذا الرباط و لكنه توفي بعد ذالك بالقيروان و دفن بها ، و إليه تجتمع كنتة و لمحاجيب .
5 ـ يهس (عبد الله) : عاش في منطقة الظهر (الجزائر) ، يعلم الناس و يربيهم ، حيث ذكر عنه أنه " مكث في اتوات 25 سنة يدرس و يربي إلى أن توفي بها و دفن في عزي ، و بإزائه الآن قبور إبنه سيدي يحي ، و ((حفيده سيدي يحي)) ، و سيد اعلي حفيد ابنه " .
6 ـ دومان ( عمرو ) : عاش في تلمسان ، ثم غادرها إلى اتوات ، و لكنه توفي في الطريق ، في وادي أمزاب ، و به دفن و قبره مشهور يزار .
7 ـ سيدي عثمان :وصل إلى اتوات خلال القرن الـ 13 م قادما إليها من القيروان ، و استقر بقرية عزي داعيا مربيا إلى أن توفي و دفن هناك
8 ـ سيدي يحي : كان علامة حافظا ورعا زاهدا مربيا ، ، عاش في اتوات ( الجزائر) بين أتباعه و مريديه ، و قد توفي هناك و دفن ، و قبره مشهور يزار .
9 ـ سيد اعلي : عاش في عهد السلطان أبي فارس الحفصي في تونس ، و كان ذا حظوة لديه لا يعصي له أمرا ، لكن ذالك لم يمنعه من العودة أكثر من مرة إلى زاويته بالصحراء ، حيث تزوج بنت زعيم ابدوكل ، و توفي هناك خلال إحدى أسفاره ، فدفن في عزي .
كانت له علاقات واسعة مع مشايخ صنهاجة و زعماء عرب بني حسان .
10 ـ سيد امحمد الكنتي : خاتمة السلف و عين أعيان الخلف ، كان عالما صالحا مجاب الدعوة ، له مكانة عظيمة بين الناس لدرجة أن كل من خاف على قطعان ماشيته يكفيه أن يَسِمها وَسْمَ سيد امحمد الكنتي : "لا" ؛ و هي اختصار لا إله إلا الله .
لقب بالكنتي نسبة إلى جده لأمه اللمتونية جريا على عادة أهل زمانه ، كان شخصية علمية ودينية ذات أثر كبير على تاريخ وحضارة هذه البلاد ، حيث يعتبره الدارسون " الأب المؤسس لتاريخ البيضان " ، فقد كان له الدور الفاعل في جميع أحداث عصره ، و أسس بذالك مكانة سامقة لأحفاده من بعده ، جعلتهم يتولون أدوارا كبيرة في أهم مفاصل تاريخ المنطقة .
عاش ما بين تيرس إلى الساقية الحمراء ، و قبره في تازيازت " فصك" مشهور يزار .
11 ـ سيد احمد البكاي : كان قطبا جليلا ، عالما ضليعا ، داعيا مجددا ، شديد الفطنة حكيما يُجيد قيادة الناس . تواتر عنه أنه لبث مائة عام لم ترقأ دمعته و ذالك من صلاة واحدة فاتته في الجماعة .
عاش ما بين الساقية الحمراء و زمور ، و سكن تينيكي ، إلى أن ارتحل حاجا إلى مكة مع بعض مريديه ، فمر في طريقه إليها بولاته ليستقر به المقام فيها بعد حادثة شهيرة طالبه أهل ولاته إثرها بالمقام معهم فاستجاب بشروط ، " و نصب خيمته على مقربة من ولاته ، و كرس وقته لتعليمهم و إصلاح أخلاقهم " .
و بقي هناك إلى أن توفي رحمه الله عن عمر فاق المائة عام ، و دفن في الوادي لينقل لاحقا إلى مرتفع مجاور لا زال عليه ضريحه إلى اليوم في حادثة أخرى شهيرة يحفظها الولاتيون جيدا .
" تزوج سيد احمد البكاي جكنية بنت يعقوب الرمظانية ، فولدت له ثلاثة أولاد عنهم تفرعت شجرة كنتة . و كانوا قبله أفرادا و أولياء أقطابا ، لا يبلغ الواحد منهم درجة أبيه في الفضل إلا كما تبلغ أنملة الخنصر من اليد ، و كان فيما يَـنْقُـل عنهم خلف من سلف ، أن الواحد منهم متى ولد له أولاد ، و شبوا و علمهم و دربهم ، و أحس من نفسه بقرب الأجل ، اختار منهم من توسم فيه وسم الصلاح و الصلاحية للإرث فعمّره ، و دعى الله في أخذ الباقين. .
لكن الرمظانية بتوجيه من والدها تتبعت خطوات زوجها في خلواته تترصد لحظة دعائه ، فأفلحت ذات هجيع و ناشدته الرحمة بأبنائها ، فـرَقَّ لها ، وقال :" لولاك بعد الله عشنا أفرادا لا يقع منا خلاف للشرع العزيز و لا خروج من السنة .
"لنتوقف هنا قليلا مع هذا النص لنلتقط كلمة " أَفْرَادا " التي وردت فيه مرتين :
مرة على لسان صاحب النص نفسه و هو الشيخ سيد محمد الخليفة .
و مرة على لسان سيد احمد البكاي في رده على زوجته و أم أولاده .
فمنهم الأفراد هؤلاء و كم عددهم ؟ و ما هي حقيقة هذا التفرد ؟ و ما طبيعة و شكل "الاصطفاء المتوارث " في النسب الكنتي ؟ .
هناك إشارة وردت في بعض المصادر تقول "إن هذه العادة ـ اصطفاء الابن الواحد ـ قد استمرت خلال أجيال ثلاثة حتى الشيخ سيد احمد البكاي " .
و النصوص الموجودة لدينا تذكر اجتماع نسب كنتة مع قبائل أخرى عند كل من شاكر(ورد) ، و يعقوب ، و العاقب ، و كذالك عقبة . و يعني ذالك أن هؤلاء قد خلفوا أكثر من واحد ، فلا يمكن أن نطلق علي أبنائهم صفة " الأفراد" بهذا المعنى.
أما ما بعد يهس بن شاكر فلم نجد أثرا لغير السلسلة الفردية (سيد احمد البكاي بن سيد امحمد الكنتي بن سيد اعلي بن سيد يحي بن سيد عثمان بن دومان ) ، و بالتالي يكون " لفراده" ستة فقط إلا إذا اعتبرنا بالقول القائل بوجود "يحي الابن" الذي توفي عنه أبوه و هو في بطن أمه ، فسمي عليه فيصبحون به سبعة .
و لكن الشائع المتداول أن هؤلاء " لفراده" عددهم عشرة .
و من ذالك ما جاء في قصيدة منسوبة إلي الشيخ سيد المختار يتوسل فيها بـ " العشرة الأفراد"، و يعدهم واحدا واحدا ، من لندن سيد احمد البكاي إلى عقبة ، يقول في نهايتها :
(يا رب بهذه "العشرة الأفراد" ... أهل التقى و العلم و الرشاد
أجب دعاءنا و طيب كسبنا......إلخ ) اهـ
إذاما أخذنا بالقول الأخير و اعتبرنا عدد " لفراده"عشرة ؛ فسيكون لزاما علينا الجواب على جملة أسئلة : ما هي حقيقة هذا التفرد ؟ و ما طبيعة و شكل " الاصطفاء المتوارث " في النسب الكنتي ؟ و أي نوع من "القتل" هذا الذي توارثه خلف من سلف ؟ .
هناك عبارات في النص السابق يجب التوقف عندها لفهمها :
" أحس من نفسه بقرب الأجل "... "فعمّره "... " دعى الله في أخذ الباقين ".
هل باستطاعة أي شخص ـ و لو كان وليا مكاشفا ـ أن يحس قرب الأجل أو بُعده ؟
و ما هو التعمير المقصود هنا ؟
و ما معنى أخذ الباقين ؟ هل بالموت الطبيعيي أم بالموت المعنوي ؟
أما بالنسبة للسؤال الأول ؛ فقد جاء في كتاب الجرعة الصافية و النفحة الكافية للشيخ سيد المختار الكنتي ما يلي :
"و في [النفس]الأمارة نزل قوله تعالى :{ و ما تدري نفس بأي أرض تموت...} الآية . سئل الشيخ فتح العجمي عن هذه الآية مع اطلاع الأولياء على المغيبات ؛ فقال : النفس لا تدري ذالك ، إنما تعلمه الروح التي هي من أمر ربي ، فإذا تزوجت النفس ادركت بواسطة الروح و عودها ، و ما اكتسبته من أشعة نورها .
و في قوله تعالى:{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلكه من بين يده و من خلفه رصدا } و كذالك اتباع الرسول بواسطته ، كما يشهد له قوله تعالى: (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ) و عطف النسق يقتضي المشاركة كما هو معلوم بالمشاهدة.
و في قوله تعالى :{ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية و ادخلي في عبادي و ادخلي جنتي } ، فاشتراك الأولياء و الأنبياء في الإرتضاء و العبودية يقتضي اشتراكهما في المعجزات و الكرامات و الدعوة إلى الله ؛ فافهم ." اهـ
لن أخوض بعد هذا النص في حقيقة إحساس سلفنا بقرب آجالهم ، و لكن ؛ ماذا يعني تعميرهم لولد واحد ، و أي نوع من "الموت " ينتظر الآخرين ؟ .
لدينا الآن نصان ؛ أحدهما للشيخ سيد محمد الخليفة (ورد في منشور سابق) ، يذكر فيه اجتماع نسبنا العقبوي مع قبائل أخرى من لدن غقبة إلى شاكر . و الثاني منسوب للشيخ سيد المختار الكبير يحدد عددهم بالضبط .
"العشرة الأفراد" . و لن يكون بإمكاننا التسليم بهذا العدد إلا إذا اعتبرنا موت إخوتهم "موتا معنويا " ، و ذالك بحرمانهم من خلافة الأب المتوفى مع ما يقتضيه ذالك من التهميش و العزل ، و هذا ما لم يحصل لأبناء سيد احمد البكاي الثلاثة ، لما حالت أمهم دون الدعاء عليهم ، فقد كانوا ثلاثة أقمار مضيئة ،و تقاسموا الزعامة السياسية و الروحية بينهم.
فهل أصبح بإمكاننا الجزم أن عدد " لفراده " عشرة ؟ .
و هل أصبح بإمكاننا الجزم بانتماء كنتة إلى هذا المحتد ؟ .
دعوني أترك الجواب لكم إخوتي القراء .
عبد الله ولد عابدين .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
وصلى الله على الهادى الأمين
اظن ان ماقلته ليس على اطلاقه، وخاصة فيف نقطة يعقوب التي قلت انه من ضمن الحجاج الأربعة اللذين نزحوا إلى الصحراء إبان الضقط الموحدي، النقطة الثانية تتعلق ب سيدي على والد سيدي محمد الكنتي، حيث جعلته معاصرا لأبي فارس الحفصي التونسي، ورقم ان صاخب الغلاوية لم يوضح من هو ابو فارس التي عاصره سيدي على، إلا ان الراجح انه )ابو عنان فارس المريني، المتوفي 759 ه، حيث ان تلك الفترة هي المفروض انه عاش فيها سيدي على، مقارنة بالفترة التي قال بعض الباحثين ان سيدي محمد الكنتي ولد فيها، وهو العقد السابع من القرن الثامن الهجري، و ابو عنان فارس المريني حكم تلمسان عاصمة الزيانيين، والتي كانت منطقة اتوات تابعة لها، فبتالي قد يكون سيدي على التقى بي ابو عنان فارس المريني ، فتلمسان، وعمل معه ك مستشار، وبعد موت السلطان المريني سنة 759 للهجرة، فنتهى حكم المرينيين لتلمسان، فعادت اللزيانيين، فبتالي قد يكون بعد موت ابو عنان فارس المريني، سنة 759ه، غادر سيدعلي إلى اتوات ومنها، إلى الصحراء، حيث تزوج في ابدوكل، هذا والله اعلم
ردحذف