أخذت القبيلة اسمها ـ كُنت أو كِنتَ أو كنتة ـ منذُ النشأة من لقب جدها سيد امحمد الكُنتي نسبة لجده لأمه اللمتونية ، و هي عادة شائعة في المجتمعات البدوية ، فقد عاش في كنفهم ، و تربى في حضنهم حتى حفظ القرآن ، و مهر في سائر الفنون ، و قد كان من عادة سكان المنطقة ذكر النسب من جهة الأم ، حيث لم يكن تدوين الأنساب من جهة الأب معروفا لديهم إلا بعد أن تطورت علاقة مثقفيهم مع الأمصار العربية من خلال رحلات الحج المعروف .
و لما استكمل سيد امحمد الكنتي طلبه للعلم ، و بلغ مرتبة القطبية ؛ عاد فتزوج من قبيلة تجكانت ، حيث نشأت النواة الأولى لكنتة في حاضرة " تينيكي" ، ثم تفرقت بعد الحرب التي وقعت بين البطون الجكنية و كانت سببا في خراب " تينيكي " ، و سببا كذالك في تفرق كنتة طائفتين تبعا لفرقة أخوالهم يومئذ
و الحاصل الآن أن قبيلة كنته باتت تنتشر في منطقة الساحل و الصحراء ، و تفرقت بطونا و عائلات ما بين : موريتانيا ، المغرب ، مالي ، الجزائر ، النيجر ، نيجيريا ، بوركينفاسو ، و السينغال . و أصبح لها وجود في دول أخرى مثل ليبيا .
و لئن كان بعض من كتبوا عن تاريخ المنطقة يُعيد ظاهرة الشتات الكنتي هذه لأسباب اقتصادية ؛ كالتجارة التي مارسها أسلافهم ، و كذالك الرعي ، حيث إن " الأغلبية الساحقة من الكنتاويين يحلون و يرتحلون ، و يظعنون لمواشيهم " بحثا عن الكلأ و الماء ، و هو ما يفسر " انتقال قسم مُــهم من كنته نحو "أزواد" أيام المجاعة التي ضربت الأقاليم الشمالية للصحراء " ؛ أقول : لئن كان البعض إذن يعيد الظاهرة لأسباب اقتصادية بحتة ؛ فثمة من لا يريد إغفال الأسباب الدينية و الدعوية ، حيث من المعلوم أن أقطاب الطريقة القادرية الكنتية دأبوا على توجيه أبنائهم و مريديهم وجهات شتى ، لنشر الدين و تعاليم الطريقة في أصقاع المعمورة . و هذا ما يفسر اتساع خارطة الإشعاع الثقافي و العطاء المعرفي للمدرسة الكنتية ، فضلا عن قوة و عظمة النفوذ الديني و السياسي لأقطابها ، لدرجة جعلت بعض الرحالة الأجانب يسمون المنطقة في خرائطهم : " بلاد سيد محمد " ؛ نسبة إلى علم من أعلام كنتة و قطبا من أقطاب طريقتها القادرية .
و بالعودة إلى تاريخ القبيلة و نشأتها و أصلها و منبتها ؛ أقدم لكم ـ مما بسَط فيه الكلام الشيخ سيد محمد الخليفة رسالة الغلاوية ـ نصا مُختصَرا أجده كافيا لتوضيح ما نحن بصدده ، حيث يقول:
كنتة بإجماع أولي التاريخ نشأوا بالقيروان ، و به روضة جدهم الأعلى في الإسلام (عقبة المستجاب بن نافع).
و خلف إبنه العاقب بـــ بيرو المدعوة الآن بـــ ولاته ، و قبره بصحن مسجدها الذي هو بانيه
و خلف بعده ابن إبنه يعقوب بن العاقب بن عقبة المستجاب إلى أن توفي بــالزاب ، و قبره به مشهور يزار ( و إليه يجتمع كنتة و إيديعقوب من إدوالحاج و من تجكانت).
ثم خلفه إبنه شاكر مؤلف المدخل ، و قبره مشهور يزار بالقيروان ، و إليه تجتمع كنتة و المحاجي
ثم وقع العبيديون بإقليم إفريقية وقعة النباح ، فخرج إبنه يـهـس ـ و اسمه عبد الله ـ ببقية ولده إلى شرق الجريد ، فأقام بهم ببادية الظهر شيخا مربيا عالما ذا أتباع و شيع ، متجرهم و مدارهم تلمسان أيام ولاية أبي عنان ، فبقي هناك إلى أن توفي بمستغانم ، و قبره هنالك مشهور يزار.
ثم خلفه إبنه دومان و اسمه عمرو ، و كان عالما زاهدا ورعا مربيا ، انتقل أيام فتنة ابن الأحمر بحَشمته و غاشيته إلى توات ، فتوفي ببلاد أمزاب قبل الوصول إلى توات ، و قبره هناك معروف يزار
و خلفه إبنه سيد عثمان ، استوطن عزي فتوفى ببلاد أمزاب من قري توات ، فأقام بها مربيا مرشدا ، تؤخذ عنه فنون العلم ، حافظا محدثا ، إلى أن توفي بعزي ، و قبره بها مشهور ، و خبره مأثو. .
ثم خلفه إبنه سيد يحي ، و كان علامة حافظا ورعا زاهدا مربيا ، تخرج على يده جماعة فرقها في القرى و المدن للإرشاد و التربية ، و وعدهم بالموت عنده و الدفن بإزائه ، فربوا ما ربوا و أرشدوا ما أرشدوا ، ثم ماتوا عنده و دفنوا جنب روضته ، و قبورهم مشهورة إلى يومنا هذا تزار.
ثم خلفه إبنه سيد اعلي ، و كان قطبا علامة مربيا قدوة ، يهتدى بهديه و يرجع إلى إشارته و رأيه ، و كان يخرج إلى المرابطين أيام دولتهم بالصحراء ، و جيل حسان يأخذون عنه الأوراد و يستمدون منه الأمداد ، و ذالك في دولة السلطان أبي فارس ، و كان مقلدا له لا يعمل إلا وفق إشارته ، فخرج إلى الصحراء فتزوج بنت محمد بن آلمّ بن كـنْـتَ بن زَمَّ رئيس أبدوكلْ و اسمها أَهْـوَ ، فأولدها إبنه خاتمة السلف و عين أعيان الخلف سيد امحمد الكنتي ، فنشأ في أخواله أبدوكل من صنهاجة ، و قفل سيد اعلي إلى توات ، و بها توفي رحمه الله ، فدفن إلى جنب أبويه بعِــزِّي ، و تخرج على يديه أكثر من ألف واصل.
ثم لم يزل سيد امحمد الكنتي بأخواله حتى تدرب و حفظ القرآن و مهر في سائر الفنون ، و تربى على يدي جماعة منهم : الإمام أبو العباس السبتي ، صحبه بسبتة و تخرج على يديه و دعاه بالقطبية ، و كان مجاب الدعوة لا يجاريه في مجاريه خلف ، و هو أغلى وزنا و أعلى محلا ، دام يحيي ما قد أميت من الفضل ، و ينفي فقرا و يطرد محلا ، ثم رجع إلى الصحراء مابين تيرس إلى الساقية الحمراء ، و استوطنها بمن معه من تلامذته و جيرانه ، محترما مكرما معظما عند سائر دولة المرابطين من لمتونة و بني حسان ، مقدما عليهم محكما فيهم ....... .
و تزوج سيد امحمد الكنتي بنت آل محمد بن الحسن بن أيشف الجكني ، فولدت له إبنه الشــــيخ ســـيد أحــــمد البــــكاي ، الغوث العلامة النحرير الفهامة ، المجدد المسلك المسدد ، مغرس شجرة كنتة ، و منبع نبعتها ، و قرارة عزها ، و مغرس طلعتها ، .... تزوج جكانية بنت يعقوب الرمظانية فولدت له ثلاثة أولاد ، عنهم تفرعت شـــــــــجرة كـــــنتة ...)) اهـ
أجل ؛ من هنا تفرعت شجرة كنته ، و أصبحت بطونا ، ثم أفخاذا و عشائر ، بعضها في الشرق (كنتة الشرقيون ) ، و بعضها في الغرب (كنتة الغربيون) ، و إلى كل من هؤلاء و أولئك انضمت جماعات وافدة من أصول شتى ، دخلت تحت لوائها و اصبحت جزء من الكيان الكنتي العام ، لا تقل شأنا ـ من حيث العدد و صدق الولاء ـ عن كنتة الصميم ، و لا تزال موضع فخر ، و مصدر اعتزاز ، و محل تقدير إلى اليوم .
نحن إذن أمام شجرة بات أصلها معلوم لدينا تماما ، إذا نحن سلمنا ببطلان الفرضيات المشككة في انتساب كنتة إلى عقبة بن نافع، حيث لم تقم هذه الافتراضات على دعامة ، و لم تستند إلى حجة تضاهي في قوتها و صلابتها ما تمسك به أسلاف كنتة من نسب و تاريخ .
ولا أجد هنا مانعا من ذكر تلك الفرضيات ـ على علاتها ـ و تبيان هشاشتها ، و نقلها بأمانة و تجرد ، و هي كالتالي :
1ـ فرضية تشكك في صلة نسب كنته بعقبة بن نافع ، و تجعلها صنهاجية من بقايا مسوفة ، و حجتهم في ذالك اشتراكهم مع الزوايا من أصل صنهاجي في خاصية الاشتغال بالعلم و خدمة الدين ، و أن " العرب" ميزتهم التجرد لحمل السلاح دون الاشتغال بالعلم ، و أن الزوايا عكس ذالك . و هذا ليس على إطلاقه ؛ فمن العرب " متسيرون بسيرة الزوايا ، متدينون ، يتعلمون العلم و يعلمونه ، و فيهم العلماء و الأولياء ، ثم من تعدى إليهم ، مدفوع المواسات من لص و محارب دفعوه عن أنفسهم و أموالهم و حُرَمِهم " .
فالظاهر إذن أن أصحاب هذه الفرضية خلطوا بين عروبة النسب ؛ و ما يعنيه مفهوم العروبة " اسْتَعْرِيبْ" في مجتمع البيظان ، و لعلهم نسوا ما لسيد امحمد الكنتي ـ جد كنتة ـ من دور في ترسيخ هذه التراتبية الإجتماعية (العرب ، الزوايا ، ...إلخ) .
2ـ فرضية ثانية تقول بانتماء سيد امحمد الكنتي إلى تجكانت القادمين من اتوات ، وحجتهم في ذالك أن تجكانت لم يكونوا يزوجون بناتهم للأجانب . و تستثني هذه الفرضية آل الشيخ سيد المختار الكنتي بدعوى أنهم كنتيون بالولاء لا بالنسب ، ثم تقطع بانتسابهم للفهريين ، و الحقيقة أنني لم أقف على حجة لهذا الاستثناء ، و لا دليل على ذالك الأصل سوى ما تقدم من كلام غير مقنع .
3 ـ فرضية ثالثة تشترك مع الثانية في سلخ أل الشيخ سيد المختار من جسم كنتة ، و إبعادهم عن نسبها و محتدها ، لا لكي تنسبهم لعقبة كسابقتها ؛ بل لتنسبهم هذه المرة إلى تجكانت . و مدعية انتساب كنتة إلى بني أمية . و الظاهر أن هؤلاء وقعوا في مصيدة الخلط بين أمية بن ضرب بن الحرث ـ جد عقبة ـ و بين أمية الكبير بن عبد شمس جد الخلفاء الأمويين . و أما نسبة آل الشيخ سيد المختار لتجكانت فلم أقف على حجة للقائلين بها .
4ـ موقف الجمهور ، و الذي عليه اسلافنا ، هو انتساب كنتة إلى عقبة بن نافع الفهري ، عبر سلسة ناصعة ، لا لبس فيها و لا غموض ، فما من جد واحد لكنتة إلا و تاريخه مشهود، و قبره مشهور يُزار .
و اعتمادا على ما قدمنا من كلام الشيخ سيدي محمد الخليفة و غيره ؛ يمكننا أن نستخلص سلسلة أجداد قبيلة كنتة ، و تحديد أماكن أضرحتهم ، من لدن عقبة إلى سيد احمد البكاي ، في ظاهرة تكاد تنفرد بها هذه القبيلة . و ذالك على النحو التالي :
1ـ عقبة بن نافع الفهري ــ سيدي عقبة ( الجزائر)
2ـ العاقب بن عقبة ــ ولاته ( موريتانيا )
3ـ يعقوب بن العاقب ــ الزاب ( الجزائر )
4ـ شاكر(مؤلف كتاب المدخل) ــ القيروان ( تونس)
5ـ يهس (و اسمه عبد الله ) ــ مستغانم ( الجزائر )
6ـ دومان ( و اسمه عمرو) ــ أمزاب ( الجزائر) )
7ـ سيد عثمان ــ عزي ( الجزائر )
8ـ سيدي يحي ـ عزي ( الجزائر )
9ـ سيد اعلي ــ عزي ( الجزائر)
10ـ سيد امحمد الكنتي ــ تازيازت"فصك" ( موريتانيا )
11ـ و سيد احمد البكاي ــ ولاته ( موريتانيا )
و هؤلاء هم المعروفون بـ " لفراده" ، و لهم حديث لآخر ، أما سيد احمد البكاي فقد خلف ثلاثة أبناء ، عنهم تفرعت شجرة كنتة .
عبدالله ولد عابدين
تعرف على نسبك لتصل رحمك
ردحذفبحثت في كتب التاريخ عن العاقب ابن عقبة فلم اجد وما سبب اختيار الأسرة الكنتية العيش في الصحاري طوال تاريخها وليس لهم وجود في الحواضر الكبرى في شمال افريقيا مثل مراكش وفاس والقيروان لا يوجد حاليا أي عقار او بناء مشهود لكم في الحواضر الكبرى .
ردحذفنعم انه امر غريب العاقب هذا لم نجد له ذكر في التاريخ ابدا وهو امر يطرح عدة إستفهامات
ردحذف