بسم االله الرحمن الرحيم
الله ثم للتاريخ
الرد الوضاء على بغي الخلطاء مقتطفات من كتاب : غيث في عز الصيف الطريق إلى الثامن يونيو 2003م محمد ولد شيخنا إبريل 2016
2 أبادر فأهنئ الأخ صالح على هذه القفزة الاستثنائية الجديدة التي ربما أخذته إلى حيث لم يسبقه إليه أحد في سنه ومستوى تجربته وطبعا من مواطنيه، وبالتأكيد فهي المحطة النهائية لسياسة ترفيع إعلامي ممنهج ومستمر منذ مدة طويلة، قد يكون كسب فيها الرجل تلميعا وانتشارا، وإن كان فقد روحه واحترامه. لقد حرصت دائما من باب احترام المشترك والذات والزملاء والشركاء والناس جميعا، أن أبتعد عن التناول الإعلامي الفج وغير المسئول لتلك الحقبة اbيدة من تاريخ البلد.فماذا سيقول الناس أو يبقى عندهم من تقدير تجاه من طرحوا أنفسهم مثالا للتضحية والطموح لحكم البلد وإصلاحه، وكانوا عند كثيرين قدوة في ذلك، إن رأوهم ينفجرون أنانية وصغارا ويتهارشون على جثة المحاولة الفاشلة للثامن من يونيو2003، أو يلعن بعضهم بعضا؟! بالنسبة لي، كان الأجدى البحث عن عطاء جديد وإيجابي للمجتمع أو الهدوء(الاعتزال) بعيدا عن اجترار الماضي وإفساده. بالمقابل، لم يكن يستفزني أو يضايقني كثيرا ما كنت ألحظه في سيل مقابلات الأخ صالح المختلفة (الجزيرة 2006، التلفزة الوطنية 2007، شنقيط 2015، المرابطون 2015، فضلا عن الإعلام الورقي والإلكتروني والتقارير "الموجهة" التي ينشر بشكل دوري)، وما تخللها من تزييف وتجيير وأنانية وظلم.. وإن كان ما يؤلم حقيقة هو الشعور بالشفقة والأسى على انحدار شخص كان يوما ما قمة عندك، وكان شقيقك وصفيك، وكنت تقدم حياته على أعز أبنائك، وقد قال لي هو الآخر مرة إنه يفضلني علي شقيقه إزيدبيه (السفير سيدي محمد)، وأجزم أنه كان حينها صادقا.. فلعنة االله على السياسة وحظوظ النفس!! ومراعاة لاعتبارات عديدة، آثرت أن أترك له الجمل بما حمل:الثامن من يونيو وأخواا،والحزب الذي لم آخذ فيه موقعا ُ َّعين هيئاته، فأخليت له الجو وسلمت له المفاتيح ورأس المال ليتصرف ويتكسب بعد أن صبرت حتى يعترف به وت كيف شاء..ووقفت وحيدا مستقلا لأن رجلاي تحملانني بخلاف حاله فلا بد له من متكأ يستند عليه: أنا قبل الثامن يونيو، وغيري بعده! 3 َ الأخ ليس له قاع، وسوء تقديره للترفع عنه دي ِّ َ لكن يبدو أن تـ أنه ليس له سقف،"وقد أدرك الناس من كلام النبوة َر الأولى.. إذا لم تستحي فاصنع ما شئت".لذا فإنه في الحلقة السابعة من شهادته "الجوبلزية" على العصر المذاعة يوم20مارس2016 قد تجاوز الأنانية المعهودة ليرتقي مرتقى صعبا، ليوحي بمراوغاته الافترائية الماكرة تصريحا وتلميحا أن محمد ولد شيخنا،- صديق عمره وابن مدينته وشريكه في التضحية والتاريخ- كان عميلا للنظام الذي قارعه حتى سقوطه، وهو مطعون في أمانته!! لعمري إن هذا لهو البلاء العظيم!كيف يمكن له أن يصل لهذا المستوى في حق من كان مثالا للوفاء معه عندما أصبح في الشارع مفصولا من الجيش، فأخذ بيده وأنقذه من الضياع وبقي يبث فيه روح الأمل بغد أفضل، ومرة أخرى عندما أصبح قابعا في السجن يتهدده الإعدام فظل يرفع اسمه، وركب المخاطر بالسفر إلى صحراء مالي ليهدد بقوة السلاح الرئيس معاوية من أن التعرض لحياة الرئيس صالح والأبطال الآخرين ستكون وبالا عليه،وأكثر من ذلك لرفع معنويات هذا القائد"البطل" المنهار الذي أحرجنا عند اعتقاله مرتين..الأولى:بحجم .والثانية بإصراره ّ ، والتي بلغت حد اعترافاته الفضائحية رغم أنه لم يعذب توريط دول حليفة وزعماء سياسيين وطنيين على تلك الصفة والترافع"كمنكر"لاشتراكه في محاولة يونيو2003، التي هو اليوم أبوها وأمها! وذلك للنجاة بجلده.. ولم يحل بينه وبين هذا العار إلا الموقف الحازم من أشقائه الذين بعثوا إليه برسالة -على ما بلغني- وموقف لفيف المحامين الذين هددوه بعدم الترافع عنه، وقد أشار المحامي محمدن ولد اشدو في مقابلة تلفزيونية مؤخرا إلى هذه الحادثة رافضا أن يسميه، وبحوزتي رسالة إلكترونية من جمال ولد اليسع يستجدي التدخل لثنيه عن الموضوع.كما أن موقف ميني المصر "الزعيم" لرشده، فضلا عن موقف ّ عبد الرحمن ولد على تحمل المسؤولية كان له أيضا تأثير حاسم في رجوع آخر للرائد محمد لمين ولد الواعر أشار إليه ولد اشدو في المقابلة المذكورة.وسأسكت عن حواره في السجن مع عبد الرحمن بشأن "محامي المعارضة" والسلاح المصادر. الأخ صالح - سامحه االله - لم يترك لي بدا من الرد عليه وإلجامه، وهو شيء كان أبعد ما يكون عندي لأن ذلك سيؤذيه ويؤذي عائلته وأهله والذين هم أهلي وعائلتي، كما يؤذيني في نفسي وصورتي في دنياي، وأرجو أن لا يكون أد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك).لكن ما قاله هذه ِّ كذلك في آخرتي لقول الرسول (صلى االله عليه وسلم):( المرة كان ¬تانا عظيما وفي أكبر ملأ.. وقد قال تعالى:"لا يحب االله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"،وكما قيل: 4 كان مالك يعتذر عن نفسه.. وقدر االله و ما شاء فعل، وليهلك بعد ذلك من يهلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة. أقول للأخ صالح:"يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا".. فلو أن غيرك هو من عقر "الناقة" على هذا النحو َّ البائس، والذي حول شهادتكم على العصر إلى رواية ضحلة ومتهافتة وافترائية لشاهد يشهد على غير عصره من جهة، ومن جهة أخرى يسعى جاهدا أن يحمد نفسه بما لم يفعل، ولا يسعه أن يكون له وجود مؤثر إلا إذا خلق الفراغ من حوله. على كل حال، الكثير مما ورد في الشهادة مردود ومرفوض، وستكشف التفاصيل الواردة في هذه المذكرة للرأي العام الكثير من المعلومات والحقائق التي تظهر الأمور على حقيقتها بعيدا عن التزييف و "البروبوغندا" التي طالت أكثر من للازم . البداية : لقد شرعت منذ مدة في تحويل الغالبية العظمى من الأصدقاء الضباط (المشاركين فيما بعد) إلى منطقة انواكشوط أو الدائرة الأولى حولها وذلك لسبب معروف عندي، وشرعت في ذلك شهرا بعد تحويلي إلى المكتب الأول بالأركان الوطنية، وأولهم عبد الرحمن في نفمبر 1992 وفي العام الموالي صالح نفسه الذي حولته من المدرسة العسكرية إلى المكتب الثالث في سبتمبر1993 وهلم جرا بعد ذلك.وأنا من قام أيضا بالتغطية عليهم بعد ذلك، بمن فيهم صالح الذي أعاده إلينا أحد قادة المكتب الثالث(العقيد.ع .س)باعتباره شخصا غير مرغو ب فيه،فسوفنا في ذلك حتى جاء قائد آخر للمكتب. لقد كانت لدي رؤيتي الخاصة للأمور(الكمون الاستراتيجي)، لذا كنت منغمسا كليا في عملي جادا وكتوما،كما كنت صارما في عدم الخوض في بعض اللغو غير الأمني مع الآخرين ولاسيما مع أخي وصديقي صالح الذي كنت أعرف ما عنده (الاندفاع غير المتبصر)، وذلك بعدم إتاحة الفرصة للكلام معه حول موضوع الانقلابات رغم بعض المحاولات المحتشمة . 5 وفضلا عن الدواعي الهيكلية والمزمنة للتغيير مثل: انتكاسة حلم الانتقال الديمقراطي التراكمي، واستفحال الحكامة غير الرشيدة، واستشراء الفساد والمظالم وغيرها... فقد ظهرت إشكالات ظرفية جديدة ضاغطة: تباطؤ الترقيات في الجيش، والعلاقات الكاملة مع الكيان الصهيوني(الخبرة الأمنية)، والاكتشافات النفطية (الإمكانيات المادية)... حيث ظهر لي أن إستراتيجيتي وصلت مداها، وأن هناك ما يفرض الشروع في التحرك الجدي..لذا غداة اتفاقية واشنطن 28 أكتوبر1999م حول إقامة العلاقات الكاملة، قلت لصالح ونحن في الطريق للعمل الصباحي في سيارته أن الأمور بالفعل لم تعد مقبولة،لكنني آثرت عدم إعطاء موافقة µائية إلى عدة شهور بعد ذلك،وتحديدا في مارس2000،حيث كنت وإياه على أرضية المطار نستقبل المرحومة والدتي قادمة من النعمة. كان السبب في تلكئي في إعطاء موافقة فورية هو أنه كان أقدم مني في رتبة نقيب،وكنت أنتظر لائحة التقدم لعام 2000 لأني أحسن منه تنقيطا، لذا سأظهر على اللائحة قبله،وقد كنت بالفعل الأول عليها وتمت ترقيتي في فبراير ولكن اعتبارا من فاتح يناير. وهكذا عند قبول استلام هذا الأمر كنت أعلي منه رتبة فأنا رائد بينما هو نقيب. كما كنت مساعد قائد مكتب يتبع له 12 ضابط وزهاء 40 ضابط صف، في حين كان هو رئيس فصيلة الإعلام بالمكتب الثالث،وفي ذلك الوقت كانت فصيلة اسمية (وهمية )لا يتبعها أحد وليس لها حتى مكتب.وكان الهدف هو أن أكون على أرضية أفضل حتى تنتصر رؤيتي، وعلى كل حال لم تكن الاعتبارات ذاتية أو أنانية بقدر ما كانت موضوعية وتبتغي الفعالية فأنا أؤثره على نفسي وربما كان هو كذلك أيضا من كان علي صلة ¬م هم جماعة من عشرة (10) ضباط كلهم تقريبا معروفون ومتوقعون (أقارب أصدقاء مشتركون) . اعترضت على واحد µائيا مع احترامي له،واثنان تحفظت عليهما لأµما أعلى مني رتبة ولدواع أخرى، . لم ِّ يكن هناك تنظيم(هيكلة) ولم يجتمعوا قط. الشيء الوحيد الذي عملو مت واحدة ل ُ ه هو نشر وشاية عبر رسالتين س ّم والأخرى أعتقد للرائد أيوب قائد سابق للحرس الرئاسي طرف شخص م . ُ لأحمد ولد الطايع (شقيق الرئيس) من لث ومضمون "الرسالة – الوشاية" هو أن جماعة مكناس (الضباط المتخرجون من المغرب) ينوون القيام بانقلاب خلال مناورة جرت 1999 واشتركت فيها الدبابات. كان الهدف هو زرع بذور الشك في هذه الجماعة، وهو ما حدث بالفعل حيث تعامل النظام مع الأمر بجدية فلم تلغ المناورة لكن تمت متابعة مجرياا التي اختصرت بشكل دقيق وبحرص شديد. 6 وبكل صراحة أكدت للأخ صالح أنه مع احترامي للزعيم المرحوم جمال عبد الناصر وميراثه، فإنه إذا كان يعتقد أننا سنتصرف على الأرضية القديمة: من أجل القيام بالثورة وأن تحكم البلاد بالاتحاد الاشتراكي (اتحاد قوى الشعب العامل) وتلك الأدبيات المتجاوزة فتقديره خاطئ، أما إذا كان الهدف هو إقامة العدل ورفع المظالم وإصلاح الحكم دون الشغل المادي للسلطة وتحقيق أشياء مهمة للبلد. أي أمور مخلصة وتنتفي عنها شوائب المصالح الشخصية بعبارة أخرى عمل م . ُ وحظوظ النفس. رضي يدخل أهله الجنة فأهلا وسهلا وللتاريخ، فقد قال: هذا هو ما أريد بالضبط. ثم تناقشنا حول المشروع و وافقني في المحددات الأساسية التالية: - المرجعية الحضارية. - الحكم الديمقراطي. - عدم استلامنا الحكم خلال المرحلة الانتقالية. - معالم التأسيس الجديد وهو موضوع لن أخوض فيه ضمن هذه الورقة. واختلفنا لفترة حول شكل التنظيم حيث كان هو تقليديا مسكونا بالتنظيم النمطي للضباط للأحرار(اللجنة التأسيسية) كما في مصر وليبيا وحتى العاشر من يوليو، بينما أصررت على تقديم الأمن الصارم والفعالية باعتماد التنظيمات العنقودية غير القابلة للاختراق، وكان لي ما أردت. وضعنا لنا وللجماعة أسماء حركية:اسمي أنا "يحيى"، وهو اسم لي معه حكاية.أما صالح فأطلقنا عليه اسم"المرابط" الذي هو كنية العالم والقاضي الرباني صالح ولد الرشيد رحمه االله.والآخرون حصلوا على أسماء بدلالة معينة مثل "المعلوم" و"الصديق" التي كانت تطلق على النقيب سيدي اعل لكونه حفيد أبي بكر الصديق رضي االله عنه...إلخ. ثم وضعت الخطة العسكرية وتم توزيع الأدوار على أعضاء اbموعة والبدء في التحرك لاستقطاب المزيد من العناصر.وبدأت العجلة تدور بكامل الزخم حتى تقررت محاولة أولى في ظرف 8شهور مستغلين فرصة الاستعراض العسكري الأربعيني لعيد الاستقلال(عام 2000م) وهي فرصة سيحشر فيها النظام الجميع في انواكشوط .من الداخل سيأتي بمن نرغب فيه ومن نخشاه و هم شبه عزل. سيركب الوحدات ويكمل نقصها ويعبئ الآليات الجديدة 7 ويصلح المتعطل ويركب الأسلحة! ويزود بالوقود أي أنه سيقوم بكل التحضيرات المادية الصعبة والضرورية.وستغطي المهام والانشغالات وزحمة الأحداث وضوضاؤها على تحركاتنا واتصالاتنا، لقد كانت فرصة ثمينة تتكرر في فترات متباعدة. و قد كنت خلال تلك الفترة مصرا على تقليل الارتباط بالأ شخاص، بل اشترطت عدم علم أي أحد بوجودي في التنظيم دون إذني وإن كنت علمت لاحقا بأن صالحا أعلم بي آخرين من غير ضرورة!.وكنت أتفرغ للتخطيط السياسي والاستراتيجي والعسكري والتنظيمي.غير أنه بعد الـ20 من نوفمبر،ومع تواتر وتكثف العمل، أصبح الأخ صالح الذي ألتقيه كل ليلة يعود دون أن يستطيع تنفيذ كل التكاليف اليومية نتيجة تشعبها،فرأيت أن ذلك غير فعال . فتقاسمت معه اbموعة واخترت أن يرتبط بي ثلاثة عينتهم وكان المعيار في هذا الاختيار أمانتهم وأماµم وأهمية وحساسية أدوارهم في إنجاح المحاولة يضاف إليهم الرائد مكحلة ولد محمد الشيخ في روصو. محاولة 26نوفمبر 2000م ما يقوله الأخ صالح حول محاولة عام 2000م وفشلها غير دقيق - كعادته- فهذه المحاولة كان مقررا لها التنفيذ ليلة الأحد 2000/11/26 عند الساعة الواحدة صباحا، وليس يوم ذ كرى الاستقلال (28نوفمبر) كما ذهب إليه صالح وهو أمر غير منطقي، وقد يكون راجعا لعادة الجواب على الطائر التي استمرأها.لكن أعتقد أنه أراد أن يقول للناس إن الفشل كان نتيجة وشاية سابقة على التنفيذ، والحقيقية أن الوشاية جاءت غداة إلغاء التنفيذ، لأنه لا يريد أن يتعرف الناس على السبب. فما هو السبب؟ لقد كان صالح مكلفا حينها بالسيطرة مع ضابط آخر متخصص على كتيبة الدروع التي كانت تتواجد معها أيضا في ثكنتها كتيبة الصاعقة الثانية المتمركزة بمدينة "بابابي"والتي قدمت للمشاركة في استعراض الاستقلال (عندهم أسلحة فردية للاستعراض لكن دون ذخيرة).وكانت عملية السيطرة المقررة ستتم بواسطة عناصر من داخل الثكنة وبتعزيز من سرية من مشاة البحرية كانت قيادا ضمن التحرك . من جهتي أµيت كل الأمور مع العناصر المرتبطة بي في حدود العاشرة ليلا.وفيما كنت أحاول جاهدا أن أستريح في انتظار الواحدة ليلا (توقيت انطلاق العملية)، نودي علي أن هناك من يريدني.كان صالح في سيارة تويوتا .ركبت معه 8 من المنزل الكائن في حي بغداد ودرنا حول حائط مخازن مفوضية الأمن الغذائي حتى أصبحنا قبالة كتيبة الدروع.في الطريق، قال لي أن عنصرا كان سيكلم المرحوم النقيب البطل محمد ولد السالك ولم يفعل؟! وأن ضابطا آخر من كتيبة الدروع أظنه النقيب محفوظ ولد بيبه من أمره كذا (مرضت شقيقته؟؟). (بالمناسبة كان عبد الرحمن في دورة النقباء في المدرسة العسكرية وقد قدموا للعرض ويسكنون مع كتيبة القيادة والخدمات، وكان محمد لمين ولد الواعر في "فم لكليته ، ومحمد ولد فال في ألاك وقد وصل انواكشوط في حدود الواحدة صباحا ومحمد ولد حم فزاز في الأركان، والطاهر ولد الفروي معي في المكتب الأول بالأركان أما النقيب أحمد ولد أحمد عبد فقد كان في دورة أركان بالأردن). وعودة للموضوع، فقد قال صالح إنه على ضوء ذلك يقترح التأجيل وأن محمد لمين ولد الواعر قدم من" فم لقليته" . قلت لصالح إن ذلك غير ممكن وإن الأفضل المضي قدما تحت كل الظروف لأننا لا يمكن أن نتراجع بعد هذا المستوى دون أن نترك أثرا أو ننكشف، والمهم أن يتم تحييد كتيبة الدروع بمشاة البحرية فلم يكن مطلوبا بالضرو رة الحصول على دبابات إذ عندنا بدائل أخرى عنها( فسنستولي على المصفحات الخفيفة والمدفعية المشاركة في الاستعراض).أمام إصراري ومجادلتي الطويلة قال مستسلما:خلاص! أنا لا أعرف ما يوجد أمامي في الثكنة ولكن أقبل الذهاب إليها مع ذلك. وبعد تخليه عن المحاججة بالإضافة لوقع كلماته الأخيرة، نظرت إلى الثكنة التي كانت أمامنا فإذا بالظلام يلفها بشكل تام. فقط ضوء خافت لمصباح واحد،وكانت الريح تعصف تلك الليلة الشتوية بشكل عنيف.وقد أثار ذلك المشهد إلي عرين الأسد،حتى ولو 1 الموحش بداخلي شعورا بالحنان لا يوصف،فقلت بداخلي: هل يعقل أن نرسل أخانا صالح قبل مسايرتنا؟!. بعد لحظات من الصمت كان التسليم لقضاء االله.قلت له: هل أنت متأكد من أننا يمكن أن نفك الأمر دون أن ننكشف وأن نوصل خبر الإلغاء إلى كل معني؟ (تلك الليلة جميع المشاركين في العرض كانوا سيمضون الليل في التمرن على الطريق الشاطئي و ذلك ابتداء من منتصف الليل). فقال: نعم، ولاحقا قال لي أنه تدبر أمر توصيل ولد الواعر -1 الحقيقة أني وإياه كنا كوجهي عملة، بل كنا كشخص واحد تمازجا ومحبة، والغريب أن شخصيتينا كانتا متكاملتين بشكل لا يوصف فنقاط القوة عندي هي نقاط ضعفه كما أنه يكملني في بعض الأمور. وهذا ما يفسر قوة الانجاز في البداية وتضعضعه بعد ذلك عندما أدخل القادمون الدودة إلي الفاكهة كما يقال. 9 2 إلى كيهيدي خلال الليل . لقد أكدت على الرائد صالح بشأن إبلاغ أحد المرتبطين بي حيث لا يمكنني أن أتصل به قبل ذهابه إلى الشاطئ(وفعلا يبدو أن المرحوم الرائد محمد ولد عبدي من الهندسة أبلغه بطلب من صالح)،أما الآخران فقد وجدت أحدهما ينتظرني وأعلمته وكلفته بالآخر ونمت ليلتي ملء جفوني وكأن حملا ثقيلا انزاح عن كاهلي وإن كانت هناك حسرة على ضياع الفرصة الذهبية ،كما كان في النفس بعض التوجس بالرغم من الطمأنينة التي تبثها في- باستمرار- المواظبة على الاستخارة في كل الأمور وفق ما ورد في حديث حابر ابن عبد االله. بالنسبة للرائد صالح كانت أموره أكثر صعوبة ولم تكن الهواتف المحمولة موجودة بل كانت جد قليلة وفي أوليات أيامها.وكنت أعتقد أن أمر التأجيل أوصل للجميع ولكن ظهر أن أحد أهم العناصر المر تبطة بصالح لم يعلم بالأمر. والحمد الله أنه لم تحدث كارثة بتحركه منفردا تلك الليلة، فقد بات يجوب شوارع انواكشوط يبحث عنا ولكننا دفعنا ثمن ذلك التقصير غاليا في الثامن من يونيو2003. من جهتي كنت سأتولى مهمة الاستيلاء علي الأركان الوطنية وإدارة العملية من هناك، وكان سيكون معي ضابط ارتبط بي مؤخرا ،وكان يتابع المعلومات عن الرئاسة.كانت كتيبة الحرس الرئاسي - حينها - متمركزة في الرئاسة وبترتيب دفاعي قوي وكثيف. لكنها ستبني مقرها اbاور عقب محاولة 2000 م مباشرة. كان علينا أن نستولي على الأركان وأركان الدرك اbاورة و كتيبة القيادة والخدمات.كان لدينا للتواصل: شبكات الاتصال الرئيسية للجيش للتواصل مع ثكنات الداخل وإن كان معظم قياداا وقواا قدمت للاستعراض ومتواجدة بانواكشوط. وكان عندنا الهاتف الثابت للقيادات وبالنسبة لانواكشوط كنا نعلم بوجود شبكة اتصال بأجهزة اتصال محمولة في اليد(أجهزة راديو- موجة طويلة) كانت موزعة أو ستوزع لغرض التواصل للاستعراض كنا سنستولي عليها من إدارة الإشارة ونستخدمها لصالحنا.كنا نعلم أيضا بشبكات أخرى مماثلة عند بعض التشكيلات والأسلاك كان الرائد محمد الأمين ولد الواعر قائد تشكيلة كبرى بالإنابة (مركز تدريب الصاعقة بفم لقليته)، وقدومه كان فعلا جسورا وخطرا.كما قال لي ولد 2- الواعر بعد ذلك أنه قدم بسيارة "صوفاماك" يحمل فيها أسلحة وتركها قرب واد الناقة بعد أن تعطلت!وهو ما كان في غاية الأهمية لو علمنا به في حينه لأنه لم يكن لدينا للاستيلاء على الثكنات قبل قدوم وحدات الاستعراض أي سلاح إلا أيدينا أو ما سنستخلصه من أيدي الحراس! مع التراجع يحيرني الآن كيف كنا سنتصرف؟ 10 .كان المهم الحصول على جهاز من كل شبكة لمعرفة ما يدور ولا سيما بالنسبة للبعض ولتوصيل رسائل عبرها عند الضرورة. كان الواجب السيطرة على الثكنة أو الثكنتين المتجاورتين وتأمينهما واستقطاب من يرضى مسايرتنا والتعامل مع البقية. كنت أعول على أفراد المكتب التابعين لي والذين عادة ما يكون معظم رؤساء مراكز الحراسة منهم (المكتب فيه ما يناهز50 ما بين ضابط وضابط صف)، وعلى معارفي الكثر في الثكنة،كما كان إيواء متدربي وطلاب المدرسة العسكرية في كتيبة القيادة والخدمات \الأركان الوطنية فرصة لنا، حيث كنا نخطط للاستفادة من تواجد الضباط الشباب من المتدربين و أكثر من ذلك الطلبة الضباط(اbندين الذين يسهل انخراطهم في أي مغامرة بحكم الوعي واندفاع الشباب وقد يرون في الأمر فرجة)،وكان من المقرر أن تلتحق بنا سرية يقودها أحد الضباط وسيجدنا جهزنا لها الذخيرة لتكون بمثابة احتياط لنا..ومن جهة أخرى كان لدينا عريف مخبر في الرئاسة لمعرفة ما يدور هناك.كان الأمر سيجري الواحدة صباحا.. كتيبة الحرس الرئاسي عادة يتواجد ¬ا ليلا في الظروف العادية أقل من (....فرد) أي (مجموعة مراكز حراسة ومفرزة تدخل) وهو عدد غير قابل للتعزيز مبدئيا قبل الصباح.. كان المقرر أنه عند الوقت المحدد (قوات العرض تكون في التمرين على الشاطئ) ستتم السيطرة على الضباط الكبار غير المتعاونين وهي مهمة سيتولاها الرائد محمد لمين ولد الواعر، وأن تندفع بعد ذلك الوحدات نحو مقارها أو مناطق إقامتها للقادمين( أي إلى المنطقة 6 والهندسة العسكرية وكذا البحرية والمدفعية ومنطقة المرفأ والأركان ) للسيطرة على هذه الثكنات والتزود بالذخيرة، وسيتم التزويد بأجهزة الاتصال وغلق المحاور حول العاصمة(4 طرق رئيسية كل واحدة تعتني ¬ا الثكنة التي تليها)،ولم يكن معنا أي ضابط في الطيران(أحمد ولد أحمد عبد كان في الأردن حينها) لكن لم يكن هناك شيء حيوي ( مثل طيران حربي في انواكشوط)والمطار يمكن غلقه بقصف الأراضي المفتوحة فيه. كان المقرر أن تتم الإحاطة بالرئاسة من كل جانب والدخول في اتصال مع فخامة الرئيس لشرح الوضع، وسيعرض عليه الاستسلام مع ضمان الأمن الشخصي له ولأسرته مع بعض المحفزات الأخرى. وفي حال الامتناع سنضغط بالمدفعية التي ستتمركز قريبا من الحرس الوطني(ذخائر خاصة:ضوئية أودخانية)،وسيتم استهداف الجدران لإظهار التفوق والجدية مع البقاء على اتصال مع الرئيس(لدينا الأرقام). وإذا لزم الأمر سيتم اقتحام الرئاسة بالمصفحات وما أمكن من المدرعات إن وجدت. وفي هذا الصدد، ينبغي التنبيه على أن الوضع السياسي والنفسي كان مناسبا.فالتوتر 11 والاحتقان كان على أشده نتيجة قمع التعاطف مع انتفاضة الأقصى سبتمبر2000م، وموقف النظام المستفز والذي يرفض حتى تغطية أحداث الانتفاضة في وسائل إعلامه. وسياسيا، قام النظام بحل أكبر أحزاب المعارضة (اتحاد القو ى الديمقراطية –عهد جديد). في الليلة المقررة للانقلاب (26نوفمبر) بات المساعد (س. م)– الذي يتبع لمشاة البحرية ولكنه يشغل موقع مسير دار الضيافة- مع زملائه النقيبان (المختار ويرب) في الحي العسكري بتوجنين (المنازل الحمراء)، وأطلعوه على الموضوع وبعض الأشخاص، وكان مستعدا للمشاركة معهم – كما زعم- لكن لما ألغيت المحاولة وعاد في الصباح لعمله أطلع أحد القيادات القادمة من الداخل لعرض الاستقلال والذي كان يقيم في دار الضيافة على الموضوع فبدأت الأمور في التكشف. تم اعتقال الضباط،واعترف النقيب المختار ولد التلي بما يعر ف ،ولا أتذكر إن كان النقيب يرب اعترف بشيء هو الآخر، ولكن كليهما أنكرا بعد ذلك. لقد قدر لي أن أطلع على كل وثائق التحقيق مع صالح (وزملائه) أو على الأقل ما أرسل للرئاسة لأنه أرسل بعد رجوعه للمكتب الأول لتنفيذ العقوبات . والحقيقة أن الأمور كانت واضحة، لكن قائد الأركان الجنرال مولاي ولد بوخريص ومساعده المرحوم محمد لمين ولد انجيان لم يرغبا في تعميق الموضوع ، لقد كان الجنرال مولاي على الخصوص على وشك التقاعد ولم يتحمس للتسبب في كارثة بالجيش، فكتب للرئيس أن هناك بالفعل شيء ولكنه غير ناضج،وأنه يقترح فصل ثلاثة ضباط (أحدهم اعترف وهو ولد التلي – والثاني يرب كان في نفس الجلسة مع ضابط الصف وولد التلي ليلة التأجيل- والثالث صالح نفسه)،كما اقترح ولد بوخريص متابعة الموضوع، وهو ما وافق عليه الرئيس معاوية الذي لم يكن هو الآخر متحمسا لما قد يكدر صفو الصورة التي يريد تسويقها لاستقرار نظامه، لا سيما أن المعنيين هم من عمق المكون العربي الذي يستند عليه نظام حكمه، فرضي بتحويل الأمر إلى موضوع ضبطي. تم استجواب وتبرئة ضابطان وردت أسماؤهما على لسان ضابط الصف لكنهما أنكرا أي تورط وهما النقيب سيدي اعل ولد محمد فال والرائد زيدان ولد سيدينا. أيضا وردت أسماء ثلاث ضباط كبار - متقاعدون الآن- (موظف سامي بوزارة الدفاع حينها (المفتش العام )وقائدا منطقتين عسكريتين) في التحقيق مع ولد التلي- قبل أن يعاود الإنكار- على اعتبار أن صالح قال له أنه يعول عليهم أو شيء من هذا القبيل. الحقيقة أµم لم يكونوا كذلك ولعل صالح كان يريد تحفيز ذلك الضابط أو شيئا آخر لا أعلمه. لقد كان كل ذلك عاملا مربكا للنظام في الموضوع، حيث أن القضية ومنذ البداية بدأت من فصالة إلى انجاكو 12 ومن ملازم قائد فصيلة إلى عقيد له وزنه الكبير في الجيش، وهو ما ساعد في دفنها. وقد عرفت لاحقا أن العقيد محمد ولد الشيخ ولد العالم قائد المكتب الثاني ومساعده الرائد الحسن ولد مكت عملا أيضا على عدم تفاقم الموضوع بغية عدم الإضرار بالكثيرين خصوصا أن التحقيق الأولي مع الرائد صالح ولد حننه قام – تعمدا أو جزعا- بالزج بأسماء بعض القيادات الجديدة من أفاق مختلفة مثل المرحوم ولد انجيان القائد المساعد - حينها - و أيضا القائد المساعد الحالي للأركان وشخصيات عسكرية كبيرة أخرى بوصفهم ضباط مبرزين لديه وأهلا للثقة مع 3 ما يوحي به ذلك وما أضافه من تعقيد . لذا تم السعي لتهدئة روع الرائد صالح ونصحه بتحمل المسؤولية وعدم توريط الآخرين. و يبدو أن الاستخبارات( والقيادة) أجرت بشكل مواز معاينة للأخ صالح لدى المرحوم الطبيب المقدم أحمد ولد حمادي إخصائي الأمراض العقلية وكانت الإفادة الصادرة عنه تشكك في الأهلية العقلية الكاملة للمعني؟! لكنها لم تكن من ضمن وثائق الملف الذي اطلعت عليه. وأظن أن القيادة - حينها- استصدرت تلك الوثيقة احتياطيا - كما أفترض - للاستعانة ¬ا عند الضرورة لدفن الملف فلا أظنها كانت تشخيصا صحيا دقيقا وإن كانت تصرفات الأخ في السنوات الأخيرة ينكرها كل من عرفه في السابق!. الطريق إلى الثامن يونيو 2003م بعد استيعاب المشكلة وخروج صالح ورفاقه من الجيش شعرت بثقل المسؤولية الشخصية في المواصلة، وµضت ¬ا رغم خطورة الموقف ويقظة المؤسسة المتجددة ولاسيما أنه في المذكرة المرفوعة للرئيس ورد أن الأمر سيتابع،وتمت الموافقة على ذلك،وإن كان ذلك يحتمل أن يكون مجرد تسويق لاقتراح طي الملف، وهو ما كان عليه الأمر حقيقة. عقب تسريح الأخ صالح مع إخوانه النقيبان المختار ولد التلي ويرب ولد باب أحمد وبعد إقلاعه µائيا عن التفكير بالهجرة الاقتصادية وذلك لعدم تمكنه من الحصول على جواز سفر لحسن الحظ ،فقد عاودنا التخطيط المتأني الجدير بالذكر أن الشخصيات العسكرية الكبيرة التي وردت في التحقيق مع صالح لم ترسل في الملف الذي وصلنا بالمكتب الأول بخلاف الشخصيات 3- التي وردت على لسان المختار ولد التلي في البداية نقلا عن الأخ صالح . 13 والمنهجي - لأن محاولة العام 2000،كانت انتهاز فرصة تتكرر كل خمس سنوات(العرض العسكري ) وفي هذا الإطار تم التحرك على محورين: 1- وضع آلية لتحويل كل من لم تكن صلته بي وكان مرتبطا بصالح نحو الارتباط بي مباشرة.غير أنني أصررت على طريقة خاصة في ذلك حيث ندفع المعني ليكون هو من يفاتحني في الموضوع.وكان لدي في ذلك مقاصد: الأول – أمني: فيكون المعني هو من جاءني فليس له أن يتملص أو يقوم بوشاية مطلقا، وإن كان هذا غير مطروح حقيقة لهؤلاء الأفراد الذين هم من الصفوة وأهل السابقة. الثاني- تقييمي: فهو معيار لدرجة الالتزام وطريقة التعامل والمفاتحة في موضوع شائك لا سيما أنني كنت أتعمد تعقيد المهمة .وكما يقال (أيقظ نائما ولا توقظ يقظانا). و كان ذلك مهما من أجل تطوير مهارات الأفراد في مقاربة الأمور و في تجنيد أشخاص آخرين مستقبلا. لم يكن الأمر سهلا دائما، فالبعض استغرق الأمر معه مدة كبيرة لترتيب التقائهم بصالح بطريقة آمنة ومتابعة الموضوع حتى يتم،بينما كان البعض يفضل أن يقفز و لو يغرق في لجتي على أن يبقى مطاردا من صالح. أما أفراد مدينة لعيون فقد بقوا في معظمهم على ارتباط مع الأخ صالح لانتفاء الشبهة،وبالتالي ليست هناك خطورة أمنية في تواصله معهم وكذلك الضباط المسرحون معه. و هذه الطر يقة قد ير اها البعض جد متحفظة لكنها كانت من ضمن نسق كامل هو الذي سمح مع فضل االله في تأمين الأفر اد و السيطر ة على المعلو مة حتى الو صو ل إلى بر الثامن من يو نيو ر غم المخاطر و التحديات. 2- وضع خطة للتواصل مع بعض الجهات السياسية لجس النبض والبحث عن ظهير مدني مأمون،لا سيما أنه صار لدينا شبه مدني ثقة ومؤهل في شخص الرائد السابق صالح، وقد اخترنا التواصل مع طرفين سياسيين: 14 - أحدهما مع تراجعه وتفرقه إلا أن صالح يعرفه بشكل جيد لأنه كان ناشطا كبيرا فيه.وقد اختار الاتصال بشخص مرموق من هذا الطرف يعمل في سلك العدالة. ولم يكن مطلوبا إعلامه بشيء إذ ليس له ما يفيد به،إلا إذا كان صالح عملها من تلقاء نفسه.ولكن عرفنا منه اندماجا مستقبليا بين حز¬م وحركة الحر بزعامة مسعود وكان ذلك موضع ترحيب منا. - الطرف الثاني كان صالح بعيدا تاريخيا منه ولا يعرفه، وكان لدي خيار عائلي في التواصل مع هذا التيار.لكن ذلك الشخص كان شابا حدثا ومعرضا للاعتقال الدائم ولم أشأ في حال الانكشاف أن أفجع أسرتي في اثنين من أبنائها.لذا كان صالح مناسبا أيضا لاسيما أنه قام بمراجعة لبعض الأمور.اقترح صالح الاقتراب من أحد الرموز السياسية والإعلامية المعروفة في هذا التيار،ولكنني اعترضت µائيا لأن ذلك الشخص كان تحت الأضواء والمراقبة، لا سيما أنه كان حينها عائدا من المشاركة في برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة. وبعد الاعتراض،قال صالح: إذن مع من نتواصل؟،فاقترحت عليه شخصا آخر بعيدا عن الأضواء التقيته أول مرة في مناسبة اجتماعية وعرفت من يكون.ثم التقيت به مرة أخرى عرضا بعد صلاة المغرب في مسجد أهل المشري ببغداد،وحين عرف أنني مولع بكتب السيرة أرسل لي أجزاء من كتاب لمؤلف سوري اسمه منير الغضبان. لقد وقع الاختيار على هذا الشخص لأسباب لن أبسط فيها الآن. ذهب صالح يتحسس عنه فقد عرف اسمه ومن يكون ومحل إقامته.ثم حدث اللقاء..ومن أول وهلة كان اللقاء في أحسن ما يكون.كان عليه أن يبلغه ما يلي:"نحن نريد أن نعمل انقلاب لأجل إقامة الديمقراطية والعدالة، ونرجو أن ندخل الجنة بذلك.. نحن نعرفكم وما تطمحون إليه في حين أنتم لا تعرفوننا.. نعرف أن هذا قد لا يكون منهجكم ولكم أن تشكوا فينا..لكننا نعلن لكم عن أنفسنا ونترك لكم التقدير فيما تصنعون". وبالفعل كان الاختيار موفقا، فقد تلقى الشخص المذكور(صار يدعى طالبنا) الأمر بإيجابية ووعد بالرد.كان صالح جد مرتاح للقاء.وبعد فترة عاد طالبنا وقال إµم تقصوا عن صالح في كل مكان وزاوية ولم يجدوا ما يريب.لكن ليس لديهم رد إيجابي، فالموضوع كبيرلا يمكن لفرد البت فيه، ولا يمكن طرحه للنقاش لخطورته الأمنية، وإلا أصبح في الشارع،فضلا عن أن هذا ليس منهجهم! ثم توقفت الاتصالات لمدة أكثر من عام بسبب أحداث11 سبتمبر 2001 وغياب طالبنا . 15 لم يكن في الحقيقة التفاعل على مستوى الحدث، ولم ينتج عنه أمر ذوبال، إلا أµم كانوا حلفاء طبيعيين ضد الرئيس معاوية وضد إسرائيل، وكانوا مأمونين. غير أن ذلك الاتصال أفاد بشكل لا يصدق ولا يقدر لاحقا عند فشل انقلاب(8يونيو) والمرحلة التي أعقبته. تحضيرات إطلاق العملية غادرت المنزل مبكرا صبيحة السبت7يونيو2003،لتبليغ أمر التنفيذ لكل التشكيلات المشاركة: - الدروع: عبد الرحمن ولد ميني والمرحوم محمد ولد السالك؛ - مشاة البحرية: النقيب الطاهر ولد الفروي والمرحوم أج ولد عابدين؛ - الهندسة:المرحوم الرائد محمد ولد عبدي (وقد كان مرتبطا بصالح لكن حدث بينهما إشكال تطلب تدخلي لتسويته وهو ما كان، وأيضا تولى الرائد محمد ولد فال محاولة تسوية أمور أخري)؛ 4 - الطيران: النقيب أحمد ولد أحمد عبد الذي يرتبط به ضباط تلك الثكنة: النقيب الطيار محمد ولد سعدبوه والنقيب محفوظ ولد سيدي محمد؛ ولا يمكن أن نتجاوز أبدا المساعد الطبيب الناجي ولد محمد عبداالله الذي تولي مع جنوده مسك برج المراقبة وأوقف حركة الطيران المدني في مطار انواكشوط. - الحرس الوطني: النقيب الحرسي سيدي محمد ولد انه؛ - الحرس الرئاسي: الملازم أول محمد ولد حم فزاز كان سابقا في تلك التشكيلة ويعرفها والرقيب الشيخ ولد إبراهيم وهو عامل ¬ا؛ - إدارة البحرية: سيدي اعل ولد محمد فال؛ - النقيب الطيار محمد ولد سعدبوه ( هذا الطيار الشجاع وذو الخبرة الواسعة التحق باbموعة في الأسابيع الأخيرة عن طريق أحمد ولد أحمد عبد.و رغم 4 ظروفه العائلية الدقيقة حيث المرحوم والده - الذي توفي بعد الانقلاب بقليل- كان سيجري عملية جر احية في المستشفي العسكري .ولأنه كان متخصصا لم نكن نعرف ما نفعل به بشكل يناسبه.ولكن عرفت من أحمد أن هناك طائرة مجهزة دائما للحالات الطارئة(الإخلاءات الصحية وخلافه) و¬ا "الكيروسن" وهي طائرة صينية الصنع للاستطلاع والارتباط من نوع "Y12" لذا لمحت لنا الفكرة في استخدام الطيار والطائرة بشكل مناسب للترهيب وإظهار التفوق(تأثير ابسيكولوجي) ولإعطائنا صورة عن الموقف بمسحها المستمر للمنطقة وللداخل. بحثنا عن تزويدها بجنود لديهم رشاشات وبحثنا عن قنابل مسيلة للدموع أو حتي هجومية لرميها منها عند الحاجة .كان سيكون "قصفا" بدائيا لكن من تحتهم من غير المتعودين سيعتبروµا بمثابة قاذفات B52 الأمريكية الاستراتيجية! كنا نعلم بوجود طائرات حربية جديدة (دعم أرضي) متواجدة بالقواعد الجوية بالداخل لكن كنا نعرف أن عدد الطيارين هناك محدود جدا و نعرف مكان تخزين أسلحتها الرئيسية وبالتالي لم نكن نخشي منها). 16 - آخرون: النقيب بده ولد سيدي من الهندسة لكن كنا نريده لتعزيزنا لأن المرحوم محمد ولد عبدي كان محبوبا في ثكنته وقديم فيها ويستطيع تدبر أمره بنفسه. - قيادة الدرك: كانت ملحقة بالأركان الوطنية حيث لم يكن معنا أي ضابط من هذا السلك ، ولكنهم مع ذلك غير مهيئين للوقوف في وجه الجيش وأسلحته. - الأركان الوطنية/كتيبة القيادة والخدمات :كان هناك بعض الضباط الشباب مثل سعدن ولد حمادي مرتبط بصالح (ليلة الحدث لم يكن موجودا وإنما قدم في الصباح وذكروا أنه كان بطلا ) .إضافة إلى ذلك فإن كل الضباط في الأركان معروفون لدينا وهم إما أصدقاء في الغالب أو هم مرؤوسون. وأيا كان المداوم منهم فلا يستحيل استقطابه في اللحظة الحاسمة. كان هناك أيضا الرائد حبيب ولد أبومحمد الذي حاولت معه لأسابيع عديدة، وكانت المشكلة لديه دائما في المشروعية الدينية للموضوع، وقد تقدمنا كثيرا معه حتى أنه ذكر لي أن عنده شيئا مهما بالنسبة لي حينها ، وقد كنت أنوي المرور عليه يوم 7يونيو2003م لإبلاغه أننا قررنا التحرك، وكنت متيقنا أنه لن يتخلف أو يخذلنا، ولكني نتيجة الحوادث غير المتوقعة خلال ذلك اليوم لم أجد وقتا لذلك. وقد كان ممكنا إرساله إلى قيادة الأركان.ضف إلى هذا أننا كنا نقدر أنه إذا تعاون معنا الرئد الحسن ولد مكت فذلك مكانه وهو وبمفرده كفيل به لو أنه قبل بالأمر. وسنعود لاحقا لهذا الموضوع. - المدفعية:قياداا لم نصنفها خطرة وكانت ملحقة إلى حد ما بالبحرية اbاورة لها. - المنطقة العسكرية السادسة: بكل ما فيها كلف ¬ا الرائد محمد ولد فال . وكان هناك الكثير من الضباط المتذمرين والمستعدين للمشاركة دون تردد وهو ما ظهر جليا في 8 يونيو ومنذ الوهلة الأولى، مثل: الرائد محمد لمين ولد لغلال النقباء فراح ولد إشكونة وأحمد سالم ولد كعباش واعل ولد مغلاه واج ولد حد والملازم موسى ولد سالم وغيرهم... وأدوارهم كانت بارزة وفعالة. و¬ذه المناسبة فإني أشيد بشجاعتهم وجسارم على خوض معمعة خطيرة دون سابق تحضير نفسي، وهذا في تقديري يتجاوز شجاعة المخططين الفعليين للعملية. أما ضباط الصف والجنود الذين اندمجوا بشجاعة وإقدام فحدث عنهم ولا حرج، وهي مناسبة للترحم على شهدائهم. 17 اجتماعات مهمة حضر الرائد محمد ولد فال اجتماعا ثلاثيا ليلة 7 يونيو ضمني وإياه وصالح، وقد تم هذا الاجتماع في سيارة مسرعة على طريق الأمل يقودها صالح، كما عقد اجتماع ثلاثي مماثل ساعات قبل ذلك حضره نفس الأشخاص في سيارة يقودها صالح على طريق روصو. وقد كان محمد ولد فال يقترح التأجيل لعام -أي إلى حين عودته من الأردن- أو على الأقل حتى يوليو الذي هو شهر مبارك ينتصر فيه المسلمون والعرب دائما - حسب تعبيره وهو شيء تأكدت منه بالاستقراء لاحقا.لكنني كنت مصرا على التنفيذ القريب إن لم نقل الفوري، وذلك لأنه لم يبق لنا من نريد استقطابه في انواكشوط والسر أصبح في دائرة واسعة، ولا يمكن المحافظة عليه إلى ما لاµاية. كانت الفترة من يونيو إلى بداية يوليو مناسبة،حيث هناك ضباط عائدون من دورات لم يحولوا وآخرون ذاهبون في دورات يتهيؤون للسفر، والكل موجود بانواكشوط. وكان هناك عامل آخر شخصي ضاغط، وهو أن الرئيس معاوية بعد سقوط بغداد تشجع وقام باعتقالات موسعة شملت ضمن آخرين أخي الأصغر سيد أعمر(الذي اعتقل يوم7مايو)، وقد يؤدي ذلك للريبة، أو على الأقل يمكن أن يؤدي إلى تحويلي خارج انواكشوط، وواضح ما سيترتب على ذلك. أما تأجيله لسنة فهو غير مطروح، لأن الدور كان سيحل علي لأذهب في دورة أركان في نفس السنة. بعد أخذ ورد، طلب الرائد محمد ولد فال التأجيل لأسبوع فقط.قلت له إنني سأتصل بكل العناصر التي كنا طلبنا منها الاستعداد لاحتمال العمل µاية ذلك الأسبوع،فإذا لم يكن هناك اعتراض..قبلنا التأجيل. في الذهاب والعودة أصر ولد فال على تثبيت شيء (ملء الفراغ)، فقد قال إننا مثاليون و حالمون.. وقد يكون له الحق في بعض ذلك..ناقشنا من يكون الرئيس، ولم نحسم أي شيء (تركنا بعض الخيارات مفتوحة: الضغط على الرئيس معاوية من أجل الاستقالة - رئاسة بالإنابة لرئيس مجلس الشيوخ - رئاسة جماعية من الرؤساء السابقين. وحتي أثرنا بشكل أقل ترجيحا بعض الشخصيات التي يمكن أن تكون مناسبة بحكم ما نطلع عليه في الإعلام أمثال: أحمد ولد عبد االله والمرحوم محمد سعيد ولد همدي كما كان عالقا بذهني شخصيا و بدرجة أقل السادة : مصطفي سيدات وأحمد ولد سيدي ولد حنن والسيد أحمد كلي ولد الشيخ سيديا وإعل ولد علاف ويحي ولد منكوس والأخيران لا زلت إلي الآن لا أعرفهما معرفة شخصية). وفيما يتعلق برئيس الحكومة طرح اسم السيد: سيدي محمد ولد ببكر أو أحد رجال الأعمال وكان الغرض من ذلك الحصول على وجه معروف في الداخل والخارج مطمئن للنخب الحاكمة والقوى الغربية(أمريكا كانت منتصرة وفي مرحلة النشوة فلم تبدأ المقاومة بعد في العراق والرئيس معاوية هو رجل أمريكا وإسرائيل وإسبانيا).كانت هناك خشية 18 ، وفي المقابل كانت اللحظة حافزا لنا لمقاومة ذلك الإذلال عبر الانتقام من أمريكا وإسرائيل من خلال 5 من اللحظة الإطاحة بوكيلهما الرئيس معاوية الذي كنا نراه بطريقة ما هو أمريكا وإسرائيل التي يمكن أن تصل إليهما أيدينا،وفي الحقيقة - ومع المراجعة- كان التوصيف يحمل بعض التجني في حق الرجل المسكون بـ "العظمة الموريتانية" وفق فهمه الخاص! وكان علينا كذلك مراعاة مواقف دول الجوار،على أن نستغل ذلك التدبير السياسي من أجل تمرير الانقلاب والخروج من عنق الزجاجة، وتأمين إمدادات البلد، وحصول الانطباع أن التغيير داخل النخبة وليس تغيير للنخبة بكاملها،.بالطبع سيكون ذلك محبطا لدعاة التغيير لكننا نعتقد أننا سنستطيع طمأنتهم بالشكل الكافي.والحقيقة أنه لم تكن لنا خصومة مع أحد أو حقد عليه أو سعي لقلب الطاولة، وإنما انسلاخ متدرج ومشاركة للكل في ديناميكية تبشر بالخير للجميع. بالنسبة للمنصبين الحكوميين المقررين، اقترحت صالح لمنصب وزير الدفاع، وكان الدافع لذلك منطقي فهو أصبح شبه مدني وبالتالي خارج التراتبية العسكرية التقليدية.كما اقترحنا محمد ولد فال للداخلية(كان مطلوبا أن يجيز كل ذلك بقية المشاركين بعد النجاح).سألني ولد فال مستغربا:وأنت ما ذا ستكون؟ شرحت له بسرعة ودون تعميق، فقال: هذا أهم من كل هذا! الحقيقة ما كنت أقصده، ولم أبحثه حتى مع صالح وهو لا يعرفه، هو أن اضطلع بالصلاحيات العسكرية والأمنية للرئيس بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي سيعين ضمن إحدى الصيغ الهشة التي ذكرنا سابقا.وكنت أفكر بصيغة لذلك تتمثل في مجلس بتسمية معينة وبمضمون أمني معلن، على أن يكون الضباط الأساسيون في المشروع أعضاء فيه، وقد يكون زملاؤنا الوزراء من هذا اbلس مع مراعاة وضعهم البروتوكولي(لم يكن هناك في الحقيقة شيئا - وكنا نقدر أنه في أسوء الظروف لو أن أسطول الأطلسي الأمريكي كان في الأفق، وكانت هناك قرارات من مجلس الأمن، فإننا سنفاوض من أجل 5 انتخابات رئاسية نزيهة في وقتها تشرف عليها هيئة دولية محايدة، بحيث لا يبقى تحت تصرف الرئيس معاوية: الإدارة والجيش ووسائل الدولة المالية (حياد الإدارة الكامل). وهو أمر منطقي لا يمكن رفضه، وكنا متأكدين بخلق دينامكية لهزيمة معاوية في هذه الانتخابات. فنحن نفكر على طيف واسع من الاحتمالات القصوى. وبالمناسبة فقد عرفت بعد ذلك أن الأمور كانت أهون من ذلك بكثير، فقد عرفت من مصطفي أن الإماراتيين اتصلوا عليه وقالوا إµم مستعدون لإرسال طائرة إلينا في انواكشوط! وقال لي بعد ذلك دياوارا نقلا عن السنغاليين إن الرئيس شيراك اتصل يوم 8 يونيو على الرئيس واد وتشاور معه في الموقف، واقترح الأخير إدانة لفظية واعترافا ووافقه الأول. أما القائم بالأعمال الليبي، فقد قال لي في 2006 أن القذافي تلك الليلة لم ينم ولم يكن مناسبا الذهاب للمكتب في الليل، ولكنه كان الثامنة تماما في مكتبه ينتظر منا مكالمة ليساعدنا! مصطفى تحرك من جدة إلى دكار ليكون قريبا من مسرح للأحداث وليتصل بنا وهذه بوابة لبعض إفريقيا. أمريكا لم يكن لها رد فعل إلا بعد أن انتهى كل شيء، أما إسرائيل فلا أظنها تكلمت مطلقا. 19 ناضجا ومحسوما وµائيا، وإنما سيعرض على القادة لتعميقه وإجازته فهو رؤية فقط).كان هذا اbلس هو من سيكون المسئول عن تأمين التغيير خلال الفترة الانتقالية، وهو الإطار الذي سيتم من خلاله ضمان المشاركة الفعلية والمؤثرة لقادة الصف الأول للانقلاب في صياغة ملامح التغيير وصيرورته اقتراحا وإفادة،كما سيكون المعبر عن الوجود 6 الحقيقي للقوات المسلحة ومركز التأثير فيها . وخلال النقاش الصباحي في السيارة لم يشارك صالح كثيرا، ولكنه قال لنا إن هذه السيارة ستبقي تسير باتجاه روصو إلى أن تتفقا.وقد عدنا في حدود الساعة 12 زوالا، وكان اليوم يوم جمعة. كنا قد وزعنا منذ يوم أواثنين شبكة هواتف (أرقامها جديدة وغير معروفة) هدفها تسهيل التواصل بشكل مستعجل وآمن.عند اتصالي بأحمد ولد أحمد عبد أخبرني أنه كلم يوم الخميس أحد الضباط في الموضوع، وأنه قال له بأنه لن يشارك ولن يقوم بالوشاية بالأمر، وأنه مسافر إلى بوتلميت ريثما ينهون الأمر،وأخبرني أنه ليس واثقا من عدم إبلاغه بعد عودته إذا لم يتم التنفيذ في الوقت المحدد.كان ذلك وحده كافيا، ولم أحتج للتقصي لدى الآخرين.مع المغرب التقينا ثلاثتنا مجددا ولكن على طريق بوتلميت هذه المرة كما أسلفت ،وتم الإبقاء على التاريخ الذي كان محددا مع العناصر الأخرى التي يجب التأكيد عليها بشكل µائي الآن.كانت مهمتي هي التي ذكرت آنفا أي إبلاغ العناصر المرتبطة بي،وكان ولد فال مكلفا بالمنطقة العسكرية 6 بكل ما فيها ، وكذلك الاتصال بمن يمكنه الاتصال به في الأركان الوطنية وخصوصا الرائد الحسن ولد مكت. أما صالح فكان عليه إعلام بعض الضباط الشباب من مدينة لعيون متواجدون في انواكشوط وفي كان التفكير غير المعبر عنه بعد يتمثل في إنشاء 6فيالق(تجمعات): 6- -4(أربعة )منها موزعة كما يلي:فيلق باتجاه الشرق (طريق الأمل)،وفيلق ثان في الشمال (طريق أطار)، وثالث باتجاه انواذيبو(الطريق الساحلي)، ورابع إلى جهة الجنوب (طريق روصو). -أما الفيلقان الآخران فسيتبع أحدهما للطيران والآخر للبحرية. كان سيتم توزيع الوحدات القوية في الجيش بما فيها الدروع والمدفعية وفي الدرك و في الحرس وحتى في الشرطة على هذه الفيالق(تشكيلات عملياتية)بقدر ٍ متساو على أن تبقى تابعة لتشكيلاا الأم عضويا وإداريا لأن هذه المفصلة مؤقتة خلال الفترة الانتقالية، وهدفها التأمين من أي خطر خارجي أو داخلي، لأن تعددها يردع كل مغامرة من أي كان،وكانت ستختفي مع µاية الفترة وإعادة تنظيم الجيش بطريقة جديدة نموذجية وطبيعية على ضوء الانتقال الديمقراطي الذي سيحصل. كان هذا سيسمح بإعطاء مضمون لمشاركة ضباط التغيير، وفي نفس الوقت المحافظة على الأطر التقليدية للضباط الآخرين ومناصبهم السامية وامتيازام، مع أµا ستكون مسخرة لدعم وإسناد التشكيلات المؤقتة المأمونة.كما كان سيكون لهذه الهيئة انفتاح على التشكيلات السياسية،وإشراف على إدارة الانتقال الديمقراطي ولم يكن معروفا ضرورة حضور اجتماعات الحكومة أم يكتفي وجود الأخوين الآخرين. كان الأمر يحتاج أن تتشاور الجماعة فيه وتقرر، ولكن هذا ما كان سيطرح للنقاش. 20 الداخل(الملازمون الآوائل محمد ولد الشيباني من الهندسة العسكرية وسعدن ولد حمادي الذي أشرنا إليه سابقا و كان علي جهة بوتلميت و ديدي ولد امحمد متدرب بالمدرسة العسكرية...إلخ)، وعليه أن يقوم صحبة المساعد محمد ولد سيدي محمد بتسوية بعض الأمور اللوجستية . كما كان على صالح أن يحصل لنا على منزل قرب كتيبة الدروع 7 ليجتمع فيه القادمون ابتداء من العاشر ة لتحديد الترتيبات النهائية لاقتحام الكتيبة وتأمينها والمهمات التالية (قيادات الأركان والرئاسة وغير ذلك). في كتيبة الدروع كان عبد الرحمن ولد ميني والمرحوم محمد ولد السالك سيتناولان العشاء في الثكنة في منزل الأول بشكل مشترك ومعهم ضابط المداومة سدوم ولد ا¬اه الذي لم يكن معنا، وكنت قد سلمت عبد الرحمن بعد المغرب قدرا من الذخيرة حصلت عليه من عند الملازم أول محمد ولد حم فزاز وهو أمر في غاية الأهمية. أما التشكيلات ِرست معها بعناية وتفصيل الأخرى فكانت كل واحدة منها تعرف مهمتها بدقة حيث د . ُ قصة الحسن ولد مكت ما يقوله الأخ صالح في موضوع العقيد الحسن ولد مكت غير دقيق وفيه بعض التحامل غير المبرر.هذا الضابط ساعد مع قيادته في التغطية علي قضية الأخ صالح خلال العام 2000م كما شرحت آنفا،ولكنه لم يكن أبدا معنا في التنظيم العسكري، فهو مدير الاستخبارات العسكرية المساعد وأقدم في الرتبة منا جميعا، فضلا عن كونه محنكا وذا شخصية قوية وصاحب علاقات واسعة وبالتالي كان وجوده مربكا لنا فهو غير مناسب من كل النواحي.صحيح أننا كنا نحترمه ونعول عليه في الوقت الحاسم (آخر لحظة)، ولاسيما عن طريق صديقه محمد الأمين ولد الواعر. ولكن عندما حان ذلك الوقت كان ولد الواعر في انواذيبو، ولا يمكن أن يأتي، والاتصال بالهاتف غير مأمون في مثل هذه القضايا،لذا فقد كان الرائد محمد ولد فال قريبا من الحسن و قال إنه يمكن أن يفاتحه في الموضوع. و طلبنا منه أن يبلغه أننا نعرض عليه أن يكون مديرا للأمن الوطني إذا نجح الأمر. ولا أدري حتى الآن ما دار بينهما بالضبط صبيحة يوم 7 يونيو 2003، لكن يبدو أن الحسن لم يرض عن الموضوع وذهب يبحث عني في المنزل الذي كنت قد غادرته في حدود التاسعة صباحا لتبليغ أمر التنفيذ لكل التشكيلات المشاركة. حيث كان ينبغي إعطاء كل مسؤول عن تشكيلة رزمة ¬ا عدة كاملة(معول كبير ومنشار حديدي لكسر الأقفال وشراء أقفال بديلة- مصابيح - أبواق 7- للتواصل – حبال للسيطرة على العناصر وبعض القماش لونه أزرق :قطعة قماش كبيرة للعربات وقطعة صغيرة توضع على الجناح وذلك للتعارف فيما بين الأفراد والتميز عن غيرنا)،وقد تم تخزين كل ذلك في منزل المساعد محمد ولد سيدي محمد ولد عابدين. وكانت زوجته ليلى منت أجيون (امرأة علوية فاضلة وطيبة شفاها االله) هي من قامت بالفرز وبتقطيع القماش، واستعانت ببعض قريباا في ذلك. 21 أµيت الإشكال الذي كان موجودا مع المرحوم محمد ولد عبدي -ونعم الرجل-، ورجعت إلى أحمد ولد أحمد عبد في نفس الحي ووجدت معه النقيب سيدي محمد ولدانه. اقترحت على أحمد أن يتواجد خارج منزله احترازا، لأنه كانت عندنا الخطة العادية في وقتها، والخطة الطارئة وهي أن نذهب مباشرة لإطلاق العملية ومغالبة من نجد.لكنه رفض، وقال:لن أفعل..سأبقى هنا، ولن أذهب إلا إلى الثكنة مباشرة.ذهبت في سيارتي وخلفي النقيب ولد انه في سيارة هيليكس تابعة للحرس لأريه محلا قرب بقالة "االله أكبر" سيجد عنده في المساء رزمتي أدوات :واحدة له وأخرى للطيران ليوصلها لأحمد فيما بعد. عند وصولنا لعين المكان (بقالة االله أكبر) اتصل بي الأخ صالح مذعورا، وقال لي: ولد فال لديه مشكلة خطيرة عليك أن تذهب إليه.كان منزل ولد فال قريبا جدا، فجئته ووجدته هناك ومعه الرائد الحسن ولد مكت الذي قال أنه لا يوافق على الأمر ويأمر بتوقيفه حالا وإلا بلغ قيادته. لقد كان رئيسه المباشر قائد المكتب الثاني(مكتب الاستخبارات العسكرية)العقيد عثمان ولد كازا مسافرا، و الحسن هو المسئول الآن. وهذا الأمر لن يكون ناضجا مثله مثل المرة السابقة، وعلى كل حال فهو لا يرضي أن يورط ¬ذا الشكل في هكذا أمور. وأضاف:"أنتم أحبتي وأصدقائي وأشفق عليكم من المخاطرة غير المحسوبة، ثم إنني محرج اليوم لأني الشخص المسؤول عن أمن البلد، فلو كان رئيسي موجودا لربما استنكفت أو سافرت للداخل، ولهذه الأسباب أطلب منكم توقيف العملية".قلت له: إذا كنت تصر على ذلك سنفعل( في الحقيقة لم يكن ذلك مطروحا أبدا)، ولكن لتسمع منا: "نحن لسنا مغامرين فلدينا أسبابنا(شرحتها له،ولم تكن تلك هي المشكلة) ولدينا الوسائل لذلك(شرحت له كل ما يطمئنه حول جديتنا وما عندنا إذ بالنسبة لي الأمور منتهية).بدا الأمر مقنعا، ولكنه كان متوترا وغير مصدق. وقد أضفت لا تعتقد بأن النظام يعلم بأمرنا وهو ينتظرنا حتي نؤخذ بالجرم المشهود فمنذ متى كان لهم هذا الهدوء وبرودة الأعصاب حتى يصبروا علىنا؟ وإن كان لهم مثل هذا الصبر والانتظار من يضمن لهم القدرة على إيقافنا ونحن على بعد ساعات من التنفيذ؟ ثم إنك إذا وافقتنا نستطيع أن نطلق العملية حالا".بدا الرجل مشتتا، فانتقلت إلى الهجوم المضاد،وأخبرته أننا ننوي ترشيح سيدي محمد ولد بوبكر لرئاسة الحكومة (وهو قريبه)، وهذا صحيح، وزدت عليه أننا نريد العقيد عبد الرحمن ولد بوبكر (قريب آخرله) قائدا للأركان، وهو أمرقد يكون معقولا لديه لأن عبد الرحمن سبق أن كان رئيسي في المكتب الأول وهو محل تقدير، وكانت هذه النقطة من عندي لإحراجه،عند ذلك رد علي محمد: لا تحاول الزج ¬ذه الشخصيات في هذه الأمور .والحقيقة أننا كنا نريد قيادة الأركان للمرحوم العقيد محمد لمين ولد 22 انجيان وذلك للمحافظة على وحدة الجيش ولم نكن نرشحه جديا كرئيس للدولة كما ما سمعته مرة من صالح، ولا أدري لماذا يقول ذلك؟بالفعل، كان ذلك ممكنا بعد تعثر الانقلاب حينما أرسل قائد الأركان رقم هاتفه مع ضابط للتواصل معه كما ورد في محضر ذلك الضابط، ولم يستطع صالح الاتصال به على اعتبار أنه غير مخول، ولكنه لم ي .وبالنسبة لي فقد كانت تلك فرصة لا تعوض لرأب الصدع وإحداث تغيير بالجميع،فقد يكون مقبو لا ُعلمنا بالعرض - حينها- من باب الاضطرار أو (ما بقي متاحا) رئاسة المرحوم محمد لمين ولد انجيان للدولة لاسيما أن علاقتي كانت به قوية وهو مأمون أخلاقيا وسياسيا.لكن رئاسته كانت ستكون مناهضة - طبعا- للترتيب الأمني والعسكري الذي شرحنا سابقا، وثمة خطورة أن يجتمع حوله الضباط الأقدم لمزاحمتنا وإفشالنا. وكانت فكرة اختيار عبد الرحمن ولد بوبكر قائدا للأركان في حالة اعتذار المرحوم أنجيان أو في حالة رئاسته -غير المطروحة من حيث الأصل- واردة في ذهني ذلك اليوم على كل حال. وأضفت للرائد الحسن:"إننا لا نحرجك في شيء..فقط، عندما نرسل من يستولي على الأركان، إذا كنت أنت لا تريد أن تتولى ذلك،نريد أن تأتي لتضم إلينا وحدات وتشكيلات الداخل، وأن تتصل بالأطراف السياسية"، فعلق قائلا:"هذا سهل وأستطيع القيام به ، لكن مشكلتي أخلاقية وتتعلق بأداء الواجب" أعتقد أنه كان يجاملنا للتملص الآمن. بعد قرابة ساعتين كنا عند هذه النقطة دون أن نتجاوزها.فقلت له: "إذا كان لا يزال رأيك التأجيل فسنسعى لنعرف من عناصرنا مدى إمكانية ذلك،وإبلاغك بعد ذلك..نحن لدينا وسائل تحقيق طموحنا بشكل جدي وحاسم، والراجح أن النظام لا يعلم بأمرنا". انصرف الحسن وبقيت مع ولد فال الذي يبدو أنه غط في نوم عميق خلال نقاشي مع الحسن وقد قال لي أنه متفائل بما يلمس من وجه الحسن لكنه أضاف متسائلا: إن كان يمكننا التأجيل الذي طلبه الحسن؟قلت إن ذلك لن يكون أبدا،وإذا كان علينا أن نطلق العملية حالا فسنفعل.هل رأيت ما حل بنا عندما أجلنا في المرة السابقة؟ أجاب:سرح أفراد وعاودتم، ......... ويبدو أن الحسن ولد مكت أصبحت لديه أزمة ضمير خاصة،هل يبلغ كما يملي عليه الواجب المهني، أم يمتنع عن ذلك إرضاء لقلبه وضميره،لا سيما أن أشخاصا عزيزين عليه أصبحوا معنا في الكفة التي ستتضرر؟.تبعه الرائد محمد ولد فال، ولا أدري بعد ذلك ماذا حدث قبل أن يبلغنا ولد فال بعد الحادية عشر ليلا أن الرائد الحسن قرر إبلاغ لكن يبدو أن الأخير لم ي لب مني الحضور إليه ُ ّصد قائد الأركان. ق، واستنكر الزج بي في الموضوع، وأرسل الحسن ليط 23 نفس الليلة. ولما لم يجدني في المنزل، وأبلغه بذلك، طلب منه أن يفعل ذلك في الصباح،لكن العملية كانت قد انطلقت في نفس الوقت تقريبا. أما الضابط الذي أرسله المرحوم برقم الهاتف ليتم الاتصال عليه لمعرفة مطالبنا فقد جري ذلك بعد وقت طويل أي وفي وقت متأخر من الليل. هل كانت "فعلة" الحسن في هذا التوقيت والتي أربكتنا أيما إرباك وذهبت بالأمور نحو ذلك المنحى غير المقدر والمأساوي... كانت بالنسبة له نوعا من الموازنة بين المتناقضات؟، الأكيد.. وشهادة حق للتاريخ، أن الحسن لم يكن يعمل معنا وإن كنا نعول عليه، ثم إنه لو كان يقصد الإضرار المحض بنا لكان بلغ بالأمر في هدوء عند القيلولة، وسايرنا حتى يتم إحباط الأمر ونحن لا نعلم. بدء العملية: بعد العاشرة ليلا كنا قد بدأنا نتوارد على المنزل المحاذي لكتيبة الدروع من جهة الجنوب. كان من بيننا من وصل إلى المنزل بالفعل، ومنا من لم يصل بعد. كان من المقرر أن تجتمع فيه اbموعة غير المرتبطة بمهمة محددة في ثكنة معينة تعمل ¬ا، فبعض عناصر هذه اbموعة من ثكنات انواكشوط والبعض الآخر قادم من الداخل. كان المقرر بعد وجبة العشاء أن يوضع الجميع (الحضور) في الصورة الكلية، ويبين لهم ما سيقومون به عند بدء العملية أي مساعدة قيادة كتيبة الدروع في السيطرة عليها وتأمينها، ثم الواجبات التالية لذلك: الرئاسة –مقر كتيبة الحرس الرئاسي – الأركانات وكتيبة القيادة والخدمات، أما الثكنات الأخرى فقد كان أمرها مدروسا مع أهلها منذ فترة. كان سيتم تحديد مفصلة وتوزيع أدوار وتحديد تعليمات التنسيق والاتصال النهائية، وحتى شرح تكتيك التعامل مع كل ثكنة (تحديد الطريقة المثلى لتنفيذ الواجب والخيارات البديلة المتاحة) والمخاطر المحتملة وطريقة درئها، والمعلومات التفصيلية والجزئية لكل موقع، ومناقشة كل أحد في واجبه حتى يستوعبه جيدا فتجري الأمور بسلاسة ويسر وأمان. قريبا من الحادية عشرة كنت أركن سيارتي العسكرية (سيارة الوظيفة) عند معارف (منزل مجمد ولد حمادي ولد جدو)سكنهم غير بعيد من نقطة التجمع. وبدأت أقترب من منزل التجمع. كانت حركة الخروج منه والدخول إليه كثيرة، وكان بعض الشباب واقفا عند محل تجاري مجاور. فجأة جاءني صالح ¬اتفه وقال لي: "صاحبك يريدك".. كان 24 على الخط الرائد محمد ولد فال حيث أعلمني بذهاب الحسن للإبلاغ، فرددت عليه بأننا سنطلق العملية فورا. ثم قلت للأخ صالح: على بركة االله. بدأت بالاتصال أولا بالنقيب عبد الر حمن وكان معه في منزله المرحوم محمد ولد السالك (حكي لي فيما بعد عن الجو في المنزل بعد هذا الاتصال!)، ثم بأحمد ولد أحمد عبد (الطيران)، ثم بالبحرية ومشاا (النقباء سيد اعل والطاهر والمرحوم اج ولد عابدين). أما النقباء بده ولد الشيخ أحمد (الهندسة)، محمد ولد حم فزاز (الأركان وسابقا من الحرس الرئاسي)، وسيدي محمد ولد أنه من الحرس الوطني فقد كانوا معنا في المنزل، وكذلك كل الإخوة الضباط المرتبطين بالأخ صالح، وهم النقباء: محمد ولد الشيباني من الهندسة، حمود ولد باب من الحرس الوطني (عامل بكيهيدي) ومتخصص الدروع ديدي ولد امحمد القادم من أطار حيث كان في تدريب ... إلخ. أما النقيب سعدن ولد حمادي فقد كان خارج انواكشوط ولم يصل إلا في الصباح، لكن السيد صالح يقول في شهادته إنه كان ضابط المداومة في تلك الليلة بالأركان، وأنه كان ينتظرني هناك! وأخيرا المساعد محمد ولد سيدي محمد ولد عابدين، وأرجو أن لا أكون نسيت أحدا من الضباط. كان معي أيضا الرقيب خويه ولد محمد الشيخ من المستشفي العسكري والعريف اعل ولد عمار (مرافقي). طلبت من الرائد صالح -بموازاة اتصالاتي- أن يعلم المرحوم الرائد محمد ولد عبدي (الهندسة) والرائد محمد لمين ولد الواعر في انواذيبو، وأن يخبر الأخير بالذي فعله معنا زميله! كما سيكون الأخ صالح أجرى اتصالات أخرى مطلوبة. بعد الانتهاء من إعلام العناصر البعيدة، دخلنا المنزل وأخبرنا العناصر اbتمعة فيه أن العملية ستبدأ حالا، وشرعنا في استبدال الزي المدني بالزي العسكري. كان هناك ضوضاء نتيجة الارتداء السريع للملابس العسكرية لكن الوجوم كان مخيما في الغرفة. خرجنا وأعلمنا أهل الدروع بأننا قادمون.. ثم سرنا حوالي 100 إلى 150 مترا لنصل قبالة الباب الجنوبي لكتيبة الدروع على بعد 15 متر تقريبا. توقفنا قليلا، إذ لم نكن نرى أحدا عند البوابة.. ثم: "هوب"! تماما كمن يقفز في الماء، دخلنا ركضا.. وعند اجتيازنا البوابة إذا بالنقيبين عبد الرحمن والمرحوم محمد ولد السالك بقامتيهما الفارعتين ومعهم الملازم أول سدوم ولد ا¬اه ضابط المداومة الذي ذهل من هول الصدمة. التفت إليه المرحوم محمد ولد السالك، كمن يريد تقرير شيء كان يقوله، وخاطبه: "أليس هؤلاء هم الضباط المحترمون؟!"... انطلقنا مباشرة نحو المخازن، قرب المكاتب، وبدأنا في تغيير الحراسات. أحد الضباط وأظنه المرحوم محمد ولد السالك تولى إخراج الدبابات وانتزع مفاتيح العنابر من ضابط يسكن داخل الثكنة كحال عبد الرحمن. 25 ِقت النار بجانبه، امتنع هذا الضابط أولا على ما يبدو عن تسليم المفاتيح، لكنه سلمها تحت التهديد وبعد أن أُطل وهو صوت الرصاص الذي سمعه جيران الثكنة.. لم يصب هذا الضابط بأي أذى، ولكنه بات معتقلا. رزمة الآلات المعدة لكسر الأقفال لم نجدها في جو الفوضى العارمة. لقد اضطررنا إلى فتح مخزن الأسلحة بأيدي الرجال.. كان باب المخزن مزدوجا وعليه عارضة صلبة من الحديد، أحد جانبيها مثبت والآخر عليه قفل كبير! تسلح الجميع من المخزن برشاشات كلاشنكوف، كما تسلح عنصر البحرية الذي كان في الطريق إلى ثكنته بعد أن عاين انطلاق العملية في كتيبة الدروع، وكذلك عنصر الحرس الوطني الذي دخل معنا. أما مخزن الذخيرة فقد تم فتحه بعد خروج الدبابات من العنابر، وذلك بدفعه بسبطانة المدفع الرئيسي للدبابة، وهو "تكنيك" استقيناه من المحتل الإسرائيلي الذي كان يعتمده في فتح المحلات الفلسطينية المضربة. عودة قليلا للوراء بشأن كتيبة الدروع، فقد كان في هذه الكتيبة عدد(....) سرايا، كان معنا منها 3 سرايا هي التي يقودها النقباء عبد الرحمن ولد ميني ومحفوظ ولد بيبه والمرحوم محمد ولد السالك، وهذا الأخير من الضباط المحظوظين الذين كان نابليون يتمني أن يكونوا معه، حيث نقل عنه قوله: "أعطوني الضباط الذين لديهم الحظ!"، وقد كان ولد السالك على طول المسيرة ميمون الطالع. فضلا عن هذه السرايا الثلاث، كانت هناك سرية يقودها النقيب أج ولد سيد محمد الذي ليس معنا، ولكننا كنا نعول عليه كثيرا، أما قادة السرايا الأخرى فلم نكن نصنفهم خطرين. كانت هناك دبابات جديدة تم شراؤها من بولونيا حديثا (في حالة جيدة) طلاؤها أخضر (لون الغابات)، انضافت إلى الدبابات العراقية القديمة ذات الطلاء المزركش بالأصفر الغامق والسواد (تمويه الأراضي العراقية التي هي صحراوية وطينية). في هذه الفترة، كانت هناك دورة مفتوحة بالكتيبة لتكوين أطقم الدبابات الجديدة، وكانوا يبيتون في الثكنة حيث يتولى النقيب عبد الرحمن الإشراف عليهم. كانت لحظة خروج الدبابات من عنابرها ووصولها إلى حيث نحن عند المخازن من أسعد اللحظات، وقد بدت لي الدبابات البولونية الخضراء والنقع الذي تثيره أصغر حجما مما كنت أتوقع. استدعى تحضير الدبابات وأطقمها وقتا طويلا، لكن خروجها ومرابطتها أمام حائط الكتيبة جعلنا آمنين من تدخل أي قوة أخرى في هذا الوقت الحساس. 26 الفروق بين خطتي 2000م و2003م: كانت هناك عدة فوارق بين محاولتي 2000 و2003 َ ، ومن ثم فكرة المناورة في كلتيهما وما يتبع ذلك من تأثير على المفصلة وتوزيع الأدوار وبالتالي الموقع المناسب لتواجد القائد . كانت محاولة العام 2000 م ستجري في ظرف خاص ضاغط، يتميز بوفرة الوسائل البشرية والمادية المعبأة، ووجود معظم الجيش في العاصمة أي في المتناول، وهي فرصة و خطورة في الوقت نفسه. لذا تمثل الهدف الأساسي ذي التأثير الرئيسي في النجاح بإدارة عملية معقدة ومنسقة بشكل دقيق بدءا بوضع اليد على القوات، إلى الاستيلاء على الثكنات وتأمينها والتزود منها، ثم إعادة الانتشار من جديد للاستيلاء على المحاور والمشاركة في حصار الهدف الأساسي الحيوي أي الرئاسة؛ كل هذا في وقت قصير، وفي مدينة متخمة بالقوات، مع أعباء واجب كسب الأنصار وتحييد الخصوم. لذا كان التنسيق والإدارة والسيطرة هو الواجب الرئيسي، وقيادة الأركان هي المكان الحيوي، وكان على القائد أن يكون هناك من أول وهلة. بينما كانت محاولة 2003 ستجري في ظرف عادي وبعد تخطيط دقيق، لكنها كانت تتميز من حيث الوسائل بشح الموارد البشرية المتاحة، وضعف التعبئة الأولية (كان الذي معنا حقيقة هو حوالي 20 ضابط وضابط صف فقط). ولم يكن يوجد بالوحدات إلا الحراسات دون أية احتياطات، كما لا توجد ¬ا أسلحة مجهزة ومركبة على وسائط نقل. مثَّلت كتيبة الأمن الرئاسي الخصم الرئيس، حيث يوجد ¬ا عدد معتبر على الأقل(...) فرد بشكل دائم، وهي مدربة ومسلحة ومجهزة بأحسن ما يكون باعتبارها درع الرئيس. أما كتيبة الدروع فكانت سلاحا متفوقا بالنار والحركة والحماية، وكانت تعتبر سيف الرئيس. أما غيرهما من الوحدات فلم يكن يحسب له في الساعات الأولى الحساب الكبير. كان النجاح يتطلب، ومن البداية، أن تجعل إلى جانبك إحدى هاتين الكتيبتين. كانت إحداهما (الحرس الرئاسي) مغلقة ولا سبيل إلى الوصول إليها. أما الثانية، فقد تأكدت لنا فيها الفرصة وهي بالنسبة لنا سبيل الخلاص وأمل النجاح. لذا كان التحدي الحقيقي هو في التأكد التام من سقوطها في يدك، وذلك بخلق تفوق عددي ونوعي فيها، وحشد كل الطاقات لذلك (حتى بإهمال غيرها ظرفيا ومرحليا)، وبالتالي تكون قاعدة الانطلاق ومركز القيادة ومركز التموين والعنوان و الحرم(SANCTUAIRE). لقد كنا كمن ينتزع سيف الرئيس من يده ويضربه به على المغفر وعلى المناطق الرخوة من الدرع! 27 لم تكن الأركان مهمة بالنسبة لنا، فماذا عساها تنفع أو تفيد في الساعة أو الساعتين الأوليين التي سيكون فيها الحسم، علما أن الثكنات الموجودة في انواكشوط القريبة والتي يمكن للأركان الاستنجاد ¬ا مسيطر عليها(باستثناء المدفعية للأسف )، والأخرى المتمركز ة في الداخل تتطلب على الأقل ساعات طويلة في أحسن الظروف؟.. قائد الأركان لا يحتاج للحضور للثكنة لإعطاء الأوامر بالتدخل، حيث يمكنه القيام بذلك من منزله أو أي مخبأ آخر بالهاتف. كانت المهمة الحيوية في انقلاب 8 يونيو 2003م هي السيطرة على الرئيس.. وحتى الرئاسة عندما لا يكون فيها الرئيس تكون مجرد حيطان. الأمر الجوهري في تنفيذ المهمة يكمن في السيطرة التامة على كتيبة الدروع فبذلك يحصل (سيل َّ إنك بذلك تكون قد أم ر التفوق الناري والحركي ، كما توفر زحفا مدرعا سريعا التأثير الرئيسي.. ِّ نت قاعدة توف من الدبابات) على مسافة 2 إلى 3 كيلومترات (لا تحتاج تزود بالوقود).. يمكنك إذن اقتحام كل شيء، والوصول "الآمن" - مبدئيا- إلى آخر هدف في ظرف وجيز. الثكنات (الأركانات) يمكن السيطرة عليها من خارجها، حيث تكفي دبابة وحماية راجلة أو دبابتان تتساندان عند قد سقطت والسلطة قد خر . ّ الباب ليصبح الأمر منتهيا، وتكون كل الرموز ت الأركانات أتعجب من الذين يتحدثون عن الإذاعة نفسها فيها غير مهمة، أو على الأقل ليست أولوية في لحظة ! ٍ ُ إذن مكان القائد يكون في الوقت الأول في الكتيبة لتحقيق التأثير الرئيسي (تأمين التحرك والحصول على وسائل تنفيذ المهمة)، ثم يكون موقعه المناسب في الطلائع المتجهة لهدف المهمة الأساسي: التعامل الحريص والآمن مع الرئيس الذي معه أسرته، وهي ليست مهمة عسكرية فحسب، وإنما سياسية وإنسانية أيضا فلا ينبغي ترك الرئيس يهرب، ولا يصح قتله لأن كلا الأمرين سيدخلنا في ورطة حقيقية. وفي حال السيطرة عليه ينبغي مفاوضته، وهذا يتطلب من له الأهلية سلطة وكفاءة وقرارا. بعد حصول السيطرة أو عدمها على الرئيس تنتقل الأهمية إلى الأركان كموضع مناسب لإدارة الصراع داخل الجيش. حينها، يكون مكان القائد المناسب هو الأركان برمزيتها ووسائل الاتصال والسيطرة المتوفرة فيها. وقد يكفي القائد مكتب قائد كتيبة الدروع وهاتفه الثابت المفتوح بوصفه مكان قيادة التحرك وحصنه الحصين ،على أن يرسل من يسيطر على الأركان ويسخرها لخدمة التحرك أو يحيدها تماما. 28 مهمتي في الرئاسة: كنت أعول في مهمتي بالرئاسة على ضابط صف جسور في الحرس الرئاسي وهو الرقيب الشيخ ولد ديدي ولد إبراهيم (وهو ابن خالة أم الأطفال، كما أنه قريب ضابط الصف المشهور المرحوم ونه ولد اشروقه الحارس الوصيفي للرئيس معاوية). كان الشيخ - الذي حولته للحرس الرئاسي بعد تخرجه عام 99- مصدر كل المعلومات الحساسة عن الرئاسة وكتيبتها ونظام المراقبة والحراسة فيها... إلخ، وكان يقوم بالتناوب على حراسة الفيلا الرئاسية.وقد كان متيقنا من إمكانية المساعدة الناجحة في التسرب بطريقة معينة ومرنة حتى الوصول لفخامة الرئيس، وقد ناقش معي ذلك، لكن لم يكن لدينا الأفراد المؤهلين، لا سيما أنني منعته من مفاتحة أي أحد من زملائه. وفي يوم 7 يونيو 2003، أبلغت الرقيب الشيخ بتوقيت التنفيذ، وسلمته هاتفا به شريحة جديدة، وطلبت منه البقاء هناك لموافاتنا بكل ما يستجد. وقد قام بالتبادل مع رئيس مركز الحراسة تلك الليلة والذي كانت لديه ظروف خاصة. كانت مهمة الرقيب الشيخ هي مراقبة الفيلا، وعدم السماح لفخامة الرئيس بالمغادرة قبل وصولي تحت أي ظرف ولو تطلب الأمر إصابته في أحد الأطراف السفلية مع تفادي قتله µائيا لأن ذلك غير ضروري وسيمثل كارثة، كما أوصيته بالتركيز على الجهة الموالية للسفارات، وخصوصا الأمريكية، حيث توجد هناك بوابة غير مرئية من الخارج تؤدي إلي تلك السفارة. وقد اتصلت على الشيخ ولد إبراهيم في تلك الليلة ثلات مرات بعد دخولنا كتيبة الدروع، وفي آخر اتصال (حوالي الساعة 00:30) قال لي: "لا جديد عندي.. الأمور عادية.. أسرعوا!". كان علينا أن نسرع، ولذلك فقد ركبت في الدبابة الأمامية، وكان ورائي 5 أو 6 دبابات أخبرني عبد الرحمن أنه قد تم تزويدها جميعا بالذخيرة، عجلت حتى عن أن أستدعي رؤساء أطقمها لأشرح لهم ما ينبغي عمله، خصوصا أننا لم نتأكد من أجهزة الاتصال البينية(وهذا خطأ). لكن كان بديهيا أنه يجب التصرف بالمحاكاة (أي تقوم بما يقوم به الذي َّ يوجد أمامك). الاثنين لمرافقي الشخصي العريف اعل ولد عمار، وذلك َي الأسوأ من هذا هو أنني كنت أعطيت هاتف أثناء مرحلة فتح مخزن سلاح الكتيبة، وعند ركوبي الدبابة تخلف اعل ولد عمار ¬واتفي في هذا الوقت الحرج. انطلقنا نسابق الزمن ولم نفطن للأمر إلا عندما وصلنا أسوار الرئاسة. الاتصال لم يعد قائما مع الشيخ في الرئاسة، فالهواتف بقيت وأفراد الطاقم الذي يرافقني هواتفهم تعاني إما من نفاد البطارية أو انعدام الرصيد. 29 لقد كان الأمر يتطلب التحرك السريع نحو الرئاسة حتى لا يخرج الرئيس، وكان ذلك رأي الأخ صالح أيضا، لكنني لم أؤكد عليه في ما يتوجب عليه القيام به بعدي (وهذا كان خطأ أيضا )، لكنه كان معروفا لديه أن عليه التعامل مع ثكنة كتيبة الحرس الرئاسي التي كان لديه مخبر فيها مرتبط به ، وقد برر لي ذلك صالح فيما بعد بنسيانه لها نتيجة الشروع في الخطة قبل التوقيت المقرر، وهو مبرر وجيه. كما أنه كان عليه أن يمفصل ما بقي من العناصر معه، ِبوا على عجل خصوصا الضباط الذين بقي معظمهم في واجبات الحراسة، بينما ذهبت دبابات فيها ضباط صف أُرك فدخلوا إلى الأركان وهم لا يملكون الكافي من الفهم و الحماس والاستعداد لما هم بصدده، و هو ما جعلهم ينصاعون للأوامر بالنزول من الدبابات من طرف الضابط الأول الذي جاءهم ! . وهكذا تم التجرؤعلينا. لكنني ذهبت في المهمة المستعجلة إلى الرئاسة، وصالح غير متعود على التعامل مع الأمور الطارئة فقد كان يوكل كل ذلك إلي شخصيا. انطلقنا برتل الدبابات، وكنا نسير بجنب الطريق المعبدة، وكانت السيارات المدنية تسير بموازاتنا وتطلق صفاراا. توقفنا قليلا عند الباب الشرقي للدرك، وتركنا دبابة هناك. ثم انطلقنا بالبقية وسرنا على شارع جمال عبد الناصر إلى تقاطع فندق "مرحبا" حيث انعطفنا شمالا مع شارع الاستقلال. وعند تجاوز البنك المركزي لم أمل يمينا نحو البوابة الرئيسية، وإنما سرت قليلا إلى جهة اليسار نحو طريق ضيق يقع بين الرئاسة والسفارة الأمريكية من أجل الدخول إلى القصر من تلك الناحية، وذلك حتى لا يتسلل فخامة الرئيس من هناك راجلا ويدخل إلى السفارة فيطلب التدخل من حلفائه، فهو يمثل الشرعية، والسفارة لا ينبغي اقتحامها. وكان حاضرا في ذهني الخشية من أن يتكرر معنا سيناريو الكاهن جان برنارد آرستيد، رئيس هايتي السابق، الذي أعاده التدخل العسكري الأمريكي إلى السلطة، فالرئيس بوش شخصية متعجرفة ذات نزعة تدخلية وأركان إدارته من التيار المحافظ المتصهين، والرئيس معاوية حليف موثوق لدى الصهاينة فهو الرئيس العربي الوحيد الذي أقام علاقات كاملة مع إسرائيل رغم أن بلاده ليست لها أي أراضي محتلة ولا حتى حدود مع إسرائيل. عندما وصلنا إلى بداية الطريق الضيق بين السفارة والرئاسة صادفنا جندي حراسة فطلبت منه سلاحه الذي كنا بحاجة لذخيرته لأننا لا ننوي استخدام السلاح الكبير 115 مم، ولم يكن الرشاش "دوشكا" في الأعلى والخاص بآمر الدبابة مركبا نتيجة الاستعجال الذي منعنا حتى من التأكد من الاتصالات البينة في الدبابة (بين الطاقم) والاتصال مع الدبابات الأخرى. في هذه اللحظات، قدم قائد مركز الحراسة ومساعده يركضان مستفسرين عن سبب وجودنا، 30 إذ يبدو أµما لم يعلما حتى الآن بأي شيء عن الموضوع. وأمام امتناع هذا الجندي الحارس عن تسليم سلاحه أطلقنا بجنبه النار، فأمره قائده بتسليمه، وهنا أمرته بالانصراف إلى أهله. لاحقا، خطر ببالي أن هذا التصرف لم يكن موفقا كثيرا، فربما يكون قد ساهم في تنيبه الرئيس إلى الخطر. كان تقديرنا أن تبادل إطلاق النار في هذه الناحية سيمنع الرئيس معاوية من التوجه إلى السفارة الأمريكية، ولكن هذا الاحتكاك أدى إلى خلق جو عدائي مع الحراسات كنا في غنى عنه، في حين أنه كان يمكن الدخول إلى القصر ِم أحد على التصدي للدبابات أو استفزاز هذه الآلات ُقد والتوجه نحو الفيلا الرئاسية مباشرة، فلم يكن من الوارد أن ي الشيطانية المغلقة، وإلا لكان بمثابة ما يصفه المثل الشعبي بـ: "الرفـگـه الل اتسبـگ في الغزي" أي القافلة التي تستفز الغزاة. وكان إرسال الشيخ ولد إبراهيم وهو رئيس فريق حراسة المنزل في تلك الليلة كافيا لإقناع الرئيس بالنزول، فلا أعتقد أنه كان سيمانع خاصة أن معه في المنزل الرئيسة وأبناؤه الصغار ومربيتهم، ولا أقدر أنه كان سيدفعنا - وهو لا يعرفنا، وقد أصبحنا منه ¬ذا المكان- لارتكاب تصرف طائش. وكان تقديري أنه في حال الإمساك بالرئيس يمكن احتجازه في القصر أو العودة به إلى كتيبة الدروع إذا لم يكن القصر آمنا، وذلك لمفاوضته بأريحية مصحوبة بزخم معنوي كبير لعناصر العملية، بالإضافة إلى ذلك فإن انتشار خبر اعتقال الرئيس سيفت في عضد كل من يفكر بالمقاومة. وكان كافيا ترك بعض الدبابات لتأمين الرئاسة ريثما يتم استكمال السيطرة على بقية المرافق. لقد كان هذا هو التصرف النموذجي الذي نطمح إليه، ولكن قدر االله و ما شاء فعل. وعودة للحظة أخذ سلاح الجندي، فقد تقدمت دبابتنا بعد ذلك وحاولنا الدخول من الباب غير الظاهر بين الرئاسة والسفارة الأمريكية، لكن الحيز كان ضيقا على ذلك. وكان فوقنا حارس في منصة مراقبة (guirite) أمرته برمي سلاحه نحونا فامتنع واستتر بالجدار. وبينما كنا نحاول الدخول، نظرت إلى الأعلى نحو المنصة - وكان رأسي خارجا من فتحة برج الدبابة- فإذا بالحارس مسددا سلاحه نحوي وعلى وشك إطلاق النار، فانتهرته فأنزل رأسه وسلاحه كما في المرة الأولى وعندئذ أطلقت النار من رشاش كلاش على الجدار بكثافة، فرأيته بعد ذلك ينزل معقوف الظهر مع السلالم الداخلية. تركنا محاولة الدخول من هذا الجانب، وواصلنا التقدم بين الرئاسة والسفارات (الجانب الغربي). كان هناك حارس آخر يرقب ما يجري، فلما تقدمنا نحوه فر إلى الغرب بشكل دراماتيكي وكأنه من يفر من قسورة. 31 سلمنا الحراس المتمركزون عند الجانب الشمالي الغربي من القصر أسلحتهم بيسر، فواصلنا المسير شمال الرئاسة. في هذه الأثناء كنا نرى الإشارات الضوئية للرصاص الذي يطلق من الرئاسة إلى الأعلى بشكل كثيف، ثم درنا نريد أن ندخل من البوابة الشرقية (ilot c)، ولكنني نظرت قبل الدخول فإذا دبابتنا وحيدة لا تتبعها أي دبابة، وبما أن الدخول بدبابة واحدة غير مجد تجاوزت البوابة الشرقية للرئاسة وكنت أعتقد أن تلك الدورة الكاملة كافية لردع أي محاولة للخروج لأن الخطر أصبح من كل الجهات . بعد تجاوز الباب الشرقي، مررت بين ثكنة كتيبة الحرس الرئاسي والمنازل (لم أشأ المرور أمام البوابة)، وواصلت حتى طريق لكصر وأخذا باتجاه الجنوب ثم الغرب. على مستوى الجامعة لاحظت أمامي رتل من 6 دبابات يسير مع الطريق الذي يمر من جنوب الداخلية، أمرت السائق - وهو العريف البطل أحمد ولد محمد امبارك ولد هبول من مواليد بوتلميت (كنت أتواصل معه عن طريق أحد أفراد الطاقم)- بالإسراع وتجاوز الرتل وأخذ مقدمته، وهو ما نجح فيه قبل الوصول إلى شارع الاستقلال حيث درنا على اليمين نحو الشرق ودلفنا من البوابة الرئيسية للقصر. كنت أخرج رأسي من الفتحة العلوية، ولاحظت أن الجو في الرئاسة بارد ورطب وتنساب في أرجائه رائحة الأزهار والحدائق الغناء بخلاف الجو في الخارج الذي كنا فيه نعاني من حر قائظة يونيو، وجدتني في هذه اللحظة أقرأ آية من كتاب االله. تقدمنا إلى القصر نفسه (المكاتب)، واجتزنا البوابة عنوة فلاحظنا أننا أصبحنا في شبه سور من الحديد.. تقدمنا إلى الشرق من المكاتب، وأسقطنا - للأسف- نخلة كانت مثبتة بسلك حديدي دهسته الدبابة ثم أحدثنا فتحة في جدار أسلاك الحديد مكنتنا من الاجتياز نحو الفيلا الرئاسية. حدث إطلاق نار من سلاح فردي.. وأخيرا وصلنا إلى الفيلا التي لم نجد أمامها جنودا. مررنا من الشرق منها فوجدنا هناك إحدى السيارات الرئاسية السوداء مقدمتها صوب الجنوب وهي مفتوحة الباب الخلفي الموالي للمنزل، فتأكدت أن هناك من كان يريد الخروج، وعاجلناه عن ذلك، وكان اعتقادي أنه الرئيس. مررنا من خلف المنزل فأطلقت علينا رمايات كثيفة ومركزة وقريبة جدا، وكانت من سلاح جماعي أظنه إما 14.5 مم أو 23 مم. كنت أخشى على سائقنا البطل ولد هبول لأنه كان ينظر من الفرجات الزجاجية (episcopes) - 32 أخبرني في ما بعد أµا تكسرت ولكنه لم يصب- وظل يتقدم نحوهم وسط هذه الغلالة من النار إلى أن وصل مصدر إطلاق النار، عندئذ توقف إطلاق النار µائيا إلى غاية الهجوم المضاد من الشرق والذي سيبدأ الساعة 3 أو4 فجرا. عدنا إلى باب الفيلا فإذا بدبابة واحدة هي التي دخلت معنا الرئاسة، ولا أعرف حتى الآن من كان قائدها. أمرنا هذه الدبابة بالمرابطة عند المدخل الشمالي، وبقينا نحن عند المدخل الجنوبي.. كنت غير مرتاح لأن بقية الدبابات لم تدخل حتى يكون لنا تفوق محلي وترتيب أمني يسمح بالنزول والدخول للسكن والتعامل مع السيد الرئيس لكني كنت مرتاحا أننا وصلنا في الوقت المناسب قبل مغادرته وها نحن نخنقه بانتظار استقدام بقية الدبابات. كان مجموع ما في الدبابتين 8 -6 أفراد بمن فيهم السائقان، وكان الوضع خطرا، فنحن نعلم أن الذين كانوا يطلقون النار علينا يختبئون تحت الأشجار وأµم رماة محترفون. لم يكن هناك أي فارق بين الحقيقة الماثلة أمامي للمنزل ومحيطه وبين الصورة التي كان يصفها لي الشيخ ولد إبراهيم إلا خيمة بيضاء مطوية (مكرومة) عند البوابة الشمالية للفيلا. كان قد انقضى قريب من 40 دقيقة منذ غادرنا الكتيبة إلى أن سيطرنا على الفيلا الرئاسية. كان بودي الاتصال بالشيخ ولد إبراهيم حتى يأتينا، وكذلك بصالح وعبد الرحمن لإرسال تعزيزات، لكن فقدان وسائل الاتصال على النحو الذي شرحناه سابقا حال دون ذلك. من جهته، حاول الشيخ ولد إبراهيم الاتصال بي دون جدوى، وبقي طول الليل مختبئا تحت الأشجار يرقب ما يجري فقد كان يمنعه من الاقتراب منا الخوف من أن نطلق عليه النار لأنه يلبس زي كتيبته(الحرس الرئاسي) لكنه ظل كما يقول بالجهة الموالية للسفارة الأمريكية!ّ!. لم يكن بحوزتي أيضا أحد الأبواق التي اشترينا للتواصل الصوتي.. بقينا قريبا من ساعة ونصف على هذه الحال. وفي حدود الثانية والنصف التحق رتل من 5 أو 6 الدبابات دخل من ناحية الجنوب. نزلنا جميعا من الدبابات فإذا فيمن نزل من الضباط الإخوة صالح وحم فزاز وبده وبون ويرب (أخبرني صالح ونحن في بوركينا أن أحد الضباط المرتبطين به ألح عليه كثيرا بالهاتف أن يأتيه أمام الرئاسة وهذا هو ما جاء به لحسن الحظ، لكن الحظ لن يبقى كثيرا حتى يتعثر مرة أخرى!). تنحيت وصالح قليلا إلى الجانب لتبادل المعلومات حيث كنا نظن الرئيس موجودا. فإذا هو يقول لي: "سأرسل يرب للتلفزيون"، فانفجرت في وجهه قائلا: "تلفزيون آش؟!". وفي الحقيقة، كانت لدي حساسية من الإذاعة والتلفزيون سأعرض لها فيما بعد. 33 كان تواجد الدبابات مكثفا حول المنزل، وقد باشرنا فتح بوابته. في البداية أطلق أحدهم النار على الباب من كلاش بيده، ثم دفعه ولد هبول بسبطانة المدفع الرئيسي، ودخلت أنا والجندي ثاني إبراهيم ولد محمد ولد الزيقم (من مواليد بوتلميت. قال لي تلك الليلة إن أمه محجوزة في المستشفي الوطني، وطمأنته أننا سنعتني ¬ا بعد النجاح)، وكان معنا ثالث لا أتذكر اسمه للأسف، لكنني سأحاول التعرف عليه لاحقا إن شاء االله. تقدمنا نحو السلالم المؤدية للطابق العلوي، وأظن أµا كانت مغطاة بسجاد أحمر.. صعد ثلاثتنا السلالم التي تؤدي إلى الباب لليسار. حاولنا فتحه فإذا هو مغلق بإحكام. أطلق عليه الجنود المرافقين النار بغية فتحه، وفي تلك الأثناء جاءنا من الأسفل دخان نتن الرائحة بشكل لا يصدق كدنا نختنق منه. فنزلنا على عجل نبحث عن الماء أو شيء نشربه. بحثنا في الطابق السفلي إلى اليسار، واهتدينا إلى غرفة ¬ا سرير كسرير طبيب الأسنان رأسه إلى الشرق، وفيها أيضا ثلاجة. فتحنا الثلاجة فإذا ¬ا بعض المشروبات.. أخذت قارورة منها صغيرة صفراء وفتحتها، وعندما أردت أن أشرب منها إذا طعمها مر بشكل فظيع، فتخليت عنها ورجعت إلى الماء. ولعل هذه الغرفة كانت غرفة تمريض أو تدليك للرئيس. بعد أن التقطنا أنفاسنا، عاودنا البحث عن مصدر الدخان الغريب، فوجدناه تحت السلالم، وإذا هو آثار احتراق كرسي جلوس الأطفال المتحرك (POUSSETTE). أمرت بإخراج الكرسي المتحرك من المنزل وبإطفائه. اعتقدت أن الأمر يتعلق بمستندات حساسة أو خطيرة كان الرئيس يريد التخلص منها، وزاد من يقيني بذلك وجوده بالمنزل، ولكن البعض أخبرني فيما بعد أنه ربما يكون تعويذة أو ما يسمى محليا "احجاب"! واالله أعلم. كانت الرائحة منتشرة في الطابق الأرضي.. أمرت بفتح الباب، وخرجت ريثما تخف حدا. عند خروجي اكتشفت المفاجأة المذهلة وهي أن جميع الدبابات كانت قد رحلت، ولم تبق إلا الدبابة التي كانت معي. أرسل صالح يرب للتلفزيون، وأخذ هو بقية الدبابات وراح لإذاعة مهجور ة. لقد كنت وثلاثة أفراد معي عالقين بالرئاسة ... وكنت مغضبا من هذا التصرف غير المفهوم وغير المبرر.. وزادني حنقا أنني بدأت أسمع للجنوب مني أصوات انفجارات قوية ومتتالية ظننتها قصفا بالدبابات، وكنت أقول في إµم محمي (تبقاج) ُّ نفسي ما ذا يفعل أصحابنا؟! لقد بدؤوا يفسدون علينا الأمر.. ون في دبابات، ويقومون بدك الآخرين! لكن ما عرفته فيما بعد هو أن الطرف المناوئ هو من يقوم بالقصف في هجوم مضاد منسق وعنيف. 34 كنت واقفا جنب الدبابة، فإذا بقذيفة تسقط عليها على بعد مترين أو ثلاثة مني. وبعد برهة قصيرة جاءني جندي يصرخ قادما من الجنوب (باب الرئاسة) وقد جرح وأصيبت دبابته. توقفنا عن محاولة الدخول للفيلا مجددا.. كانت أصوات القصف مسموعة بشكل متواصل. حاولت معرفة ما يجري.. تذكرت استندر الرئاسة، فذهبت إليه صحبة الجندي إبراهيم ولكنه كان مغلقا. بعد ذلك اتجهنا نحو الجانب الشمال الشرقي للصعود على منصة الحراسة هناك. فجأة، كنا وجها لوجه مع عناصر متسللة من تلك الجهة تحاول الاقتراب منا.. زجرناهم وزجرونا.. احتموا بشيء، وأطلقنا النار في اتجاههم.. رجعنا بسرعة، وغطى إبراهيم على تراجعنا بمواصلة الرمي وهو يسير القهقرى. كان الأمر في غاية الخطورة فقد أضحينا في خطر شديد (انكملنا)! لكن هذا عزز من قناعتي بوجود الرئيس في الفيلا، وإلا لما اهتموا ¬ا لهذه الدرجة. ركبنا الدبابة، وبدأنا نتقدم نحوهم لطردهم.. قطعنا 40 مترا قبل أن تتوقف الدبابة.. هنا شعرت بحاستي السادسة أن أمرا جللا سيحدث.. طلبت من الرامي أن يرمي نحوهم، ولكنه لم يفعل بالسرعة المطلوبة، فتم استهداف دبابتنا من مسافة قصيرة جدا (حوالي 40-30 مترا) بواسطة سلاح مضاد للدبابات (SPG9 أوRPG7). كان ما شعرت به اهتزازا قويا للدبابة مع وميض شديد بداخلها، وأحسست حينها بانسكاب سائل ساخن (دماء) مع رجلي فعرفت أنني أصبت، ولكنني مع ذلك لم أشعر بألم قوي - في ذلك الوقت- بأي مكان من جسمي. قال لي السائق ولد هبول إنه تقدم بالدبابة إلى القاذفة التي تخلى عنها أصحا¬ا. رجعنا من جديد إلى المنزل الرئاسي، وكان علي أن أفكر بسرعة بطريقة التعامل مع الموقف.. خطر بذهني أن أدخل بالدبابة وأركنها داخل البهو الرئيسي الداخلي للمنزل، وبالتالي لن يتمكنوا من رؤيتنا، كما سنكون قد منعنا الرئيس من النزول، وبالطبع فهم لا يستطيعون قصف المنزل وهو فيه، ولكنني عدلت عن هذه الخطوة حتى لا تسهل محاصرتنا. قررت -أخيرا- أن أنسحب حتى أجد دبابات أخرى لمعاودة الهجوم وترجيح الكفة لصالحنا، ورأيت أن الدبابة الثانية الرابضة جنوب المنزل كافية لمنعهم من الاقتراب. كانت هذه أصعب لحظة عشتها تلك الليلة.. فها نحن يفرض علينا الانسحاب من الرئاسة، وقد لا نتمكن من العودة، وها هي طريدتنا وجائزتنا وضمان نجاحنا تنتزع منا قهر ا! وبالفعل فقد كانت لحظة لها ما بعدها. شعرت بغصة أخرى بسبب الجندي اbروح الذي سنتركه خلفنا، لكن ولد هبول أخبرني - بعد ذلك- أنه أدخله معنا في الدبابة أثناء نزولي أنا وإبراهيم الذي واجهنا فيه العناصر المتسللة. 35 أثناء الانسحاب من أمام الفيلا، راودني خاطر سوء بأن أقصفها، ولكنني عدلت عن ذلك حين تذكرت المرأة والصبية الصغار (أحمد الله - الآن- أنني لم أرتكب تلك الحماقة تحت تأثير اليأس والهوى، وعلى كل حال لم تكن تلك الخطوة لتفيدنا بشيء، فالرئيس كان قد غادر المنزل قبيل اقتحامنا للقصر تاركا خلفه الرئيسة عيشه وصغارها). لاحقا، روى لي الرقيب الشيخ ولد إبراهيم (رئيس فريق حراسة المنزل ليلة الانقلاب) أµم هناك لم يشعروا بشيء حتى وصلت الدبابات الركن القريب من السفارة الأمريكية وحدث إطلاق النار من سلاح فردي، وأنه بعد التفافنا حول الرئاسة وتجاوز دبابتنا البوابة الشرقية للقصر (جهة الحي س) في طريقها لإكمال الدورة والاقتحام من البوابة الجنوبية كان لا يزال يعتقد بوجود الرئيس في المنزل، فهو لم يخرج من بوابته الرئيسية (الجنوبية) التي كان ينتظره عندها.. ولكنه علم -بعد ذلك- من زميله الحارس في الجانب الآخر من الفيلا أن الرئيس خرج من البوابة الخلفية (الشمالية) على عجل وهو في زيه الرسمي ولكن بأحذية "الدراعة"، وركب في المقاعد الخلفية لسيارة خدمات المنزل (من نوع كارينا)، وركب معه أحد حراسه الشخصيين (الحضرامي) في المقعد الأمامي، ثم انطلقت السيارة.. وي ة الشرقية خرجت السيارة من نفس البوابة، قبل أن يستقل؟ الرئيس ُضيف الرقيب الشيخ أنه بعد تجاوز الدبابة البواب معاوية سيارة مرافقه العسكري العقيد محمد ولد عبدي الذي التقى به قرب مقر اbلس الدستوري..قيل لي بعد عودتي أن الرئيس معاوية كان يعتقد أن الأمر متعلق ¬جوم إرهابي كبير وهذا هو السبب في ذهابه للأركانات وأنه كان ينوي التوجه لأركان الجيش أو الدرك ولكنه لما عرف بوجود الدبابات هناك توجه لأركان الحرس واالله اعلم. ق - فيما بعد- أن القذائف كانت تتساقط عليهم كالحجارة عند ُ ِصف الأخ صالح من جهة الأركان، وقد أخبرني الإذاعة، وأµم كانوا يتفادوµا ،بالقفز عنها ولكنها لا تنفجر! فلعل من أطلقها - والحمد الله- كان ينسى نزع عتلة التأمين التي تمنع الانفجار. وقد قام على إثر ذلك بإدخال الدبابات للجوانب والزوايا غير المرئية. لم يتحرك صالح برتل الدبابات نحو قيادة الأركان التي كان يهاج .. بل وأكثر من ذلك، فحين جاءه عند َم من جهتها الإذاعة مبعوث من المرحوم ولد انجيان يحمل رقم هاتفه ويريد أن يتصل به تحجج بأنه غير مخول، ولم يرسله لي في دبابة لأتصرف في الموضوع، ولم يتحرك بما عنده من الدبابات لاستخلاص قيادة الأركان بعد أن عرف أµا خارج السيطرة. لقد ساهم الأخ صالح من خلال بعض التصرفات التي قام ¬ا عن حسن نية في تعثر الانقلاب.. وذلك مثل إهماله التوجه بشكل مبكر إلى ثكنة الحرس الرئاسي، حيث كان على صلة بالعريف (.....) الذي كان مخبرا له سنة 2003 من داخل الثكنة، وكان عليه أن يهتم بأمرها، لاسيما أµا لعبت الدور الأساسي، ومنذ اللحظة الأولى، في التصدي 36 للانقلاب، وصارت القاعدة الأساسية للهجوم المضاد علينا في الرئاسة ومن ثم استخلاصها منا فجرا.. ورغم ذلك فإنه لم يتوجه إليها ابتداء، ولم يتحرك نحوها بعد أن شرعت في مهاجمتنا بالقصر الرئاسي رغم أµا لا تبعد إلا مئات قليلة من الأمتارعن الإذاعة مقر تمركزه. وأذكر هنا أيضا أنني في أول لقاء جمعني مع صالح بعد فشل الانقلاب يوم 26 يونيو، سألته عن سبب إهماله ثكنة الحرس الرئاسي، فكان عذره لي أنه نسيها! وربما كان صادقا، فالعملية انطلقت بشكل استعجالي أربك الخطط القديمة. لكنني في المقابل أتعجب -ونحن إخوة وزملاء، والأمر انتهى بالفشل- من عدم طرحه علي للسؤال الوجيه الذي فاجأه به أحمد منصور عن سبب غيابي "المزعوم" عن الأركان، وذهابي المفاجئ إلى الرئاسة؟! بغض النظر عن خطورة تلك المهمة وحساسيتها ،التي كان صاحبها سيقف وجها لوجه مع فخامة رئيس- نصف إله عند البعض- ذلت له الأعناق وارتعدت منه الفرائص؟ ومن هذه التصرفات الخاطئة، انسحابه عنا في الرئاسة (الساعة الثانية والنصف) برتل الدبابات مما أضاع علينا فرصة لا تعوض لحسم أمرها، ولمعرفة وجود الرئيس من عدمه، ولإعادة ترتيب أمورنا والتواصل مع عناصرنا والتصرف (أوامر حالة) على ضوء الوضعية للتعامل بالطريقة المناسبة مع المستجدات. وبدل النهوض بتلك المهام الحيوية المستعجلة، أمضى الأخ صالح بقية الليل مع العديد من الدبابات في زوايا غير مرئية لتفادي الرماية عند الإذاعة لأمر غير مفهوم وغير مبرمج أصلا فالسيطرة على الأركان لم تتم، وقد علم بذلك من مبعوث قائد الأركان (ولد الصايم) فلم يتحرك نحوها، كما لم يتحرك بالدبابات التي معه لنجدتنا في الرئاسة عندما كنا نتعرض للهجوم، وبقي والقوة الضاربة معه يرابطون عند إذاعة خاوية لاسيما أنه ليس هناك بيان ليذاع، ولم يكن مكلفا بشيء في هذا الصدد، إذ الأمر متوقف على ما سيؤول إليه التفاوض مع الرئيس إن تم الإمساك به (قبولا أو رفضا)، أو خيارات أخرى كالرئاسة الجماعية للرؤساء السابقين، أو غيرها من الخيارات غير المحسومة حتى إكمال السيطرة وإجراء التشاور المطلوب واستبانة ردود الفعل الدولية الأولية.. إن الإذاعة لم تكن قط هدفا عسكريا حيويا، فحراستها لا تتجاوز خمسة أفراد، وكان من المقرر أن يتوجه إليها النقيب الحرسي سيدي محمد ولد انه بعد إتمام واجب السيطرة على أركان الحرس الوطني. لقد بقي الأخ صالح -في هذه الساعات الحاسمة- مشغولا بالاتصال مع الجزيرة ليذكر لها اسمه! رغم أن آخرين كانو ا قد وقد ن (س .س) أن إدارة الأمن أرسلت أشخاصا في زي مدني لتقاطع ُ أبلغوها إياه عن حسن نية. قل لي عن المفوض طرق الإذاعة وكأن ¬م فضولا لمعرفة الأمر، وأن صالحا أخبرهم أنه فلان، وأنه قائد العملية! وكنت لا أصدق ذلك ولا 37 يصح عندي لأن صالحا كان صادقا وأكبر من هذه الترهات، وكنت أعتقد أن لوثة الذهن إنما أصابته أساسا في الخارج. وعودة bريات الأمور بالرئاسة ،فبعد الصعوبات التي واجهتنا في القصر كانت المشكلة في طريق الخروج منه، ففي الشرق توجد كتيبة الحرس الرئاسي، ومن الشمال ضربنا آنفا، وفي الجنوب أصيبت دبابة الجندي اbروح. أمرت السائق بالتقدم نحو الجنوب وسلوك طريق دخولنا، ولكننا حين خرجنا من سور القصر (المكاتب) لم نواصل جنوبا، وإنما أمرته بالاتجاه غربا وإحداث فتحة بالدبابة في حائط القصر، وهو ما قام به، لكن قاعدة الحائط كانت فوق مستوى سطح الأرض من الجهة الأخرى بنحو متر، فارتفعت الدبابة وسقطت سقوطا حرا! أثناء السقوط أصابت مؤخرة المدفع (أو شيء آخر لا أعرفه) ساقي الأيمن، فآلمتني بشكل لا يطاق، ولمدة طويلة جدا.. وأظنها انصدعت. سلكنا الطريق الضيق بين سفارة أمريكا والرئاسة، وخرجنا من جهة البنك المركزي.. ولم نصادف أي دبابة، فواصلنا نحو شارع جمال عبد الناصر.. لاحظنا قبل الوصول إليه أن أحد حراس دار البريد يقوم بشحن سيارته من محتوياا، فتوقفنا ووعظناه وهددناه، فبدأ بإنزال الحمولة.. عند وصولنا للشارع، رأينا دبابة عند تقاطع بناية "أفاركو" فقصدناها، ولكن أصحا¬ا كانوا يعدون الشاي في راحة تامة ودون أية فكرة مناورة! أدركت أن علي أن أبحث عن غيرهم.. عدت أدراجي متجها إلى الشرق مع شارع جمال.. وعلى طول الشارع، لم أشاهد أية دبابة، حيث كانت مجموعة دبابات صالح مخبأة بزوايا غير مرئية قرب الإذاعة! وقد أخبرني لاحقا بأµم رأوا تلك الدبابة المسرعة. لو ق (الكر على الرئاسة، التعامل مع كتيبة الحرس الرئاسي ُدِّر لي أن ألتقي صالح في هذه اللحظات لربما تغير المسار التي تقود الهجوم المضاد، التعامل مع الأركان وكتيبة القيادة والخدمات والثكنات الأخرى وخصوصا المدفعية، إعادة التنظيم والسيطرة على قواتنا... إلخ). لقد ضاعت فرصة جديدة لتصحيح مسار الارتباك الحاصل بفعل بدء العملية قبل أواµا! قرب الإذاعة، وبينما كنا نسير على شارع جمال عبد الناصر، تعرضت دبابتنا لوابل مكثف من رماية الرشاشات الثقيلة من جهة مقر محكمة الحسابات (أظنها كانت رشاشات بطاريات الدفاع الجوي 23 مم أو 37 مم)، وقد ظل أصحا¬ا يرمون الدبابة بلا كلل حتى تجاوزم.. لقد كانوا بالفعل يستحقون أن ننحرف نحوهم ونمر على جثثهم! 38 على مستوى الأركان لم أشاهد أي دبابات، ولكن أُطل .. أنزلت رأسي داخل ِقت علينا النيران بكثافة من أسلحة فردية الدبابة، وكان غطاء فوهة الدخول العلوية مفتوحا فكان الصلي عليها شديدا، وكانت تتساقط علي في الأسفل شظايا من الرصاص الذي يصيب الفوهة (باردات) فدخل بعضها إلى فروة رأسي التي غطاها الدم جزئيا (إحدى تلك الشظايا خرجت من رأسي العام الماضي فقط (2015م)، وأنا في السعودية أثناء العمرة، بعد أن ظلت لسنوات تشكل ورما في الرأس كنت أتوجس منه باستمرار!). كان الأمر في غاية الغرابة والخطورة معا.. رشاشات المدفعية الجوية المقطورة ذات الأطقم المكشوفة تتحدي الدبابات ¬ذا الشكل! وأكثر من ذلك، الجندي ببندقيته العادية يطمع َ بالدبابة ويرمي عليها! هذا شيء لا يصدق، وهو أبعد ت عليها العملية، وهي الصدمة ي ِ ن ُ ما يكون عن الفكرة التي ب والترويع. كان الموقف يتطلب مستوى أكبر من العنف والتنكيل حتى نحدث الردع المطلوب، ونجعل المناوئين يعيدون حسابام. لكننا لم نكن نحبذ هذا العنف ولا نريده، بل قد يكون بعضنا لا يستسيغه شرعا. غير أن هذا المنطق وهذا التصرف هو الذي جر . وأجدني الآن أتساءل لماذا نعرض أنفسنا تلك الليلة َّأ المناوئين علينا، حتى ظنوا أنه ليس بحوزتنا ذخائر للخطر بالدخول مع فردين على الرئيس حرصا على حياته، بينما كنت أعرف أن لديه سلاح كلاشنكوف لا يفارقه ُدِّر أن كما قيل لي، بالإضافة إلى حراسة قريبة من المحترفين المسلحين بالمسدسات! ترى هل كان سيعاملنا بالمثل لو ق التقينا تلك الليلة؟ لا أعتقد! ألم يكن الأجدى عسكريا استهداف باب المنزل - كما اقترح أحدنا حينها- بمدفع الدبابة وتركهم يضطرون للنزول والاستسلام من تلقاء أنفسهم؟! وإذا كان ضروريا مثل ذلك القصف، فإن ضربة عرضية (أي من الشرق إلى الغرب، أو العكس) كانت ستكون أبلغ تأثيرا وستهز البناية بعنف أكبر. لقد استنكرت مثل هذا المقترح في وقته، ورفضت العمل به لاعتبارات إنسانية محضة(الرئيسة وأبناؤها الصغار ومربيتهم)، ولست نادما الآن على ذلك! نعود إلى شارع جمال عبد الناصر.. حيث لم نلحظ أي تواجد للدبابات أمام واجهات الأركانات المطلة على هذا الشارع، وعند وصولنا إلى البوابة الشرقية للدرك باتجاه المطار وجدنا هناك دبابة كنت أريد أن أصطحبها للعودة بسرعة للرئاسة، غير أنني تفاجأت بآمرها -وهو ضابط صف- يخاطبني محتجا ومشيرا بيده: "هذه القضية شنه! نحن مان فاهمين شي!". خشيت من عدوي تجرئه ومن اعتداء الجنود المرافقين له، خصوصا أنه صار يتقدم نحونا كمن يريد 39 الصعود إلى الدبابة. هنا صوبت نحوه البندقية التي بيدي، قبل أن يبادر إبراهيم ولد الزيقم بالتدخل قائلا: "لا.. حضرة الر ائد.. هذا منا ومعنا!".. وبالفعل تراجع ضابط الصف المتشنج! قررت المواصلة إلى كتيبة الدروع للحصول على بغيتي.. كان الوقت في حدود الرابعة والنصف إلى الخامسة صباحا، وكانت الجماهير محتشدة عند تقاطع "كرفور مدريد". أطلق الجندي إبراهيم من تلقاء نفسه النار في الهواء، فتفرق الجمع في تدافع شديد وتركوا خلفهم عددا لا يحصى من النعال! سألته: لماذا تفعل هذا مع من جاء يحتفي بنا؟ فرد علي: نريد الطريق! عندما وصلنا إلى كتيبة الدروع وفي نيتنا العودة من جديد، كانت الجراح في الأطراف السفلية قد بدأت تأخذ مداها، ولم أستطع الخروج من الدبابة إلا بصعوبة بالغة وبمساعدة من إبراهيم.. كان السروال مثقوبا على مستوى الركبتين، ومضرجا بالدماء التي كانت تسيل نحو القدمين، كما كانت هناك دماء أقل على الوجه والرأس.. دلفت إلى الداخل فقابلني أولا النقيب كعباش، وقال وهو يطمئن علي: "اتفكرش.. اتفكرش!". ثم جاءني عبد الرحمن والمرحوم محمد ولد السالك وكانا يلبسان بذلة ميدان وقبعات (casquette). كان منظرهما يوحي بالثقة.. أطمأنا على جراحي، وطلبا مني الذهاب للعلاج.. لاحظت وجود أخي وصديقي النقيب اعل ولد مغلاه، وقد كنت وإياه قريبين من بعضنا البعض، وكانت أمه المرحومة محجوبة منت بكر امبارك في مقام والدتي. كنت أنوي مفاتحته في موضوع الانقلاب µاية مايو، لكنه أخبرني عرضا أنه مسافر في مأمورية للنعمة. ويبدو أن العملية انطلقت في نفس الليلة التي كان سيسافر فجرها، فالتحق بكتيبة الدروع دون تردد. التقيت أيضا النقيب إج ولد سيدي محمد (وهو مهندس ومن المحترفين في الدبابات)، وقد أحضر لي بعض العلاجات من منزله القريب. أخبرني الضابط ديدي ولد امحمد أن قيادته في أطار هاتفته استعدادا للتدخل ضدنا، وكذلك فعلت التشكيلات الأخرى مع الضباط المنتمين إليها. حصلت أخيرا على هواتفي.. اتصل علي أحمد ولد أحمد عبد يستفسر، فقلت له إن هناك بالفعل بعض المشاكل، ولكننا سنتغلب عليها. وقلت لآخر اتصل، مثل ما قلت لأحمد. وأخيرا اتصلت حبيبة، فمنذ غادرت المنزل لم يجدوا خبرا عني.. قالت لي: "أنتم إياك انجحتو؟"، فرددت عليها: "أنا عملت الذي نذرت حياتي له.. واهتمي بأولادك!". كانت الكتيبة قد حضرت رتلا من 5 دبابات، وقد جهزته للقتال بشكل نموذجي (الطواقم –الرشاشات – الذخيرة – قطع قماش التعارف... إلخ). كان قائد هذه الدبابات الملازم موسى ولد سالم بلحيته الوقورة.. قلت لعبد الرحمن 40 إنه لا بد أن يذهب معنا أحد الضباط المتخصصين بالدروع، فقد احتجنا عدة مرات لتشغيل مدفع الدبابة، ولم يستطع الطاقم القيام بذلك، ولا بد الآن من التعامل بحزم أكثر مع القوى المناوئة. قال لي عبد الرحمن: أنا ومحمد إذا ذهب أحدنا فسينهار (يتبركم) كل ما ترى! وكان ذلك صحيحا.. لكنه قال لي: لقد وضعنا الرشاشات فوق الدبابات، وإذا استخدمتموها فستلحقون ¬م أضرارا جسيمة (اضيعوهم)! وهاهو موسى ولد سالم ذاهب معكم وهو متخصص. كانوا يلحون علي في الذهاب للتعالج، لأن تحركي كان صعبا وإن كان ممكنا. صلينا الصبح .كنت معهم ولكن تفكيري كان في عالم آخر! فبعد الإخفاق في اعتقال الرئيس، وبعض المشاهدات الميدانية (أمام الأركان)، والمعلومات الواردة عن الداخل والتي أبلغت ¬ا من طرف ديدي عند عودتي لكتيبة الدروع، وحديث عبد الرحمن عن الرشاشات وضررها البالغ على الخصوم... بعد كل ذلك عشت لحظة قاسية (أزمة ضمير) إذ لم أعد مطمئنا في هذه اللحظة الحرجة لشرعية وجدوائية المواصلة في العملية التي استنفدت تماما ميزتي الصدمة والمباغتة اللتين كان عليهما المعول في إنجاحها دون خسائر. وبالطبع، لم أكن متحمسا لاقتتال داخل الجيش غير مأمون العواقب بالنسبة للبلد، فضلا عن كونه غير متسق مع منطلقاتنا في المبدأ والمقصد.. وبالمقابل، كان الضغط مضاعفا علي ضميري نتيجة درجة التورط في المعمعة لقرة العين من الأصدقاء والأحباب الشجعان، الذين كنت أعرف تماما كم يحتاجونني وأحتاجهم، وما كان معروفا مما ينتظر الجميع في حال الفشل. ُتل معي أحد، أو علمت بموت أحد في مكان ما. كانت لحظة وخيارا وفي هذه اللحظة لم أكن قد قتلت أحدا أو ق له ما بعده! إذا قررت المواصلة، فستضطر للدخول في قتال مع ثكنات انواكشوط والوحدات القادمة من الداخل.. لا تعوزنا الفكرة ولا الوسائل لدحرهم، بل إن بعضهم قد ينضم إلينا، ليس بالضرورة من القادة ولكن ممن هم دوµم.. لقد خرجنا من طور المغافلة الذي توسعنا في استصحاب مشروعيته، ودخلنا في طور الفتنة المفتوحة، وهو ما لم أكن مطمئنا له، لأن مشروعية هذا الاختيار ينبغي أن تبقى تحت سقف معين. لقد خضنا التجربة للحق، أما الآن فسنقاتل مع الحق من أجل أنفسنا! ِ َ ة ْلق ي (congenitale)، وكانت قناعتي أننا إذا لم نستطع إصلاحه، ولم يشأ االله ذلك، ّ كنت مدركا لهشاشة البلد الخ فعلى الأقل ينبغي أن لا ندمره، فبقاء معاوية خير للبلد من الفوضى وأتون الحرب الأهلية! كانت تتنازعني مواقف آل 41 الزبير بشأن الفتنة التي ترتسم أمامي واضحة، فتارة أميل إلى الزبير (الاعتزال) وتارة إلى عبد االله (المضي إلى آخر الشوط ).. وفي النهاية، وجدتني أميل إلى موقف الصحابي الوالد براءة للذمة، ودرءا للفتنة، وحفظا لبيضة البلد.. استجبت للملحين علي في الذهاب للعلاج .. وكنت أعرف أن ذلك ربما يكون محفزا لبقية الزملاء والإخوة على ِّ ُ ّت المضي بقوة وحز في عضدهم ولن تكون مقبولة لديهم َف م أكبر في المسألة، فمشاطرم بما عندي كانت ستـ بالتأكيد.. ولكنني في الحقيقة، كنت -ذا التصرف أتحاشى الولوغ في الدماء والانجرار نحو الفتنة المفتوحة، وآمل أن يساهم انسحابي في وقف الأمور عند هذا الحد. لقد كنت مستعدا للإعدام .. فهذا لا يهم، بل قد يطهرنا إن كنا ألممنا بشيء! وطوال ذلك اليوم ظللت أدعو بدعاء الرسول صلى االله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إن لك هذه العصابة من أهل الإسلام.. لا تعبد في الأرض!".. لكن من ترك شيئا الله أبدله خيرا منه، فقد أكرمنا أرحم الراحمين بأن حقن دماءهم جميعا فلم يمت منهم أحد قبل 2009!أعني الذين أطلقوا التحرك. الغريب أنه بعد مغادرتي كتيبة الدروع مع الرقيب خويه والعريف اعل ولد عمار مباشرة عاد الأخ صالح من الإذاعة على قدميه بعدما أصيبت له دبابة وعطبت قدمه.. فلو أني كنت التقيته لكان بإمكاني مشاطرته هذه الهموم، وكان بإمكاني -أيا كان ما سيستقر عليه رأينا- أن أوضح له على الأقل كيف يمكن تدارك الوضع. لقد كان من الممكن -في حال الجنوح إلى المواصلة بغض النظر عن الاعتبارات الشرعية والوطنية المشروحة آنفا- بقاء شبه قيادة في كتيبة الدروع للتنسيق ومعرفة الوضع في التشكيلات، والاعتماد على الهاتف الثابت لقائد الكتيبة (لا تشحن بطاريته ولا ينتهي رصيده ولا يقطع أو تحدث فيه الزحمة كالهواتف المحمولة).. كما كان من الممكن تركيب فصائل مشاة من مئات الجنود وضباط الصف الذين قدموا للثكنة، على أن توكل قيادا إلى ضباط أبطال مثل محمد ولد الشيباني وديدي ولد امحمد وغيرهم ممن كانوا معنا أو التحقوا بنا، وإرسالها في سيارات عسكرية أو حتى مدنية كمرافقة للدبابات التي يجب تجميعها من جديد، إما باستدعائها للدخول في الكتيبة أو بالذهاب إليها في مجموعات تلتحم ¬ا. كان من الضروري أيضا القيام بترتيبات عسكرية وأمنية أخرى مثل: جعل طوق أمني خارجي من المشاة حول كتيبة الدروع مركز القيادة ورمز الانقلاب، وتدعيم هذا الطوق بالدبابات.. قطع الطريق المار أمام كتيبة الدروع لتقليل الزحمة وتصعيب عمل المخبرين.. إدخال الأفراد المنضمين إلينا وغير المستخدمين في واجبات في العنابر لتفادي الجولان 42 والزحمة المربكة في الثكنة.. إرسال أرتال ترافقها مجموعات مشاة للتأكد من السيطرة، أو استرجاع السيطرة على ثكنات انواكشوط تباعا (الأركانات، الحرس الرئاسي، البحرية، المدفعية، الطيران، الهندسة، المنطقة العسكرية 6)، وذلك بذهنية خوض المعركة.. ترك تعزيزات من الدبابات في هذه النقاط لضمان إحكام السيطرة عليها، ولغلق محاور انواكشوط بشكل فعال وبنيران قوية ضد أي قادم (كان انتشار الدبابات ¬ذا الشكل سيعطي ميزة إضافية هي التواصل حيث ستكون كل دبابة بمثابة محطة لاسلكلية متحركة ومأمونة، ويمكن التعويل عليها بدل الهواتف الخلوية المزحومة!).. إرسال الطائرة للتحليق فوق محاور الاقتراب وتشتيت أو عرقلة من يهب للنجدة.. التواصل مع غير المنضمين في انواكشوط وفي الداخل لاستقطاب بعضهم.. كل هذه الخطوات كانت كفيلة باستعادة التوازن، ولكن هذه الفرصة ضاعت كسابقاا! حين التقينا أول مرة بعد الثامن من يونيو، (26يونيو) كان صالح يتفحص جراحاتي، فقلت له إنني لم أكن لأنفعكم بشيء.. فبعد تلك الإصابات لم أعد أستطيع الحركة إلا بصعوبة بالغة.. رد علي: "أنت عندك عن تكيتك احذان ماه كافيتنا!" (أليس يكفينا اضطجاعك بجنبنا!).. شرحت له الأسباب الأخلاقية والدينية واستشرافي لمسار الأمور، فرد علي: "ولماذا لا تعلمنا فنقرر سويا؟.. قلت له: كانت الاتصالات متعطلة، وبالإضافة إلى ذلك فقد لا تشاطرونني رؤيتي، وقد ترون أنه يسعكم ما لا يسعني! . والحقيقة أنه بعض مضي ساعات على انسحابي عاد الأخ صالح في سيارة العقيد سيدي اعل ووجد الدروع قد هوجمت من طرف المدفعية وتطاير عنها كثيرون. كان البطلان عبد الرحمن والمرحوم محمد ولد السالك لا يزالان يدافعان عن الثكنة. وعندها كان صالح قد فقد الأمل تماما فاتكأ على حصير قرب باب مخزن الذخيرة فعزم عليه عبد الرحمن أن يغادر المكان وأخذه في سيارة صوفاماك وأخرجه من الفتحة التي عملتها الدبابات في الجدار الجنوبي الشرقي وودعه باتجاه الكزرة عند الثانية والنصف زوالا ورجع عبد الرحمن لكتيبته. أما ادعاءات السيطرة والتحكم والموازنات واتخاذ قرارات التوقف عن القتال والانسحاب وإبلاغ المرؤوسين فهذا كله محل نظر وفيه الكثير من وحي الخيال . 43 الاختفاء في انو ا كشو ط َّ عندما غادرت كتيبة الدروع في حدود 6 إلى المنزل في حي بغداد غير بعيد من الثكنة، َي صباحا ذهبت مع مرافق وحين صعدنا إلى المنزل لقينا أختي الصغرى نفيسه و كذلك السيدة حبيبة - كانت حاملا (3 شهور) بالبنت ميجة- وآخرين.. قابلونا بالصراخ فرحا، ولكنهم بدؤوا يقلقون حين لاحظوا الجراح، ثم أخذوا يمسحون الدم وينظفون الجراح.. كان الأطفال نياما (ولدان وبنت أعمارهم ما بين 8 و4 سنوات). دخلت إلى غرفة النوم لأستبدل ملابسي العسكرية المضرجة بالدماء بأخرى.. تبعتني حبيبة وأغلقت الباب وأمسكتني من منكبي، وسألت: هل نجحتم؟.. كانت جادة تريد الحقيقة.. ولكن الحقيقة مرة، ولا أريد أن أفجعها ¬ا! لم يكن لدي ما أرد به عليها، فهربت من الموضوع، شدتني للوراء بقوة وأشاحت بوجهها بعيدا وهي تصرخ مكلومة: " أريد الحقيقة!".. قلت لها بحزم هذه المرة: قب بيضاء وسروالا من نوع "كابردين"، كما أخذت ّ "اعتني بأولادك!". لت الأولاد النيام، ثم خرجت لابسا دراعة معي قارورة من "بتادين" وبعض "الشاش". خرجنا من المنزل.. ولدى مرورنا من أمام كتيبة الدروع، رأيت شخصا خلته العقيد إبراهيم السالم مدير المدفعية (كان قائدي في المكتب الأول لسنوات، وكنا نتبادل الكثير من الاحترام والتقدير) وهو يوقف سيارته في الجانب البعيد من الشارع.. كان يتكلم مع بعض الأشخاص، وكانت هذه فرصة للحديث معه ومحاولة كسبه لجانبنا، لكن الموضوع كان قد انتهى بالنسبة إلي. واصلنا إلى الداية 13 ثم تنسويلم، وأخيرا وصلنا إلى سوق توجنين. لم نصادف في الطريق أي انجر) لنحو 200 متر - والدم ّ عند السوق وودعت صاحبي ( ََّ تواجد أمني أو عسكري.. توقفنا ، ثم مشيت متثاقلا يسيل على السروال وأسفل الدراعة- قبل أن أصل إلى منزل قريبة هي السيدة زينب بنت حمادي وابنها يحفظو، وبقيت في أحد أعرشتهم. كان الجلوس متعذرا علي إلا بالمساعدة، وكنت مشغولا بالدعاء، وأقول بلسان الحال: "يا االله إنك تعلم قصدنا.. فما ُ سمعت هذا الذي يحصل؟".. إطلاق نار بأسلحة ثقيلة، فظننته قصفا على محمد ولد فال ومن قد يكون معه في المنطقة العسكرية 6، وكان ذلك مؤلما لي، غير أنه كان في ما يبدو تجريبا لأسلحة. تنامى إلينا نبأ سيء بأن النقيب اج ولد عابدين (قريب لي) توفي في البحرية، ثم - مع الظهيرة- بلغنا نبأ آخر سار بأن السجناء أطلقوا وأن سيد أعمر لم أصدق ذلك لأنني أعر أن ذلك لن يصح(أخبرآن)! َ عند الأسرة في منزلهم بحي "بغداد" وأن الانقلاب نجح! ف على الرغم من أµم عزوا ذلك للجزيرة وإذاعات أخرى. 44 في المساء أخبروني أن سيارات عسكرية تحمل جنودا لهم قبعات حمراء مرت من الشارع الذي لا يبعد إلا 40 متر من المنزل الذي أنا فيه (كان ذلك العقيد ولد الفايدة ومغاويره من كتيبة الصاعقة 2). كنت متألما جدا، و قد نمت من أول الليل، ولكنني استيقظت خلاله عدة مرات. في الصباح أخبروني أن الانقلاب فشل (كنت أعرف ذلك)، وأن إذاعة البحر الأبيض المتوسط قالت إن متزعمه قتل البارحة في الرئاسة .لم أكن أبدا أعول على النجاة ولا أريدها، فلا أرغب في أن أنظر في أي وقت في عيني "يتيم" من أولادهم! ولكنني كنت أرجو أن لا أعتقل قبل يوم أو يومين، حتى دأ الخواطر، وحتى أكتب شيئا عما كان يريده ويطمح إليه هؤلاء الفتية، ذلك أنه لم يكن لدينا أي شيء مكتوب من أي نوع. شرعت في الكتابة ظهر الاثنين 9 وانتهيت منها ليلة الأربعاء 11 يونيو 2003. وقد كتبت ما كتبت بذهنية رجل ينتظر الموت، يؤبن إخوانا شهداء يريد أن ينصفوا ويعرفوا ويفهموا، وبمعلومات غير دقيقة منها أنه توفي حوالي 700 شخص في الحدث، وكنت مشفقا جدا من التبعية الدينية لذلك. بلغتني وفاة المغفور له العقيد محمد لمين ولد انجيان، وقد كانت علاقتي به قوية، حتى أنني وصفته في تلك المذكرة بمسلم آل فرعون. بنت أجلاد على أن تسلمها إذا اعتقلت تركت هذه المذكرة وديعة عند السيدة فاطمة لأختي نفيسة لتنشرها .. وقد ُ احتفظت ¬ا لفترة - بعد أن غلفتها بالبلاستيك- في جوف جهاز مذياع متعطل كما قيل لي! وبعد خروجي من البلد سلمتها لنفيسة.. ولا زلت حتى الآن أحتفظ ¬ا، ولكنني لم أفتحها وأرجو ألا تكون الأوراق قد تلفت. التقيت حبيبة يوم الخميس 12 يونيو مساء عند سوق مسجد المغرب.. كانت متماسكة ومعنوياا مرتفعة وقالت إµا متشرفة أن لديهم بطلا. والأهم، أµا أخبرتني أن صالحا وعبد الرحمن والمرحوم محمد ولد السالك وجماعة أخرى من الزملاء قد نجوا وخرجوا من البلاد. كما أخبرتني أن أحمد ولد أحمد عبد والمرحومين محمد ولد عبدي واج ولد عابدين والآخرين جميعهم معتقلون ولم يمت منهم أحد. كان ذلك خبرا سارا إلى أقصى الحدود، وقد جعلني أفكر جديا بقدر آخر غير الاعتقال في µاية المطاف. كانت لدي يوميات طريفة من التسكع في انواكشوط، وفيها الكثير من اللطف.. سأعود لها في في الكتاب اللاحق إن شاء االله. 45 سررت أكثر حين علمت بحجم الضحايا الحقيقي، وإن كانت ليست هناك خسارة بسيطة ولو لشخص واحد فقط، فأحرى أن يكون من بين الضحايا قائد الأركان المرحوم محمد لمين، وضباط تعرفهم وضباط صف وجنود ومدنيون لا ذنب لهم عليهم جميعا رحمة االله ، رغم أن معظمهم توفي بسبب القصف العشوائي لأحد الطرفين. بعد فترة من التسكع انتدب الأخ سيد أعمر المسجون في "بيلا "صديق طفولته في بلدة بنعمان ورفيقه في الدراسة وأمور أخرى اعل ولد الطالب أحمد (الملقب الدوه) للبحث لي عن مكان مناسب للاختفاء، والقيام على أموري، وربطه مع السيد حمودي ولد الصيام " حمتي الكرموسي"، الذي كان مندوبا عن طرف لديه موقف مبدئي وأخلاقي من قضيتنا، وصاحب مصلحة في نجاتي من الاعتقال، وقد اختار لي الدوه منزلا في حي كرفور قرب جامع التوفيق.. صرت بأحسن حال فقد كان بالمنزل حمامات وثلاجة، وكان لدي مذياع، وكان الدوه يأتيني بالأخبار والجرائد، وكنت أصلي مع مسجد قريب كما تفعل النساء! وأذكر أن الدوه في تلك الأيام أوصل لي رسالة من سيد أعمر في سجن بيلا ،جاء فيها (لقد دخل معاوية نفقا لن يخرج منه ...ولا تغتم للعائلة والأطفال فسيرزقهم الذي يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). أخبرني الدوه أن معاوية يستهدف مجموعتهم، وأنه أقال واعتقل المرحوم محفوظ ولد لمرابط ومنتاته بنت حديد والوالي محمد ولد ارزيزيم، فرددت عليه: "إذا بدأ بذلك فتلك µايته.. هذه اbموعة حقيقة تاريخية متجذرة، وقد عاشت من التحديات الوجودية في السابق ما هو أشد وأنكى وانتصرت!". كانت هذه الفترة فترة امتحانات الجامعة، وكان على صاحبي الطالب أن يجري امتحاناته.. ذهب عني مرة على أنه سيعود إلي بعد يومين، ولكنه لم يعد! انتظرته يوما ثالثا، ولم يعد ،وقد نفد ما كان بحوزتي من الماء وليس عندي هاتف! بعد المغرب خرجت من المنزل، الذي كان الدوه قد أحكم إغلاق باب حائطه من الخارج. كان عندي أحد المفاتيح، ولكنني إذا طلبت من أحد المارة أن يفتح لي بمفتاحي فإن ذلك سيكون ملفتا! قر رت في النهاية أن أتسلق رغم الجروح حائط الحمام الخارجي، ثم قفزت.. ولك أن تتصور حجم الآلام في ساقي المعطوبة! ابتعدت أبحث عن هاتف عمومي بعيد من المنزل وغير مضاء كثيرا.. وأخيرا وجدت واحدا ¬ذه المواصفات، ولكنني اكتشفت أنني واقف بجنب الرقيب سيداتي مسؤول مخزن السلاح بكتيبة القيادة والخدمات، وهو يعرفني حق المعرفة! انسحبت ¬دوء.. واتصلت من هاتف عمومي آخر(عبارة عن محمول) على الدوه، وكان هاتفه مغلقا. 46 رجعت إلى المنزل في حدود الساعة العاشرة.. وكانت دوريات الدرك في الشارع الكبير الموالي.. فتحت الباب الخارجي وأخذت قارورة (بيدون) 20 لترا وعبأا بالماء من عند حارس المدرسة القريبة.. كانت هناك سيارة متوقفة في ساحة المسجد (أمام المنزل)، فاقتربت منها، ولكن لم يكن فيها أحد.. دخلت المنزل وأغلقت علي من الداخل وبقيت أنتظر. كان سيد أعمر في سجن بيلا قلقا جدا هو الآخر، فالدوه هاتفه مغلق، ولم يعد يمر عليه في السجن كالعادة، وحمودي اعتقل بسبب قيادته سيارة خاله المطلوب لدى الأمن. بعد ثلاثة أيام عاد الدوه ليخبرنا أنه اعتقل بعد أن شاهده أحد المخبرين (من مدينة لعيون) يتحدث مع الأخت نفيسة قرب السوق المركزي، كما أنه قبل ذلك كان عند خالته العالية (إلويته)زوجة محمد ولد ارزيزيم فتكلم بالكلام الذي قلت له سابقا عن تجذر مجموعتهم. بعد إطلاق سراح الدوه أرسل سيد أعمر شخصا آخر للإقامة معنا، وهو إدوم ولد بنباي، قريب لنا من مدينة كيهيدي. وكان يتناوب مع الدوه على البقاء معي بعد ذلك. في يوم 25 يونيو أخبرني الدوه أن هناك مشرفا جديدا بدل حمودي المعتقل، وأنه هو من يشرف على ترتيبات إخراجنا من البلاد، وقال لي إنه أخبره أن صالحا لا يزال موجودا في انواكشوط. طلبت منه أن يبلغ المشرف الجديد أنني أريد أن ألتقي به لأطمأن على الترتيب الذين ينوون اتباعه، فرد علي أن الشخص المعني سيزورني بعد العصر. حاولت الاعتناء بنفسي قدر المستطاع، ثم جاء مولاي ولد إبراهيم "بوعلبة".. قلت له - بعد أن تبادلنا التحايا- : "نحن ما خرجنا أشرا ولا بطرا، وإنما كنا نريد... إلخ"، فرد علي: "دعك من هذا.. الناس كلهم معكم ويشاطرونكم موقفكم، وحتى الذين تسمعوµم في الإذاعة، فليس ذلك موقفهم الحقيقي!". شرح لي خطتهم في إخراجنا، وكانت خطة ممتازة، كما أخبرني أن صالحا في انواكشوط وأننا سنسافر سويا.. بعد ذلك سألني: "هل توصي بشيء؟".. فقلت له: "كان من المقرر أن يخضع الوالد لعملية جراحية في المسالك البولية، وأريدها أن تجرى له!"، وانتابني شعور بالحزن واغرورقت عيناي بالدموع (العجيب أن الأمر تكرر اليوم وأنا أكتب هذه 47 السطور).. "أما الأولاد فإنني أكل أمرهم إلى االله.. أريد - فقط- أن يقرؤوا القرآن". رد علي مولاي: "نحن جزء من . 8 أمر االله"، ثم انصرف في مساء اليوم الموالي (26 يونيو) أحضروا صالحا، وكان لقاء لا يوصف.. سألته عن مشاهداته، وحكى لي عن بطولاته الحقيقية وبطولات الآخرين، واستفسرته عن "أمور محددة". كما سألني بدوره عن أحوالي، وضحك كثيرا من بعض المواقف الطريفة من حياة التشريد التي عشتها لعدة أيام. نقلونا في نفس الليلة إلى منزل قريب في نفس الحي، وأصبحنا في عهدة البطل المدني محمد ولد الطالب ولد آلويمين (المشهور بعد ذلك بمحمد ديكو)، ويبدو أن صالحا كان معه في الفترة الماضية. طبعا، كان كل هذا تحت إشراف مولاي. كان محمد ولد الطالب يأتينا بوجبة ساخنة في الليل، أما في النهار فقد كنا نكتفي باللبن و"ويتابيكس". في الليلة الموالية زارنا مولاي وتحدث معنا في بعض الآفاق المستقبلية وقد عرضت خلال النقاش بعض الآراء والمقترحات، وبعد ذهابه أبدى لي صالح قدرا من الامتعاض بحجة أننا يجب أن نناقش الأمور فيما بيننا قبل أن تطرح على الآخرين! فهمته.. لقد كنا نرسل وجهات نظرنا عن طريقه، ولا يحب أن تصير التوصيلة مباشرة! وأذكر أن مولاي أخبرنا متعجبا خلال اللقاء أن البعض يتحدث أنني كنت سأكون الرئيس.. لم يعلق أي منا على الأمر، ولم يسترسل هو فيه أيضا. أحضروا مصورا لأخذ صور فوتوغرافية كان يحظيه ولد ابنو يحتاجها لتجهيز بطاقات تعريف في جمهوية مالي التي كان سيسافر إليها. وفي الليلة الموالية، عاد نفس المصور لتسجيل خطاب موجه إلى الشعب. كنا قد حضرنا مسودة للخطاب، ولكن مولاي رأى أن فيها أمورا غير مناسبة، وعرض علينا مقترحا كان بحوزته.. وجدنا أن هذا المقترح ممتاز بالفعل، ويعبر بالضبط عما في نفوسنا، فلم نغير فيه إلا كلمات قليلة.. وقد أخبرنا مولاي أنه احتاط للأمر، وطلب من أحد أساطين السياسة في البلد تحريره! - بالمناسبة، أرسل الطبيب الشيخاني ولد اجدود، الذي كان سيجري العملية بعد 8 يونيو، من يبلغ العائلة أنه مستعد لإجراء العملية مجانا.. فجزاه االله 8 خيرا. وقد أجريت العملية بعد ذلك بكثير (في 2010) بواسطة بروفسير تونسي وبالمنظار.. فالحمد الله رب العالمين. 48 عندما حان وقت التسجيل، دفع إلي صالح الخطاب لإلقائه.. كانت مبادرته تلك تعبيرا عن الأحقية المستبطنة، وكان فيها أيضا شيء من اbاملة، ولكنني رفضت العرض وطلبت منه أن يتولى إلقاءه.. كان اسمه أكثر ترددا تلك الأيام، وكنت أيضا أعرف رغبته الشديدة في ذلك، وأنا معني بإرضائه، كما أنني أزهد -بطبيعتي- في الظهور. من جهة أخرى، كنت قد عشت تجربة طويلة من التعرض للشمس ونقص الاستحمام، و كان شعر رأسي طويلا جدا، ولم يجد أي منا الفرصة والوقت الكافيين لإصلاح حاله.. كان اللباس متواضعا: دراعة من "الشقة" وجلابية مغربية تحتها.. في مثل هذه الظروف لم أجد من المغري حقيقة - وأنا شخص مطارد- أن أظهر ¬يئة "حي بن يقظان" لأقرأ بيان انقلاب فاشل! بعد أن أكملنا التسجيل، انطلقنا مع الغروب في سيارة تويوتا (أل - إكس) مشتراة حديثا (كانت قبل ذلك - كما قيل لي- للمرحوم العقيد إديانق عمر هارونا). كان لكل واحد منا شنطة، وكان السائق سيدي محمد ولد احريمو، وقد أوصانا أن نقول في حال حصول مشكلة إنه سائق أعطيناه أجرة مجزية. بدأ ولد احريمو يستفسر عن الانقلاب، وقد طرح أسئلة عميقة ومهمة حول الموضوع. سمعت عند مولاي أنه خلال فترة ترتيب سفرنا التقى بسيدي محمد وكان ساخطا من تقاعس الناس عن مناصرتنا. فسأله مولاي: "وهل كنت مستعدا لمساعدم إلى الحد الذي تعيب على الناس التقاعس عنه؟"، فرد عليه بالإيجاب.. عندئذ قال له مولاي: "لقد جاءتك الفرصة.. الجماعة عندي وأريد لهم سائقا يرافقهم!".. فقبل سيدي محمد وسقط في الفخ أو ابتسم له الحظ! لا أريد أن أµي الحديث انقلاب 8 يونيو وما أعقبه دون أن استعرض بعض النقاط: القوات المتصدية : ففيما يتعلق بالقو ات التي واجهتنا في الثامن من يونيو.. ودون أن أكون معنيا بمجاملة أو نثر للزهور، فإن هناك تشكيلين قد تصديا بشراسة للمحاولة وهما: 1- كتيبة الحرس الرئاسي: فمع تأثير الصدمة والمباغتة التي يحتاج التوازن بعدها في العادة وقتا طويلا، استطاع هذا التشكيل - رغم كل شيء- استيعاب الضربة المدوية التي سددت له بعمق وإلى الرأس، وتنسيق هجوم مضادة -في ظرف ساعات- ضد خصم متفوق بالنيران ومحمي رغم جوانب القصور الذاتية التي لا يعلم ¬ا المهاجم على كل حال. 49 2- المدفعية: وهذا السلاح الذي كان مقطورا وعديم القدرة على المناورة مقارنة بالدبابات، ومحدود القوة النارية إذا ما قيس بمدافع الدبابات (115مم)، استطاعت بطاريات الدفاع الجوي (23مم و 37مم) التي كانت بحوزته أن تقوم بأعمال دفاعية في الليل . وفي النهار قامت بأعمال تعرضية ضد ثكنة الدروع بشكل فعال بواسطة مدفعية الميدان و المدفعية المضادة للدروع وهو شيء غير مسبوق. طبيعة إصابتي: لقد كانت إصابتي بسبب حوالي عشر شظايا دخلت في لحم الفخذين، لكن أيا منها لم تصل للعظم أو تصادف عصبا، والله الحمد.. وأخطر تلك الشظايا كانت في الركبة اليمنى. غير أن عدم معالجة الإصابة 30 يونيو في الطينطان لتغيير ملابسي عند الصلاة ُ جروح، حتى اضطررت بالشكل المناسب سبب تقيحا لل في يوم لأن سروالي كان متنجسا من دم الإصابات وقيحها. وخلال رحلتنا من انواكشوط، كان يلزمنا مرتين أن نتفادى نقاط التفتيش عبر النزول من السيارة والسير على الأقدام، أتذكر أنني لم أستطع تفادي مركز الدرك الموجود علي بعد حوالي 130 كم من انواكشوط إلا بشق الأنفس ومن خلال التعلق برقبة صالح الذي أجهدته تلك الليلة على الرغم من كونه مصابا في القدم هو الآخر. بعد قدومنا إلى واغادوقو، أجريت لي فحوص في "كلينيك نوتر دام" التي يملكها الرئيس البوركينابي السابق الرائد الطبيب جان بابتيست ودراوقو، وقد ظهرت الشظايا وقرر الجراح ودراوقو (شخص آخر غير مالك العيادة) إجراء عملية لإخراج أكبر تلك الشظايا، وأخضعني لتخدير نصفي، ولكنه لم يستطع الوصول إليها بسبب عمقها والدم السائل والذي لم يسمح بتحديد مكاµا.. وبعد أن تعب من البحث عن الشظية دون جدوى اقترح علي أن أتركها فالبحث عنها سيؤدي إلى جروح أكبر، ثم إµا دخلت وهي ساخنة، والحديد من مواد الجسم التي يتقبلها، وقد تخرج مع الزمن.. ولا تزال تلك الشظايا في فخذي، وهي مرئية بالأشعة السينية. أما الشظية الموجودة في الركبة فقد تحولت إلى و رم (اجرانه) أجريت لها عملية استئصال عام 2004، ثم عاد الورم من جديد وانفجر أياما بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 وخرجت منه شظية جديدة بطول 8 مم. ومن الطريف أن المخدر في عملية 2004 كان يلمح لي أنه يفهم أنني قادم من ليبريا (حيث الحرب الأهلية). 50 مناقشة أسباب الفشل: يكثر الحديث دائما حول أسباب فشل انقلاب 8 يونيو، ويذهب الناس في ذلك مذاهب شتى.. ودون السعي لبلورة مقاربة متماسكة لأسباب الفشل، أود أن أقدم قراءة نقدية للعوامل التي تطرح عادة كأسباب مفسرة لفشل هذه المحاولة، ولا تعني هذه المناقشة نفي التأثير السلبي لهذه العوامل بقدر ما هي تعبير عن رفض المبالغة في تأثير هذه الأسباب وإعطائها حجما أكبر مما تستحق: ّ - الوشاية: لا شك أن الوشاية أحدثت عت بإطلاق العملية قبل إتمام بعض الإجراءات بعض الارتباك، وسر التنسيقية النهائية.. لكن فرصا عديدة سنحت لاستدراك هذه الإجراءات ولم يتم استغلالها نتيجة سوء الحظ وبعض الأخطاء. ومع ذلك فإن الوشاية لم تفقد العملية ميزة المباغتة التي ظلت كما هي، بل ربما تكون قد عززا.. فالدبابات وصلت الرئاسة قبل استنفار حراساا، والرئيس لم يغادر القصر إلا بعد بدء تبادل إطلاق النار عند البوابات. كما أن العديد من قادة التشكيلات الموالية لم يلتحق بعمله إلا بعد مضي ساعات أو في الصباح. كانت الوشاية ستكون خطيرة وفعالة لو تمت أول النهار أو في ساعات المساء الأولى، أما وقد حدثت ونحن مجتمعون وجاهزون، فيمكن أن تكون قد دفعت بالأمور إلى منحى غير مرغوب، ولكنها لم تكن السبب في الفشل. - الاتصالات : يستغرب البعض أننا كنا بصدد تنفيذ انقلاب بالاعتماد على الهاتف الخلوي.!. وفي هذا تبسيط وتسطيح ونقص في المعلومات.. فنحن كنا سنعتمد على مجموعة متنوعة من الشبكات: 1) هواتفنا العادية. 2) هواتف بديلة تم توزيعها خلال 48 أو 24 ساعة السابقة على بدء التنفيذ، وهي غير معروفة المالك، وبالتالي تضمن التواصل الآمن بالمستجدات الطارئة دون الخشية من التصنت. 3) الهواتف الثابتة لقادة التشكيلات، وهي مفتوحة الرصيد ولا تحتاج للشحن وغير قابلة للتشويش ولا تتأثر بزحمة الخطوط. 4) أجهزة التواصل ما بين الدبابات، حيث كان يمكن أن نشكل ¬ا شبكة في انواكشوط عن طريق توزيع الدبابات على مختلف النقاط. 5) أجهزة الراديو القصيرة المدي،(موجات طويلة) لدي الأركان بالإضافة إلى الشبكات الخاصة الأخرى الملحقة ببعض الأسلاك والتشكيلات 6) شبكات البنية التحتية للقوات المسلحة (الموجات القصيرة) للتواصل مع الداخل. إذن كان هناك تصور واضح، وكان هناك طيف واسع من الوسائط،.وعليه فإن إخفاقنا في استخدامه عجزا أو عجلة لم يكن تقصيرا في التخطيط، بقدر ما هو ارتباك لحظة التنفيذ! 51 - البيان والإذاعة والظهير المدني: لا أخفي حقيقة أن لدي حساسية مفرطة من الإذاعة والتلفزيون والاهتمام الزائد ¬ما في البداية على حساب المهام الجوهرية ذات الطابع الاستعجالي. وأتذكر في الثمانينات انقلابا في إحدى دول الكاريبي أذاع أصحابه بيانات في الراديو وأهملوا السيطرة على بعض التشكيلات، فاعتقلوا في النهاية وفشل انقلا¬م الإذاعي. كما أذكر أن قناة الجزيرة بثت أسبوعا قبل الثامن من يونيو ضمن برنامج "شهادة على العصر" - أعتقد أµا لأحد الضباط السوريين من عهد الانقلابات في سوريا الستينات- تتحدث عن انقلاب تسابق منفذوه للإذاعة لكي يلقي كل واحد منهم البيان، وفي النهاية اعتقلوا جميعا وفشلوا! لقد كان عددنا قليلا (حوالي 20 ضابطا وبعضا من ضباط الصف)، وبالتالي لم يكن لدينا فائض لتخصيصه للإذاعة التي هي أمر أقل من ثانوي في المرحلة الأولى للعملية.. فليس هناك بيان جاهز، وليس هناك قرار محسوم في أمر الرئيس، ونحن ننتظر ما ستتيحه لنا الفرصة أو تفرضه علينا الوقائع. وعليه فقد كان الاهتمام بالإذاعة في مثل حالتنا يشبه حال من يريد سلخ صيد لم يمسكه ولم يذبحه. العجلة إلى الإذاعة قبل إكمال مهام السيطرة وإتمام الأمور لم يعمل ¬ا أحد قبلنا ولا بعدنا (انظر متى أذيع البيان الأول لانقلابي 10 يوليو 1978 و3 أغسطس 2005، أما محاولة 16 مارس 1981 فلها سياقها الخاص، حيث كان أصحا¬ا يعولون على التدخل الخارجي، وكان البيان بمثابة إشارة حسب ما قيل ومن هذا المنطلق فهي تأثير رئيسي). كان يمكن لبيان عبر الإذاعة أن يكون مهما وحاسما يوم الأحد في جو الغموض وعدم اليقين لإعطاء ميزة معنوية. أما مسألة الفنيين فهي غير مهمة.. بشكل حثيث لقد حاولنا جهدنا في موضوع الجناح المدني مع كل من نظن أن بإمكانه تكملة نقصنا وتقديم المساعدة المأمونة في كل الأمور بشكل عام وخاص. بالنسبة لنا كان الأمن مقدما على ما سواه، وإذا كنا لم نفاتح ضباطا أخوة وزملاء من البداية وفيهم من كل الاختصاصات وهم من هم نخوة وكبرياء، فهل يعقل أن نكلم من هب ودب للحصول على فنيين في ذلك الجو الموبوء؟! وعلاوة على كل هذا، فمن المؤكد أننا عندما نسيطر وننجح فقد يكون مدير الإذاعة السيد سيد إبراهيم ولد حامدينو حريصا لقراءة البيان بنفسه، أحرى من هم دونه. ثم إن لنا معارف في التلفزة والإذاعة، ولدينا ضباط الإشارة وهم فنيون وباستطاعتهم تشغيل الإذاعة وسيارات البث، وحتى الجزيرة فهي موجودة ومتوفرة لمن أراد الاتصال ¬ا! 52 إنني أوافق على دور مهم جدا لمسألة الإذاعة والتلفزيون في إفشال محاولتنا، ولكن ليس من الزاوية المتداولة، وإنما من زاوية أن الاهتمام الزائد ¬ذه المسألة قبل إنجاز المهام الحيوية .لقد كان ذلك مكمن الخطأ والخطر.. فإرسال دبابة لتلفزيون مغلق، ومرابطة رتل من الدبابات طوال الليل أمام إذاعة مهجورة، في حين أن المعركة كانت جارية في الرئاسة، وأن الهجوم المضاد انطلاقا من ثكنة الحرس الرئاسي كان على أشده، وأن الأركان كانت خارج السيطرة (وهو معروف للموجودين عند الإذاعة بعد قدوم مبعوث قائد الأركان)، والمدفعية تتموقع عند محكمة الحسابات وتضرب، دون أن يحرك أحد ساكنا، وبدل ذلك يتم إخفاء الدبابات في زوايا قر ب أو داخل هذه البناية تفاديا للرماية... كل ذلك كان يدل على أن الاهتمام بالإذاعة كان ضارإلي أبعد الحدودا! - السيطرة على الأركان: كما أشرت إلى ذلك سابقا، لم تكن السيطرة على الأركان مسألة حاسمة في حالة 8 يونيو، وقد ظهر ذلك جليا حين تمت السيطرة عليها من التاسعة صباحا يوم الأحد وحتى صباح الاثنين، فلم يغير ذلك من النتيجة. - المنطقة العسكرية السادسة: ما يذكره البعض عن مسؤولية المنطقة العسكرية 6 في إفشال الثامن يونيو هو أمر مضخم وغير صحيح. فالمنطقة العسكرية السادسة ساهمت في الليل بجنود قلائل جاؤوا مع المقدم عبد االله ولد جدو والنقيب محمد ولد بوبكر، أما في النهار فقد كانت سيطرة قيادا عليها رخوة، وقد أرسلوا عناصر في شاحنة( 1113) فيها ما يزيد قليلا علي 10أفراد اعترضها النقيب بده ولد الشيخ أحمد قرب كتيبة القيادة والخدمات، ثم أرسلت بعد ذلك في المساء 5سيارات من ضمنهم قائد المنطقة والرائد عبداالله ولد محمد وقد سلكوا طريقا يؤدي إلي محطة الشاحنات علي طريق أكجوجت ومن ثمه اقتربوا حتي ثكنة المطافيء حيث باتوا هناك حسب ما قال لي أحد الضباط العاملين هناك، وهذه العناصر لم اجم كتيبة الدروع، بل كانت المدفعية هي التي شنت الهجوم عليها.. فلماذا التركيز إذن على المنطقة العسكرية 6 وجعلها مشجبا يعلق عليه كل الأخطاء والخطايا؟! لقد كانت المهمة الأساسية خلال الساعات الأولي السيطرة فقط علي الثكنة الواسعة وبعدها قطع طريق الأمل ولم يكن هناك وارد بطلب تعزيزات منها خلال الليل لأµا لا تتوفر إلا علي مراكز حراسة. بل كان المقرر هو تعزيزها بدبابة كقوة نارية وهجومية ومحطة اتصال .وهذا كان نفس الشيء بالنسبة للوحدات الأخري :الهندسة –الطيران. 53 عقدة الثامن من يونيو قبل محاولة نوفمبر عام 2000م ،كنت أطرح على نفسي حينها السؤال التالي: ما هو توصيف دوري في قيادة السيارة وأنا السائق...أما ِّ وكنت أجيبها في ذلك الوقت بأنني الإرادة الموج العمل؟ هة وصالح القوة الدافعة أو هو محرك بعد العام 2000م وتسريح الأخ صالح فقد أصبحت أقوم بكلا الدورين، وصالح كان رديفا احتياطيا عنده نفس درجة الاطلاع إلى حد كبير،وي باطات الخاصة المتلائمة مع وضعه الجديد(مدني)،وعلى المستوى ُستخدم لبعض الارت ِ العملياتي: ورقة "جوكير" ي القيادة مرونة، حيث يمكن أن يملأ أية خانة فارغة عند التنفيذ ت .ويعلم االله أن الأمر كان ُعط هكذا وصالح يعلمه لو رجع لنفسه دون هواه والأمر لا يمكن أن يكون إلا هكذا فموريتانيا ليست من جمهوريات الموز. ولم أكن أتوقع يوما أن ينازعني أبوا أو قيادا السيد صالح الذي منعته إدارة الأمن من الحصول على جواز سفر، حيث كان يريد التغرب طلبا للعيش في ليبيا حيث هناك زميله إمهادي أو البحرين التي كان ولي عهدها الحالي زميلا له بالكلية العسكرية في السعودية. وعندما أخبرني صالح بمنعه من الحصول على جواز السفر، قلت له: لا بأس.. فالخطوة جيدة أمنيا،لكن سيندم من منعك تلك الوثيقة! الأخ صالح، ومنذ تم تسريحه من الجيش عام2000، أصبح ضيفا على التنظيم العسكري، فأنى للضيف أن يتأمر؟!وكيف له - وهو البطل- أن يكابر ويستخف بالعقول ليدعي توزيع الأدوار وإصدار الأوامر لغيره، وهو لم يكن مرتبطا بأي من التشكيلات المشاركة في يونيو 2003م (البحرية ومشاة البحرية،الطيران والهندسة...إلخ)، بل إن قائدي التشكيلة الرئيسية (كتيبة الدروع) النقيب البطل عبد الرحمن ولد ميني والمرحوم البطل النقيب محمد ولد السالك لم يكونا علي صلة به وحتي بعضهم لا يعلم بوجوده في التنظيم أصلا، ولم يكونا ليقبلاه في الثكنة لو لم يحضر معنا! أما الضباط الذين ظل الأخ صالح مرتبطا ¬م فهم بعض من مواليد لعيون و اللذان سرحا معه عام 2000م، والقيادات الأساسية من بينهم سحبت منه الثقة في الأيام الأخيرة، ورفضت التعامل معه أو عن طريقه. يعلم الأخ صالح -دون غمطه حقه أو الاستهانة بدوره العظيم الذي لم يكن على كل حال القيادة من الموقع الأمامي أو الأعلى- أن مشاركته في يونيو 2003 قد تكون شرطا مهما ومطلوبا لإنجاح الانقلاب، لكنها لم تكن شرطا ضروريا أو كافيا لوقوع الانقلاب من أصله. 54 لقد كان الأخ صالح يقول في مجالسنا الخاصة - ونحن في بوركينا- إنه غير متشرف بالثامن من يونيو، ويحمد االله أنه فشل لأننا غير منتظمين بمعني أنه لم يكن هو القائد، وكان يتضايق من السؤال عن تفاصيله والخوض فيها من طرف من نلتقي ¬م من المهتمين بمعرفة تفاصيل تلك المحاولة الجريئة.. فما هو سبب انقلاب موقف الرجل من محاولة الثامن من يونيو التي هو اليوم أبوها وأمها؟! السبب يا سادة أن صالح الذي جعلته "البروبوغندا" زعيما للانقلاب يواجه مشكلة عويصة، تتمثل في أن قيادته المزعومة لا تظهر في الارتباط بالوحدات المنفذة، ولا في سير الأمور، ولا في المنصب الوزاري العادي الذي كان سيشغله في حال نجاح الانقلاب (والذي لا يأتي على ذكره أبدا)، فضلا عن وضعه كمدني... لقد كان الجميع حينها في نفس المكان (بوركينا)، ولا يستطيع أحد أن يدعي ما ليس فيه كما هو الشأن الآن على بعد آلاف الكيلومترات: "أمرت فلانا، وفاجأني فلان، واعترف لي فلان، وسامحت، ووليت، وعزلت... ". فليس هو من ذهب إلى عرين ولد الطايع في الرئاسة (وذلك كما يقال في المثل الشعبي: اقطيع مريام لرأسها)، وليس من دخل الفيلا الرئاسية، وليست لديه تفاصيل مهمة وشيقة عن تلك المهمة رغم قوله في تعمية مغالطة: "فتشنا القصر"،والعجيب أن روايته الجديدة لما حدث في الرئاسة بشكل مناقض للحقيقة هي تقليعة جديدة عليه منذ أزيد من سنة فقط . " أما الأجهزة والدوائر المطلعة فهي تعرف بشكل واسع حقيقة الثامن من يونيو 2003م،لقد حدثني أحد الذين يتولون الإشراف على الأمور اللوجستية بالقصر وهو السيد (...)، وكان يعمل قريبا من الرئيس معاوية أن هذا الأخير كان يغيظه بشدة أن يقول أحد أمامه إن صالحا هو قائد انقلاب الثامن من يونيو 2003م. كما أن الكاتب المصري أحمد مطر الذي ألف كتابا عن الر ئيس الأسبق اعل ولد محمد فال كان يضع صالحا في الدرجة الثانية، ولا يمكنه عمل ذلك إلا أن يكون سمع ذلك أو فهمه من الرئيس اعل. أكثر من ذلك.. فقد جاء في بداية 2004 المفوض دداهي ولد عبد االله مدير الأمن السياسي إلى بوركينا في زيارة طلبها، وقد كان الهدف من الزيارة استمالة الأخ مصطفى، الذي اجتمع به ودار بينهما ما دار، ولكن بعد عودته جاءنا مصطفي بالليل وكان صالح خارجا من حجز بعيادة نتيجة الحمى، وفي معرض حديثه عما جرى بينهما، قال مصطفى مستغربا إنه لاحظ أن دداهي يهمه موضوع حمادي (محمد ولد شيخنا) أكثر من لمرابط (صالح)، و إن دداهي أخبره أنه لم يجتمع قط بمحمد ولد شيخنا، لكن الضباط الذين يعرفونه يقولون عنه كذا (شيء من الثناء).. سكتنا جميعا ولم نعلق، ولكن مصطفي كان بذلك الحديث قد وقع في المحظور دون أن يدري. 55 ما كان يهم الأخ صالحا خلال وجودنا في بوركينا بشكل رئيس هو أن يكو ن العمل القادم خالصا له، يمحو تماما آثار "عار" الثامن من يونيو و يكنس أهله، وكان مسكونا بشكل مكتوم ومخادع بتقليص أي دور لمحمد ولد شيخنا (وإن كان من غير الممكن الاستغناء عن فكره وصورته وأبعاده وما يمكن أن يضيف، كما يقول المثل الشعبي: "ما اكرهني بيك وما أأأغلى اعلي لبن معزاتك")، وسيظهر ذلك جليا خلال التحضير لمحاولة 2004. لقد جاء الاهتمام الجديد لصالح بالثامن من يونيو نتيجة لاعتبارات متداخلة، فبعد كل ما جرى بقيت هذه المحاولة هي المحاولة الوحيدة الجريئة والجسورة والمحبكة تنظيميا وأمنيا والتي تجسدت ميدانيا، وتر كت أثرا مدويا، وكان صالح مدنيا، والمشاركين عسكريين عاملين حصرا، وبالتالي تتطلب عملية تبادل المنافع غير الأخلاقية الحالية التي هي أقرب للقرصنة (مصادرة شرف المشروع في مقابل تأكيد الزعامة) الانخراط في عملية تشويه واغتيال لمناقبية القادة الحقيقيين للثامن من يونيو ليخلو الجو........... مرحلة المنفى : في طريقنا من مالي إلى بوركينا فاسو، اقترح علينا يحظيه ولد ابنو (مرافقنا في هذه الرحلة) أن نذوب في غيرنا، وهو ما وافق عليه السيد صالح دون تردد، بينما رفضت أنا، وأصررت على أن يكون لنا تنظيمنا ذو الطبيعة الوطنية الجامعة.. وقد أدى هذا الرفض إلى توتر كبير في العلاقة مع يحظيه، بسبب استقلال موقفي مقابل الانبطاح الكامل للسيد صالح. ولكنهم بعد ذلك قبلوا وجهة نظري، وأنا من أطلقت على التنظيم تسميته المعروفة، والتي حرصت على أن تكون محايدة سياسيا وذات موسيقى مميزة في الوجدان الوطني، فكان الخيار بين "فرسان التغيير" أو "فرسان الشرف والإخاء والعدالة"، ثم اختير الأول لاختصاره. غير أµم أصرو ا على أن يكون السيد صالح رئيسا له، وتم إخراج ذلك في الإعلام الذي كان مجندا لخدمة الزعيم. 56 وبغض النظر عن غايات ومبررات وجدوائية ذلك التضخيم الإعلامي، فقد أدى إلى تداعيات غاية في الخطورة بالنسبة للأخ صالح وللمشروع، ولا تزال هذه التداعيات السلبية مستمرة إلى اليوم. فالأخ صالح نتيجة هذا العصف الإعلامي، ونسبة إنجازات إليه، يعلم هو في قرارة نفسه أµا ليست له، أصبحت لديه عقدة مركبة من زملائه وخاصة محمد ولد شيخنا فيما يخص الثامن من يونيو، ومع المرحوم محمد ولد السالك في الخارج(منعه من الدخول مع عبد الرحمن كما كان مبر مجا وأتذكر المرحوم وهو يشكو من أنه يضن عليه حتى بشرف الموت من أجل وطنه) ولاحقا مع عبد الرحمن ولد ميني بعد اعتقالهما وسير المحاكمة التي برزت فيها شخصية عبد الرحمن الشجاعة والواثقة في موازاة شخصيته هو المهزوزة ومع قيادات الصف الأول جميعها بعد العودة وفق منطق جديد أضحي ينظر له ويبرر به خذلانه وتنكره وهو الثورة تأكل أولادها وقد تعمق هذا الخلل النفسي مع الوقت إلى ما يشبه الانفصام، وتغيرت شخصيته المعهودة ذات الملامح الصادقة والمتواضعة والكريمة والمحببة إلى شخصية أخرى أنكرها كل من عرفه في السابق. لقد سعى صالح، و بشكل مبكر، إلى إفساد العلاقة بيني وبين "أصحاب يحظيه"، مستغلا التوتر الذي سببه اختلاف الرؤى بشأن إنشاء التنظيم واستقلالية القرار والتحرك السياسي.. ولا أدري ماذا نقل لهم عني بعد ذلك!! والمؤكد، أنه أفسد علاقتي ¬ذا الطرف المهم للمشروع على كل الأصعدة، خصوصا وأنه كان بمثابة الحبل السري للتواصل مع الداخل. ومن تجليات تلك الوسوسة غمزه من قناتي بكوني قريبا -حسب تخرصه- من "ضمير ومقاومة" لأنني كنت أتواصل معهم وأهتم ¬م كشباب نشطاء، رغم حقيقة أن شخصي هو من اقترح أصلا على صالح التواصل مع "أصحاب يحظيه"، بل من اقترح عليه اسم شخص بعينه (طالبنا) كقناة للتواصل معهم، وقد كان -بالفعل- اختيارا موفقا. والغريب حقا هو ازدواجية الأخ صالح.. حيث إنه في الوقت الحاسم، كانت اbموعة غير المرحب ¬ا وغير المأمونة عنده (ضمير ومقاومة) هي من اتصل ¬ا شخصيا ودفع أفرادها للخطر بإطلاق النار على منزل مدير الأمن السياسي خلال اختبائه في 2004 بانواكشوط! 57 السلاح البوركينابي أما بخصوص السلاح البوركينابي، فلم يكن لصالح فيه أي ضلع.. فقد سافر بعد يأسه من الحصول عليه إلى مالي وكان سمع عن إمكانية شراء أسحلة فردية قليلة هناك، وريبها إلى الداخل في رزم من المكانس التقليدية.. بينما وفقنا نحن االله بأن يسر لنا اجتماعا مع العقيد "جبريل جينجري" قائد الأركان الخاصة للرئيس البوركنابي ورئيس كتيبة الحرس الرئاسي وقد رتب الاجتماع الأخ المصطفى ولد الشافعي (ربما بإيعاز من الرئيس "بليز") وحضره أيضا والنقيب كعباش. 9 المرحوم محمد ولد السالك والعقيد جينجري هو ضابط ضخم ومرهوب الجانب، لا يتكلم كثيرا ولا يمكن توقع خطواته.. اجتمعنا ¬ذا الضابط في منزله لإقناعه بجدوائية تسليحنا، حيث عرضنا عليه مخططاتنا في ما يتعلق بثكنات انواكشوط والمدن القريبة منها وكيفية التعامل مع الرئاسة. ولم نستطع التأكد من موافقته على الدعم، فقد اكتفى خلال ما يزيد عن ساعة كاملة من الشرح بالمتابعة المتأنية دون التعليق أو طرح الكثير من الأسئلة، ولكنه قام ¬مهمة تدل على الرضا عندما شرحنا له خطتنا للتعامل مع حراسات الرئاسة من ثلاث جهات لدفعها إلى الانسحاب من الجهة المتبقية. وقد خرج المصطفى 9 - التحق بنا المرحوم محمد ولد السالك في بوركينا 2003م قادما من صحراء النيجر التي سكن فيها لشهور، حيث تواصل عبد الرحمن (سيف) مع أميلي في السعودية، وهي التي ربطتنا بمحمد الذي كان يتواصل معها من مأمنه في الصحراء. أما عبد الرحمن فقد تواصلنا معه عن طريق أسرته بواسطة أختي نفيسة وزوجها زين العابدين الذي تولي تنسيق الربط معه وكان يومها في بوركينا عند الشيخ علواته فجاءه محمد ولد كيبود وذهب به للمنزل في حي دساسقو. كنت أنا وصالح في بواكي لتسجيل فيلم تأسيس الفرسان . كان كعباش (حيدره) في مقهي انترنت في غينيا (كوناكري) بعد رحلة ذهاب قادته حتي كانا وعودة حتي حيث هو .ودخل موقع المرصد الموريتاني فوجد رقم محمد عال ولد اللولي فهاتفه في بروكسل وعرفه علي نفسه وتم الاتصال من أحدهم علي صالح وذكر له الأمر وأعطوه هاتفا ثابتا (عندي رقمه) واتصل صالح علي الفور علي الرقم المذكور فإذا بالمخاطب الآخر سأل صالح عن اللقاء في كراج شهر مايو فأجابه بما يريد وتم التعارف كان خبرا سارا جدا آخر.سأله هل باستطاعته أن يتدبر أمره في الوصول إلي واكادوكو.رد أنه يستطيع الذهاب إلي أي مكان.بعد يومين كان كيبود يأتي لأخذه حيث سبق هو عبد الرحمن بيوم. ذهبت أنا إليهم بسرعة وبقي صالح في "ابواكه" للحصول من صور و علي بعض المعدات الضرورية للعمل حيث جاءنا بوحدة كومبيوتر.قبل مجيئه ذهبت وعبد الرحمن إلي "سيقو" بمالي للآلتقاء بالضابط النقيب السابق سوماري عبد العزيز القادم من فرنسا وذلك بترتيب من مصطفي والرزام.هذا الأخير كنت كلمته أنا منذ أكثر من أسبوع من" إبواكه" بالثريا في أول اتصال معه .كان مصطفي يضغط من أجل ذلك بينما كان صالح وأصحاب يحفظو متحفظين.وبعد عودتنا واجتماع الشمل بقي فقط الصادق(محمد) وبون ولد إعل (إسلمو).سافرنا بعد ذلك أنا و عبد الرحمن إلي انيامي عاصمة النيجرمن أجل إجرائه مقابلة من هناك مع "كريستين ميراته" من إذاعة فرنسا الدولية ولكنهم لم يذيعوها .وقد بتنا عند عبد الر حمن ولد بلمين والتقينا معه بعمار ولد وانه الركادي لأول مرة وعرفناهما علي أنفسنا. عند قدومنا لوكادوكو أول مرة كان مصطفي قد عمل لنا أنا وصالح أوراق تعريف قنصلية من السفارة المالية بواكادوكو وهي التي كنت ¬ا أسافر.عبد الرحمن وكعباش عملا أوراقا لأنفسهم و التحقا بنا وهي عندهم وكذلك محمد ولد السالك.أما بون ولد محمد ولد اعل فقد جاءنا شهورا بعد ذلك صحبة محمد ولد آلويمين بعد رحلة ملحمية علي الأقدام من انواكشوط إلي حدود مالي. 58 (الذي لم يشارك في النقاش) بانطباع إيجابي عن سير الاجتماع، رغم تأكيده أنه لا يمكن التنبؤ بموقف العقيد جينجري. انتظرنا عدة أيام دون رد، ولكنني لاحظت بعد منتصف إحدى الليالي الموالية (حيث كنا نتأخر في مقاهي الإنترنت) وجود سيار ات تحمل رشاشات ثقيلة ومعها طواقمها في تقاطعات الطرق حول مبني الرئاسة، الذي كان لا يزال في وسط واغادوقو حينها، وهذا الترتيب نموذجي للتصدي لهجوم كالذي شرحناه للعقيد جنجري.. ولم أعرف هل هذا الأمر معتاد من قبل ولم ألاحظه، أم أنه جديد ومستوحى من خطتنا.. تمنيت لو كان هذا الافتراض الأخير صحيحا، لأن ذك سيكون دليلا على أننا أقنعناه بطرحنا. كان مصطفى يزورنا كل ليلة تقريبا دون أن يحمل جديدا.. وفي إحدى الليالي، خرجت معه لتشييعه إلى سيارته، فلعله قال: "ادع لنا" il faut prier فرددت عليه: "أتدري كيف سأقنع الرئيس ابليز بإعطائنا السلاح إذا قدر لي وقابلته من جديد؟.. إµا كلمة واحدة..سأحلف له أننا سننجح إن أعطاه لنا! فهذه أحسن طريقة عندما يعوزك إقناع شخص متردد في أمر، لأنك توصل له قناعتك بشكل ادراماتيكي يقطع المحاججة.. فإما أن يقبل إن كان يثق بك أو تقنط منه µائيا!". وأعتقد أن مصطفى استخدم هذا السلاح مع رئيسه، لأنه عاد بعد ليلة أو اثنتين يكاد يطير من الفرح وأخبرنا أننا سنحصل على السلاح، وقال لنا أنه أقسم للرئيس على نحو ما شرحت سابقا، وهو ما لم يفعله معه قط، فحدثت المعجزة! بدأت الأمور تتحرك، واستدعى مصطفى عمار ولد ونه الركادي من النيجر، واستدعى الأخير بدوره زملاءه و أقرباءه من كنتة أزواد (المرحوم إدمي وعيسى وسيد أعل ومحمد ولد سيد أعمر).. كان الأمر بالنسبة للجماعة "أكل عيش" مع مصطفى، ولكنهم كانوا متحمسين لإعانتنا أيضا! تم توزيع الشحنة على دفعتين بعد محو كل الأرقام حتى يجهل المصدر.. سلمت الدفعة الأولى للموصلين قرب بلدة "مركوي" الحدودية، وقد أمضت عدة أيام في الطريق أتعبت خلالها سائق الشاحنة العتيقة (وهو شاب حديث السن والده اشريف ولد عابدين من كنتة أزواد) بالأعطال والانغراز في الوحل، فقد كان هذا في شهر يوليو أي بداية فصل الخريف، ولم يكن يستطيع سلوك الطريق المعبد ما جعله يعاني من مشاكل لا حصر لها، حتى اقترح عليه عمار الركادي في إحدى المراحل التخلي عن الشحنة، ولكنه كان بطلا وكان دافعه في إيصالها قويا جدا. وقد استطاع الوصول إلى باماكو، حيث كان في انتظاره عبد الرحمن وصالح ومحمد ولد آلويمين والذين رتبوا مكانا لتخزين الشحنة، 59 ولكنهم تفاجؤوا بالمخبأ السري المتقن للسلاح داخل الشاحنة، مما جعلهم يحرصون على شرائها وريب السلاح فيها إلى انواكشوط. وهو ما تم بالفعل، وتكرر مع الشحنة الثانية التي صودرت بعد الاعتقالات وهي لا تزال في الشاحنة. محاولة اغسطس 2004م أصبح الأخ صالح منذ خروجنا من البلد كثير التكتم على الأمور، قليل الشفافية معنا، ينعزل بأمور الملف المشتركة مع ُ سيدي محمد ولد احريمو. ِّ غسله، تماما كما كانت حاله معي قبل وقد أضحى الأول أمام الأخير كأنه الميت بين يدي م َ ، حتى صار هذا المدني المتصرف ذلك (وهذه طبيعة الرائد صالح، لا يخالف من يثق به أو يرى فيه مصلحة) في الملف والمسير والمرشد و"القائد" بشكل متضخم وغير مقبول.. وكان ولد احريمو - في المقابل- يفسد التوازن الداخلي . لكن 10 للتنظيم لمصلحة الرائد صالح، في تبادل غير صحي للمنافع الشخصية أدى إلى تداعيات كارثية على المشروع صالح كان يعود إلى رشده في الأوقات الحاسمة (انتهازية)، ليطلب المشورة حول التصرف الملائم، وسرعان ما تعود حليمة بعد ذلك لعادا القديمة! ومن أمثلة ذلك أننا عكفنا على وضع خطة للتحرك ضد النظام في 2004 على أساس فرضية التسلل عبر السنغال، وو ضعنا خططا تفصيلية ووزعنا الأدوار: في انواكشوط صالح وعبد الرحمن بالإضافة للعناصر الموجودة هناك، في روصو النقيب كعباش والنقيب حمود ولد باب وذلك للتعامل مع مراكز التدريب والكتيبة التابعة للمنطقة 6، في ألاك محمد ولد شيخنا والمرحوم محمد ولد السالك وبعض الحلفاء الجدد من المواطنين الزنوج للتغطية اتجاه الشرق والجنوب (المناطق العسكرية 4 و5 و7 وكتيبة المغاوير 2). لكن الأخ صالح بعد أن أخذ فكرة المناورة والتفاصيل التنظيمية َّ في نفسه شيئا آخر والتكتيكية، أس .. قال لي محمد السالك رحمه االله بعد اعتقال صالح إنه فهم من بعض السخرية َر لدى صالح أن ذلك الجزء الخاص بي وإياه من الخطة لن ينفذ.. وقد كنت في البدء أحتار من عدم اهتمام المرحوم محمد ولد السالك بالبحث في مهمتنا المشتركة، نظرا لمعرفتي بجدية هذا الضابط. وقد أبان صالح ومن يأتمر بأمره في الفترة الأخيرة قبل اعتقالات أغشت 2004 عن تلك النوايا متحججين بدواع أمنية، قد تكون مفهومة بل ووجيهة لقد اضطلع الأخ سيدي محمد بدور مهم في خروجنا من البلاد بعد فشل الانقلاب، ثم لعب أدوارا مثيرة لاحقا، ولكنه في شهادة صالح -في ترتيب 10- بينهما- ليس إلا ذلك "السائق" ولعله يقصد دوره في البرنامج.حيث ساقه بالفعل إلى "غايات محددة" من مخلفات تلك المرحلة ،كنت اعتقد أن الأخ الكريم قد تجاوزها بعد كل هذه المدة . 60 في الظروف العادية، خصوصا أن الموجود من الضباط في انواكشوط ربما يكون كافيا. لكن الخلفيات الحقيقية غير النزيهة وانعدام الشفافية الذي ظهر بعد ذلك هو ما يمكن التوقف عنده الآن. بعد الحصول على السلاح وإدخال الشحنة الأولى منه إلى البلاد، عاد صالح من مالي وطلب مني أن أسعى لإقناع ُ محمد لمين ولد الواعر بجدية إمكانية القيام بالانقلاب قبل ذهابه في دورة إلى الصين، فاتصلت على ولد الواعر وقلت له - على سبيل التورية- إن الجنين إذا أكمل شهور الحمل فلا بد أن يولد وإلا مات هو وأمه! وبعد أن قبل محمد لمين الفكرة عاد صالح إلى تكتمه. كنا قبل ذلك بمدة قد حددنا أسماء أعضاء مجلس عسكري، واخترنا صالحا رئيسا له، وعقدنا جلسة تنسيق عسكري بواكادوكو مع الضباط الزنوج في فرنسا (جاكانا يوسف وزملاؤه)، وكذلك مع الخلايا الناشطة الأخرى، وأدخلت إلى البلاد أجهزة الاتصالات أوصلها عبد الرحمن من واكادوكو إلى باماكو وتكفل ¬ا آخرون، وتم أيضا إنشاء الواجهة السياسية في مايو 2004 وليس في µاية 2003، وسجل صالح خطابه الرئاسي (النسخة الأصلية صودرت مع اعتقال صالح وتكتمت عليها السلطات، أما المتداولة فنسخة ُ أولية كانت بحوزتي نشرا بعد الاعتقال إكبارا ووفاء له وشرحا للمشروع وأهدافه في مواجهة دعاية الشيطنة من طرف النظام.. فلتلاحظوا فارق التعامل!)، كما كتبنا البيان التقليدي لإعلان تغيير النظام وغلق الحدود باللغتين العربية والفرنسية، وقد اقترحت على صالح أن يقر أهما على التوالي المرحوم محمد ولد السالك والنقيب أحمد سالم ولد كعباش إكراما لهما وتعويضا عن عدم مشاركتهما من الداخل كما هو شأن زميلهما عبد الرحمن ولد ميني.. وقد قرأ المرحوم محمد بيان العربية بصوته الواثق، وكذلك فعل أحمد سالم مع النسخة الفرنسية، وأعتقد أن التسجيلين كانا بحوزتي.. والحقيقة أنني لم أكن موقنا من أنه ستتم إذاعتهما لو نجح الانقلاب، وهو ما عززه عندي لاحقا أن الأخ صالح لم يشر إلى هذين التسجيلين أبدا. ومع أن الأمور أصبحت جاهزة، إلا أن السيد صالح بقي فترة طويلة (قريبا من أسبوعين) دون أن يتحرك مؤملا أن تصله أموال وعدت ¬ا ليبيا سابقا. ولا أدري حقيقة ما حاجته الملحة إليها، هل هي في التحضير الذي اكتمل أم بعد النجاح خصوصا أنه باع سيارة "لاند اكريزر" أهداها له السيد صوروغليوم؟!.. وظل صالح في انتظار تلك الأموال إلى أن كشفت الجماعة وحدثت الاعتقالات في صفوف الضباط بانواكشوط (أغسطس 2004م). وقد علم بتلك الاعتقالات في الصباح، ولكنه تكتم عليها إلى حدود الثانية ظهرا، فقلت له إنه من الضروري إبلاغ الجميع فمثل هذا الأمر لا يكتم.. وذهبت من فوري إلى مقهى انترنت لتنظيف البريد المشترك مع المعتقلين مخافة الاطلاع على الموجود مما لم يمح من قبل. 61 قصة مكحلة تعود قضية مكحله إلى ملابسات متداخلة، وكان السبب المباشر فيها التدخل غير الموفق للأخ صالح، وربطه لأفراد بآخرين لم يعد يتحكم فيهم أو لم يعودوا معنيين بأمره. كيف ذلك؟ كانت بداية ارتباط مكحله بالملف في العام 2000، حيث مثل الرائد -حينها- مكحله ولد محمد الشيخ الاستثناء الوحيد الذي قبلت الانفتاح عليه من الضباط الأقدم مني، فقد كان يشغل منصب مساعد مدير مركز التكوين التقني في روصو. وكانت روصو مهمة بالنسبة إلي كمدينة حدودية قريبة من انواكشوط، ¬ا العديد من مراكز التكوين التابعة للجيش والدرك والحرس، و¬ا أيضا مقر لكتيبة من المنطقة العسكرية السادسة.. بناء على هذه الاعتبارات، فاتحت الرائد مكحله في الليل عند منزل أصهاره بعرفات، وذلك عندما بدأت تتبلور بجدية إمكانية عمل شيء في حميا الاستعراض العسكري.. وقد استجاب بأريحية عندما اطمأن للهدف السياسي الديمقراطي، ولم يسأل عن المشاركين أبدا.. كشفت له عن اسمي الحركي "يحيى" وأطلق هو على نفسه اسم "سيدي حيبل". أعطاني رقم الهاتف الثابت الخاص به للتواصل، ولكنني اقترحت عليه وسيلة إبلاغ أخرى.. حيث كان عليه أن يستمع كل ليلة إلى البلاغات الشعبية عبر الإذاعة الوطنية، فإذا سمع أن: "يحيى يخبر سيدي حيبل أن الخلطة ستسافر غدا أو يوم كذا" فتلك هي الاشارة. اتخذ القرار بالتنفيذ يوم الجمعة 2000/11/25 عند حدود الزوال (اتخذته أنا وصالح عند الجانب الشمالي من مقبرة عرفات، حيث كان التواجد هناك غير ملفت، ولا سيما في مثل ذلك اليوم، وبالنسبة لي كان المكان أبلغ في تمحيص وإخلاص النية)، وكان موعد التنفيذ اليوم الموالي أي مساء السبت 2000/11/26 أي ليلة الأحد. كان علي إبلاغ مكحله بموعد التنفيذ، ولكن دوام الجمعة كان قد انتهى، ولا يمكن إرسال بلاغ قبل الأحد، ولن يذاع إلا ليلة الاثنين.. لم يبق أمامي إلا أن أكلمه بالهاتف الثابت (لا توجد بعد الهواتف المحمولة) وهو ما لا أحبذه وإن كنت سأكلمه من هاتف عمومي. وفيما كنت أقلب الأمر جاء يودعنا في المنزل أخ للزوجة كان حرسيا وينوي الهجرة لإفريقيا، وقد قرر السفر مساء إلى روصو في طريقه إلى السنغال. فجاءتني فكرة بإرسال البلاغ عن طريقه، فأخبرته بأن هناك صديقا وقريبا له منصب كبير في روصو يمكنه أن ينزل عنده، وأعطيته اسمه الحقيقي ورقم هاتفه المنزلي، وطلبت منه أن يوصل إليه أني أعلمه بأن: "يحيى يخبر سيدي حيبل أن الخلطه سيسافرون ليلة الغد (الأحد)".. ِ وأكدت عليه مرارا وتكرارا خصوصا بشأن الأسماء فرد علي: " ل اسمه فلان أنا لا يمكن أن أنسى هذه الأسماء، فالمرس 62 مثل اسمي، واسم المرس !".. فأرجعت النظر فإذا الأمر كما وصف.. وقد أخبرني مكحلة بعد ذلك َل إليه مثل اسم أبي أنه بات تلك الليلة ينتظر حدوث شيء في انواكشوط. أما ما حدث في 2004، فهو أن مكحله كان في دورة بإسبانيا، وكنت أنوي الاتصال عليه لأطمئنه علي وأعرف هل ما زال على العهد الذي تركته عليه، وذلك من باب الإعذار بعد أن فاتته محاولة 8 يونيو 2003 بسبب وجوده خارج البلد، وقد كان الكثير من العسكريين وحتى المدنيين في البلد يطمحون إلى اجتراح البطولات بعد أن فاتتهم المشاركة في المحاولة السابقة. كانت مشكلتي تتمثل في ضمان التواصل الآمن معه.. َّ تذكرت جماعة الضباط الزنوج المسرحين سنة 1990 ، ومن أفراد هذه الجماعة النقيب سوماري عبد العزيز والملازمون الأُ مدو سي َّو (OCVIDH ل جاكانا يوسف ومح وجاه... وقد عملت معنا هذه الجماعة بكل جد وإخلاص ووطنية)، فطلبت من أحدهم (جاكانا) أن يبحث لي عن طريقة للاتصال برائد من منطقة الضفة (بوكي) كان صديقا لي وزميلا في الدفعة وكان موجودا مع مكحله في إسبانيا.. وقد طلبت من الضابط زميلي من الضفة - بعد أن طمأنته على أحوالي- أن يعطيني رقم قريبي مكحله لأسلم عليه، فرد علي أنه يحب أن يستأذنه أولا.. قلت له إن ذلك غير ضروري، وإن الأحسن لي وله أن يعطيني الرقم مباشرة، ولكنه كان متدينا ومستقيما جدا وأصر على استئذان مكحله الذي رفض أولا التواصل معي، ثم قبل ذلك بعد يوم أو يو مين. وقد أبلغت اتصلت بمكحله، وكان على وشك العودة للوطن بعد µاية دورته.. صالحا الذي كان في مالي حينها -من ُ باب الشفافية التي لم يكن يعاملنا بمثلها- بموضوع الاتصال بمكحله، فدخل على الخط وتواصل بنفسه مع مكحله وافتك الموضوع ليفسده بسوء التدبير كما فعل في قضية مشا¬ة µاية 2003 . ولا أدري كل ما دار بينهما، ولكن صالحا طلب منه أن يرتبط بضابط معين، ولكن ظهر فيما بعد أن هذا الأخير كان قد انسلخ من المشروع، ولم يعد معنيا به لاعتبارات تخصه وأحترمها له.. كما قام بربطه لاحقا بالرائد محمد الأمين ولد الواعر، والاثنان كانا ضمن الجهاز الداخلي المعول عليه في التحضير الميداني للمحاولة المقبلة. من جهتي، بقيت على تواصل مع مكحله، وذلك لاستقطاب عناصر جديدة، وهو ما أفلح في إنجاز بعضه. فماذا حدث؟ 63 الأكيد أن مكحله لم يطمئن لضابط الضفة الذي تواصلت معه عن طريقه، وربما اعتقد أنه عين عليه، واستبعد تماما أن يكون الأمر عاديا، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى طبيعة شخصية مكحله وخلفية الاجتماعية والمناطقية ذات الحساسية في تلك المرحلة. من جهة أخرى تبرز هنا أسئلة أخرى وجيهة من قبيل: هل وافق مكحله على إعطاء رقم هاتفه بعد أن تجاوز الصدمة ِ الأولية؟ أم أنه ر بذلك؟ أم أن المشكلة حصلت لديه بعد العودة للوطن، فوجد فعل ذلك بعد أن بلّغ واستأذن فأُم الذي اقترح عليه صالح الارتباط به لم يعد مؤمنا بالمواصلة؟... االله أعلم! من الوارد أن يكون هذا الضابط (مكحله) صار يعمل بشكل مزدوج.. الحقيقة أنني لم أشعر بشيء مريب، ولم أكن أشك مطلقا بإمكانية ذلك.. والسبب أنه لم يكن يبادر لتلبية طلباتنا بشكل فوري أو متحمس، ولم يسأل عن أشياء لا تعنيه. ُ وعلى كل حال فهذا سلوك تخدع به أقوى أجهزة الاستخبارات المتمرسة! وأعتقد أن النظام - لو كان الأمر على ما وصف- كان بإمكانه التأني للوصول لكل الأمور والأشخاص في الداخل والخارج. أما التوشيح فقد كان منطقيا لأنه يضرب أهم مرتكز، وهو الثقة بين الناس.. وكان اختيار مكحله نموذجيا، فهو من قبيلة كنته وأخواله قبيلة أولاد الناصر، وفق التصنيف الذي اعتمده النظام حينها. أما بخصوص لوائح الضباط، فصالح هو من أرسلها إلى "من يعرف" من حسابه الخاص على مكتوب (LIMBOT@maktoob.com)، ولست أنا من أرسلها، وقد كان بودي لو استظهر لنا صالح "ببرقياته" التي قال إµا صادرة من عندي، والتي فيها اللوائح المزعومة. وأسأله هنا هل كان في لو ائحي الضباط التالية أسماؤهم: الرائد حبيب ولد أبو محمد، الرائد محمد لمين ولد الواعر، المقدم زيدان ولد محمد محمود، المقدم الشيخ ولد اجدي، الرائد محمد فال ولد هنضيه، الرائد بون ولد اعل، الرائد ابراهيم ولد بكار النقيب محمد لمين ولد حبيب، الملازم أول دحنه ولد سيدي محمود... إلخ، فضلا عن بعض الضباط الذين عادوا إلى الخدمة والذين سأسكت عن ذكرهم. أم أن هذه هي لوائحه هو والذي كان يكتم عنا غالبية أفرادها؟!. لقد كان انكشاف هؤلاء مسؤولية صالح عبر عمليات الربط التي لم يعد يتحكم في مواقف أصحا¬ا ، بالإضافة - طبعا- لدور مكحله المعروف. 64 أما ما يغالط به صالح بشأن لوائحي المزعومة فالأمر يتعلق ب5إلي6 ضباط لم يكونوا معنا ولكننا نعول علي استمالتهم في وقت معين ولدي مكحل من الصداقة والقرابة معهم ما يسمح له بجس نبضهم .وهم جميعا الآن باستثناء واحد فقط في الخدمة بل في أرفع المناصب. أما بخصوص الإنترنت، فالفرسان كانوا ظاهرة إلكترونية بالدرجة الأولى، وكان كل عملنا (استقطابا وتنسيقا وتواصلا... إلخ) يتم عبر هذه الوسائط الجديدة والسريعة والمناسبة لظروفنا الأمنية، ولكننا اجترحنا طرقا آمنة للتواصل مع الأشخاص الخاصين، مثل البريد الإلكتروني المشترك بين شخصين يدخلانه بنفس الرقم السري، ويكتب أحدهم للآخر ما يريد، ويحفظ ذلك في المسودات دون انتقال أي رسالة من بريد لآخر خوف الاعتراض. والذي يريد الغمز من قناتنا في هذا الموضوع فتلك مشكلته! هذا ما كان متاحا، ولم يكتشف لنا متعامل ¬ذه الوسائط قط، لأننا نحتاط ونستخير عكس صاحبنا الذي يندفع إلى الأمور اندفاع ثور المصارعة إلى القماش الأحمر.. وهو يعرف ما حصل له عندما أراد أن يجرب حظه بعيدا عنا.. فاالله غالب على أمره، ولا يحب الخائنين، "وإن يعلم االله في قلوبكم خيرا.. يؤتكم خيرا"! ُك - في ما بعد- حول قيام رئيس حزب وطني ِ ومن نماذج تسريبات تلك المرحلة ر لي التي كان البعض يقع فيها، ما ذ بجمع أعضاء مكتبه السياسي ومخاطبتهم بحسن نية قائلا:"علينا أن نستعد.. فربما يحدث تغيير في الأيام القادمة"! ومن كانوا على علم بالأمر من الشخصيات الحاضرة أرادوا التغطية على الكلام.!! وللأسف، فقد كان الرائد صالح هو مصدر المعلومة، وكان هو من كشف لاحقا نفس الزعيم للمحققين، مما أدى لاعتقاله ومحاكمته. محاولة سبتمبر2004م وبعد تحطم حلم السيد صالح في الوصول للرئاسة، وتجاوز الكآبة الناجمة عن ذلك، وبعد اتضاح أن الأسلحة وأجهزة الاتصال لم تكشف ونجاة البعض من الاعتقال وأفق المحاكمة، كان صالح حائرا، ولكنني قلت له بإصرار إن ذلك العتاد لا يمكن أن يبقى سره مخفيا إلى أمد طويل، وإن هناك خشية على حياة بعض الزملاء عند المحاكمة، وإن النظام ع ِّ ُ في غاية الضعف حتى مع الاعتقالات الأخيرة، والجو مناسب ومحتقن اجتماعيا ( ق كان هناك بيان سمَّم الأجواء و باسم شباب آدرار، وقد عرفت فيما بعد من أحد المناصرين لنا أنه هو من كان يقف وراءه، ولا أعرف إن كان يفضل أن أذكر اسمه الآن أم لا؟!).تحجج لي صالح بإمكانية ممانعة من له صلة ¬م في الداخل، فاقترحت عليه أن يطلب 65 منهم إرسال مندوب إلينا لنناقشه. وبالفعل جاءنا يحظيه ولد أبنو وشرحنا له وجهة النظر حول الموضوع واستعجال المحاكمة، وأن عملا ينطلق من تحرير السجناء قد يتدحرج إلى النجاح. وفي ذلك اليوم حدثت بعض الاستفزازات المعهودة بشأن علاقتي بمنظمة "ضمير ومقاومة"، فأخذت يحظيه إلى إحدى الغرف، وقلت له: "أنا أعرف من أنا، وصالح يعرف من أكون.. فجزاكم االله خيرا، لا تكونوا لنا فتنة في ديننا!"، فأجابني بكلام فيه بعض الحقيقة وشيء من المراوغة، حيث قال: "محمد.. نحن نعرف أنك أنت من قام ُ م، وكنت تحو والجنود وتحسن إليهم، وأخوك سيد أعمر من أمره كذا أيضا.. ولكننا ِّ بانقلاب يونيو 2003 ل الضباط ارتأينا "كذا" في صالح (أمر يتعلق بحاضنته الاجتماعية).". ورغم أن التواصل بيني وبين يحظيه لم يكن سلسا في البداية، لكنني الآن أعترف أنني أتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك، حيث كنت مستاء ستقواء صالح ببعض اللاعبين الجدد. والحقيقة أن ً من اوي سيطرتي السابقة على الملف، ومن ا صاحب " في كل من عرفنا. َ السيد يحظيه -رغم خلافي معه في البداية- كان في µاية الأمر هو " الجمل الأحمر بعد ذهاب يحظيه جاء سيدي محمد بالموافقة، فدرسنا الخطة، وكانت مختصرة ومحصورة في تحرير المساجين والتعامل بشكل مبكر مع الحرس الرئاسي والأركانات والدروع، وكنا نعول على مشاركة الحلفاء من الإخوة الموريتانيين الأفارقة الذين ذكرت سابقا. وفي النهاية طلبوا مني أن اقترح لهم توزيع أدوار، فاعتذرت لما أعرف من حساسية الموضوع، ولكنهم أصروا، فطلبت منهم أن يمهلوني إلى الصباح. بت ليلتي أتضرع إلى االله بصدق أن يوفقني، واستخرت، وبعد صلاة الصبح نمت قليلا فرأيت أني كنت مع آخرين وقد دخلنا مبنى الرئاسة دون خسائر.. فاستبشرت ¬ذه الرؤيا، َل، وليس لنا خيار أو رجعة، والأمر مستعجل بالنسبة لن ُقت ُل ون لأن أكثر ما كان يؤرقني هذه المرة أننا ذاهبون لن ا. َقت اقترحت توزيعا للأدوار لا أتذكر الآن كامل تفاصيله، ولكن كان من ضمنه أن يتولى الرئيس صالح قيادة عنصر تحرير ُ السجناء في واد الناقة ومعه النقيب عبد الرحمن، وأن أقوم - رغم الخطورة- بالتعامل مع عرين الأسد, المرحوم محمد ولد السالك فيتوجه إلى كتيبة الدروع، ويذهب الآخر مع صالح إلى واد الناقة لتحرير السجناء. يتولى كعباش التعامل مع الأركان الوطنية أو الذهاب مع فريق صالح (لا أتذكر)، ونفس الشيء أيضا بالنسبة لحمود ولد باب. وكان لجماعة ضباط الضفة دور في الحرس الوطني.. هذا فضلا عن من نجا من الاعتقال من ضباط الداخل، بالإضافة للمكونات غير التقليدية الأخرى. 66 كنت أعول في مهمتي لدى الحرس الرئاسي على الرقيب الجسور الشيخ ولد إبراهيم والأفراد الذين قام بتجنيدهم، وكان الشيخ قد نجا من الانكشاف والاعتقال في يونيو 2003، فرغم دوره السابق ورغم أنه التحق فجر 8 يونيو بدبابة النقيب بدة ولد الشيخ أحمد بالرئاسة وكان جالسا على برجها ولكنه قفز منها عندما تعرضت لإطلاق النار والتحق بكتيبته على اعتبار أنه كان محتجزا، وعندما عاد كانت قيادة الكتيبة بصدد الإشراف على إخلاء أفراد أسرة الرئيس من الفيلا الرئاسية. وقد قاتل معهم كامل اليوم، وكان من ضمن الأفراد الذين حرسوا الرئاسة ليلة الاثنين، كما كان مع الحراسة اللصيقة بالرئيس معاوية عندما زار الأركان الوطنية يوم الثلاثاء. وعودة إلى 2004، فقد كان صالح يريد مني أن أربط الشيخ (اسمه الحركي خالد) مع سيدي محمد ولد احريمو وهو ما فعلته بعد ذلك ، حيث التقى بسيدي محمد ثلاث مرات 11 وسلمه العديد من الوثائق التي وجدت في حقيبة صالح. لقد كان صالح حريصا على أن يكون سيدي محمد ولد احريمو معنا في الرئاسة، والحقيقة أنه كان يريده بديلا لنا في هذه المهمة ، لأن صالحا لا يستطيع أن يبتلع تحت أي ظرف إمكانية اضطلاعي بشرف اقتحام الر ئاسة مرة أخرى حتى ولو كنا نريدها له هذه المرة، وقد نموت في سبيل ذلك ولا نجرح ! وهو -بكل تأكيد- َ فقط كما في المرة السابقة لا يريد تعريض حياة الرئيس المنتظر الذي هو نفسه للخطر، فما فائدة رئيس شهيد مضرج بدمائه على عتبات القصر الرمادي؟! ومن جهة أخرى، لا يريد أبدا أن يفوته "مجد" تحرير السجناء، وهي المهمة ذات الأولوية والأسبقية في الوسائل المخصصة مع سهولة خصم المواجهة (الدرك) مقارنة بكتيبة الحرس الرئاسي، وهو للأسف لا يمكنه أن يكون شخصين في نفس الوقت!. لكن سيدي محمد (الذي اختار لنفسه اسما عسكريا طريفا هو "جون") مأمون لديه، ومع . لكن سيد محمد ّ ولا نزك - والشجاعة وهدوء الأعصاب الأمانة يمكن أن نضيف له من عندنا الإيمان - ي على االله أحد وبعد أن انتهت الأمور على النحو المعروف في (سبتمبر 2004) وفي ظل الإكراه البدني الوحشي الذي تعرض له الأخ سيدي محمد (جون) تم 11- انكشاف ضابط الصف الشيخ ولد ابراهيم (خالد) بعد ورود اسمه في التحقيقات مع سيدي محمد، ومع أن الأخير لم يكن يعرف الاسم الحقيقي لخالد، ّ ، ضابط الصف الجسور والشجاع حد ّ لكن عرض صور أفراد الحرس الرئاسي عليه مكن المحققين من الوصول أخيرا إلى الشيخ ولد إبراهيم "خالد" الجنون، ِ والذي سبق أن عرض علي في اتصال هاتفي أثناء مرافقته للرئيس معاوية في زيارته لمدينة كيفة مقترح ه جسديا وإµاء عذابات الوطن وهو ما رفضته َ تصفي ت بشدة بطبيعة الحال. 67 الذي هو أديب مبدع له قلب ولسان المتنبي ويظلمه من يريد أن يجعل منه "رامبو" يقهر صفوة الجيش الموريتاني كتيبة الحرس الرئاسي وهي مستنفرة! وبعد أن ذهب السيد "جون" بالخطط وبما دار في خلوته مع صالح من وراء ظهور الجميع - كما هي العادة-، ذهبنا جميعا (أربعة ضباط ورقيبان وحرسي) إلى "كوتيالا" بساحل العاج في ضيافة القائد "فتشو" للتدرب على الأسلحة الجماعية التي أرسلناها أمامنا والرشاشات الثقيلة (14.5)، و أقمنا مجسما يحاكي الرئاسة في سكننا، وبدأنا ندرس عليه المهمة. ثم انطلق صالح وعبد الرحمن إلى باماكو وجاءهم هناك سيدي محمد، وكانت الخطة أن يذهبوا كموجة أولى للتمهيد والتنسيق الأو . هذا ما كان مقررا ومتفقا عليه، غير أنه ّلي على أن نلتحق ¬م في موجة ثانية وقت التنفيذ يبدو من شهادة صالح أنه كان يرغب في شيء آخر (وهو تنفيذ العملية بدوننا، ليحتفظ بـ"ماركتها المسجلة"، وهو ما لم يكن يخفى علي حينها). وكانت الجماعة الموجودة معي تلح علي للاتصال بالجماعة ومعرفة الأخبار، وكنت أحاول أن أحتوي فضولهم.. ومرة اتصل بي صالح، ولم أسأله عن شيء، غير أنني قلت له في الختام: "إذا احتجت للدعاء فأخبرني!"، فضحك.. وبعد مدة قصيرة إذا جون يتصل ليقول إنه سيذهب هو وعبد الرحمن إلى غاوه بأزواد لعمل شيء! كان الأمر غير منطقي، ولكنني فهمت السبب.. قد يكون مبررا نسبيا، ولكنه مؤسف قطعا! لم أقبل أن أتصل ¬م بعد ذلك رغم إلحاح جماعتي، وقلت لهم: "رقم الثريا الخاص بصالح معروف لديكم.. اتصلوا به، واعرفوا أخباره منه مباشرة". كنا منهمكين في التدرب على الرمايات الليلية وتعليم السلاح ودراسة التكتيكات على مجسم القصر الرئاسي، وكنت دائما أتضرع إلى االله أن ينصرنا ويحقن دمائنا ودماء الآخرين.. وهي دعوات متناقضة الهدف! كما كنت أدعوه أن يحفظنا من حمى الملاريا حتى لا تؤثر على تحركنا في الوقت المناسب. في أحد الأيام، وكنا في حلقة حول سلاح 14.5، اتصل بي مصطفى الشافعي وسألني عن عبد الرحمن، قلت: "لا نعرف عنه شيئا". قطع الاتصال دون أن يقول أي كلام، ولم يرغب في حمل نبأ سيء إلينا، كما قال لي فيما بعد. بعد ذلك بوقت قصير، أخبرنا محمد ولد الطالب ولد آلويمين (محمد ديكو) من باماكو باعتقال عبد الرحمن في انواكشوط. ظننت أول الأمر أµم اعتقلوا على الحدود لكن مصطفى - الذي اتصلت به لمعرفة التفاصيل- قال إنه اعتقل في انواكشوط، وكان متألما جدا من عدم إخبار صالح له بدخولهم إلى انواكشوط، وهو ما كان محرجا له أمام رئيسه.. بل وأكثر من ذلك فقد كان يغالطه 68 بالقول إنه في مالي لأنه يتصل عليه من الثريا، لكن مصطفى يقول إنه في الأيام الأخيرة كان يجيبه صوت اbيب الموريتاني على الشبكات. كان يخفف مصيبتنا في عبد الرحمن أن صالحا نجا من الاعتقال، بل كنت أمني الجماعة بأنه لا يزال من اليوم ما سيرضيهم، وأن صالحا لن يهدأ له بال حتى يقلب المعادلة فلديه السلاح والأنصار. كنت في الحقيقة أعتقد إمكانية شيء من ذلك، ولم أكن أعلم حينها أن "الرئيس" أمضى طول النهار مختبئا... لكن المهم أنه مع أول الليل علمنا -والحمد الله- أنه نجا وأنه في مكان آمن، وكان هذا كافيا في حد ذاته. أمضينا أياما صعبة في القلق والدعاء، وصار صالح يتصل على الخارج، وأعاد الاتصال على مصطفى، ولكنه لم يكلف نفسه عناء طمأنتنا.. مفهوم الآن أنه كان يخاف أن ندل عليه أجهزة الرئيس معاوية! لقد كان من أخطاء الأخ صالح المحيرة خلال هذه المغامرة؛ محاولة اكتساب ضباط دون سابق علاقة ¬م، ودون أن تكون لديهم خلفية مشتركة معه في أي موضوع، ويعيشون ظروف أمنية صعبة، لكنه - للأسف- كان يعو ل على شراء الذمم بالسيارات (...).. إنه شيء لا يصدق! فعجبا لمن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير! قبل ذلك ّها في بنحو عام، كنت قد قلت له مرة في معرض حديث عام إنني مستعد للدخول للبلد لتنسيق عمل مستقبلي، فأسر نفسه، وبدا أنه كان يريد أن يتولى تنفيذ الاقتراح بنفسه. وعلى كل حال، لم أكن لأتصرف أبدا ¬ذه الطريقة لكن (ال ما يعرف لغرامه اتوحلو). ما بعد اعتقال صالح كانت لحظة علمي بنبأ اعتقال الرئيس صالح إحدى أكثر اللحظات إيلاما وحزنا، ليس على مستقبل المشروع وانسداد آفاقه وحالة الانكشاف التامة فقط، وإنما لجو الشماتة والعدائية ضد الرمز شخصا وتمثيلا! هذا، بالإضافة إلى اوي الآمال، وحالة الإحباط العارمة التي لم نسلم منها ونحن على بعد آلاف الكيلومترات، فما بالك بالسجناء وأهاليهم والمناصرين بالداخل والخارج الذين عاشوا جميعا خلال سنة كاملة أجواء حلم مجنح ها هو ينتهي بفاجعة مدوية! 69 بعد اعتقال عبد الرحمن غادرنا "كوتيالا"، واستقر بنا المقام في "بواكي" عاصمة الشمال وبؤرة تمركز المتمردين. نزلنا بسكن تعود ملكيته لأحد الأوروبيين، وهو منزل له ساحة فسيحة ¬ا العديد من الأشجار الكبيرة، يقع إلى جانب لنعلن عن ُ فيه الفيلم الذي ظهرت سكن "غليوم صورو" زعيم المتمردين. وهذا المنزل هو الذي سجلنا فيه مع صالح تأسيس الفرسان.. وقد جاءنا مقترح نص الخطاب الذي قرأه صالح يوم ذاك بالفاكس من إحدى العواصم الأوروبية التي لنا فيها مناصرون، وقد كان نصا رائعا ومكتوبا بخط جميل، فلم يكن في "ابواكه" أجهزة كومبيوتر تستخدم اللغة العربية. في الأيام السابقة على اعتقال صالح، كنا على اتصال دائم مع مصطفى، كما كان يحظيه ولد ابنو (يحفظو) يتصل بنا خلال اليومين الأخيرين.. في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة كان التوتر باديا وكانوا يطلبون الدعاء.. كان مصطفى هو من أبلغني بالاعتقال بكلمات مقتضبة، ولكن بنبرة حزينة: "لقد أمسكوه!".. في لحظة ورود الاتصال كنت وحيدا تحت ظل شجرة، وكان أصعب ما في الأمر إبلاغ الجماعة ومن ضمنهم النقيب حمود ولد باب (إسلمو) وهو خال أبناء صالح! بعد ذلك اتصل بي يحظيه من السنغال، وكان صوته يشي بالحزن أو كمن كان ينتحب - شأننا جميعا- ، وقال: "أنا ذاهب إلى بروكسل.. والبركة فيكم!" أو "تدبروا أمركم!" فحواها هكذا.. ولم يتصل علينا يحظيه بعدها ولا أي أحد من جماعته إلا بعد ظهورنا على الجزيرة -بموقف قوي ونفس مفاجئ- في فيلم السيارات المسلحة في الصحراء الذي ظهر فيه معنا أيضا عناصر ضمير ومقاومة الذين ذكر صالح أµم نفذوا عملية إزعاج مدير أمن الدولة دداهي ولد عبد االله، فقد اتصل علي - حينها- حمودي ولد الصيام بنبرة معاتبة أو غير مرتاحة، فاقترحت عليه أن يأتينا إذا كان يريد أن يعرف أخبارنا.. وكان هدفي من ذلك استقدامه ليلمس عن قرب حالنا الذي هو بخلاف الصورة التي كان صالح ينقل إليهم مما لوث أذهاµم تجاهي، ثم ليعرف أيضا أن المشروع لم يمت وأن الملحمة مستمرة، حتى في ظل الحطام الذي خلفه تسيير صالح واعترافاته الأخيرة التي لم تترك شاردة ولا واردة من أخبار داعمينا إلا أتت عليها حتى اسم الطبا خ أو الحارس. وأعتقد أن صالح قد فعل ذلك عن قصد فهو يريد حرق الأرض من بعده.. (في الحلقة الثامنة من شهادته يقول: "باعتقالي انتهي كل شيء!".. ويقرأ قصيدة من روائع الأدب الملتزم مع الزعيم ُ القصيد الذي يذك !).. إµا ذهنية شبيهة بذهنية الملك الفرنسي لويس 14: "أنا ِ ويتوقف في القراءة عند بيت ر اسمه أو الطوفان!"، أو بحسب تعبير أبي فراس الحمداني: "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر!"، والتي يعبر عنها في المأثور عر- الذي يشرب من بركة الماء ثم يتمرغ في بقيتها. لقد كنت أريد لهم ّ الشعبي ما يروى عن تصرف الخنزير البري - 70 أن يدركوا - ولو في وقت متأخر- أن صالحا لم يكن يوما "بؤرة المشروع"، وهو ما ظهر بعد تسريحه عام 2000، حيث لم يؤثر ذلك التسريح في شيء، وسيظهر لهم - الآن- بعد اعتقاله، رغم صعوبة الظرف وكوابح "عصي الدواليب". وعودة لاعتقال الأخ صالح.. فقد قمت بتحرير بيان خلال الليل، واستطعت بمساعدة أحد الأخوة (أعتقد أنه المرحوم محمد ولد السالك) طباعته عن طريق لوحة مفاتيح افتراضية لأحد المواقع العربية (الإصلاح أو الراية)، وأرسلناه إلى جمال ولد اليسع (الرزام) لتصحيحه وإرساله لدهيه (الفاروق) بأمريكا وهو من كان القائم على موقعنا. كان ذلك مهما للرأي العام خصوصا أن لهجة البيان كانت على مستوى اللحظة. شرعنا بعد ذلك في الاتصال بالهاتف والبريد على جميع الحلفاء والمناصرين لبعث الأمل والحث على الاستمرار في النضال. وانتقلنا بعد أيام إلى "واكادوكو"، لأن وجودنا في كوت ديفوار (كوتيالا) انكشف مع الاعترافات، فاتجهت أنظار السلطات واستخباراا لشمال كوت ديفوار ومنطقة المتمردين حيث كنا نتواجد. وقد أخبرنا "مصطفى" و"صورو" بعد ذلك أن السلطات الموريتانية حاولت التقرب من السيد صورو ومراودته بشأننا.. وسمعت في إحدى الليالي مصطفى عندما زارنا السيد "صورو" في سكننا بواكادوكو يقترح عليه أن يستمر في تضليلهم وأن يلتقي بمبعوثيهم أو يبعث أحدا في قضية مرتبطة إلى السنغال (لا أعرف بالضبط موضوعها ولا ما حدث بعد ذلك). بعد عودتنا إلى "واكادوكو"، حرصنا على التقليل من الحركة خاصة خلال النهار. وقد التقيت سريعا بمصطفي بمنزل يشيده -حينها- في حي "واكا 2000"، وكان متألما ومحبطا من السيد صالح ومن عدم إبلاغه إياه بدخوله إلى موريتانيا، فهو معتاد على العمل مع جماعات تثق به ثقة تامة، ولم يسبق له أن واجه مثل هذا التصرف، وقد صارحني في ذلك اللقاء بأشياء معينة لن أتعرض لها الآن. لقد تضرر مصطفى من تصرف صالح على مستوى العلاقات مع الدول التي يتعامل معها، فهو ربما كان قد ورطهم في أمور مع أشخاص غير جديرين بالتعامل! كان علي أن أعمل على استرجاع ثقة مصطفى بالمشروع ومراهنته عليه، وإن كنت متيقنا أن الفرصة ضاعت وأن ما كان في السابق لن يتكرر.. ولأنني أعرف ذهنية الأخ مصطفى الجريئة، حيث كنت طول العام المنصرم أستمع بإنصات إلى حكاياته مع الناس وتجاربه الماضية، وعن من تقاعس ودفع الثمن، ومن غامر وكسب... لذا فقد قلت له إن فكرتي للمناورة المستقبلية تتمثل في أن نجد الفرصة والوسائل لتوجيه ضربة قوية مفاجئة للشمال الموريتاني(.....) وأضفت أنه بالتزامن مع ذلك الهجوم، يقوم حلفاؤنا من العسكريين الأفارقة بتوجيه ضربة مماثلة من الجنوب(.....) . 71 كانت هذه أفكارا صحيحة نظريا، لكن إمكانية تنفيذها على أرض الواقع مستبعدة جدا لأكثر من سبب، ورغم ذلك فهي من النوع الذي يجد هوى لدى الأخ مصطفى.. قال لي بعد ذلك بفترة قصيرة إنه لما عرض مثل هذا التفكير على الرئيس بليز أجابه بالقول: "إذا استطاعوا عمل ذلك فإن ولد الطايع سيسقط!"، وأضاف أن الرئيس بليز قال له في حديث لم يفصله لي مصطفي إنه: "إذا أقدم أحد ما على مثل هذه الأمور، فإن عليه أن يطرح في الحساب إمكانية الفشل، وما يترتب عليه". كان الرئيس يقصد أمر الفشل والسلاح الذي أعطوا من قبل! تحسن وضعنا المعنوي، وأجريت مقابلة بالفرنسية مع موقع حلفائنا بفرنسا OCVIDH، وظهر أن معنوياتنا في أحسن ما يكون وأن الصدمة قد تم تجاوزها. وفي شهر الصوم، والمحاكمة على وشك الانطلاق، كان علينا أن نقوم بعمل آخر لرفع المعنويات والضغط على النظام. كان سيدي ولد اليسع وحم ولد ودادي قد التحقوا بنا.. وأرسل مصطفى يطلب عناصر كنته أزواد الذين تولوا سابقا إيصال دفعات السلاح، وذهبنا معهم في سيارات جاؤوا ¬ا، وكانوا على اتصال بجماعة الركاكدة الذين لديهم ميليشيا مسلحة تتبع لشيخ عامة الركاكدة أسياد تكانت البيظه بأزواد غرب مقاطعة بورم (أمبوراقة) الشيخ سيدي امحمد ولد هيتل ولد عبد القادر. كانت الرحلة مغامرة لا بد منها، وكنا نثق جدا بمرافقينا.. انطلقنا من واكا بعد الإفطار باتجاه الشمال وبتنا قرب مركز مركوي الحدودي. وفي الصباح دخلنا الحدود المالية، وكانت منطقة صافانا كثيرة الحبارى فاصطادوا اثنتين منها. وقريبا من العصر، كنا عند مدينة "تغاروست"على µر النيجر، كان هناك مركز للدرك المالي وكانت هناك عبارة لنقل الأشخاص والسيارات إلى الجهة الشمالية.. كان منظرا بديعا وجوا منعشا.. ُّ التفت إلى عمار الركادي وقلت له: "هذا رائع.. لا نريد أن نصل بسرعة للجهة الأخرى"، فأجابني بمكر: هل تريد أن نذهب ¬ا إلى انواكشوط؟ فضحكت وقلت: "ليس بعد.. (ماه إلى الهيه زاد)".. وصلنا للجهة الأخرى قريبا من الغروب، وواصلنا المسير، وفي حدود العاشرة ليلا توقفنا في الصحراء، ونمنا في الهواء الطلق.. كنا متعبين جدا، وقد قام على خدمتنا رجال أزواد الأشداء. في الصباح لم نكد نمشي قليلا حتى صادفنا غزالا قتلوه بسرعة، وكانت أول مرة أشهد فيها مثل ذلك الصيد.. ثم واصلنا إلى قريب من بئر أميلاش الذي هو مكان استقرار "حلة" ولد هيتل. جاءتنا الجماعة الأخرى بسياراا وأسلحتها، وبعد الغداء سجلنا الفيلم (فيلم اليمين) ثم ذهبنا إلى حفل عشاء نظمه الشيخ الركادي على شرف الضيوف بالقرب من دياره عند البئر . 72 الذي عرفنا فيما بعد من مرافقينا أنه كانت توجد قرب مبيتنا عند البئر مفرزة عسكرية مالية أرسلها الرئيس توماني توري لحماية ولد هيتل إثر اعتداء عليه من مجموعة أخرى في خضم الصراعات البينية في أزواد حينها.. وقد أنجاه االله من ذلك الاعتداء بالرشاشات الثقيلة في حين لم يكن معه إلا أفراد قلائل باغتهم الهجوم، وقد وقعت بالرتل المهاجم خسائر كبيرة بشكل غير متوقع أو حتى خارق تردد ككرامة في أرجاء الصحراء الكبرى، وقد كان ولد هيتل "شيخ .(LE MARABOUT DU PRESIDENT )"الرئيس بعد تناول العشاء جاءنا ولد هيتل الذي درس في صباه بولاته، وكان شيخا مهيبا طويلا قوي البنية يلتف في البياض. بعد تبادل السلام وبعض اbاملات قال: "لقد تنبهنا لكم منذ مدة، ولكنكم لم تأتوا إلينا.. إذا قررتم الذهاب إلى خصمكم لن نبقى وراءكم (مان عاكبينكم)".. وسكت هنيهة، قبل أن يستدرك: قائلا:"لا!، لا حاجة لذلك.. سيذهب االله به عنكم".. ثم انصرف في جماعته المرافقة. في اليوم الموالي قفلنا مع نفس الطريق حتى دخلنا الحدود البوركينابية حيث أمضينا بقية الليل، فتنفس مصطفى الذي كان مهموما بأمرنا الصعداء. كان من الأمور المهمة في هذه الرحلة أننا - وإن كنا فقدنا قائدين- فقد كسبنا ثلاثة أفراد موريتانيين مميزين (سيدي اليسع، وحم ودادي، والحرسي المختار ولد مرزوق)، أضافوا لنا أبعادا جديدة، وأعطوا القدوة للشباب المتحمس. ُ .. ِرح سيناريو القيام بتمرد في المناطق الشرقية انطلاقا من أزواد بموازاة آخر في الجنوب يقوم به الإخوة الأفارقة لقد ط لكننا تحفظنا على ذلك، حيث كان لدينا موقف مبدئي من قيادة مثل هذا التمرد، وكذلك من العمل انطلاقا من "أزواد" تحديدا، وهي منطقة موبوءة بالإرهاب والتهريب والنزاعات البينية، حيث لا يمكن أن نسعى لحل مشكلة بمشكلة أكبر منها، بل إن الأمر نفسه موضع شك في جدوائيته وإمكانية إطلاقه إذا تجاوزنا الاعتراضات الأخلاقية والسياسية والوطنية. ويكفيك أنني كنت أفضل عند الاضطرار الاستعانة بمرتزقة من كوت ديفوار، سيعود من لم يمت منهم إلى بلاده، على أن أنغمس في المستنقع الأزوادي -حينها- مغامرا بمستقبل وطني. لقد حاول مصطفى على الدوام البحث عن كل ما قد يساعدنا في تحقيق هدفنا وأطلعنا علي كل الفرص المتاحة، لكنه لم يحاول أبدا الضغط علينا أكثر مما يجب و لم يظهر منه أبدا إلا الالتزام معنا بالقضية والود والحميمية. وقد بلغني لاحقا بعد العودة للوطن أن ذلك التفكير حول التمرد في المناطق الشرقية انطلاقا من أزواد قد وصل إلي النظام وكان له وقع ، وربما كان أحد المحفزات التي سرعت بالإطاحة بالنظام، واالله أعلم بصحة الخبر من عدمه. 73 كان الشباب الذين التحقوا بنا وخصوصا عبد الرحمن ولد ودادي -شقيق حمه الذي جاء صحبة ولد اليسع- مستعدين للقيام وبكل جرأة بأي عمل نضالي مطلوب. وخلال تفكيرنا ونقاشنا لكل الخيارات الاستثنائية القصو ى - نتيجة انسداد الآفاق- جاء الفرج من االله بانقلاب 2005 ليخرجنا من النفق الذي دخلنا فيه منذ 8 يونيو 2003، والذي كنا لا ندري إلى أين سيقود في النهاية! بعد شهر من عودتنا إلى واكادوكو إثر اعتقال الأخ صالح أجريت اتصالا بالهاتف مع السيد دياوارا، وهو مواطن موريتاني يعمل في إحدى شركات الطاقة، وصاحب علاقات واسعة في فرنسا والدول الإفريقية كنا قد تعرفنا عليه قبل محاولة 2004. وقد طلبت منه بشكل شخصي وملح أن يعينني في هذا الحمل الواقع علي، فاستجاب مشكورا، وكان ذلك فتحا مبينا للمشروع أمنيا ودبلوماسيا وماليا. كان مصطفى لا يرتاح كثيرا لـ "دياوارا" ومع ذلك لا يذكره بسوء، وهي المرة الوحيدة التي أرى له مثل هذا الموقف من أحد، ولعل الأمر يعود إلى التقاطع في النشاط والخلفية لذا ِر ¬ا سوى حمودي ولد الصيام خلال تواجده معنا في ْ كان علي أن أكتم تواصلي مع دياورا عن مصطفى، ولم أشع بوركينا. المهم في الأمر أننا بدأنا نتحرك دبلوماسيا، فعن طريق دياوارا تواصلنا مع السنغاليين والماليين. كما تواصلنا مع الجزائريين عن طريق وسطاء في دبي، ومع السوريين عن طريق عبد الرحمن ولد ودادي والدكتور الشيخ ولد دومان، ومع الإيرانيين عن طريق عدة جهات: صالح ولد كنو، ووسطاؤنا مع الجزائريين في دبي، ووسطاؤنا مع سوريا. ِر الاتصالات مع الإيرانيين والسوريين لم ت .. أما بالنسبة للجزائريين، فقد أبلغونا أµم مستعدون للاجتماع مع ُثم مندوبين عنا في إحدى سفارتيهم بمالي أو النيجر(مستوي أمني)، ولكن ذلك لم يتم نتيجة سرية وحساسية الموضوع، فأنا لا يمكن أن أسافر دون علم مصطفى، والدول جميعها غير مأمونة، وقد فكرت بأحد كما اقترح حمودي استقدام النقيب محمد لمين ولد حبيب للقيام بنفس المهمة، ولكن النظام سقط قبل أن يتم هذا الاتصال، وكان التراخي من طرفنا. أما الدبلوماسية الفعالة فقد كانت تلك التي أدارها معنا السيد دياوارا.. فبعد أن طلبت منه شرح قضيتنا للسنغاليين، 74 َ تواصل مع أحد الوزراء النافذين بدكار.. وبناء على ذلك الاتصال اتفقنا على أن رسالة لفخامة الرئيس عبد ُب أكت االله واد، ورد فيها: "بسم االله الرحمن الرحيم فخامة السيد عبد االله واد، رئيس جمهو رية السنغال.. نحن شباب ضحينا من أجل إسقاط نظام دكتاتوري ضالع في إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان، ونريد المصالحة والديمقراطية وحسن الجوار والتكامل. ثم إن الرئيس معاوية تتملكه الغيرة من فخامتكم ومن تاريخكم، ولذا فإنه يسعى جاهدا لإفشال المشروع الذي تحملونه والمثال الذي تجسدونه، ولا أدل على ذلك من أزمة الأحواض الناضبة التي فجرها في وجهكم منذ الأيام الأولى لحكمكم.. وهو على تلك القناعة مهما تظاهر بعكسها. كما أن نظامه يشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة، حيث يدعم الجنرال "انسومان مانه" [طرف في الحرب الأهلية في غينيا بساو] على حدودكم، وقد زار هذا الأخير ولد الطايع الذي أعطاه طائرة مشحونة بالسلاح [كان هذا الأمر صحيحا]، كما أنه يدعم بشكل مكثف تمرد كازامانص الانفصالي وقد تكون السفن العسكرية للبحرية الموريتانية التي تذهب للصيانة في أحواض الرأس الأخضر تحمل السلاح لمتمردي كازامانص الذين يستلمون الشحنات في أعالي البحار [كان الأمر افتراضيا]. السيد الرئيس.. نحن نعتبركم بمثابة الأب، ونرى أن عليكم مسؤولية كبيرة تجاه موريتانيا ومستقبلها، وأنا شخصيا "مريد" للقادرية مثلكم. وفي الأخير.. تقبلوا سيادة الرئيس أسمي آيات الاعتبار. محمد ولد شيخنا، القائد العسكري لفرسان التغيير.". راجع دياوارا الرسالة وسلمها لصديقه الوزير الذي سلمها للرئيس واد في وقت حساس، وهو عشية وصول الرئيس معاوية للسنغال. وأخبرني دياوارا أµا أفسدت تماما جو الزيارة، فقد تغير مزاج واد تماما تجاه معاوية. وبعد الزيارة بأيام قليلة، تلقيت من دياوارا بالانترنت ردا من الرئيس أملاه مشافهة على وزيره الذي أملاه بدوره على دياوارا في فرنسا. ولا أستحضر من ذلك إلا ما يلي: "لا تبتئسوا من وضعكم، فأنا -ومنذ سنوات قليلة- كنت منبوذا لا يرضى أحد 75 بلقائي أو التعامل معي.. ركزوا على مسألة الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان.. الحدود كبيرة ومفتوحة وغير مراقبة.. في حال حصول تغيير، ستكون هناك إدانات لفظية وتعليق عضوية في الاتحاد الإفريقي، ولا شيء غير ذلك". وقد شجعنا هذا الرد من السنغال على استخدام نفس الطريقة مع الرئيس المالي توماني تور ي، فأرسلت له رسالة مع السيد "سوميلا سيسه" رئيس الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا ((UMOA)) الذي يوجد مقره في واكادوغو، وهو شخصية كبيرة مميزة.. وقد كانت هذه مشا¬ة في الفحوى والنبرة للأولى مع بعض التغييرات الطفيفة، وجاء فيها - تقريبا- ما يلي: "بسم االله الرحمن الر حيم فخامة السيد توماني توري، رئيس جمهورية مالي العظيمة.. نحن شباب ضحينا من أجل إسقاط نظام دكتاتوري ضالع في إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان.. ونريد المصالحة والديموقراطية وحسن الجوار والتكامل. ثم إن الرئيس معاوية مسكون بالحسد من شخص فخامتكم ولديه عقدة من تاريخكم ومن الرمزية الديموقراطية التي تجسدوµا. ونحن ضباط محاولة 8 يونيو 2003 نعتبرك مثلنا الأعلى ونريد أن ننجز لبلادنا مثل ما أنجزت أنت لمالي. فخامة الرئيس إن نظام معاوية يشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة، حيث أنه يدعم الحركات الانفصالية في شمال بلدكم وفي السنغال وغيرها من الدول. وبالنسبة لي شخصيا، فأنا من أصول مالية وجدي هو الشيخ سيد المختار الكنتي المدفون في قصر الشيخ بأزواد. كما أنني خلاسي (METISSE) فوالدة جدي عابدين هي السيدة "فاطمة كانكرا ممادي"، وهي من كربورات [قوميته] ومن مدينة موبتي [مدينته]. السيد الرئيس، إن عليكم مسؤولية خاصة تجاه موريتانيا ومستقبلها. وفي الأخير، تقبلوا سيادة الرئيس أسمي آيات الاعتبار. محمد ولد شيخنا، القائد العسكري لفرسان التغيير.". 76 الحقيقة التي عرفت فيما بعد هي أن جدتي الزنجية المذكورة والدة عابدين ولد باب أحمد هي من سونينكي من أهل "بدرا" أسياد مقاطعة "بله" بباغنه قبالة جكني! وقد نقل لي "دياوارا" عن سوميلا سيسي أن الرئيس - الذي هو من نفس منطقته- قرأ أمامه الرسالة وأنه لما وصل إلى موضوع الجدة الكوربوراتية من "موبتي" بدا عليه التأثر، لكنه لم يرسل معه ردا، ولم يرتب عليها أمرا. و كان ذلك منطقيا، لأنه كان لديه رهبة من الرئيس معاوية، لكن المهم أن يعرفنا وأن يكون لديه حد أدنى من التعاطف ولو كان مكتوما وغير فاعل، وقد لاحظنا بعد ذلك أنه لم يسلِّم سعد بوه ولد حماه االله الذي هاجم مركز الدرك بلعيون واعتقل بمالي، وكان فعل ذلك دون علمنا لأنه كان يقطن بانيامي عاصمة النيجر. فكرنا أيضا في مخاطبة الرئيس النيجري آمدو تانجا الذي كان من أصول سوننكية موريتانية، وكان دياوارا ينوي أن يكون الاتصال به عن طريق عمه الطاعن بالسن والقاطن بمالي، ولكننا آثرنا التخلي عن ذلك نتيجة علاقته القوية بالرئيس معاوية حيث زاره في موريتانيا تلك الفترة، بل اعتبرنا التواصل معه أمرا خطرا. خلال الفترة الممتدة من اعتقال الأخ صالح وحتى سقوط النظام، أعدنا الاتصال ممن بقي في الداخل، واستقدمنا إلى واكادوكو محمد ولد أينه (سيدي عالي)، وربطنا الاتصال بأشخاص من الناشطين المهمين مثل الطيب ولد .... والفقير عبد االله وعبدو (الهندي) وبأشخاص مهمين جدا داخليا و خارجيا. ولكن المناخ العام كان صعبا وثقيلا وكان ضغط التهدم يكاد يكتم أنفاس النهوض من تحت الركام! وقد سافر حمودي ولد الصيام في الفترة الأخيرة إلى الإمارات، كما ذهب مصطفى مع أسرته للعلاج في فرنسا ، وكنا قبل ذلك قد بعثنا عبد الرحمن ولد ودادي إلى سان لويس ليكون قريبا من أرض الوطن، فهو غير مطلوب في قضية دداهي، كما أنه لم يظهر معنا في فيلم الصحراء. حين استهدفت القاعدة الوحدة العسكرية في "لمغيطي"، واجهنا إشكالا كبيرا في مقاربة الموضوع، ولكن االله وفقنا لصياغة بيان ملائم حيث أدنا الاعتداء علي بلدنا وإخواننا العسكريين من طرف الارهابيين لكننا حملنا المسؤولية كاملة للنظام الذي ألقي بإخواننا في الفلوات والمخاطر دون أن يجهزهم بما ينبغي للدفاع عن وطنهم وأنفسهم. َّ رات أمنية متتالية، أك َ د بعض وبالإضافة إلى كل هذا فقد وصلتنا تحذي ها دياوارا، وهو ما جعلنا نأخذها على محمل الجد لأنه كان على اتصال بالسنغاليين وقد وجدتني أكتب في يوم 2.8.2005 ما يلي في مذكراتي اليومية.".... 77 لقد تعودنا على أن نسهر الليل حتى صلاة الصبح ثم ننام حتى الزوال، وفي يوم 2005/8/3 اتصل علي حمودي من الإمارات بعد الصلاة وقبل أن نذهب لفراش النوم، وقال إن القوات منتشرة في الشوارع، وإن الناس يتحدثون عن انقلاب. بقينا نتابع الأخبار، وأرسلت عبدو وهو ضابط سابق موجود في انواكشوط ليتقصى لي عن الأخبار.. اتصل علي مصطفي من باريس واقترح علي الاتصال بالسلطات الجديدة.. كانت هناك شائعات غير معقولة لم أعرف مصدرها، تقول إن صالحا وعبد الرحمن أُ . تأكدنا بعد ذلك ِخرجا من السجن في الليل وإµم مع أهل الانقلاب الجديد أن كتيبة الحرس الرئاسي هي من نفذ الانقلاب، ثم قيل إن العقيد عبد الرحمن ولد بوبكر أصبح قائدا للأركان. اتضحت الصورة في انواكشوط وتجلت الرؤية السياسية بعد صدور البيان الأول الذي قرأته الصحفية فاطمة منت .. لم ننم يومنا ذلك، وكانت الاتصالات تأتينا من كل حدب وصوب. ومع اتضاح الرؤية ُ شيخنا، فسجدت شكرا الله .. و أردته أن يكون مختصرا ومرحبا، تشاورت مع القيادات ّ تعين أن يكون لنا رد فعل، وكان أهم رد فعل وطني منتظر الموجودة معي ثم مع مصطفى، ثم مع جماعة بلجيكا مولاي ولد إبراهيم ويحظيه والسفير سيد محمد ولد حننا وآخرين... وكان مولاي يرى أن صدور البيان غير مناسب، وأنه يجب أن لا تعطي أوراقك (اعترافك) مجانا! المهم أنني قررت إصدار البيان، وراجعته مع الجماعة الموجودة معي، وجاء فيه تقريبا: "إننا نرحب بالتغيير الجديد.. الرؤية المعبر عنها تتقاطع مع رؤيتنا.. ورئيسنا موجود عندهم وهو يمثلنا". مولاي والآخرين الذين كانوا لا يرغبون بصدور بيان لما قرؤوه ارتاحوا له وصار بيانا جيدا بسبب الفقرة الأخيرة المتعلقة بصالح، فهم كانوا يخافون على مركزه. وكان العديد من الأشخاص المناصرين لي "شخصيا" يأخذون علي أشياء عديدة منها عدم المسارعة إلى تبني الأمور واغتنام الفرص "الميكيافلية"، ويستشهد بعضهم ¬ذا البيان الذي قدمت فيه صالحا ¬ذا الشكل.. وأرد عليهم اليوم لأسألهم هل كانوا يريدون منا أن نظهر مختلفين؟!.. هذا يضعفنا! أم كانوا يريدون مني أن أتنكر لأخ في السجن عند أول اختبار؟!.. هذا لا يليق بي! أم أن لا أحتاط في الأمر؟! فنوايا الحكام الجدد مجهولة بالنسبة لنا، فالأنسب أن نختبرهم في يومهم الأول، ونعرض عليهم من هو عندهم ليفاوضوه! 78 مؤتمر دكار السياق والكواليس مضت الأيام دون أن تحمل جديدا في ملف السجناء، وبلغنا أن اbلس العسكري تتقاسمه رؤيتان بشأµم: واحدة تقول بإبقائهم حتى انتهاء الفترة الانتقالية لتقرر فيهم السلطات المنتخبة حينذاك، ووجهة نظر أخرى تقول إنه لا مبرر لإبقائهم في السجن لأµم ما فعلوا إلا ما قمنا به وما طالبوا إلا ُّ بما نحن مقتنعون به ونود تنفيذه. وبينما كان الترقب وعدم اليقين سيدا الموقف، عاد مصطفى فجأة من باريس تاركا أسرته هناك، وجاءنا من المطار مباشرة.. كان وجهه متهللا، وقال إننا سنسافر إلى دكار للتفاوض مع الحكم الجديد، وإن الرئيس السنغالي اتصل بالرئيس إبليز كومباوري (كان مصطفى يسميه لنا كوديا "بادي" أي السلطان بادي ولد حمادي أمير أزواد السابق) ودعاه لإرسالنا لمفاوضات سيرتبها بموافقة ومباركة من الحكم الجديد، وقد شكل الأمر مفاجئة سارة للرئيس وكذلك لمصطفى. وأعتقد أن الرئيس (بادي) إما أعطاهم رقم مصطفى أو اتصل به ودعاه للعودة لترتيب الموضوع. قال لنا مصطفى يبدو أن صديقنا "دياوارا" أعطى للسنغاليين صورة ممتازة عنا.. لم أعلق أو أوضح له أنني كنت على تواصل مع دياوارا من دون علمه، لأنني كنت أعرف أن مصطفى لم يكن مرتاحا له رغم قناعتي بجدوائية التواصل معه! اتصلت على دياوارا وكان يومها في اتشاد، فأخبرني أنه وصديقه الوزير كانا وراء ذلك، وقال لي: "الوزير أمامك.. لتكن بذلتك سوداء وربطة عنقك حمراء حين تقابل الرئيس!" كما قال أن الأمر يشترك فيه الأمريكيون والفرنسيون و المغاربة وأن رئيس الاتحاد الافريقي الرئيس النيجيري أليسكن أوبسانجو والرئيس المالي قد يحضران. بدأنا في التجهز للسفر مع الصباح أو بعد يومين (لا أذكر بالضبط)، وبدأ مصطفى يعطي "للقدر ماءها" وللحدث زخمه، فاتصل يدعو لمؤتمر "دكار" ضمير ومقاومة (السيد جمال ولد اليسع) وافلام ومجموعة الضباط الزنوج المسرحين عام 1990، كما اتصل أيضا بشخصيات مستقلة مثل النقيب السابق ابريكه ولد امبارك والنقيب البحري اديوب مصطفي. وحضر عدة ممثلين عن الداخل من بينهم: المحامي جابيرا معروف والأستاذ جميل منصور والأستاذ حبيب ولد حمديت وغيرهم... 79 اتصلت على حمودي في دبي، وعرضت عليه الذهاب معنا، كما أكدت له أهمية حضور وفد الداخل بالنسبة لي ، وقد حاول الالتحاق ولكنه تأخر فسافرنا قبل قدومه إلى بوركينا. قبل السفر إلى دكار بيوم، جرى اتصال بالثريا بيني والعقيد الطيار محمد ولد لحريطاني، وأظنه اتصل قبلي بمصطفى، وكان يومها في الشمال الموريتاني (لمغيطي أو قريبا منه).. تحدثنا عن التغيير، وقلت له إننا نؤيد التغيير وما تم الإعلان عنه من خطوات وقد عبرنا عن ذلك، وإن الحكام الجدد إخوة وقدماء، ولكنني طرحت عليه إشكال السجناء، فرد علي بالتأكيد على النوايا الحسنة للحكم الجديد وأهله، وألمح أنه أكثر اهتماما بأمر صالح على اعتبار أنه زميله بالكلية بالسعودية. سافرنا صباحا من واغادوكو، وكان الوفد يضم معي مصطفى والمرحوم محمد ولد السالك (كانت لدينا أوراق تعريف مالية، وكان سمي فيها يايا لمين). حلقنا ضحى فوق دكار.. كان منظر المدينة والشاطئ والميناء وجزيرة "كوري" بديعا ُستقبل اليوم في العاصمة السنغالية لّتنا واستضعافنا من قبل، وأننا سن ِ ورائعا، وقد انتابني شعور بالفرح حين تذكرت ق على هذا النحو. نزلنا في غرف مطلة على البحر من فندق" ترانكا"، وكان معنا المدعوون الآخرون، وكان الفندق مفعما بالنشاط وتبادل الزيارات والتحايا، حتى إن بعض الموريتانيين المقيمين في السنغال جاؤوا إليه فضولا وربما لأمور أخرى، كما تلقينا عددا هائلا من الاتصالات من موريتانيا. كان الجو سرياليا إلى حد عدم التصديق. في حدود الخامسة مساء ن الفندق، وهناك أدخلنا في قاعة اجتماعات. ً أخذونا للرئاسة، التي كانت قريبة م كان مصطفى قد أصبح منذ مدة على صلة بوزير الدولة وزير الخارجية السيد تيجان كاديو للتحضير، وبطبيعة الأمر الواقع صار منسقا للوفد، وكانت لدى الوزير كاديو توصية بشأني والأمر كله مرتب في ذلك السياق.. وربما ولّد حضور مصطفى الطاغي إرباكا لدى السنغاليين (حكى لي دياوار بعد ذلك عن بعض الكواليس في الموضوع)، لكنني كنت مطمئنا لما عند مضيفينا إتجاهي ، ولم أشأ مضايقة مصطفى صاحب الأيادي البيضاء علينا، وهو - فضلا عن ِّب نفسي نوعا ما حتى تكون رئاسة "الأخ الأكبر" للوفد ذلك- أفضل وأكفأ في مثل هذه الأمور، لذا آثرت أن أُغي طبيعية وبديهية. كان الوفد السنغالي الحاضر عالي المستوى.. فبالإضافة للرئيس، حضر رئيس الوزراء ماكي صال (الرئيس الحالي)، ووزير الدولة إيبادير اتيام زعيم الأغلبية الرئاسية، ووزير الدولة وزير الخارجية شيخ تيجان كاديو الذي اشتهر كثيرا عند 80 الموريتانيين بعد ذلك، ووزير الدولة وزير الداخلية جيبو كا، والمستشار الدبلوماسي للرئيس، ومن الجانب العسكري الجنرال قائد الأركان العامة، والجنرال قائد الدرك، والجنرال قائد الأركان الخاصة للرئيس. دخل الرئيس واد بدر والزرقة وعلى رقبته لثام خفيف وفوق رأسه طاقية.. ألقى إلينا ّاعة رائعة ثلاثية الأجزاء بين السواد التحية وجلس على كرسيه.. كان الوفد السنغالي عن يساره وفق البروتوكول، وعن اليمين جلس مصطفى ثم أنا ثم المرحوم محمد ولد السالك، وتحلق البقية حول الطاولة، وكان جمال ولد اليسع يجلس قبالة الرئيس من الجهة الأخرى. ّ افتتح الرئيس واد الكلام، وأثنى على العلاقات التاريخية بين البلدين وذكر بالمصير المشترك وأننا أسرة واحدة وأفاض في ّ ذلك.. ثم قال إنه تكلم مع الرئيس "فال" المساعدة في تجاوز موريتانيا بكل أبنائها للوضعية الحالية، وإن ، وإنه يود الرئيس "فال" سيرسل له مبعوثا بعد يومين، وإنه يجتمع معنا بعلمه وإذنه ليستمع لمطالبنا. ... بعد ّ كانت مداخلات الحضور متقاربة حيث شدد الجميع على قضية السجناء وعلى الحرية والديمقراطية وكل المثل ذلك سأل الرئيس واد: "ما هي مطالبكم؟"، ثم شرح: "هل تطالبون بتمثيل في الحكومة؟".. فسابق جمال اليسع الجميع، ورد: "لا! لا نريد.. فقط نؤكد على ما سبق طرحه". في الحقيقة، نحن لم نعقد اجتماعا تحضيريا.. وقد كنت ّ أتوقع اجتماعا خاصا لكن عرابنا هناك منعته بعض الانشغالات من الحضور في تلك الأيام. دت على مسألة السجناء، وعلى أµا هي مربط الفرس، ّ كان تدخلي قصيرا، وأتذكر أنني بعد التأكيد على المثل شد ُ وقلت إن هذه المسألة لا بد أن تحل وبسرعة، إما بطريقة طيبة وسلسة وإما على طريقة "الباستيل"! كنت أعرف أµم يدركون تماما ما قصدت، فسجن "الباستيل" هو السجن الذي كان اقتحامه إيذانا ببدء الثورة الفرنسية! في µاية الاجتماع، قال الرئيس بشيء من الاستحسان والحيرة إµا أول مرة يصادف فيها معارضة من هذا النوع، ت .. كنا قد كسبناه تماما إلى جانبنا! عندما صافحنا وهو ُشدِّد على المثل، ولا تطمع بالمناصب، ولا تريد تمثيلا حكوميا ّ يهم بالمغادرة، سألني: "أين خيلكم؟" (?Ou sont vos juments).. تب مت، ولم أرد عليه لأنه كان قد س تجاوز إلى من يليني. 81 تغير المزاج في انواكشوط بعد إذاعة التلفزيون السنغالي لصور ووقائع الاجتماع، فالمعارضة الداخلية رأت في الأمر تجاوزا لها، بل أصدر بعضها بيانات تندد بالتدخل السنغالي، وانتقدوا أبوة الرئيس واد. وقد أحرج موقف المعارضة الداخلية السلطة الجديدة كثيرا، كما أن السنغاليين ضخموا الموضوع كثيرا بمستوى التغطية الإعلامية والزخم السياسي والديبلوماسي الذي رافقه، ثم إن هذا اللقاء جمع كل المتطرفين من منظور الحكم الجديد. أظن أن سلطات انواكشوط كانت تقبل - بناء على طلب الرئيس واد الذي كانوا بحاجة لمؤازرته لهم- باجتماع بسيط ومنفرد مع الفرسان، ولكن ليس ¬ذا الزخم، لكن مصطفى ذهب بدعواته الواسعة بالموضوع إلى ذلك المنحى.. وكنت أتساءل هل خدمنا ذلك أم أضر بنا؟! لكن أعتقد أن الخير هو في ما فعل االله. لقد مكننا - على كل حال- ذلك الزخم من كسب الموقف السنغالي إلى جانبنا، ومن تشكيل كتلة كبيرة ضاغطة شهدت حضورا مكثفا لسياسيين من مواطنينا في الضفة، وهو ما ساهم في التعجيل بالإفراج عن السجناء. لقد كنت أقول للسنغاليين حينها إن المصالح السنغالية في موريتانيا من الأفضل لها أن تمرر بالاستثمار في الأطراف البيظانية بدل الاعتماد على الأطراف الزنجية الموريتانية التي جربوا معها كثيرا وفشلوا.. وقد لاحظت أن ما طرحته بعفوية مثل بالنسبة لهم شيئا جديدا استمعوا له بإنصات. في الصباح، عقدنا اجتماعا لتحضير وثيقة تحدد رؤيتنا ومطالبنا، وكان السنغاليون قد اقترحوا علينا حل التنظيم العسكري لأن ذلك سيعزز موقفنا ويمكنهم من الدفاع عنا بصفة أفضل في الدوائر الغربية. ويبدو أن الرئيس واد - كما قال لنا في اجتماعنا معه بعد ثلاثة أيام- كان يتواصل مع كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض ومع الأليزيه في موضوعنا، ويبدو أµم هم من أوصى بذلك. انسحب ممثلو الإسلاميين بسبب الضجة التي ثارت في انواكشوط على خلفية اللقاء، وقد جعلني هذا وحيدا في ُ ّ ه صارمة وحدية تجاه كثير من القضايا المثيرة للاتجاهات العروبية والتقليدية . كان علينا أن نجد ٍ مواجهة حضور مواقف الحيلة لتخفيف غلواء بعض المواقف والتعبيرات التي يتبناها غالبية الحضور دون أن نخيب الآمال فينا، ودون أن نخلع عباءة الثورية والتقدمية. وفي بعض المرات احتجت أن أقول إنني سأمثل دور الغائب أي اbلس العسكري ومن هم في انواكشوط، وإن ما سأتحدث به ليس موقفي وإنما ْ مواقف الآخرين التي أريدها أن ت مع، وإن هذا من ثقافتي العسكرية ففي اجتماعات الأركان يكون ضابط ُ س 82 الاستخبارات ممثلا للعدو في تفكيره وأساليب عمله وذلك من أجل الخروج بالقرار الصائب. وقد استطعنا في µاية اليوم الخروج بإعلان معتدل حول قضايا شائكة وإشكالية، والحقيقة أن الحضور كان طيبا وإيجابيا لا سيما أµم أحسوا ّ حسن النية. هذا الاجتماع لم يحمل جديدا وكان وفي نفس المساء، اجتمعنا برئيس الوزراء السيد ماكي صال، ولكن - حسب اعتقادي- مجرد نوع من ملء الفراغ. طوال ذلك اليوم، كانت الاتصالات مستمرة من بعض عناصرنا في السجن وفي الخارج (بلجيكا)، وكانت تموج ببعض التخرصات والهواجس والآراء المتضاربة وبعضها يعترض ويتقول في مسألة حل التنظيم العسكري. كنت أعرف السبب الحقيقي في ذلك، ولكنني كنت أحمد االله على أنني وجدت هذه الفرصة الذهبية للتخلي عن هذا العبء (عصا انتورجه) والوجود الافتراضي للتنظيم مقابل ثمن سياسي ودبلوماسي ومعنوي، ودون أن أفتضح في شيء. هل كان هؤلاء يريدون أن يحتفظوا بالتنظيم إلى أن يحرجونا؟ أين هي الأسلحة التي ستنزع؟ ما هي القوات التي سيتم تسريحها؟ في اليوم الثالث أصدرنا البيان، وقرأته بالفندق في حضور المشاركين وأمام كل وسائل الإعلام الممثلة بالسنغال، وأذيع في التلفزيون الرسمي وفي وسائل إعلام العديد من الدول الإفريقية الأخرى وكذلك الأوروبية، كما أرسلت الجزيرة مبعوثا خاصا هو الصحفي اللامع بيبه ولد امهادي، وقد أعطيتهم تصريحا مقتضبا، ثم زارني في الفندق الأخ بيبه ولد إمهادي وعرض إجراء برنامج "لقاء اليوم" معي بعد عودته من سفر يقوم به لمدة يوم واحد إلى غامبيا القريبة التي كان فيها الرئيس معاوية ولد الطايع على أن يعود لتغطية مجيء مبعوث الحكومة الجديدة إلى دكار، ولكنني اعتذرت منه بلطف عن إجراء الحوار بسبب بعض الأمور الموضوعية على الرغم من أن عرضا بالظهور على الجزيرة لمدة نصف ساعة مع محاور من هذا الطراز كان مغريا لأي كان. كنت أرى أن التعبير بصدق عن بعض المواقف في تلك اللحظة قد يضر، وأن كشف بعض الأسرار غير مناسب، وأن التمنع عن الإجابة على بعض الأسئلة المباشرة والعميقة لصحافي متمرس ومختص أو محاولة المراوغة في الإجابة عليها من أجل الظهور فقط على الجزيرة، أمر غير جيد، ولكنني وعدته بأنني لن أجري لقاء تلفزيونيا مع أحد قبله، وهو ما وفيت له به في برنامج "البيان رقم 1" في 2010، وهو البرنامج الذي كان ناجحا جدا ومتوازنا لأن صاحبه كان ابن البلد وكان عارفا به وغير مؤدلج في تناوله أو مقصده. 83 في اليوم الرابع قدم مبعوث السلطة الوزير الأستاذ محفوظ ولد بتاح، وهو شخصية لها احترامها عندنا منذ كان نقيبا للمحامين، وكنا نقدر له مواقفه الصلبة مع النظام حينها، فلم يكن من المرو . ...التقي معالي الوزير بالرئيس واد، ّضين َ ولم يكن اللقاء ناجحا لأ ِين ُ ن الطرف الموريتاني كان قد نفض يده من الموضوع منذ اليوم الأول، ولكنهم كانوا مجبر على إدارة الموضوع بحيث لا يتسبب في مشكلة مع الرئيس السنغالي الذي تورط بالموضوع بمباركة منهم.. لذا فقد أخروا الزيارة كثيرا لامتصاص طفرة الحماس، ثم أرسلوا المحامي الوزير ليتر افع أمام المحامي الرئيس! أخبرني مصطفى نقلا عن السنغاليين (كاديو بالتأكيد) أن النقيب محفوظ أمضى قدرا من الوقت في الحديث لفخامة الرئيس وبقية مضيفيه عن تاريخه ومواقفه ونضالاته ضد الرئيس ولد الطايع، ولم أطلع على بقية ما دار في اللقاء، ولكن الأكيد أنه لم يأت بجديد. في اليوم الموالي لمغادرة الوزير محفوظ السنغال ذهبنا للقاء الرئيس.. كان الحضور كما في المرة السابقة من جانبنا ومن ُ أنيقة، وكان يخ الجانب السنغالي، غير أن الرئيس كان يلبس هذه المرة بذلة أوروبية رج من جانب الصدر منديلا أحمر ولم تكن له طاقية على الرأس. قال لنا - بعد اطمأن على ظروف إقامتنا- إنه استقبل مبعوث أخيه "فال"، ولكنه لم يخض كثيرا في موضوع اللقاء، وقد بدا محرجا وربما محبطا (لمسنا ذلك من حديثه لا من تعبيرات وجهه).. قال أيضا في معرض حديثه إنه يعمل بشكل وثيق مع الاتحاد الإفريقي ورئيسه الدوري الرئيس الجنر ال "أوبسانجو" رئيس نيجريا، وإن هذا الرئيس أرسل مبعوثين عنه في الاجتماع الأول وظلوا في دكار وحضروا الاجتماع الأخير، كما قال إنه بعث ّ "كوندليزا رايس")، وأرسلها أيضا "للأليزيه"، وإنه سيظل يعمل معهم في هذا بالفاكس وثيقتنا للبيت الأبيض ( ى وسم الصدد. كانت خلاصة كلمته هي أننا قمنا بما يطلبه اbتمع الدولي منا، وأن مطالبنا مشروعة ومبررة (السجناء)، وأنه هو سيواصل العمل مع كل هذه الأطراف لتحقيق ذلك.. كان يشعر كما لو أن لديه واجبا أخلاقيا بذلك تجاهنا. انتهى الاجتماع الذي لم يكن طويلا ولم يتكلم فيه غيره.. ودعناه وتركنا الأمر بينه وبين انواكشوط. في يومنا الثاني بدكار أعطاني مصطفى هاتفه، وكان على الخط الرجل القوي في الحكم الجديد.. وبعد التحية، أثنيت على ما أُعل تصريحه لصوت أمريكا في اليوم الأول أو الثاني للانقلاب، وقال إن ِن، واستفهم مني إن كنت تابعت ذلك هو الحقيقة وما سيكون.. قلت إن المشكلة هي السجناء، فرد بأن هناك شيئا (لم يذكره)، وقال إن ظروفهم ستتحسن . وقد كان لنا اتصال آخر عن طريق مصطفى أيضا، أعتقد أنه جرى بعد زيارة الوزير لدكار، ودار هو 84 أيضا حول السجناء، وقد كان إيجابيا في الإيحاء دون الوعد بشيء سوي أن أحدا سيزورهم أعتقد أنه وزير العدل.. كل هذه المحادثات الهاتفية كانت تتم بصورة سريعة ومختصرة ورسمية جدا كأµا نوع من التراسل بالرسائل القصيرة. قبل عودتنا إلى بوركينا بيوم، زارنا القنصل في دكار المرحوم أحمد سالم ولد زين، وقيل لي حينها إنه قريب من الرئيس اعل ولد محمد فال، و كان يصحبه الملحق العسكري العقيد عبد الرحيم ولد سيدي عالي. جرى اللقاء في غرفة المرحوم محمد ولد السالك، حيث كانت حبيبة في غرفتي. لا أتذكر كلماته حرفيا، ولكن أذكر أنه أثنى علينا وعلى مسؤوليتنا ووطنيتنا وصورتنا، وأثنى بمثل ذلك وأكثر على الحكام الجدد، ثم خلص إلى اقتراح أو طلب العودة للوطن فموريتانيا ضعيفة وتحتاج لأبنائها! كان الطرح والطلب غريبين.. ولكنني احتويت غضبي وقلت: "هذا جيد، ونحن نوافق عليه، ولكن ينقصه إطلاق السجناء.. أنا أثق بالجماعة، غير أنه لا يمكننا العودة أحرارا وأصدقاؤنا في السجن!".. كانت حجتنا ناهضة. مصطفي حضر أول الاجتماع، لكنني أعتقد أنه خرج أثناءه لشيء لا أتذكره، ولعله لم يطق البقاء في ْ أعطاني القنصل رقمه على أن نبقى متواصلين الاستماع إلى النهاية.. ، وقد أحببت شخصيته الطيبة، وصدمت حين عرفت أنه توفي بعد ذلك بقليل، فرحمة االله عليه. قبل هذا الاجتماع بليلة، اتصل علي الأستاذ محمدن ولد اشدو، ولم أكن أعرفه شخصيا، ولكنه كان عندي بمكان، فهو من لفيف المحامين الشرفاء الذين دافعوا عن السجناء جزاهم االله خيرا. وقد كلمني تقريبا بمثل ما كلمني به القنصل، ووعظني بشأن موريتانيا وبقائها، وقد رددت عليه بأدب وتقدير بمثل ما قلت لمعالي القنصل. رجعنا إلى بوركينا بعد إقامة حافلة بالسنغال زرنا خلالها معالم دكار وجزيرة "كوريه" و الولي الشيخ التراد ولد العباس رحمه االله ، كما زرت الوزير الذي ساعدنا في عقد هذا اللقاء بمنزله في الحي الراقي الكائن شمال داكار، وقد شكرته على ما أسداه لنا من خدمات. أو لحق بنا هناك على عجل، كما اصطحبنا معنا حبيبة والصغيرة ميجة، 12 رجعنا إلى واكادوكو وصحبنا الرزام (جمال) وهكذا ستجد الفارسة أميلي منت الغوث (ماما كما كنا ندعوها) زوج المرحوم محمد ولد السالك (الصادق) رفقة نسوية تسكن معها. للأمانة، فقد عمل معنا السيد جمال ولد اليسع بصدق وفعالية وكفاءة، وكان هو من تكفل بالإعلام واختار مشرفين للموقع، كما كان مستشارنا في 12- تحرير البيانات، و قد ساهم بشكل فعال في ربطنا بالشباب حول العالم وفي الداخل ومع الشخصيات والحركات و حتى مع الدول الغربية، فجزاه االله خيرا عنا 85 تحضيرات مغادرة بوركينا اقترح مصطفى طلب لقاء مع الرئيس ابليز كمباوري قبل عودتنا المرتقبة إلى موريتانيا، فقمت بتحرير مشروع رسالة لما عرضته عليه قال بأنه لا يمكن زيادة شيء فيه أو نقصه منه.. وقعتها له، واحتفظ بنسخة منها. كان مصطفى أيضا يتواصل مع السنغاليين عبر تيجاني كاديو(صار له انفتاح علي السنغاليين لم يكن له من قبل)، وقد قال لي إµم ّك شبكة علاقاته لمساندة مجهود الرئيس يواصلون مع الموضوع بإصرار، ومعهم المغاربة ، وبالطبع سيكون ابليز قد حر واد. ثم جاء خطاب الرئيس اعل ولد محمد فال الذي أعلن فيه عن العفو الرئاسي المطلق والتام والكامل عن المساجين وبدأت الاحتفالات بانواكشوط وعموم البلد.. ِّ كان علينا الدخول، وبدأنا نحضر لذلك حيث اتصلنا ببعض مساندينا المخلصين للالتحاق بنا والدخول معنا، وكان منهم من جاء ومنهم من منعته الظروف. عشية سفرنا للعودة للوطن عبر مالي، جاءت الموافقة على المقابلة مع الرئيس ابليز كومباوري، فذهبت إليه مع مصطفى والمرحوم محمد ولد السالك وجمال ولد اليسع. كان الرئيس قد انتقل إلى القصر الجديد في حي واغا 2000 الراقي، وفي الطريق إليه أوصاني مصطفي بالإشارة إلى الحاجات المالية المستقبلية (العودة وتكاليفها). قال جمال إنه يستطيع تولي الأمر،فقلت إنه لا حاجة لذلك، وإننا نستطيع فعل ذلك بالشكل المطلوب. ً دخلنا القصر.. بشكل جيد، وكان الاجتماع بعد المغرب مباشرة كان جديدا وم . جلسنا مع الرئيس الذي كان ُضاء يلبس قميصا وسروالا أصفرا من الكاكي، وبدا لي في ملابسه هذه نحيفا جدا. هنأنا على التغيير والعودة المرتقبة، ثم بدأت أنا بالحديث، وشكرته على كرم الضيافة وقلت إن بوركينا صارت بلدنا الثاني، وتحدثت عن الآفاق المستقبلية، ثم تناولت مسألة الحاجات المالية بصفة مبررة ومحتشمة (كريمة) وتابعت فيها حتى أشار إلي مصطفي وعن الوطن. ومثله في ذلك كثير ون أذكر منهم: "الزير" وما أدر اك ما "الزير"، والدكتور بدي ولد ابنو الذي كان تحت تصرفنا الكامل دائما، ودهيه ومحمد ولد إسنيقل زميلي في الدفعة، وبعد ذلك الد كتور محمد ولد المختار الشنقيطي والدكتور بيان و جميع أفراد خلية أمريكا، وأيضا المهندس أحمد بيلي ومحمد لمين ولد القاسم و اعزيزه منت الغول وبقية أفراد خلية كندا. وكل فرسان تلك المرحلة حول العالم، والمعذرة في عدم ذكر الجميع، وسيأتي الاستدراك في فرصة قادمة إن شاء االله. 86 خفية بأن ذلك يكفي. بعد ذلك انتقلت إلى مواضيع خفيفة، فذكرت أننا كنا قادمين من كوروقو بشمال كوت ديفوار، وتعطلت سيارتنا بعد المغرب قرب بانفورا في بوركينا، وكان ذلك وقت عودة الفلاحين من الحقول، وأن أحدا منهم لم يتجاوزنا، بل بقوا معنا جميعا، وقام أحد الشباب بأخذ العجلة على دراجته الهوائية إلى أحد المصلحين وأعادها إلينا بعد إصلاحها، ولم يذهب من ذلك التجمع الذي أصبح مع الوقت كبيرا أي أحد حتى ذهبنا.. قلت له إن هذه ذكرى جميلة لن أنساها أبدا.. وقد بدا مسرورا جدا من ذلك. ثم قلت له إن هناك مسألة ثانية تتعلق بالأخ جمال الذي هو ناشط في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الممارسات الاستعبادية، وإنني لاحظت أنه في بوركينا يقول البوبو للفلان أنتم عبيدنا ويرد عليهم الآخرون بنفس الشيء.. ونفس الشيء لاحظته بين الموسى قوميته وهي الأغلبية،- بوركينا تدعي أحيانا هضبة الموسى (موشات))- وقومية السامو، ولكن بصفة محببة تقرب بينهم، ونفس الشيء أيضا بين الكورمانتشيه وقومية أخرى... نريد منك توضيح الأمر لجمال حتى لا يسيء فهم الموضوع فيكتب عنكم أنكم دولة استعبادية. ضحك الرئيس، وقال هذه بعض الأمور التقليدية وبدأ يشرحها، ثم أضاف أµم في المدة الأخيرة كانوا في حفل تأبين الرئيس الجنرال أبو بكر صانكولي لاميزانا، وعندما هموا برفع الجثمان إذا ببعض الشيوخ يعترضون ويقولون: "لا يذهب أبدا! هذا عبدنا.. لا ترفعوه حتى تعطوا كذا!"، فضحك الناس في ذلك الوقت الحزين. ، فهو لم 13 الغريب أن صالحا في شهادته الأخيرة يقول إنه التقى ابليز مرتين خلال تلك الفترة، وهذا غير صحيح يحضر هذا الاجتماع لأنه كان في موريتانيا حينها.. الاجتماع الذي حضره هو اجتماع ضمني وإياه ومصطفى مع صالح يدعي أنه التقي بالرئيس البوركينابي مرتين وهو غير صحيح ومصطفي والجماعة تعرف ذلك ولكن إذا صادف وعملت أنا شيئا لا بد أن ينسبه 13- أو مثله لنفسه ومثل ذلك قوله أنه كان يدرس الطبوغرافيا مع التكتيك (التعبئة) في المدرسة العسكرية بأطار الحقيقة أنه كان يدرس التعبئة فقط وهي تتطلب قوة بدنية وتحمل أما الطبوغرافيا فهي مادة علمية عادة يدرسها ضباط المدفعية أو عند الاضطرار ضباط علميين (رياضيات ) وصالح أدبي وهو حتي لا يحسن رفع الإحداثيات ولا أظنه كان يجد المعدل فيها ونحن في دورة التمهر. لكن لأني أنا كنت أدرسها فلا بد أن يدعي هو في الجزيرة انه كان يدرسها أيضا ومثل ذلك الدركي الذي كان في حراسة المحكمة وانفجر باكيا عند مرافعة النقيب عبد الرحمن التي دافع فيها عن حقوق العسكريين وتحمل المسؤولية عن جنوده فهو يقول في حلقته التاسعة ان ذلك حدث معه هو شيء لا يصدق من الإسفاف وحتى التعليق عليه إسفاف لكن ينبغي أن يعرف الناس إلي أين وصلت الأمور.والأدهي من ذلك الحلقة الأخيرة والتي تناول فيها انقلاب 6.8.2008 والمعروف عند القاصي والداني والشيخ "كوكل" أن صالح وحزبه كانوا مع ذلك التغيير وكانوا في الحكومة ممثلين بوزيرين وهو موقف شبه منفرد من المعارضة حينها.لكن السيد صالح لا يأتي على شيء من ذلك بل المستمع إليه يخال أن موقفه كان النقيض من ذلك.فهو يتحدث عن الكتيبة البرلمانية 87 الرئيس ابليز، وكان مساء في القصر القديم بوسط واكا، وكان قميص الرئيس حينها مزركشا، وقد قدمنا خلاله خططنا حيث كنا نريد السلاح. وبما أن صالحا لم يكن حينها يجيد كثيرا الكلام باللغة الفرنسية، فقد اكتفى بالسلام والشكر. دام ذلك الاجتماع قريبا من ساعتين، وكان يوم عطلة.. وقد قال الرئيس في بداية حديثه إن بوركينا هي أرض الأفارقة ومفتوحة أمامهم جميعا، وتابع عروضنا وشروحنا وطلباتنا باهتمام. وفي µاية ذلك اللقاء الثقيل لا سيما أننا كنا نشرح لرئيس كيف سنفعل الأفاعيل بنظيره، أحببت أن نضفي على اللقاء مسحة لطيفة تنسيه ذلك، وكنت سمعت من مصطفى قبل ذلك أن الرئيس ابليز يدعو االله أن لا يكون في بوركينا نفط قط، فسألته عن سر ذلك.. ضحك وقال: "كنا في مؤتمر القمة الإفريقي الياباني، وكان بجنبي الرئيس الجيبوتي السيد إسماعيل عمر كليه فسألني: هل وجدتم البترول في بلدكم؟ فرددت عليه أنني عندما أصحو من النوم أطلب من االله ألا نكتشف البترول في أرضنا أبدا.. فسألني مستغربا: لماذا؟. كنا يومها جئنا في ختام القمة لزيارة الإمبراطور أوكيهوتو، وقد ألقى خطابا ترحيبيا، وكان على عميد الرؤساء المرحوم عمر بونكو أن يرد عليه.. فأخذ الكلام، وقال في بدايته: "السيد رئيس اليابان" (بدل الإمبراطور)، فضحك الحضور! يقول الرئيس إنه أجاب نظيره الجيبوتي: " .أقول ذلك وأصر عليه، لأن البترول لا يكون في مكان وإلا وحلت عليه الويلات والحروب". سأله: "مثل ماذا؟"، فقال: "انظر إلى الكويت والعراق وأنغولا والكونغو برازا وغيرهم". قال إسماعيل: "هذا ليس دائما.. انظر مثلا إلى الغابون.. ليس فيها مشاكل". فرد عليه الرئيس ابليز ساخرا: "ألم تسمع منذ قليل: السيد رئيس اليابان؟! أليست هذه هي المشاكل؟!". فضحك الآخر وقال: "نعم.. معك حق.. هذه مشاكل!". المكونة من رموز الحكم البائد والتي اجتمعت لوأد التجربة الديمقراطية والإطاحة بالرئيس المنتخب ولإعادة عقارب الساعة إلي الوراء بحكم عسكري أسوأ.!!!!!فإذا كان برلمانيو حجب الثقة هم الكتيبة فالأخ صالح كان ضابط ركن كبير ¬ا وهو ذهب في المأموريات الخارجية للتسويق وعقد المهرجانات الداخلية للمنافحة وظل قرابة العام يسير خلف القافلة إلي أن يئس من سقوط أي فتات عندئذ انقلب علي عقبيه وكأن الأمر تغيير موجة قناة!!!فليقس العالم إدعاءاته بل افتراءاته فيما بينه وأصحابه على ميزان القضية السابقة التي هي معروفة وبلقاء.إن من يفعلها مرة يفعلها في كل مرة..وبالمناسبة لا يمكن تجاوز هذه القضية دون إبداء الاستغراب من فريق برنامج شاهد على العصر العظيم.كيف فام هذا الأمر.فإذا لم يعرفوا به وهم يحضرون له فتلك مصيبة وأما إذا كانوا علموا بالأمر وتركوه يتقول وفق هواه فالمصيبة عندها أعظم. 88 وعودة لأجواء المقابلة الأخيرة مع الرئيس ابليز قبل عودتنا للبلد، فقد اتصل وزير الأمن العقيد جبريل باسوله على مصطفى بشأن المساعدة المالية، وجاءنا مصطفى خلال الليل بالمبلغ الذي وزعناه على العناصر، فبعضهم يحتاج لتجهيز منزل جديد، والبعض له ديون ومشاكل لا حصر لها ولم نستبق منه شيئا. في الصباح غادرنا بوركينا بحافلات إلى باماكو. وتلقينا دعوة للغداء من أسرة أزوادية هناك اليوم الموالي. وكان ينبغي لنا السفر والوصول مساء، وتولت السفارة هناك يئة وثائق سفر نا. ّم الاحتفاء بي أو يجر حساسية بيني مع مصطفى في نفس اليوم قام صالح بخلق مشكلة حيث كان مصرا على أن ي . ُقز فقد كان الأهالي والأحباب يعملون على تنظيم استقبال لي، ولكن صالحا لم يكن يطيق أي احتفاء ، فأوحى إلى البعض بتنظيم احتفال جماعي باسم الفرسان عند منزل الشافعي، وهو مستحق طبعا، ولكنه رتب ذلك بصفة تقطع الطريق على الآخرين وتحبط مساعيهم وتستفزهم وهو ما سبب المشكلة. وعندما أخبروني بالأمر وأنا في باماكو، سبب لي ذلك حرجا بالغا، ولم أقبل التدخل. عند وصولنا المطار أخرجني الناس مباشرة، ولا أدري كيف دخلوا إلى ، وتقريبا لم اعد أملك من أمري شيئا، وأعتقد أني لم أكن قد أتممت إجراءات الدخول أصلا.. التقيت صالحا قليلا عند قاعة الانتظار، ثم أخذوني مباشرة إلى منصة قرب جامع ابن عباس. كان علي أن أخاطب الحضور، وكانت الجماهير كثيفة، وقد قلت لهم - تقريبا- ما يلي: "نحن نرحب بالتغيير، ونؤيد البرنامج المعلن، ونضع أنفسنا تحت تصرف دولتنا وحكومتنا".. تحطمت المنصة تحت الناس، وكدنا نسقط! بعد ذلك أخذوني قسرا إلى المنزل في حي كارافور حيث نصبت خيام، وقد سلمت على الحضور الذي كان ينتظرني، وكان من الأشخاص الذين علقوا بذهني الفنان العظيم سيداتي ولد آبه. في الحقيقة منذ وصلت أصبحت كالكرة لا أملك من أمري شيئا، بل إن البذلة تمزقت من قبضة العريف اعل ولد عمار، وفي النهاية أدخلوني في المنزل وأغلقوه علي. دخل علي بعد ذلك أحمد ولد أحمد عبد، وقال إن كل الترتيب أفسد، وإن علينا أن نذهب إلى منزل الشافعي في تفرغ ز ينه. خرجت معه وذهبنا إلى هناك كان مصطفى وصالح والآخرون لا يزالون في الطريق نتيجة الزحمة لذا سبقنا هم لحسن الحظ. وهكذا وجدنا الفرصة لتكريم الشافعي وقومه أهل المروءة والمكرمات، وتم تنظيم الاحتفال بحضور الجميع كما كان مبرمجا. وهكذا دبر االله هذا التدبير الحسن. 89 بدأت فعاليات احتفاء الموريتانيين -مشكورين- بنا، فزارتنا وفود كثيرة، والتقيت وتعرفت على شخصيات اجتماعية وسياسية كبيرة كنت أسمع عنها فقط، وكانت تلك المحبة وذلك الاعتبار شيئا مفاجئا في حجمه وتعبيره، فلم أكن أعتقد أن الوجدان الوطني يحتفظ لنا ¬ذا القدر من التقدير والعرفان بالجميل. مر يومان وكأننا في عرس متواصل.. وصاحب ذلك بالطبع الاختبار الأصعب بالنسبة لي وهو التعامل مع الإعلام: الوكالة الموريتانية للأنباء، الجزيرة، الحرة، بي بي سي، دوتشفيله (صوت ألمانيا) وإذاعة فرنسا الدولية... ولكنني كنت عبرت أدندن لهم حول ما عنه على المنصة لحظة قدومي، إلا إذاعة فرنسا فقد كانت المقابلة معها أطول قليلا .. هذا ُ ناهيك عن الجرائد والمواقع الموريتانية. وبطبيعة الحال، فقد جاء المرجفون ومفرقو الجماعات، بعضهم عن حسن نية دفعهم إلى ذلك ما لمسوه من بغي الخلطاء علي، والبعض الآخر قد تكون له دوافع أخرى. سياقات تأسيس حزب حاتم شخصيا.. كنت قد رجعت وأنا قانط من إمكانية التعامل السليم والسوي والمعقول مع الأخ صالح، رغم أنني كنت أظن أن تجربة السجن القاسية وموقفنا معه سيغيران من µجه، بالإضافة إلى استحقاقات العودة حيث أصبح الكل في سعة من أمره. لكن أي تغيير في سلوكه لم يحصل، بل صار الأمر أسوء بحكم الأضواء وفتنة النفس والناس. لم يتقبل ما كنت أكرره عليه دائما: "كان أبو بكر رضي االله عنه كبيرا، وكان الفاروق عمر كبيرا، وكذلك بقية الصحابة"، بل لم يكن يرى قامته تظهر إلا في ظل أقزام حوله! كان وهج بريق الجماعة قويا، وقد جذب ذلك إليها ما يجذبه الضوء القوي عادة، وكان ذلك كافيا للزعيم فهؤلاء هم فرسان المرحلة. كان ظهره محميا سياسيا وإعلاميا وتعبويا وماليا، وبدأ يجسد مقولة "الثورة تأكل أبناءها".. من جهتي كنت أرى أن الرفاق اجتمعوا لهدف إسقاط النظام، وأن هذا تحقق، وأنه في ظل هذه البيئة الجديدة التي جعلها طاردة عن قصد: البديل موجود، والباب مفتوح على مصراعيه.. مع السلامة، والكل مشكور، والأجر على االله! 90 كانت مشكلتي تتمثل في استحالة مشاطرة أي أحد بحقيقة الوضع حتى لا أُفس .. ِد على الناس جو العرس والفرح فالإخوة أهل المشروع معظمهم كانوا سجناء ولديهم صورة وردية عن رفاقهم، وهناك التزام تجاههم فقد فقدوا وظائفهم ومصدر رزقهم، ولا يمكن تبديد أحلامهم بسبب تجربتنا مع صالح. كان ينبغي منحهم الوقت الكافي ليلمسوا بأنفسهم حقيقة الأوضاع عن قرب. وكذلك الحال بالنسبة للمناصرين الذين هم في حالة نشوة، والشركاء الذين لهم أيادي بيضاء علينا، وهذا وقت الحصاد فلا يمكن أخذهم بجريرة الأخ صالح وكذلك أيضا تربص الخصوم. كان يتوجب علي الصبر ولو على الجمر حتى يقطف المشروع الحد الأدنى من الثمار السياسية لتضحيات أصحابه الجسيمة. جاءني خلال الأسبوع الأول من يقول إن الجماعة ستذهب في جولة عبر الوطن، وإن صالحا متعطش لذلك، وإننا تأخرنا في العودة، فهو كان يريد مبكرا الذهاب للداخل والالتحام بالجماهير المحتفية بنا. بل إنه ذهب قبل وصولنا إلى اشلخ لحمير في مقطع لحجار حاضرة أهل مولاي ولد إبراهيم (إدينب الكرماء). وقد رفضت الذهاب ¬ذا الشكل المبكر، ولكن الرائد محمد لمين ولد الواعر ألح علي في قبول ذلك وأكد على أهميته، وشرح لي الترتيبات التي وضعوها له، ولم يكن بإمكاني التمنع عن تلبية ما جاء يطلبه. كان الوقت بالنسبة لي مبكرا جدا، وكنت أميل إلى الانتظار قليلا حتى يتم التو اصل مع السلطات الجديدة لاستبانة موقفها بعد العفو الذي كان مطلقا وتاما وشاملا، وهو ما يعني قانونيا أن المعنيين ممن كانوا في الخدمة العسكرية بقوا على وضعيتهم الأصلية في الانتماء إلى الخدمة. وليس معنى أنه إذا كان الأخ صالح مسرحا وهذه هي وضعيته الأصلية قبل العفو أن ينخرط الجميع معه في تظاهرات سياسية متنافية مع وضعهم الملتبس إلى ذلك الحين. صحيح أن السلطات الجديدة لا ترحب - بل لا تقبل- بعودم بعد ما صنعوا، وبعد الظهور الإعلامي والسياسي لبعضهم، ولكن الناس تختلف في ذلك.. فإذا كان مثلي لم يعد يصلح للجيش أو يصلح له (لم أكن أقبل العودة للجيش تحت أي ظرف حتى ولو كان الحرب) وكذلك عبد الرحمن والمرحوم محمد ولد السالك وآخرين ممن كانوا في الخارج أو في السجن من كبار الضباط؛ فإن البعض من صغار الضباط وضباط الصف لم يكونوا بنفس الحساسية، وكان يمكن إعادم للجيش ضمن تفاهم مع السلطات الجديدة، حتى لا يضيعوا ويضيع مستقبلهم، إذ ليس لهم نفس الحضور والشهرة والرصيد السياسي، وقد يكونون مفيدين جدا للجيش. 91 تلك الرحلة قطعت الطريق أمام كل ذلك، وخلطت الصحيح "بالسقيم" من الأفراد، ثم لم يكن لها هدف سياسي واضح.. فلم يكن لنا حينها إطار سياسي أو رؤية ندعو إليهما، ونوظف الحماس الإيجابي تجاهنا لصالحهما، بل كان المعلن هو فقط السلام والتحية بدون أي مضمون آخر. كان علينا أن نقف في كل مجلس ليتفرج علينا الحضور ويصفقوا.. بل التحق بنا أفراد لم يكونوا منا قط، واكتشف مرافقونا أو مراقبونا التوترات الداخلية والمثالب وهشاشة وضعنا المادي! ولكن الزعيم عاد بمادة فيلمية عظيمة من الاستقبالات والقصائد أعمل فيها مقص المونتاج حتى تظهر بالشكل المناسب، واحتفظ ¬ا لنفسه ليريها لزواره أو يصطحبها في أسفاره. كان ذلك من حيث لا ندري خدمة للحكم الجديد، حيث جسدت تلك الجولة زيادة في تنفيس الجو، ولكنها كانت بالمقابل تفريغا لقدر من شحنتنا الرمزية والعاطفية والأسطورية. خلال العودة أخذت مولاي ولد إبراهيم - الذي رافقنا في الرحلة- على حدة، وطلبت منه أن يبلغ أصحابه أن موضوع صالح شبه منته بالنسبة لي، وما يجعلني في الرفقة معه هو مصلحة الزملاء إلى حين أو ما قد يعني أصحابه من الموضوع أو يهمهم.. فإذا كان الملف حيويا بالنسبة لهم فليضعوا أيديهم فيه، ويرتبوا معي فيه شيئا، وإلا فليعبروا لي عن موقفهم النهائي في الموضوع لأكون في حل من الالتزامات المعنوية والسياسية نتيجة العمل المشترك خلال السنتين الأخيرتين من النضال، وأرى لنفسي الرأي الذي يناسبني. وأكدت عليه بأنني لن أتحرك قيد أنملة في أي شأن حتى أجد الجواب على هذه الرسالة. بعد أيام جاءني مولاي مع المغرب وركبت معه في سيارته، والتحق بنا فيها شخصان من أعلى القيادات السياسية تناولت (جميل منصور – ومحمد غلام)وتحركت بنا السيارة إلى جهة البحر. مضمون الرسالة السابقة بشيء من ُ لمين ببعض الأمور السلبية، ُ َّ التفصيل، فأبديا استغرا¬ما من هذا الوضع والتوصيف وأكدا على التقدير، وظهرا غير م بل كانت لديهما صورة أخرى مغايرة. كان اللقاء طيبا.. وقد أكدا على استراتيجية الموضوع وأهميته. وبناء على اقتراح مني، تم تكوين خلية ثنائية مني وصالح، ومعنا مولاي كممثل وشاهد وحكم، وكانت هذه الخلية إطارا للتوجيه الاستراتيجي وطبخ الآراء والقرارات. اجتمعنا ثلاثتنا في المنزل، وتناولنا بعض الأمور من ضمنها الاتصال ببعض السفارات وشرح وجهة نظرنا لها. ولكنهم نفذوا ذلك من وراء ظهري، فلم يعلمني أحد لا بحدوثه ولا بمضمونه فأحرى بنتائجه. ولكنني سأعلم من الأخ صالح 92 ّ . أعتقد أننا قررنا بذلك في حديث عرضي له في ى حينها السفارة المغربية أحد اbالس عن اتصالاته بالسفارات وسم اجتماعين في الأسبوع.. بعد الاجتماع الأو ل حدث اجتماع آخر في الليل بمنزل مولاي.. كان الاجتماع بالنسبة له كجلسة مع طبيب الأسنان، لا يطرح أمرا ولا يشرح به صدرا، وكان علي أنا فقط أن أثير المواضيع، ومع ذلك فقد كان في أذنيه وقر مما نقول. كنا قد اجتمعنا قبل ذلك على سقف أحد البيوت في عرفات (أعتقد أنه منزل سيد محمد ولد احريمو)، وكان موضوع النقاش ترتيبات تسيير المرحلة الانتقالية للجماعة، وتعيين لجنة عمل والبحث في إنشاء حزب سياسي. كانت تلك طبخة جاهزة ومدبرة ما بين صالح والسيد حمودي ولد الصيام (كان اسمه معنا في بوركينا حمتي)، وقد صار هذا الأخ هو المندوب السامي و"مدير أفعال" الرئيس صالح ، ولكن بالنظر إلى الاجتماع السابق مع القيادات السياسية الكبري وما انبثق عنه تركت لهم الحبل على الغارب إلى أن أرى مع هؤلاء أيضا.. لم أتكلم في ذلك الاجتماع، ولكنهم بعد تناول العشاء اختاروا لجنة تعيين كنت فيها و الأخ صالح وآخرين.. انسحبنا إلى غرفة منعزلة، فأخرج صالح ورقة فيها 7 أسماء اختارها حمودي وصالح في "الكابينت" المصغر بينهما على أساس أµا لجنة العمل التي ستوكل لها كل الأمور مستقبلا، وكانت الأسماء هي: حبيب ولد أبو محمد رئيسا صوريا، المرحوم محمد ولد عبدي، أحمد ولد أحمد عبد، أحمد ولد امبارك، محمد فال ولد هنضية، سيدي ولد اليسع، وحمودي ولد الصيام (رئيسا في الظل وعند الجد). كانت الأمور واضحة.. هو يريد أن يخرج الأمور من أيدي ذوي الرمزية القوية (أهل الخارج "الكيف")، ويجعلها في يد شخصية محترمة لكنها ليست بذات مشروعية الآخرين، ويراد لها أن تصير لعبة في أيدي "الكابينت" الذين هم من يحرك اللعبة من داخل اللجنة بواسطة حمودي وأحمد ولد امبارك (شخص ذكي ويتقن قواعد اللعب المختلفة)، ومن الخارج فالقائد الزعيم الأخ صالح هو من تعقر الناقة بل الفرس من أجله. كان حبيب يعتقد أو يحاول أن يمثل دور المؤمن الذي يكتم إيمانه، لكنني كنت أعرف أنه واصل ومتصل بل موصول.. صحيح أنه تم إضفاء مسحة وقار على اللجنة عن طريق عضوية المرحوم محمد ولد عبدي والنقيب أحمد ولد أحمد عبد. أضيف باقتراح مني اسمان هما فراح ولد اشكونه وموسى ولد سالم إلى مقترح لجنة العمل، وخرجنا على الجماعة بالاقتراح، فتمت إجازته. 93 انتهى دور رموز الفرسان مرحليا، ولم يبق إلا أن يتم الرجوع في الأسبوع القادم للبصم على أمر إنشاء الحزب، وينتهي أيضا دور الجمعية العمومية للفرسان (الجمهور العام "الكم") وتنتهي مراسيم التسليم والتسلم أو الخروج من طور إلى طور. وقد عارض سيدي ولد اليسع خلال اجتماعات اللجنة مسألة إنشاء الحزب، وكان يرى الاندماج في التكتل لإحداث التغيير المنشود، وكانت له حجج أخرى. وهو أصلا كان من التكتل، ولا أستعبد أن يكون الحزب قد أطر ُ ، أيد موقف سيدي ولد اليسع بعض موقفه ذاك. ولاحقا في اجتماع عمومي موال ومشابه للذي عينت اللجنة بموجبه الشباب الذين كانوا معنا في الخارج وهم محمد ولد ودادي وعبد الرحمن ولد ودادي (شهبندر) وعبد االله ولد خطاري وآخرين... وبعد إقصائهم بالتصويت التحقوا بحزب التكتل. لم تتم دراسة جدوائية إنشاء الحزب، ولم يتم التفكير في: هل الأجدى إنشاء حزب مع تبعاته المادية والتنظيمية والسياسية والقانونية وأعبائه، والتنافس البيني ومع الأحزاب الأخرى التي كانت تؤيدك والتي ستصير بالضرورة منافسا لك؟ أم البقاء كحركة مرنة وحركة ضمير تتفق مع أحزاب على أشياء وتختلف معها في أشياء، ويمكنها أن تخلق رأيا عاما أو زخما جماعيا توحيديا بحكم المكانة والسلطة الأخلاقية، وتحافظ على وحدتك لأنك لا تدخل في لعبة المواقع الحزبية؟... لا أظن أن حوارا ¬ذه الجدية قد جرى، وكنت شخصيا قد تركت الموضوع لأصحاب مولاي، وقدرت أن ذلك - أي إنشاء الحزب- هو رأيهم، ولهذا لم أخض في النقاشات التي جرت على السقف ليالي اقتراح لجنة عمل مؤقتة وإنشاء الحزب، وهو ما استغربه البعض بل عابه علي. ُ طرحت في الاجتماع الثاني بيني ومولاي وصالح - وكان أمر الحزب محسوما لا نقاش فيه- بنية حسنة فكرة دافعي فيها توخي الفعالية على ضوء معطيات وضغوط سأتناولها لاحقا. اقترحت أن نستبين من الآن الرؤية فإذا كنا سنرشح للرئاسة فلنقلها من الآن، ونطرحها وندع .. فالمرشح أوسع ُ الاستشرافية والمستقبل البعيد للعمل.. لها من الحزب وقد تؤيده أحزاب أخرى، بينما الحزب منافس لها بالضرورة، ثم إن المرشح دينامكية وتيار وطموح كبير محدد ومغري لجلب التأييد، وهو لا يحتاج الترخيص، ثم إن طرحه المبكر يوضح الرؤية، ويستغل جو التعاطف لخلق كتلة تتعزز مع الوقت، وكلما زادت الكتلة زادت الجاذبية وفق قواعد الفيزياء، وإذا بلغت الكتلة مستوى الكتلة الحرجة قد تصير ثقبا أسود يبتلع الجميع ويفرض نفسه.. ومن هذا المنطلق تصير أهمية الحزب نسبية جدا ودوره سيكون ِّ وظيفيا في الاستيعاب والترضية، وتأطير وتوجيه المصاب الفرعية نحو اbرى الرئيسي. ومن الضرورات الأولية الأكيدة 94 لذلك -بالطبع- أن تجعل مرساة عظيمة في من سيكون المرشح ليثبت، وأن تضرب عليه قبة سميكة ليحتجب قليلا، ُ َّقل وأن ينذر للرحم الزلل ويتقي الشطط فيتدارك ما أمكن من الأسطورية والغموض، ويرجع ن صوما أكثر الأيام حتى ي له بعض الوقار والهيبة، ويثبت فيه ما بقي من "النصرة" والكاريزما. فاض كأس الأخ لقول هذا المحظور الذي فحواه أنني أريد رئاسة الحزب ودفع ة له. َه هو للترشح، وهذا خط أحمر بالنسب وهكذا سكت عن الكلام المباح ولم نجتمع ثلاثتنا بعدها أبدا. فقد كان يعتمد مقاربة آنية قوامها بقاؤه هو في المقدمة دائما، وعنده لذلك ظهير ومتعهد: اليوم هو رئيس الحزب وغدا المرشح.. ولكن بعد أن تضيع الفرصة وينتفي تأثير لقد كنت أود التحليق بمن يفض اللحظة التاريخية ويتموقع الناس ويخدش الحياء وتز الصورة. ل الحبو في الأزقة ّ السياسوية! بعد أن يئست من أن ينجح السيد مولاي في ترتيب لقاء جديد، أمسكته مرة وقلت له: "أنت لم تقم بمهمتك!".. رد علي: "أنا لا أستطيع أن أفرض اجتماعا على من لا يرغب فيه!". قلت له: "أبلغ من كلفك عن الذي يرفض الاجتماع!".. لم يرد، ولكنني عرفت أن هذا الموضوع انتهى، وكان المهم عندي هو الإعذار منهم. كان أحمد ولد أحمد عبد غير مرتاح لما يجري، وقد كان يقول لي: "أنت وصاحبك يقال أن بينكما شيئا مع الإسلاميين.. أنا ليست لدي مشكلة معهم، ولكن أريد أن أعرف حقيقة الأمر فأدخل أو لا أدخل!". كان متيقنا من الشواهد والممارسات فيما يتعلق بأمر صالح، بينما كان موقفي ملتبسا عليه. كنت أعترف له بالعلاقة التي جمعتنا في الخارج وحقيقة التحالف معهم، وأن لهم علينا دينا ويجب أن أصبر عليهم لأجل العلاقة الحسنة ¬م لا من أجل الأخ صالح. كانت الحاضنة الاجتماعية، متحسسة من إفرازات "بغي الخلطاء" ومن سرقة اbهود، وكنت أحاول جاهدا أن أبين - لمن لا يغضبه ذلك كثيرا- أنني في الحقيقة رجل من "حاضنة صالح الاجتماعية" سكنا وولاء وخؤولة، ولو أنصف الدهر فأخي صالح ليس أكثر مركزية مني في حاضنتنا (حاضنته) الاجتماعية بلعيون، ولا فرق بيني وبينه في ذلك. ونحن إخوة اجتمعنا لأمر كبير ومهم من دون إذن أحد أو بالنيابة عنه، والموضوع أسمى من كل هذه الاعتبارات الضيقة، والمشكوك في جدوائيتها ومناسبتها حتى، وليحترموا لنا بعض الخصوصية، وما يرونه من نقص فهو من طبيعة التنظيم وضروراته وذلك يستتبع ما يستتبع. لكنني في الحقيقة لم يكن يسعني أن أهمل مشاعر أولئك وغيرهم من 95 مناصرين منحدرين من آفاق شتى.. فالصفة العسكرية انتهت، وليس أمامنا إلا السياسة والأصوات، وبالتالي لا يمكن تثبيط الناس والإساءة إلى مشاعرهم في موضوع يعتبرون أµم ينتصرون فيه للحق ولي شخصيا.. وفي المقابل، لم يكن هناك بديل يمكن الاستمساك به عوضا عنهم، فالأخ صالح أمره معروف والآخرون أمرهم الذي شرحت! كان الحكم الجديد بمقارباته العقلانية، والمستندة على الأرقام والمعطيات الديموغرافية، يعرف الخزانات الانتخابية والحجم الحقيقي في كل موضع لجميع المكونات الاجتماعية، والذهنيات السائدة واستحقاقات المرحلة، لذلك شرع - ومنذ الأيام الأولى- إلى ما يشبه حملة إغراء وعلاقات عامة تجاه اbموعة فعين في الحكومة وزيرين (من تكانت والحوض).. ولأنه لم يكن هناك ضابط في اbلس العسكري، فقد عين ضابطين من الرتب المتوسطة في قيادة تشكيلين كبيرين مهمين. وزاد بتعيين وال في الإدارة الإقليمية، ثم كانت اللفتة الأبرز وهي استقدام السفير سيدي محمد ولد محمد فال (اقريني) من القاهرة ليتولى الأمانة العامة لأكبر الأحزاب (حزب الدولة) الحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي (الديموقراطية والتجديد) (حينها لم يكن هناك حزب تابع للعسكر، ولم تكن ظاهرة المستقلين قد نشأت بعد).في هذه الأثناء كان صاحبنا (احمارنا لخظر) يضيق بمن معه، ويرفع السوط وأمارات عدم الترحيب بالجموع الشبابية والتقليدية التي تكأكأت عليه زرافات ووحدانا. كانت اللجنة المعينة قد أخذت في أيامها الأولى مقرا في دار بحي بغداد، وعقب أحد الاجتماعات بعد العصر لاحظت وجود حمودي ولد الصيام قرب حنفية يتوضأ للصلاة، فوقفت عليه وانتحيت به جانبا (كان قد أمضى معنا نحوا من ثمانية شهور في بوركينا.. وأفترض أنه أصبح يعرف ما عندي بشكل مباشر ودقيق، كما كنت قد اكتشفته شخصيا عن قرب، وللحقيقة فقد كان كادرا تنظيميا متمرسا وفعالا وكتوما ولديه روح دعابة ومجاملة.. بدا لي نافذا في محيطه ومقدرا فيه، يقوم من الليل ويقوم بأشياء أخرى طيبة). قلت لحمود: "أنتم ذ "الحاضنة الاجتماعية" إل حصرت اعليكم ما تعطوه الأمين العام، إياك إنكدو انتم نحتجو بيه اعليهم، جابرين روغ الحكومة و هذي المناصب كاملة ابلا فايدة". أتدرون ماذا كان جوابه؟! لقد قال لي وجها لوجه وبالعين الحمراء، دون مواربة أو مجاملة أو تعليق على غيره أو تمنية بتوصيل الرسالة أو السعي فيها لدي غيره: "آن نختير منصب الأمين العام لهذا الحزب (لم يسم بعد) عن " تلك الحاضنة وعن رضاها ". لقد كان يريدها -كما عرفت لاحقا- لشاب من أصحابه وهو حرطاني طيب من ازويرات.. لم يكن حتى من عمق لحراطين في مثلث الفقر أو آدوابه لحداده.. يا عجبا! 96 لقد صدمني الجواب، وكنت أستغربه من مثل حمودي (حمتي) الذي ألفته ظريفا وحاذقا وبعيد النجعة. لكن يبدو أن لوثة أصابته من بعدي، أو أن رقيب لا وعيه قد غاب في تلك اللحظة، فافترضت -كمقاربة للفهم المنطقي لموقف غير منضبط- أن لعله قد طفت في لا شعور صاحبه وعي ورواسب أزمات اbتمع الأهلي أواسط القرن التاسع عشر المتجاوزة حتى عند البسطاء والعامة، وهو ما دفعني - لاحقا- مع تصرفات مماثلة إلى الظن باستصحاب بعض "الأخيار" لهويات فرعية مع الهوية الرئيسية المعلنة كنظرية عامة لتفسير مسرح اللامعقول الذي عشناه لسنتين. كانت تلك إشارة حمراء ونقطة مفصلية، ولكن لا عجلة عن السير في المشوار إلى النهاية. رجعت إلى أحمد ولد أحمد عبد والعسكريين الآخرين المتضايقين من اختطاف القرار الحزبي والسياسي بتواطئ الأخ صالح. وقد وافقته بأننا لن نطلب من أحد بعد اليوم الأمين العام، بل سنأخذه فهذا حق ومصلحة وقرار. كان الحزب قد حصل على الاعتراف، ودخلنا في متاهة انتظار التشكيلة، وهم يتداولون في كواليسهم، والآخرون ينتظرون تقرير مصائرهم على يد المرشد الأعلى حمتي الكرموسي دام ظله! لم يكن لدى أحد الرغبة في اbاهرة بحالة التبرم المنتشرة ما دمت أنا وصالح في كفة. عقدت وأحمد ومحمد لمين ولد الواعر اجتماعيا مسائيا في منزل المرحوم محمد ولد عبدي، وتداولنا في أمر اختطاف القرار وضرورة استعادته. لم أشنع على أحد في ذلك الاجتماع، لكن حضوري كان كافيا لإثارة الذعر. عند صلاة المغرب أو قبلها، جاءني على غير توقع مولاي ولد إبراهيم واجتمعت معه في سيارته، وقد أخرج لي ورقة فيها تشكيلة للحزب: صالح رئيس مستحق، سير الموارد المالية لحزب إيجار مقره متأخر، أما ُ هنضية نائب أول، ِّ أنا أنعموا علي بنائب ثان، أحمد ولد أحمد عبد سي عبد الرحمن فلن يثقل عليه بالواجبات الحزبية فهو عضو في اbلس الوطني (برلمان الحزب)! بالنسبة للبقية سأسكت عنها لأµا لا تدخل فيما نحن بصدده الآن. قرأت التشكيلة بقرف وحنق، ولكنني كظمت غيظي.. سألني عن رأيي؟ فأجبته: "هذا استهزاء!".. لكن الملامح والنبرة كانا يوضحان كل شيء.. وتفرقنا. أعتقد أنه بعد يومين أتاني في الصباح مولاي يطلبني لاجتماع، وقد وجدت أمامي الرئيس جميل والرئيس محمد غلام، وأبلغاني باطلاعهم على موقفي، وتلطفا معي وأقرا بأن مكانة الشخصين (أنا وصالح) وسمعتهما تسمحان بتتابعهما. بعد ذلك بأيام عقد اجتماع ثان حضره الرئيسان وصالح وحبيب وعلى ما أعتقد حمودي ومولاي، وفيه أعطيت 97 التشكيلة الجديدة التي كنت فيها نائبا أولا، وتم تحويل أحمد إلى موقع أقل أهمية من وجهة نظرهم، وبقي عبد الرحمن في نفس الموقع، وكان ضروريا تخصيص منصب الأمين العام لمدني من شريحة الحراطين. كان علينا أن نجتمع مع لجنة العمل وأن نجعلها تبلع الأمر رغما عنها، والأغلبية مضمونة عند الحاجة للتصويت. كان أمرا صعبا بالنسبة لي، فما يعتبرونه ترضية أنا فيها من الزاهدين. ويتعين علي أن أساير عملية لي ذراع ميكانيكية، وقد تم التحريض من طرف صالح على الدفاع الخطي المستميت بلا تراجع ولا تغيير، وهذا هو النمط الذي أمقته، لا سيما أن أمامي أحمد وأشعر كما لو أنني أخذله. بدأ الاجتماع، وتناولنا في البداية المواقع غير المهمة لإجازا، وفي وقت ما طلب أحد تغييرا بسيطا في المواقع، فأبديت تفهما ومرونة تجاهه وأُ . بالنسبة لي، الدفاع عن ِجري ذلك التعديل، لكن ظهر في وجه أصحابي الغضب والتوتر الموقف يتطلب قدرا من الحذق والدينامكية والمرونة في غير المهم، والوقوف الصارم عند الأساسي، والظهور على الأقل بمظهر المتفاعل والذي يأخذ ويعطي، وليس جماعة متوافقة كالحجرة الصماء.. عندما وصلنا إلى مربط الفرس (الأمانة العامة) كان أحمد ومعه جماعة من الضباط يصرون على أن يكون عسكريا من الفرسان، وكان الرأي الآخر الذي ندافع عنه هو أن يكون مدنيا وحرطاني.. لم يتم التوافق، فالكل متشنج وعلى جانب، وفي النهاية تم اللجوء للتصويت حول وعندما أجري التصويت حدثت مفاجأة غير متوقعة، لقد هزم جانبنا في التصويت! والسبب أن ُ القضية للحسم. جانب أحمد صوت معه هذه المرة محمد فال ولد هنضيه وموسى ولد سالم (عندما عرفا أن المنصب سيكون من نصيب لحراطين أرادوه لأحدهما لا سيما ولد الرائد محمد فال هنضيه وهو شخصية مرموقة ومتوازنة، فصوتا مع خيار أن يكون عسكريا حتى تنطبق عليه.. وهذا لم يكن متوقعا، لأن الطبيعي أن يصوتا مع صالح دائما). حدثت مفاجأ ُّ ة كبرى وµائية وتفرق الجمع، ومع كوني صوت معهم، إلا أني سمعت أن صالح يحملني المسؤولية، لأني أبديت حدا أدنى من المرونة في أمر ما وأن ذلك شجع الآخرين. كانوا يريدون: "وافق أو"نرشمك"!". الضابطان اللذان أفسدا كل شيء لم يكونا يدركان أن المنصب لشخص مخصوص، وهو الأخ إسلمو من تيرس زمور وهو من أصحاب حمودي. 98 في هذه الأثناء قدم عبد الرحمن من مقطع لحجار، وتم التحرك داخل ضباط الفرسان من أجل اجتماع أو جمعية عمومية، وطرح فيها أمر الأمين والعام وتم التصويت على جعله عسكريا. أغلق الملف µائيا لغير ما يريد صالح وحمودي. دعي لاجتماع جديد عند منزل حبيب ولد أبو محمد، وقبل أن أحضره التقيت في سيارة مع الرئيس جميل، وأعطاني تشكيلة فيها مقترح بأن أكون أمينا عاما، وتم الاجتماع وأجيز الأمر.. لكن ذلك كان مما لا يمكن لصالح أن يقبل به، فأضحى يقول إنني وإياه من نفس المدينة، وأنا وهو شيء واحد، وهذا سيفسد ويسيء ... إلخ. ولإرضاء صالح، زارني بعد ليال حمودي ومولاي وجعلا يعظانني ويشفعان لدي بالاستقالة من منصب الأمين العام، وذلك تحقيقا للمصلحة العامة. فتنازلت، رغم الحرج الذي سيسببه لي الأمر مع الفرسان الآخرين جميعا، لأنني لا أرغب في رد الوفود (الصربة)، وإذا كان قيام الخلافة الراشدة لا يقف في وجهه إلا أن أتنازل عن موقع أمين عام حزب حاتم فالأمر هين! اعتذرت للزملاء، وكان أحمد غاضبا لكنني أرضيته بشيء آخر فيه "اتعركيبه" للذين جاؤوني.. حيث وي .. فهو ضابط ورمز من ُ قلت لأحمد إن المنصب يصلح له عبد الرحمن أكثر، وهو يحقق كل ما هو معلن تحجج به الفرسان ومن لبراكنه وأمه حرطانية. طرح الموضوع وكان أشد عليهم.. أصبح البعض يقول إن الحزب سيكون وحدة عسكرية "صنكه"، ويرد عليهم الطرف المقابل إن الأمر طبيعي، فهو حزب لحركة عسكرية، وما يحقق توافقها العام ويستجيب لرغبات مؤيديها هو المقدم. كان الأمر ورطة حقيقية، ولأيام أضحى الأمر حرب خنادق ومسألة شرف. عبد الرحمن مصر، ولا يتكلم وولد الواعر وأحمد هم المتصدين، ويقابلهم من الجهة الأخرى بنفس الشراسة صالح وحمودي وحبيب وأحمد ولد امبارك. طال الأمر.. وفي وقت ما تدخل البعض جماعة الترارزة برئاسة الرائدان محمد ولد فال ومحمد فال ولد هنضية للوساطة وكان ناشطا في الأمر أحمد ولد أمبارك وهو من عناصر حمودي وصالح و قد طرحوا أن الحزب ومستقبل الجميع لا يمكن أن يضيع في التنافس بين فسطاطين. وسعوا إلي إيجاد أرضية مشتركة فاقترح ولد الواعر- نكاية بصالح الذي ربما كان وراء التحرك- إقصاء اbموعتين المتنافستين سويا وإعطاء رئاسة الحزب لمحمد ولد فال من الترارزة وصاحب السابقة علي الجميع في التحرك من أجل الانقلاب والأمانة العامة للسيد: فراح ولد أشكونه وهو من آدرار.كان الأمر مزحة ثقيلة بالنسبة للأخ صالح. وفشل ذلك المسعي.وبقيت الأمور تراوح مكاµا 99 بشكل بائس . لقد أضحي صالح وحمودي منذ استنكافي عن المنصب يسعون إلي ضم ائتلاف قوي التغيير وهي جماعات من الأطر مختلفة من أكابرها أحمد ولد لفظل (حزب التكتل الأن)مصطفي سيدات (شيخ مقاطعة تجكجه عن اتحاد قوي التقدم) ومحمد ولد عابدين(فدرالي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بانشيري الآن ) وآخرون كثر .كان من يناصر ترشيح عبد الرحمن يرفض ذلك علي اعتبار أن الأخ صالح يريد إقصاءه بأي طريقة .وأمام الاستعصاء لأيام كان لا بد من حل وقد حدث ذلك وفق ما يلي أن نذهب لذلك الطرف السياسي -وهو صعب المراس- ونجتمع به فإن وجدنا أرضية ولو باعطائهم الأمين العام سرنا بالموضوع وان لم يحدث الاتفاق معهم رجعنا لوجهة نظر الأمين العام من الفرسان .وحدث الاجتماع في الليل في مكاتب محمد ولد عابدين علي طريق روصو قرب دوار "تيفسكي" وبدأ النقاش بين الطرفين كنت أنا وصالح ومعنا أشخاص آخرين وكان في الطرف الآخر ممثلين لكل حساسيات ائتلاف قوي التغيير.لكن المفاجأة أن الطرف المقابل كان مصرا علي الحصول علي رئاسة الحزب وهو ما أغضب صالح وانتهي الاجتماع بالفشل.في المساء التأم الاجتماع من جديد في مقر حزب حاتم المعترف به حديثا وقد كانت الداخلية رفضت تسميته الأولي "حماة" . تم عرض اجتماع الليلة الماضية وما أصابه من الفشل.وارتاح الناس بأن المعضلة حلت .لكن صالح وحمودي ومن معهم بقوا علي موقفهم السلبي من أمين عام من الفرسان وشخص عبد الر حمن.عندئذ غضبت واستعرت عبارة السفير محمد الدوري مندوب العراق في الأمم المتحدة وقلت "لقد انتهت اللعبة "ووقفت أهم بالانسحاب وهم كذلك آخرون.ففزع الطرف الآخر والمحايدون قالوا لا تفعل! لا تفعلوا!.وتم إجراء التصويت وفاز ترشيح عبد الرحمن وصوت ضده فقط صالح وحمودي !و هكذا تم أطرهم فقط بالضغط الشديد وتكتيكات حافة الهاوية.شعر الناس بالفرح الغامر وتعانقوا.وخرجنا لنسلو ليلتنا قبل المعاودة في الصباح لبقية الهيئات والوظائف الحزبية. في ساحة المقر اقتربت من حمودي وقلت له الحمد الله هذا يوم مبارك لقد اتفقنا و في ذلك خير كثير.فرد غاضبا : بل هذا يوم أسود(أو شيء قريب من هذه العبارة) له ما عبده وسوف .......كان يهددني ضمنا. لقد كانوا ينتظرونني في بقية الهيئات لتصفية الحساب معي .وبينما كانوا يتحفزون لذلك ويستعدون ويشدون فاجأم بأن أطلقت لهم الحبل فتداعوا على أعقا¬م.لقد قررت بعد انتزاع الأمين العام من بين أضراسهم أن لا أشغل أي منصب في الحزب. لقد فام القطار لم يكونوا يدركون أني لم أكن مهتما أبدا بأي منصب حزبي معهم حتي ولو كان 100 رئاسة الحزب.وكنت متحيرا فيما سأفعل لو أµم كانوا أحرجوني بنائب الحزب الأول والأمين العام اللتان اقترحت فيهما من قبل.كان ذلك سيكون بالنسبة لي كالعض علي الجمر . كانوا يعرفون أنه ليس هناك مكان مناسب شاغر لي وأنا لا أريده أصلا وأكدت لهم أني تحت تصرف الحزب ولست مغاضبا وراض عن الهيئات . لكنهم قالوا لي أن الناس لن تفهم الموضوع وستظن أن هذا ناتج عن خلاف.فرددت عليهم بأني مستعد لأن أقرأ لهم الهيئات في مهرجان الإعلان عن الحزب بدار الشباب تفنيدا لذلك الظن(وهو مافعلت).كان صالح ورهطه يشعرون بالذهول و الإحباط فأنا أحجب عنهم إعطاء الفرصة لوضعي في الصفوف.بل إن بعضا من زملائي المقربين، كان يشعر بالحيرة إزاء موقفي وصارحوني أنه لا ينبغي أن أعزل نفسي أوأهمشها.كنت أعرف ما أفعل لقد أردت أن تكون لي كامل حرية التصرف مع الإبقاء على كل الخيارات مفتوحة والاحتفاظ بالقدر الكافي من التمايز و لأفهمهم أن القيمة تنبعث من الداخل وليست لبوسا من الخارج.لقد كنت أقدر أن الأمر سيبدو تضحية ونكرانا للذات وموقفا مسئولا واستنكافا عن الصراع و وفرصة للهيئات المعينة لتتصرف بحرية وبقاء في الاحتياط ونوعا جديدا من الممارسة السياسية القائمة علي المسامحة لا المشاحة في حين أن أمر تسيير حاتم حينها لا يعدو أن يكون هدية مسمومة وحملا ثقيلا واحتكاكا يوميا وحرجا دائما وهتكا مستمرا للحرمة والهيبة . وزيادة علي الآفاق المفتوحة فقد كان ما عند الحزب مستقبلا في اليد وفق المنطق ومقتضيات الحال فضلا عن كون الاستنكاف أبلغ في ترميم العلاقة و إصلاح ذات البين للمستقبل المشترك. وهكذا تحول حضور الفعاليات مكرمة مني وموضع ترحيب لا مبعث حرج أو ضيفا ثقيلا . ولا يخفي أن المأموريات الانتخابية أهم من المواقع الحزبية ولا يصح أن يستأثر البعض بالكل علي حساب الآخرين. وقد ساعد موقفي ذاك في ايجاد مواقع في الحزب للعديد ممن كانوا يناصروني أو انضموا للحزب عن طريقي مثل جماعة انواذيبو (منصور ولد بيداها وابراهيم ولد بيروك و المحامي كاندكا و سيدينا .....وغيرهم.لكن الأغلبية الساحقة كانت للسيد صالح بالنظر لكتيبة المساعدة الفنية التي يقودها حمودي القائد العام لسلك "الأمكاك " وفق وصفه. فبعد ترجل الفرسان اطلاقا من السجون وعودة من المنافي وتصديهم للسياسة واكراهات الحياة المدنية بدأ عصر الأحصنة(أحصنة طروادة) وهي جماعات من الأطر المتعلمين والمتمرسين ومن آفاق اجتماعية ومناطقية مختلفة تحسبهم 101 شتي ولكنهم علي قلب رجل واحد وهو حمود الذي يسكن داخل صالح .وهؤلاء كانوا يلتزمون أقار¬م من الفرسان ويسعون للتأثير فيهم وفق المطلوب وينفثون فيهم وفق المصلحة من ذلك المنظور ثم إµم كانوا يحلون مشكلة التنوع والتمثيلية الوطنية ولا أحد يستبين أمرهم إلا عرضا أو حين يجد الجد فتراهم متراصين للتصويت الميكانيكي لصالح الرئيس الذي يسير ضمن شبكة أمان غير مرئية لكنها فعالة وقمعية للخصوم . مساء الاعلان عن الهيئات الجديدة في دار الشباب قرأت الأسماء كما كان مبرمجا ورجعت للمنزل ونمت إحدي أحسن ليالي والسبب أني استطعت أخيرا تصفية الشركة بودية و طريقة "جنتلمان" أو لنقل جري الخلع بالتراضي وحسبي أن ذلك تم دون أن يستطيع أحد أن يقول أني خنته أو عملت له سوء أو يحسب علي شيء . أصبحت كما لو كنت في إجازة وبدأت في تلمس علاقات وآفاق جديدة بعد مدة جاءني أهل حاتم بواسطة السيناتور محمد ولد غدة خاصة يطلبون مني ترأس لجنة تحضير المهرجان القادم للحزب وهو أول مناسبة سياسية كبيرة وألحوا علي في ذلك.واستجبت لهم في النهاية وعملنا نحو اسبوعين في التنظيم والتحسيس ووضع الخطط.وفي الأيام القليلة كان علي لجنة المهرجان أن تعطي نتائج عملها للجنة التنفيذية للحزب.وقد لاحظت الاصرار والترحيب لمشاركتي في ذلك الاجتما ع حتي من صالح لكني حمدت االله علي قراري لأن عدد اللجنة كان كبيرا جدا وقاعة الاجتماعات كانت تفيض بالناس الذين تحلقوا في 4 إلي 5 دوائر حول طاولة الاجتماعات. لم يكن أبدا جوا عمليا أو معقولا. قبل يوم من المهرجان وضعنا مذكرة بسير المهرجان وحددنا فيها ترتيب المتكلمين وكانت كلمة اللجنة التنظيمية(كلمة المهرجان) هي الأولي وسألقيها أنا.تكتم الرئيس صالح علي كلمته ولم يعلمني بمضموµا.لذا قررت أنا أن أتكلم بالذي أراه مناسبا ومفيدا.في اليوم الموعود أخذت الكلام في كلمة مرتجلة ورجعت علي عمل اللجنة المنظم والدؤوب والمنهجي والذي هذه نتيجته (المهرجان حاشد) وغيرت في مطلع قصيدة فتح عمورية للشاعر أبي تمام : الحشد أصدق أنباء من الخطب ** في حده الحد بين الجد واللعب 102 ثم عرجت علي الثامن من يونيو ودافعت عن استخدام الدبابات (الصدمة والرعب و ذلك لتقليل الخسائر من الجانبين) ثم تكلمت عن إيثارنا عدم الولوغ في الدماء رغم تفوقنا وعلي حسابنا لأننا فضلنا أن نكون عبداالله المقتول لا عبد االله القاتل، وكذلك رجعت إلي كوننا لا ننكر جذورنا القومية لكن ذلك لن يمنع عملنا مع الموريتانيين من آفاق ومشارب شتي بصفة صادقة ووثيقة ومثمرة . عندما نظرت قليلا ناحية الرئيس صالح كان حانقا والغضب في وجهه وكان يشير خفية لأحد لكي يقاطعني استرسلت قليلا ثم أµيت الكلمة مخافة أن يفقد وقاره أو أن نفتضح علي الملأ.علي كل حال ما كنت أريد قوله جئت عليه. في شهر مايو 2006م وأنا في فترة علاج ونقاهة بدكار إثر حادث سيار ة في أزواد، فهمت من سيد أعمر أن جماعته يرغبون في ترميم العلاقة وأن الوضعية الحالية كل يسير في اتجاهه غير صحية أو معقولة و قد تم تكليفه بشي في هذا الإطار وأنه يعتقد بأن هناك توجها لاستدراك ذلك كله ،وقد سردت له روايتي ورؤيتي كما قابل كل من صالح وحمودي واحريمو وشخصيات أخرى واستمع لروايام . من جهة أخرى كان سيدأعمر بعد تحصيل صورة مكتملة من خلال الاستماع لجميع الأطراف يعبر لكل طرف عن أخطائه وتقصيره تجاه الطرف الآخر ،كنت من جهتي اعترف له ببعض تلك الأخطاء وأرد عليه الآخر وامه بالاصطفاف الإيديولوجي والحزبي ،و كان الطرف الآخر ومنهم شخصيات وازنة كما قال لي تعترف له ببعض الأخطاء .وكان "المباشرون" يفسرون إبرازه لبعض الأخطاء في حقي بالتعاطف أو التحيز لشقيقه .ويبدو أن سيد أعمر عند نقطة ما (...) نفض يده من المصالحة واعتبر أن الأمور عندما تصل مستويات معينة من التدابر وانعدام الثقة فمن الأفضل أن يسير كل في اتجاهه بشكل ودي. ركزت علي ما بقي لي وهو الترشح الرئاسي لأني كنت أراه فرصة لتدارك بعض الأمور والحفاظ علي قدر من الظهورية السياسية ولطرح بعض الأفكار والمواقف التي أراها مهمة. كانت لدي تواريخ رمزية للاعلان عن الترشح في 10 أو23 يوليو .ولما تجاوزا دون أن استعد بما فيه الكفاية اخترت 3 أغشت 2006.كان ذلك الترشح حدثا مفاجئا للجميع فمن كانوا من فسطاطي السياسي لم يعتقدوا بامكانية 103 المخاطرة على وضع رصيدي السياسي علي المحك وفي مثل هذا الامتحان العسير علي هذا النحو المغامر. فليست لدي الموارد المالية ولا الظهير السياسي والتنظيمي لمثل هذا الطموح الكبير.و حتي الحكم حينها علي الرغم مما افترضه انطباعا ايجابيا فوريا فإنه لم يفهم الموضوع أو يرتاح له . وأخيرا أعود لأقول إنه كان لدينا تصور أولي جد إيجابي عن "مجموعة حمودي ويحظيه"، فكأµم بالنسبة لنا من"التابعين"إن لم يكونوا من"الصحابة". لكن ممارسة من عايشنا في الخارج، وبعد عودتنا خلال مرحلة تأسيس الحزب تدفع إلى الاعتقاد أننا وأولئك الأخيار من "مسلمة" القرن 15 هجري، مع بعض الاستثناءات كيحظيه ولد أبنو(في المحصلة) ومصطفى ولد سيد أحمد والشريف عرفات. وإن كنت أعتقد من جهة أخرى أن الاندفاع الزائد الذي تجاوز أحيانا حماستنا - فيما بعد - إن كان بالفعل أفاد من جهة فقد أضر، إذ قصم ظهر الحركة بتفتيت نواا الصلبة وتقويض العصبية التي قامت عليها ولا نجاح لدعوة – إذا استثنينا النبوة- بدون عصبية. والمؤسف حقيقة أن ينجح تمرير أجندة تصفية المشروع (التفتيت والتدابر) نتيجة تصرفات "طائشة" لحلفائه أكثر منها بفعل الأعمال الكيدية للخصوم، أو بعبارة أخر ى نتيجة القصور الذاتي أكثر منها بفعل الكيد الخارجي. ويعود ذلك حسب نظري إلى أن من تولوا تسيير الملف مباشرة وكانت لهم الكلمة العليا فيه كانوا من مستوى أمني وليس سياسي، كما أداروه من منظور تكتيكي وليس استراتيجي. وأفترض أنه لم تكن هناك سوء نية على المستوى العام والعالي، ولكن أجزم بنقص الوعي وسوء التقدير والتصرف لدى المباشرين. و الحمد الله أن ما حصل من الأضرار - بجنب الإيجابيات الكبيرة على كل حال- بقي على مستوانا ولم يتجاوز لغيرنا. 104
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تضمين الرسالة أدناه