قبل قرابة الشهرين رحل عن دنيانا العالم الرباني الزاهد سيد محمد ولد عبدي ولد امبي رحمه الله ورفع درجته في عليين.. منذ ذلك الحين وصورته ومواقفه العظيمة وأخلاقه الربانية لا تكاد تفارقني..
كان شيخنا زاهدا في هذه الدنيا الزائلة، دائم الذكر كثير التأله.. جم التواضع محبا للخير.
وكان رحمه الله بعيدا عن التعصب والانغلاق.. مناصرا للدعوة محبا للسنة حريصا على الاتباع مطلعا على مذاهب الفقهاء مؤثرا للدليل..
1/
كان للشيخ محل تجاري في سوق مدينة انبيكة، كعادة العلماء الربانيين في الحرص على الكسب الطيب والاستغتاء عن الناس، لذا عاش عفا كريما يعطي ولا يأخذ، في زمن اتخذ فيه الناس الدين مطية للاتكال وأكل أموال الناس بغير حق.
وقد اتخذ الشيخ ركنا من المتجر لكتبه التي كان كثير العكوف عليها، يجتمع إليه في الغداة والعشي بعض أصحابه، فينتقي لهم من أطايب الأقوال ولطائفها.
2/
كان السيد/ س أ اميليد رجلا أمينا حسن الخلق محل ثقة الجميع، يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع، ولأمانته كان تجار المنطقة يرسلون معه الأموال فيستورد من العاصمة كل احتياجاتهم..
وذات مرة أرسل معه شيخنا مالا وفيرا لشراء ونقل بضاعة من نواكشوط.. فلما وصل العاصمة بحث عن المال فلم يجده، فوقعت عليه كالصاعقة.. وحين أبلغ الشيخ لم يزد على أن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.. ونسي الأمر .. فالسائق فوق التهمة ورب المال زاهد فيه.. لا يهمه جاء أم ذهب!..
وبعد ذلك بأشهر وجد كيس المال بين أدوات صيانة الشاحنة، فطار السائق فرحا ليبلغ الشيخ، الذي لم يزد على: الحمد لله.
فعجب الناس من حال التاجر الزاهد والسائق الأمين!..
3/
تقدمت ذات مرة لإلقاء كلمة في الجامع العتيق الذي يصلي به الشيخ، ثم كرهت في نفسي أن أتقدم بين يديه.. لكنه قطع حديث النفس بكلمات تشجيع وثناء.. بدأت بعدها حتى أكملت حديثي .. ولم يكتف الشيخ بالحضور والإنصات بل عقب وأضاف من نفائس الأقوال.. وكان كثير التشجيع للشباب ميالا إلى حديثهم.. وقد قال لي مرة: ليس الزمان زمان هؤلاء المسنين فقد مضى عهدهم.. الشباب هم من يستطيع مخاطبة الناس ويملك لذلك أدواته.
4/
رغم الجد والتشمير واغتنام الأوقات في الصالحات كان الشيخ اجتماعيا.. طيب النفس.. دائم البشر.. ذا دعابة مع الصغير والكبير.. يعرف ذلك القاصي والداني.. و لا أذكر أني رأيته غاضبا .. ولا ندت منه كلمة لا تليق بمكانته.. فكأنه لا يعرف يعصي الله عز وجل.
5/
ومن عميق إيمانه ورضاه بقضاء الله عز وجل وقدره أنه حين بلغه فقد وحيده (محمد وأحمد) استرجع مبتسما مع ما فيهما من مخايل النجابة والاستقامة.. وكتم عذاباته وألمه الدفين إيثارا لما عند الله والدار الآخرة.
6/
وقد كان الشيخ كثير الإجلال للإمام بداه البصيري، متناغما مع دعوته الإصلاحية، ومن مكتبته طالعت بعض كتب الإمام رحمهما الله.. وكان واسع الاطلاع ممتد الأفق.. استعرض مرة مسألة فقال إن أحسن من تحدث فيها شيخ الإسلام في فتاواه.
7/
ومع ما بالناس من تعالم وسعي للتصدر وحب الظهور، كان الشيخ رحمه الله ميالا للعزلة.. لا يرى لنفسه مكانة، ولا يكاد يقبل التقدم لإمامة المصلين..
رحمك الله أبا محمد أتبعت من يجيء بعدك.
باب احمد ولد أدي
هذا يبوي بعد زين أهو اليال من جمع التراث
ردحذفرحم الله الفقيد واسكنه فسيح الجنان