في
ليلة من ليال الشتاء الهادئة عام 1986م على وجه التقريب ؛ كنتُ طفلا يتقمص الرجولة
، و يحاول عبور زقاق في الناحية الجنوبية الغربية من مدينة " انبيكه "
في تامورت انعاج ، و كان الوقت في حدود منتصف الليل، و فجأة تناهى إلى مسامعي صوت
عذب رقراق تسلل من نوافذ منزل قريب أخذ سبيله على الفور إلى قلبي دون استئذان ، و
بدون استئذان و على الفور أيضا دلفت إلى ذاك المكان يحدوني فضول جامح إلى سماع
" الهول المصگول" حين يرخي الليلُ سدوله ، و في ذاكرتي شيء من حديثٍ
سابق لبعضٍ من خاصة أترابي يزعمون فيه أن هذا الوقت هو الأنسب لدخول " أژاي
" الذي لم يعرف إلى قلبي سبيلا حتى ذلك الحين ، رغم إدماني " السماع
" إلى أشرطة ثنائي فريد سَحرَ الناس و سلب لب السامعين غيري ، ربما لأن أغلب
تلك الأشرطة التي أستمع إليها كانت أساسا في " لبتيت " ، و كنت لا أستمع
إليها إلا في " أژبار الوغره " فوق الصخور البازلتية الحارقة على "
الکديه التليه" ؛ هَرَبا من عين الرقيب و أذن " لمرابط " الطويلة ؛
و في جو من صخب الجّدعانْ " إطيّر فاغو " فضلا عن " لبتيت "
الذي لا يناسب الحالُ مقامَه أصلا ..!
و عند عتبات المنزل توقفتُ مليا ؛ حين لاحظت وجودَ إخوةٍ لي يكبرونني ؛ فلربما يعتبرون القدوم عليهم في مجلس " أژوان " في هذا الوقت بالذات جُرأة كبيرة و " مُدَصارَه شَيْنَه " تُفسد للود أكثر من قضية ؛ بيد أني تنبهت في الأخير إلى أن الجميع كان غارقا في نوبةِ من الذهول و عدم التركيز ، تحت تأثير " أژاي " الساحر ؛ فقلت في نفسي : و ما الضير في حضور مجلس كهذا ؟ ، و بدأت التسلل خلسة إلى طرفٍ قصيٍّ من المجلس ، و قمت بنفخ " غشَّابَتي " لأوهّم الرائين برجولة مصطنعة ؛ ثم جلست منصتا ...
كان المشهد مهيبا حقا ؛ جماعة قليلة من خيرة الشباب يجلسون على شكل حلقة في بيت له هيبته في النفوس ، و شيخٌ وقورٌ هو لهم كالأب بين أبنائه يتربع كالمتنفل في وسط الحلقة بوجهه المليح ، يجاذب " تيدنيت " كأنها طوع بنانه ، فلا تعصي له أمرا ، و ينشد في صحبتها بصوت عذب ، رقراق ، شجي ، أحسست كأنه ينساب بين ضلوعي ، ثم خلتُ شيئا ما يعتصر في فؤادي ، و شعرت برغبة في النحيب ، فقلت في نفسي : " هذا أثرو هو ادخول آژاي الينگال؟؟"
وقبل أن أعرف الجواب فاجأني صوت أحد الشباب يقطع السكون قائلا:
" أراعليكم گاف هون ...”.
قال الشيخ: " أعملول هاك؟ " (أو عبارة تشبهها) .
فذكر الشاب ما قال إنه "گاف"، لكن الشيخ الوقور تبسم واكتفى بقوله: " أنت يول شيخي أكثر نصرتك من اغناك.." ثم تبعته " گفان " أخرى وألحان وأنغام .... و طال السمر الجميل، ثم عدت بعده إلى البيت لأنام نومة لم أنمها من قبل، و قد بقيت ليلة في ذاكرتي خالدة، كأنها " ليله من لَعْمرْ ما تنعد "؛ حبَّبَت إلى نفسي " الهول الزُّمْني " الهادئ الوقور، و كرَّهتْ إليها تَرْصافْ گيرَه ، و " أشوار التطوار " ، و " هولْ لَكنافرْ " ... فقد طبعت تلك الليلة على ذائقتي بطابع " اتشيبين " إلى الأبد ..
و عند عتبات المنزل توقفتُ مليا ؛ حين لاحظت وجودَ إخوةٍ لي يكبرونني ؛ فلربما يعتبرون القدوم عليهم في مجلس " أژوان " في هذا الوقت بالذات جُرأة كبيرة و " مُدَصارَه شَيْنَه " تُفسد للود أكثر من قضية ؛ بيد أني تنبهت في الأخير إلى أن الجميع كان غارقا في نوبةِ من الذهول و عدم التركيز ، تحت تأثير " أژاي " الساحر ؛ فقلت في نفسي : و ما الضير في حضور مجلس كهذا ؟ ، و بدأت التسلل خلسة إلى طرفٍ قصيٍّ من المجلس ، و قمت بنفخ " غشَّابَتي " لأوهّم الرائين برجولة مصطنعة ؛ ثم جلست منصتا ...
كان المشهد مهيبا حقا ؛ جماعة قليلة من خيرة الشباب يجلسون على شكل حلقة في بيت له هيبته في النفوس ، و شيخٌ وقورٌ هو لهم كالأب بين أبنائه يتربع كالمتنفل في وسط الحلقة بوجهه المليح ، يجاذب " تيدنيت " كأنها طوع بنانه ، فلا تعصي له أمرا ، و ينشد في صحبتها بصوت عذب ، رقراق ، شجي ، أحسست كأنه ينساب بين ضلوعي ، ثم خلتُ شيئا ما يعتصر في فؤادي ، و شعرت برغبة في النحيب ، فقلت في نفسي : " هذا أثرو هو ادخول آژاي الينگال؟؟"
وقبل أن أعرف الجواب فاجأني صوت أحد الشباب يقطع السكون قائلا:
" أراعليكم گاف هون ...”.
قال الشيخ: " أعملول هاك؟ " (أو عبارة تشبهها) .
فذكر الشاب ما قال إنه "گاف"، لكن الشيخ الوقور تبسم واكتفى بقوله: " أنت يول شيخي أكثر نصرتك من اغناك.." ثم تبعته " گفان " أخرى وألحان وأنغام .... و طال السمر الجميل، ثم عدت بعده إلى البيت لأنام نومة لم أنمها من قبل، و قد بقيت ليلة في ذاكرتي خالدة، كأنها " ليله من لَعْمرْ ما تنعد "؛ حبَّبَت إلى نفسي " الهول الزُّمْني " الهادئ الوقور، و كرَّهتْ إليها تَرْصافْ گيرَه ، و " أشوار التطوار " ، و " هولْ لَكنافرْ " ... فقد طبعت تلك الليلة على ذائقتي بطابع " اتشيبين " إلى الأبد ..
ومرت الأيام
والسنين، ولم ألتق ذلك الشيخ المؤثر جدا إلا في انواگشوط في حدود العام 2008م، فوجدته
قد طلق " التيدنيت " بالثلاث، واستغرقته " الصلوات، والتسبيح و السورات "، و قد كان له معهن سابق صحبة و
محبة " و ما الحب إلا طارف و تليد "...
إنه
الشيخ والفنان: ول أبيبو بن حمادي بن ول أبيبو بن حمادي بن أيده خُويَ.. المولد
عام 1935م (تقريبا) في " شكار " بولاية لبراكنه. لأمه ماتسكره منت سيد
احمد البكاي بن اعمر إيكيو .
عاش - رحمه الله - جل حياته في ولاية تگانت ، وقد كان فتًى حاز من خصال الفتوة الكثير ؛ فقد كان برا بوالده الذي عاش معه حتى حدود العام 1983م ، و كان كريما جوادا ، و كان لا يبارى في اللغة و علومها ، ماهرا في رُكوب الْخيلِ والإبلِ ، و راميا من خيرة الرماة . ومن أحسن خصاله الجمة؛ ما ذكره أحد أبنائه في رثائه له بعد رحيله في ال 28 من فبراير عام 2012م؛ حيث يقول فيه:
عاش - رحمه الله - جل حياته في ولاية تگانت ، وقد كان فتًى حاز من خصال الفتوة الكثير ؛ فقد كان برا بوالده الذي عاش معه حتى حدود العام 1983م ، و كان كريما جوادا ، و كان لا يبارى في اللغة و علومها ، ماهرا في رُكوب الْخيلِ والإبلِ ، و راميا من خيرة الرماة . ومن أحسن خصاله الجمة؛ ما ذكره أحد أبنائه في رثائه له بعد رحيله في ال 28 من فبراير عام 2012م؛ حيث يقول فيه:
وَلْ
أَبَّيبُو و الحگ حگ +++ گولانُ ؛ دَهْرًا سَاجدْ
وِللِّ يُعَزَّ فِيـهْ حَگ +++ لمْصَاحفْ وِالْمَسَاجِدْ
وِللِّ يُعَزَّ فِيـهْ حَگ +++ لمْصَاحفْ وِالْمَسَاجِدْ
فهل
ترى على لوم إذا أنا تشبهت بمن تُعزى فيهم المصاحف والمساجد؛ و قد جاءني من الشيب
نذير يسألني الإنابة؟؟!!
رحم
الله ول أبيبو ولد أيده ...
بقلم: عبد الله بن عابدين.
رحمه الله كلام جميل وفي صميم
ردحذف