بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 مايو 2013

سيدي محمد ولد سيداحمد ولد خطارولد سيداحمد البكاي ولد سيدي محمد (بوي) ولد أحمد ولد سيدي الملقب "يامي"



كانت الهمة تسوقنا رويدا ونحن في خريف العام 2012 على طريق الامل يحدونا الامل لنغوص فى العمق الموريتاني من اجل اكتشاف الاعلام والمعالم والتراث والمآثر الشنقيطية - وعلى بعد يقارب 600 كلم شرق العاصمة نواكشوط قمنا بحط الرحال في منطقة "الرقيبة" - وتحديدا بوعش (اچل) في التخوم الشمالية لولاية لعصابة بمحاذاة حدود ولاية تكانت - لنتعرف على أحد أعلام المرابطين - المرابطين في صحراء مترامية الاطراف بين التلال والأشجار ليجد نفسه في بيئة اختارها لتكون مفعمة بالبداوة الصرفة لا تغطيها شبكات الاتصال ولا هوائيات التلفزيون ولا مصادر الطاقة بعيدة كل البعد عن مظاهر التعقيد ممتلئة بدماثة الحياة البريئة البسيطة الهادئة ذات البعد الديني والأخلاقي .

انه الشيخ الجليل سيدي محمد ولد سيداحمد ولد خطارولد سيداحمد البكاي ولد سيدي محمد (بوي) ولد أحمد ولد سيدي الملقب "يامي" الجكني أهلا ومنزلا والكنتي محتدا ونسبا يرجع نسبه الى سيداحمد الفيرم ولد سيداعمر الشيخ ولد الشيخ سيداحمد البكاي الكنتي

ينتمي شيخنا الجليل الى أسرة كنتية عريقة تسمى الرقاقدة التي كان لها الدور البارز قبل أكثر من أربعة قرون في النهضة العلمية في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء والسودان الغربي حيث أناروها بعلمائهم وأوليائهم فكان من ضمنهم سبعة من سلسلة الذهب في سند الطريقة القادرية وتذكر المصادر الموثوقة أنهم يعود لهم السبق في انشاء أول زاوية قادرية في منطقة المغرب العربي وتحديدا ب "توات" ويقال لها الآن زاوية كنته. ولنا أن ننوه بذكر الجهابذة الرقاديين الذين شكلوا حلقة مضيئة في السلسلة القادرية :

1-
الشيخ سيد اعمر الشيخ
2-
الشيخ سيداحمد الفيرم
3-
الشيخ سيد محمد الرقاد
4-
الشيخ سيد احمد ولد سيدي محمد الرقاد
5-
سيدي علي بن سيداحمد ولد سيدي محمد الرقاد
6-
سيداحمد الخليفة ولد سيداعمر ولد سيد احمد ولد سيدي محمد الرقاد
7-
الشيخ سيد الامين بونقاب بن سيداعمر بن سيداحمد وبن سيدي محمد الرقاد

لقد ساعدت المقدرات الطبيعية المتنوعة شيخنا سيدي محمد ولد سيداحمد ولد خطار في تأسيس مدرسة اصلاحية ذائعة الصيت في شبه المنطقة تقوم على تدريس القرآن الكريم وعلومه والفقه المالكي وأصوله والعقيدة الاشعرية اضافة الى التنمية الروحية بالتصوف والورع والزهد والتقشف - ومن خلال الايام القليلة الحافلة التي قضيناها مع الشيخ اتسمت لنا ملامح مدرسته الاصلاحية التي أعد لها منهجا ربانيا تمثل في اقتران القول بالعمل وذلك بالتركيز على النقاط التالية :

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الوصية على الوالدين
التأكيد على حفظ الجوارح
التقيد بالسنة والتحذير من البدع واشاعة الاخلاق الاسلامية
التحذير من الاختلاط بين الرجال والنساء
الحض على تدريس العلوم الشرعية

1-
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها وبه تميزت عن سائر الأمم قال تعالى :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والأخذ على يد السَّفيه حصنٌ حصين من المحن ودرعٌ يقي من الشُّرور والفتن وأمانٌ تحفظ به حرمات المسلمين به تظهر شعائر الدين وتعلو أحكامه ويعز أهل الإيمان ويذل أهل النفاق والطغيان قال الإمام سفيان: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.
أهل الإيمان وُصفوا في القرآن بأنهم( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) بينما وصف أهل النفاق بأنهم (يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
من قام بالمعروف والنهي عن المنكر مكَّنه الله ونصره وأيَّده الله وسدَّده قال سبحانه وتعالي ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور).
إذا فشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تميَّزت السنة من البدعة وعُرف الحلال من الحرام وأدرك الناس الواجب والمسنون والمباح والمكروه ونشأت النَّاشئة على المعروف وألفته وابتعدت عن المنكر واشمأزَّت منه وإن العاقل إذا تأمل في كثيرٍ من المجتمعات التي ضعف فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى جهلاً بالسنن وانتشارا للبدع وإهمالاً للصلوات واتِّباعا للشهوات وأن من سنن الله الماضية أن يسلط عقوبته على المجتمعات التي تهمل هذه الشعيرة قال الله جل وعلا( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)
وإذا أُعلن المنكر في مجتمع ولم يجد من يقف في طريقه فإنه سيقوى ويكثر الخبث وعند ذلك يحلُّ بالأمة العذاب والهلاك ففي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أنها فالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال :(نعم إذا كَثُرَ الخَبَث )ومما أُثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله كان يقال إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصَّة ولكن إذا عُمِل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم.
إن وجود المصلحين في الأمة هو صمَّام الأمان لها وسبب نجاتها من الهلاك العام ولهذا قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ولم يقل صالحون وروى أبو داوود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنَّ الناس إذا رأوُا الظالم فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه) وفي المسند وسنن الترمذي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهَون عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم) إنه تهديد يهزُّ القلوب الحية ويحثُّ على المسارعة إلى إحياء هذه الشعيرة والعمل بها وحمايتها والدفاع عن القائمين بها أنه لو طُوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأُهمل علمه وعمله لتعطَّلت الشريعة واضمحلَّت الديانة وعمَّت الجهالة وفشت الضلالة واستشرى الفساد وهلك العباد وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد .
إن فَشْوَ المنكرات وعدم تغييرها يؤدي إلى سلب نور القلب وانطفاء جذوة الإيمان وموت الغيرة على حرمات الله فتسود الفوضى وتنتشر الجريمة ثم يحيق بالقوم مكرُ الله حتى إن كثرة رؤية المنكرات يقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز وقوة الإنكار لأن المنكرات إذا كَثُرَ على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها ذهبت من القلوب وحشتها فتعتادها النفوس فلا يخطر على البال أنها منكرات ولا يميز الفكر أنها معاصي إن الخوف كل الخوف من تأنيس القلوب بالمنكرات لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أَنِسَت بها النفوس فلم تتأثر عند رؤيتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعلمٍ وحلم ورفقٍ وصبرٍ بالحكمة والموعظة الحسنة بكل وسيلةٍ مباحة متاحة والدال على الخير كفاعله والمسلمون نَصَحَة والمنافقون غَشَشَة ومن يتحرى الخير يُهْدَ إلى طريقه ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يُمَهِّدُون اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا اللهم أَعِزَّ الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر اللهم اكفهم شرَّ الكائدين والحاسدين اللهم أصلحهم ووفقهم وضيِّق على من ضيَّق عليهم وآذاهم يا رب العالمين.


2-
الوصية على الوالدين

وفي باب الوصية على الوالدين والتأكيد على حقوقهما كانت حاضرة لدى الشيخ في كل وقت فلا يفتأ يذكر الحض عليهما وكانت جملة منهجه في ذلك كالتالي :
الوالدان هنا هما الزوجان بعد أن مَنَّ الله عليهما بالْوَلَدِ، وصار لهما أبناء وذُرِّيَّة، كَدَّا مِنْ أَجْلِهم، وسَهِرَا على راحتهم، وأعطياهم من الحقوق ووفَّرَا لهم من سبل الحياة ..
وكَنَوْعٍ من ردِّ الجميل، والاعتراف بحُسْنِ الصنيع، ومجازاة الإحسان بالإحسان، أَقَرَّ الإسلام جملة من الحقوق للآباء على الأبناء، وخاصَّة في حال كِبَرِهما وضَعْفِهما؛ حيث خَصَّهُما الله بالإحسان والعطف عليهما والبِرِّ بهما؛ تمامًا كما كانا يفعلان بأبنائهما في صغرهم.
فكان من أهمِّ هذه الحقوق؛ حقُّ الْبِرِّ والطاعة والإحسان، وليس هناك أعظم إحسانًا، وأكبر تَفَضُّلاً بعد الله من الوالدين؛ ولذلك قَرَنَ سبحانه الإحسان إليهما وحُسْن الرِّعَايَةِ بهما بعبادته والإخلاص له، فقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَـهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
فجاء الأمر بالإحسان إليهما والنهي عن عقوقهما ولو بجرح مشاعرهما بكلمة "أُفٍّ"كعلامة على الضجر منهما، كما أن الله سبحانه لم يمدح الذُّلَّ ولم يَقْبَلْ من عباده أن يقع منهم على بعض إلاَّ في مقام الوالدين؛ فقال تعالى كما جاء في الآية الأخيرة وَاخْفِضْ لَـهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.
على أن أعظم البِرِّ يكون في حال بلوغ الوالدين الكِبَرَ أحدهما أو كلاهما، وهو حال الضعف البدني والعقلي، الذي ربما يُؤَدِّي إلى العجز؛ فأمر الله بأن نَقُولَ لهما قولاً كريمًا، ونخاطبهما مخاطبة لَيِّنَة؛ رحمة بهما، وإحسانًا إليهما، مع الدعاء لهما بالرحمة كما رحمانا في الصِّغَرِ وقت الضعف، ثم الإكثار من إسماعهما عبارات الشكر، الذي قرنه الله بشكره سبحانه؛ حيث قال ] وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْـمَصِيرُ
وبِرُّ الوالدين من أعظم أبواب الخير، وقد جاء ذلك في الحديث الذي سأل فيه عبد الله بن مسعود النبي قائلاً: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أَقْبَلَ رجلٌ إلى نبيِّ الله ، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟" قال: نعم، بل كلاهما. قال: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللهِ؟" قال: نعم. قال: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا". وفي رواية قال: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
ومن أعظم ما شرعه الإسلام من حقوق للآباء على الأبناء، ما جاء في حديث جابر بن عبد الله والذي فيه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي مالاً وولدًا، وإنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ".
قال أبو حاتم بن حبان: "معناه أنه زجر عن معاملته أباه بما يُعَامِلُ به الأجنبيين، وأمر ببِرِّهِ والرفق به في القول والفعل معًا إلى أن يصل إليه ماله، فقال له: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ". لا أن مال الابن يملكه الأبُ في حياته من غير طيب نفس من الابن به"
والأحاديث والآثار في البِرِّ بالوالدين والإحسان إليهما والتحذير من عقوقهما أكثر من أن تُحْصَى، وهي تُعَبِّرُ عَمَّا بَلَغَتْهُ الشريعة الإسلامية الغَرَّاء في حفظ القيم الأصيلة في المجتمع من أن تُنْتَهَكَ أو تتهاوى
أما في ما يتعلق بعلاقة الرجل بوالديه وزوجته استشهد الشيخ بالأبيات التالية:

فلا تـُطِع زَوجَـــة في قـَطع ِ والـــِدَة ٍ ***** عليك َ يا ابن َ أخـِـي قـَد أفنـَت ِ العـُمُـرَا
فـَكيف َ تـُنكِرُ اُمـّا ً ثـُقلـُلك َ احتـَمَلت ***** وقد تمر ّغت في أحشـَـائِهـَا شــُهـُــــــرَا

وعَالجَت بك َ أوجَاع النـّفاس ِ وكـَـــم ***** سـُـرّت لمـّا وَلـَدَت مَولـُودَهـَـا ذكـَــــرَا
وأرضـَعتك َ إلى حـَولـــين ِ مُكمَلـَــة ً ***** في حَـــجرِهـَا تـَستـَقي من ثـَديـِهَا الدّرَرَا

فلا تـُطِع زَوجَـــة في قـَطع ِ والـــِدَة ٍ ***** عليك َ يا ابـن َ أخـِي قـَد أفنـَت ِ العـُمُـرَا
فـَكيف َ تـُنكِرُ اُمـّا ً ثـُقلـُلك َ احتـَمَلت ***** وقد تمر ّغت في أحشـَـائِهـَا شــُهـُــــــرَا

وقـُل هـُوَ الله بالآلاف ِ تـَقرَؤهـَــــــا ***** خَوفاً عَليك َ وتـُرخِي دُونـَك َ ا لســّـُـتـُرَا
وعَاملتك َ بإحسَــــــان ٍ وتربـِيــــــة ٍ ***** حَتى استويت َوحَتىّ صِرت َ كيـف َتـَرَى

فلا تـُطِع زَوجَـــة في قـَطع ِ والـــِدَة ٍ ***** عليك َ يا ابن َ أخـِي قـَد أفنـَت ِ العـُمُـرَا
فـَكيف َ تـُنكِرُ اُمـّا ً ثـُقلـُلك َ احتـَمَلت ***** وقد تمر ّغت في أحشـَـائِهـَا شــُهـُــــــرَا

فلا تــُفَضــّل عَليها زوجَة ً أبـــــــَدا ً ***** ولا تـَدع قـَلبَهَــا بالقـَهـــر ِ مُـنـكـَسـِــــرَا
والوالِدُ الأصل ُ لا تـُنكـِر لتـَربيــــة ٍ ***** واحفظه ُ لا سـِيّما إن أدرَك َ الكـِبـَــــــرَا
فـَما تـُؤدّي لـَه ُ حَقاً عَلـــيك َ وَلـــَو ***** عَلـَى عُيونِك َ حـَـج ّ البـــَيـت َ وَاعتـَمَـــرَا

3-
التأكيد على حفظ الجوارح

تجني على الإنســـــــان سبـــــع جـــوارح ***** فيا ليــــت لم يخــلــق ولا هــو يولـــد
لسان ورجـــــل ثم ســـــمع ونــــاظـــــــــر ***** وبطن وفــــرج ثم ســابــعها الـــيــــد
تحفظ علـــــيها من جـــــناية إثمـــــــــــــها ***** تعـــيش بعـــون الله حــيا وتســعـــــــد

اعلم أن الدين شطران : أحدهما ترك المناهي والآخر فعل الطاعات.وترك المناهي هو الأشد فإن الطاعات يقدر عليها كل أحد وترك الشهوات لا يقدر عليها إلا الصديقون لذلك قيل (المهاجر من هجر السوء والمجاهد من جاهد هواه) واعلم أنك إنما تعصي الله بجوارحك وإنما هي نعمة من الله عليك وأمانة لديك فاستعانتك بنعمة الله على معصية غاية الكفران وخيانتك في أمانة أودعها الله غاية الطغيان فأعضاؤك رعاياك فانظر كيف ترعاها ف(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) واعلم أن جميع أعضائك ستشهد عليك يوم القيامة بلسان طلق قال تعالى:(يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) فاحفظ جميع بدنك من المعاصي خصوصا أعضاءك السبعة فإن جهنم (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم)ولا يتعين لتلك الأبواب إلا من عصى الله بهذه الأعضاء السبعة وهي : العين الأذن اللسان البطن الفرج اليد الرجل.
العين:
فإنما خلقت لك لتهتدي بها في الظلمات وتستعين بها في الحاجات وتنظر بها إلى عجائب ملكوت الأرض والسماوات وتعتبر بما فيها من الآيات فاحفظها من أن تنظر بها إلى غير محرم أو إلى صورة بشهوة نفس أو تنظر بها إلى مسلم بعين الاحتقار أو تطلع بها على عيب مسلم.
الأذن:
فاحفظها عن أن تصغي بها إلى البدعة أو الغيبة أو الفحش أو الخوض في الباطل أو ذكر مساوئ الناس فإنما خلقت لك لتسمع بها كلام الله تعالى وسنة رسول الله r وحكمة أوليائه وتتوصل باستفادة العلم بها إلى النعيم الدائم في جوار رب العالمين فإذا أصغيت بها إلى شيء من المكاره صار ما كان لك عليك وانقلب ما كان سبب فوزك سبب هلاكك فهذه غاية الخسران ولا تظنن أن الاثم يختص به القائل دون المستمع ففي الخبر أن المستمع شريك القائل وهوأحد المغتابين.
اللسان:
فإنما خلق لك لتكثر به ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وترشد به خلق الله تعالى إلى طريقه وتظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك فإذا استعملته في غير ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي الخبر: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها أصحابه فيهوي بها في قعر جهنم سبعين خريفا) فاحفظ لسانك من ثمانية:الكذب- الخلف في الوعد- الغيبة- المراء والجدال ومناقشة الناس في الكلام- تزكية النفس- اللعن- سب الخلق- المزاح والسخرية والاستهزاء بالناس.
البطن:
فاحفظه من تناول الحرام والشبهة واحرص على طلب الحلال فإذا وجدته فاحرص على أن تقتصر منه على ما دون الشبع فإن الشبع يقسي القلب ويفسد الذهن ويبطل الحفظ ويثقل الأعضاء عن العبادة والعلم ويقوي الشهوات وينصر جنود الشيطان والشبع من الحلال مبدأ كل شر فكيف من الحرام.
الفرج:
فاحفظه عن كل ما حرم الله تعالى وكن كما قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) ولا تصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكر وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها.
اليدان:
فاحفظهما عن أن تضرب بهما مسلما أو تتناول بهما مالا حراما أو تؤذي به أحدا من الخلق أو تخون بهما في أمانة أو وديعة أو تكتب به ما لا يجوز النطق به فإن القلم أحد اللسانين فاحفظ القلم عما يجب حفظ اللسان عنه.


الرجلان:
فاحفظهما عن أن تمشي بهما إلى حرام وعلى الجملة: فحركاتك وسكناتك بأعضائك نعمة من نعم الله تعالى عليك فلا تحرك شيئا منها في معصية الله تعالى أصلا واستعملها في طاعة الله تعالى واعلم إنك إن قصرت فعليك يرجع وباله وإن شمرت فإليك يعود ثمرته والله غني عنك وعن عملك.

4-
التقيد بالسنة والتحذير من البدع واشاعة الاخلاق الاسلامية

ان اتبتع السنة والتقي دبها عصمة للمسلم في دينه ودنياه ومن ذلك التخلَّق بأخلاق النبيّ صلى الله عليه وسلم والتأدَّب بآدابه، فلا خيرَ إلا دلّ عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرَ منه، وممَّا دلَّ عليه ورغَّب فيه السواك. ففي حديثٍ عن عائشة - رضِي الله عنها - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (السِّواك مَطهرةٌ للفم مَرضاةٌ للربِّ) وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم: (لولا أنْ أشقَّ على أُمَّتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسِّواك مع كلِّ صلاة) فنبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - طبيب الأرواح والأجسام، وخاتم النبيين، لم يُبقِ خيرًا إلا دلَّ أمَّته عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، كما بيَّن خصال الفطرة وحثَّ عليها؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (الفطرة خمسٌ - أو خمس من الفطرة -: الختان والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب).
ولا شكَّ أنَّ ترك هذه الأشياء تنفر منه الطِّباع وتشمئزُّ منه النفوس، وما أكثر ما تتجمَّع فيها الأوساخ، وتتولَّد فيها الميكروبات، وتركها تشبُّه بالكفار في طبائعهم وعاداتهم، وقد نُهِينا عن التشبُّه بهم.
ومن المأسوف له أنَّ الكثير من شبابنا ونسائنا أصبح يُحاكِي ويُقلِّد الكفار في عاداتهم وطَبائعهم وأعمالهم، ويرتَكِب ما نهى عنه نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه.
من ذلك أنَّ الكثير من الرجال وخُصوصًا شَبابنا - هَداه الله - يجني على لحيته بالحلق ويُربِّي شاربه، ويقول البعض ممَّن فسد طبعه: إنَّ اللحية تجمع الميكروبات، وهو في تلك الحال قد ربى شاربه، وغفل أو تغافل أنَّ الشارب هو مجمع الأوساخ والميكروبات ما ينزل من أنفه من مخاط، وما يتصاعَد من الأرض من غبار وأقذار، ومع هذا يغمس شاربه المربَّى والملوَّث بالأقذار في الشراب؛ ويستحسن هذا لأنَّ الشيطان زيَّنه له لمخالفته للسنَّة، وهدي طبيب الأمَّة، ويُكابِر بأنَّ اللحية التي جمَّل الله بها الرجال تجمع الميكروبات، فأين اللحية من مدخل الطعام والشراب؟ وكيف غفل عن موضع الشارب وانغماسه في الشراب وتلوُّثه وتلوُّث الطعام به عند الأكل ما دام قد انحدر على الفم وسدَّ جزءًا منه؟ لا شكَّ أنَّ الطباع إذا فسدت رأت المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنَّة بدعةً والبدعة سنّةً.
فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللِّحَى)
ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثٍ آخَر: (عشرٌ من الفطرة: قصُّ الشارب وإعفاء اللحية....)
كما أنَّ الكثير من الشباب والنساء أصبحوا يتفاخَرُون في إطالة الأظفار، وتقليمها من الفطرة، فإطالتها تشويهٌ وإيذاء حتى للجسم، فهي كالحراب تؤلم ما لامسَتْه، وتجرح الجلد واللحم، ومع هذا فهي تحمل الأوساخ والأقذار والجراثيم، وقد غفَل صاحبها أو تغافَل أنَّه يأكُل بها الطعام، فكأنها ملاعق من كبرها، كلُّ ذلك مخالفةٌ لهدي رسول الله، وتحسينٌ لعادات أعداء الدين وطاعةٌ للشيطان، كما أنَّ الكثير من النساء اعتَدنَ مع إطالة الأظفار طليها بأصباغٍ وموادَّ تمنع الماء من الوصول إليها، وفي هذا خطرٌ عظيم من الإخلال بالوضوء، مع ما فيه من مُشابَهة لنساء الكفَّار وتشويه وأقذار.
أفمَن زُيِّن له سُوءُ عمله فرآه حسنًا! إنَّ مصيبة التقليد والتشبه قد عمَّت وطمَّت، واستحسان الشرور قد أعمى الأبصار وأصمَّ الآذان، واحتقار صغائر الذنوب قد جرَّ إلى الكبائر حتى تراكَمت الذنوب على القلوب، وقلَّ إحساسُها واتِّعاظها، فلا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم!
لقد عظُمت المصيبة وتساهَل المصاب، وقلَّ الإنكار وحصَلت المداهنة، واستبعَد الكثير العقوبة، والله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
فانتَبِهوا يا عباد الله، واحذَرُوا عِقابَ الله، وتناصَحوا فيما بينكم، وخُذوا على أيدي سُفَهائكم قبل أنْ يحلَّ بكم ما حلَّ بغيركم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله العظيم: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
واعلَمُوا - رحمكم الله - أنَّ ممَّا ابتُلِي به الكثيرُ من الناس حبَّ التقليد الأعمى وأخْذ ما جاء عن الأعداء دون تمحيص وتمييز، بل ما جاء عنهم أخذ على علَّاته، واعتبره الكثير تقدمًا ورقيًّا على ما فيه من شرور وأضرار، وإنْ كان مخالفًا لتعاليم دِيننا الحنيف وهدي سيِّد البشر؛ وما ذاك إلا للإحساس بالنَّقص والضَّعف وعدم التفكير والاستنتاج.
فدِينُنا كاملٌ لا نقص فيه، وصالحٌ لكلِّ زمان ومكان، وللدنيا والدين، فلا حاجةَ بنا إلى التقليد، فعلينا جميعًا أنْ نعمل بصِدقٍ وإخلاص على ضوء ما جاء من ربِّنا على لسان نبينا؛ ففي ذلك سعادتنا في الدنيا والآخِرة، ويَكفِي أنْ نعرف ما عليه الأعداء من شُرورٍ وتناحُر وسفك دماء ونهب وسلب، وانتهاك أعراض وخوف ورعب وسَآمة للحياة؛ ففي ذلك موعظةٌ لمن يتَّعظ.

5-
التحذير من الاختلاط بين الرجال والنساء

فمن واجب النصح والتذكير التنبيه على أمر لا ينبغي السكوت عنه، بل يجب الحذر منه والإبتعاد عنه وهو الإختلاط الحاصل بين بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم، لا يرون بذلك بأساً وأن نياتهم طيبة، فتجد المرأة مثلاً تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة.ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، قال الله سبحانه وتعالى: (وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليضَرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )وقال تعالى :(وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ ). وقال تعالى( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غفورا رحيما )
والجلباب: هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة، قالت أم سلمة رضي الله عنها: ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سوداء يلبسنها).
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها، وأنَّ كشفه لغير المحارم حرام. ومن أدلة السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم( لتلبسها أختها من جلبابها )رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب. فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب.
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس )، وقالت: ( لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل، وأعلاها أخلاقاً وآداباً، وأكملها إيماناً، وأصلحها عملاً، فهم القدوة الصالحة لغيرهم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزنا كشفناه )رواه أحمد وابو داود وابن ماجة ففي قولها فإذا حاذونا تعني: ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفاً.
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة: منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من أكبر دواعي الشر والفساد، ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها. فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب، ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال، وكذا الإختلاط بغير المحارم من غير تستر، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها. ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى

 وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ )، فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها، بل يجب عليها ستره، كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الإختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله: (وَقُل لِلمُؤمِناتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبدِينَّ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَانِهِنَّ أَو بَنيِ إخوَانِهِنَّ أَو بنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الإِربَةِ مِنَ الرِجَالِ أَوِ الطِّفلِ الَّذينَ لَم يَظهَرُواْ عَلَى عَورَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينّ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُهَ المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )
أما أخ الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم، وليس لهم النظر إلى وجه المرأة، ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم؛ لما في ذلك من افتتانهم بها، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( إياكم والدخول على النساء )، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال( الحمو الموت )متفق عليه ، والمراد بالحمو: أخ الزوج وعمه ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة، ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها، وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقاً بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بيَّنهم في الآية السابقة، وليس أخ الزوج ولا عمه ونحوهم منهم، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)، والمراد بذي المحرم: من يحرم عليه نكاحها على التأبيد لنسب أو مصاهرة أو رضاع، كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم.
وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا؛ يرخي لهم الشيطان عنان الغواية، ويمشي بينهم بالفساد، ويوسوس لهم، ويزين لهم المعصية. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما)رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك، بحجة أن ذلك عادة أهلهم، أو أهل بلدهم، فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة، وأن يتعاونوا في القضاء عليها، والتخلص من شرها؛ محافظة على الأعراض، وتعاوناً على البر والتقوى، وتنفيذاً لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها، وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه، ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم، ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس، فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف عقابه، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه. ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها.


6-
الحض على تدريس العلوم الشرعية

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما، فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم ) لكن ثمت خطوات أساسية على طالب العلم أن يتبعها من أجل حصوله على مبتغاه:

1-
إخلاص القصد فيكون تعلمك للعلم لوجه الله تعالى فتدعو إلى دينه على بصيرة وترفع الجهل عن نفسك وغيرك واحذر كل الحذر أن تقصد بتعلمك الشهرة بين الناس أنك عالم أو مفت أو التصدر في جميع المجالات بحجة أنك إمام أو مرب أو تجعله وسيلة لنيل الرئاسة أو الشرف

2-
الهمة العالية فتحرص على القراءة والفهم والحفظ كلما استطعت، وتبذل مالك ونفسك في سبيل العلم، ولا تتردّد في التضحية بأوقاتك، واقرأ في سير العلماء، واعرف كيف كانت همتهم، ولا ترضى بالدون

3-
العزيمة الجادة، فيكون هو شغلك الشاغل، والعلم لن تناله براحة الجسم، وعليك بالمثابرة والجدية والاستمرار،واطرد عنك اليأس، واعلم أنك إذا أعطيت العلم كلك أعطاك بعضه، وإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

4-
اتخاذ الصديق المعين على طلب العلم، وتأنس إليه ويأنس إليك، ويكون ذا همة عالية يشجع أحدكم الآخر، ويعين أحدكم الآخر على متابعة القراءة والبحث والحفظ وحضور الحلقات العلمية.

5-
عليك أن تتحلى بالأخلاق الحسنة من القناعة والمروءة وطلاقة الوجه وتحمّل الناس، وأن تحافظ على شعائر الإسلام، وأن تُظهر السنة وتنشرها بالعمل بها والدعوة إليها، ويكون لك سمت حسن من الوقار والتواضع، قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم".

6-
احرص على أن تتلقّى كل علم من أهله، فإن لم تجد فاظفر بعالم من الأكابر تتلقى عليه سائر العلوم، فإن لم تجد فعالم في فنٍّ أو أكثر، وليكن من الأكابر دون الأصاغر، والأكابر هم العلماء الذين أفنوا جل عمرهم في العلم، فتمرسوا بمسائله، وعركتهم التجارب، ولو كانت أعمارهم صغيرة، والأصاغر هم المبتدئون في العلم، وغالباً لم يختمر علمهم، ولم تكتمل تجربتهم، ولم تنضج عقولهم، يغلب عليهم الاستعجال والتسرع في الأحكام، والشطط في الفهم، ولو كانت أعمارهم كبيرة.واعلم أنه أحياناً ينبغ الصغير، فينافس الشيوخ الكبار، ويكاد يفوقهم، مثل: الشافعي، شاب صغير أُذِنَ له في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة أو عشرين سنة، وجلس عليه الأكابر يتلقون العلم، وابن تيمية جلس للتدريس وبين يديه الآلاف ومعهم دفاترهم ومحابرهم، وهو ابن عشرين سنة، وفي عصرنا هذا قريب من هذا، ليس لأحد أن ينكره، ولا ينكر هذا إلا حاسد أو جاهل .
7-
اختر من الأكابر أكثرهم علماً، وأحسنهم ورعاً، وأجملهم خلقاً، وأطولهم نَفَساً، وخذ منه العلم مع الأدب، فالأدب بلا علم لا يصلح، والعلم بلا أدب يجني عليك ويهلكك، فتحتاج إلى من يعلمك، ويؤدبك في نفس الوقت، ويربّي قلبك وعقلك.
8-
اهتم دائماً بالأمور العملية الواضحة، ولا تُضيّع وقتك في مدارسة الأمور النظرية الجدلية، ولا طائل من ورائها، واترك السؤال والاشتغال بمسائل لم تقع ولن تقع.
9-
اعمل بعلمك، لا يكن همك إلا الحفظ والجمع، قال فلان،ونقل فلان، واعترض فلان، هذا منكر، هذا ليس لكل أحد، كل ما عرفتَ سُنّة، أو حفظتَ ذِكراً، أو تعلمتَ مسألة اعمل بها، فهذا يعينك على تثبيت العلم، بل وسبيل إلى أن تعلم ما لم تعلم، وعدم عملك بعلمك سبب لمحق بركة العلم وضياعه، واستكثار منك لحجج الله عليك.
10-
عليك بالدعاء، فهو سلوتك، ويحصل به كل خير لك، وصحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه كان يدعو بـ"اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً"، "اللهم إني أسألك علماً نافعاً"، "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" ودعا لابن عباس فيما صحَّ عنه "اللهم فقّهه في الدين" فادع أنت "اللهم فقهني في ديني وعلمني التأويل"
11-
احرص على سلم التعلم، وعلى أن تتدرج في ذلك السلم، فتبدأ بتلقي الأوليات في كل علم، تبدأ صحيحاً، فتضبط صحيحاً، وتكون عالماً صحيحاً.
12-
تصحيح الايمان والعمل اعلم أنّ غاية كل متعلم – وأنت أولهم – أن يُصحِّح إيمانه ويصحح عمله، بل هو أول ما يجب تعلمه، فقه الإيمان وفقه الأحكام، وهي علوم الغاية..
13-
أنت مبتدئ، وليس أمامك إلا التقليد، والمفترض أن يكون شيخك فقيهاً مربياً بصيراً، ينظر المصلحة لطلابه، ويهتم بهم كأنهم أولاده وقرة عينه، فيعرض المسائل المهمة بأدلتها، ووجه رجحانها، ويتعود الطلاب حينها على معرفة الأدلة، ويترقون سلم التعلم شيئاً فشيئاً، فيتعلمون القول الآخر في المسألة، وحينها يمكن مخالفة المذهب عن بصيرة وفقه، وتعلم أنّ المذهب فيه ضعيف أو مرجوح
14-
إذا أردت أن تبتدئ في التفقه، فعليك أن تختار من كل علم كتاباً ثم تتقنه، ثم كتاباً آخر فتتقنه، وهكذا، هذا سُلّم لا بد أن تحافظ عليه، لا تقفز على جدران العلم، وأتِ العلم من بابه، وإلا فيخاف عليك إن خالفتَ السلم أن تقع في البدع، بسبب الشطط في الفهم، فإذا أحكمتَ هذا التأسيس العلمي عندئذ تصل إلى علوم الاجتهاد، وهناك تبدأ مرحلة جديدة في دراسة علوم الاجتهاد، وليس هذا موضعها، ولا أظنك في تلك المرحلة سوف تسأل عن المهمات والخطوات فقد تجاوزتها.
15-
أسأل الله _تبارك وتعالى _ أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يزودك علماً وهدىً وتوفيقاً وصلاحاً، وأن يعيذك من شر نفسك وسيئات أعمالك.

لقد لمسنا بحق في شيخنا الجليل شخصية الامام العادل والداعية المخلص والاب الحنون ومجاهد النفس الصامد نرجوا الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ذخرا له في آخرته وأن لا يجعل هذا آخر لقائنا به . (منقول من صفحة مجمع الشيخ سيد المختار الكنتى).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تضمين الرسالة أدناه

وصلى الله على الهادى الأمين