الطريق إلى " گصر البركه "
توجد مدينة "گصر البركة" أقصى شمال وادي تامورت انعاج الذي يتبع إداريا لمقاطعة المجرية بولاية تكانت ، و قد شهدت المنطقة كلها في العقود الماضية جفافا و تصحرا، وقد زاد من معاناتها العزلة الخانقة التي عاشتها قبل إنشاء الطريق الذي أصبح يربطها بـ "طريق الأمل " و هو الطريق الذي أعاد الأمل برجوع الساكنة إليها بعدما شهدته من هجرات متتالية و ساهم في استقطاب السياح الأجانب من جديد .
هذا الطريق يوصلك و أنت الوافد من انواكشوط عبر "طريق الأمل " انطلاقا من المقطع " صنكرافه ـــ المجرية " و عند الوصول إلى المجرية ذات الموقع الجميل بين الكثبان الرملية غربا و في أعضان الجبل شرقا حيث يتعين عليك للوصول إلى كصر البركة الصعود معه عبر ممر "أشتف" الوعر و الساحر في آن ؛ فقد يتملكك الخوف قبل أن ينسيك جمال المنظر الآسر و أنت تطل من علياء على "المجرية" في السفح أسفل منك و كأنها قطعة شطرنج على أديم ذهبي من رمال تراها مد البصر و قد طرزتها الشجيرات بما تخاله وشما على أديمها يأسر الألباب . و قد تكون لك في المكان وقفة ــ و أنت الباحث عن الآثار ــ فثمة علي القرب من المجرية مواقع أثرية هامة مثل خزان "كانكارا" للحبوب الذي يرجع تاريخه إلى أبعد من 2000 سنة .
بعد الصعود عبر ممر أشتف على الطريق الاسفلتي الوحيد و على بعد أقل من20 كلم شرقا حين تنبسط الأرض و تتنوع التضاريس من هضاب و سهول و كثبان هناك ستجد نفسك في الحضن الدافئ لأشجار " آمور " مصدر اسم وادي " التامورت" بلغة سكانها الأوائل ، حينها تأكد أنك على مشارف البساتين المحيطة بقرية "أنبيكة" على الضفة الأخرى للوادي الذي تغمره مياه الأمطار في الخريف و ربما أوصلها المد أطراف القرية مبشرة بحلول موسم الحرث حين تتراجع هذه المياه فيتتبع السكان جزرها بزراعة الفصوليا و الذرة و القمح و أنواع الزراعة الموسمية لتأتي أكلها في بواكير الشتاء و قد لا تجد لها كبير أثر بحلول الشهر الثاني من كل عام .
يحتضن الوادي ثلاثة أحواض كبيرة ؛ ففي الجنوب الشرقي يوجد حوض "مطماطا" الآهل بمختلف الحيوانات و الأحياء البحرية كالتماسيح و غيرها ، و إلى الغرب من مطماطا في الركن الجنوبي الغربي يوجد حوض " بُراگَّهْ" الذي يحتضن مياه الأمطار طوال فصول السنة كلها و هو مرتع خصب توجد به أسماك المياه العذبة و حيوانات بحرية أخرى ساهمت في وجودها شلالات المياه في بساتين و حدائق الحسينية القريبة منه .
و إلى الشمال من قرية أنبيكة واسطة عقد الوادي يوجد حوض آخر يعتبر الخزان العام الذي تتجمع فيه كل المياه التي تمر عبر الوادي و روافده إنه حوض "گَبُّو" و هو أكبر حوض للمياه في المنطقة كلها .
و غير بعيد من "گبو" يتعين عليك تتبع المسالك الوعرة في طريق غير معبدة إلى الشرق على بعد كيلومترات قليلة لتحظى بشرف زيارة مدينة " گصر البَرْكَه " ، و هي مدينة تاريخية يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الـ17م على يدي مؤسسها العالم الرباني الطالب سيد امحمد بن باجد رحمه الله ، و قد اختفت هذه المدينة بالكامل و لم يبق منها سوى أطلال مسجدها و جدران بعض المنازل . و تسعى الوزارة الوصية إلى اعتمادها تراثا وطبيا .
تقع المدينة في شمال وادي " تامورت أنعاج " شرق بحيرة "گبو" ، إلى الغرب من قرية " أقوديت" التاريخية ، و عند التقاء مصبي " الواد لَبْيَظْ" و "وَادْ لَمْرَيْفَگْ" على بعد ما يقارب الـ 60 كلم من قرية " أنبيكه " شمالا . "و قد روعي في اختيار هذا الموقع للمدينة جماله و كثرة البحيرات من حوله و الروافد التي تضمن انتعاشها على المستويين الزراعي و الرعوي و التوسط بين "شنقيط" شمالا و بلاد النهر الصنهاجي " الواو" في الجنوب الغربي و "تمبكتو " شرقا و " باغْنَه" جنوبا "
و قد شهدت إبان إنشائها ازدهارا عظيما استمر ردحا من الزمن ، تضافرت بعده عوامل خارجية و داخلية لتضع حدا لذالك الإزدهار و تفرغ المدينة من ساكنتها ، مثل الجفاف و التصحر ، و اشتداد وطأة الصراع القبلي ، و ساهم في ذالك انتشار الواحات في مناطق قريبة . و قد فشلت محاولة جادة لإعادة إعمارها تمت على يدي أحد أعيان المنطقة بالتعاون مع المستعمر الفرنسي الذي كاد أن يتخذ المدينة مركزا لوجوده في المنطقة ثم عدل عن قراره لأسباب استراتيجية ..
و يبقى جمال موقع المدينة و سحر الطبيعة من حولها يبعثان على استجلاء روائعها الأثرية التي لا تزال شامخة في صمت حدادا على ماض تولى شهدته حصونها و قلاعها و مساجدها و شهدت عليه قوافلها و يومياتها الملحمية.
من صفحة عبد الله بن عابدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تضمين الرسالة أدناه