ولد القطب الجليل ، و العالم الرباني الشيخ سيد باب احمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي عام 1762م ، في إقليم " أزواد " شمال جمهورية مالي ، و عاش و تربى في كنف أبويه ؛ الشيخ الكبير الشيخ سيد المختار الكنتي ، و الشيخة الجليلة لال عيشه بنت لَژْرَگْ التي كانت أول امرأة في التاريخ الإسلامي تحمل هذا اللقب (الشيخة ) .!
و قد تلقى تعليمه بالكامل في حضرة والده (الحضرة المختارية) التي كانت تعد يومئذ أكبر جامعة إسلامية على الإطلاق ، فكانت تضرب إليها أكباد الإبل من شتى أصقاع المعمورة ، فنهل من معين تلك المدرسة ما جعله أهلا لما وصفه به صاحب كتاب " منح الرب الغفور " ؛ حيث يقول فيه :
" كان رحمه الله من أولياء الله المشهورين ، و عباد الله الصالحين ، كان وليا ، عارفا ، تقيا ، عابدا ، فقيها ، شاعرا ، وكان كريما سخيا ، و كان ذا جد و اجتهاد و لزوم أذكار ، ساعيا في مصالح المسلمين ، وفي إصلاح ذات البين ، و كان نقيا ، متواضعا ، فاضلا ، مهذبا ، عاقلا ، أديبا ، لبيبا ، وقورا ، حسن السيرة ، حسن الهيئة ، معظما عند العامة و الخاصة ، محبوبا عند العلماء و الصلحاء ، حسن الخلق و الخُلق ، لا يطوي بِشْرَه عن أحد ، و في الحديث أن أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق ، وكان يتصدق بجميع ما يملك ، وقد أتاه أخوه يوما فخرج له من خيمته و أهداها له بجميع ما فيها و ما عليها من الإبل و الغنم ، و بقي لا يملك شيئا ، و هذا هو السخاء الذي لم يُسمع بمثله ، فرحمة الله عليه ، آملين " .
كان الشيخ سيد باب أحمد يتميز بالصلابة ، و قوة الشخصية ، و الحنكة السياسية ، وهي صفات من بين أخرى أهَّلته لاختيار والده له ، ليكون خليفة له في حياته قبل مماته ؛ فأرسله سفيرا كاملَ السلطة و فوق العادة إلى " أرض الگبله " (موريتانيا) ليكون ممثلا له قريبا من الإمارات و القبائل التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع الزاوية المختارية ؛ يستلم منهم الهدايا و المؤن المقدمة إلى الزاوية ، و يقدم إليهم باسمها الأوراد و التوجيهات عن قرب ، وهي فكرة رائدة ، و سنة حسنة سنها الشيخ الكبير ، و أسهمت أيما إسهام في نشر الطريقة القادرية المختارية ، وسلك نهجها من بعده أقطاب طرق صوفية أخرى ؛ فوزعوا أبناءهم في أصقاع الأرض لنشر طرقهم الصوفية .!
و بوصول الشيخ سيد باب احمد إلى الحوض بموريتانيا ؛ اتسعت دائرة الإشعاع العلمي و النفوذ السياسي للحضرة المختارية ، حيث أقام على الفور علاقات و اسعة و قوية مع الإمارات و القبائل ذات الشوكة في المنطقة ، كإمارة أولاد امبارك في الحوضين ، و إمارة إدوعيش في لعصابه و تگانت ، و كذا مع قبائل قوية أخرى كقبيلة أولاد الناصر وغيرها . وهي علاقات مكنته من لعب أدوار هامة في العديد من أحداث المنطقة الفاصلة ، كدوره المشهود في تأسيس مدينة " النعمه " في الحوض الشرقي ، و إسكان الشرفاء فيها ؛ بعد المحنة التي أصابت الولاتيين ، و تدخلت فيها الحضرة المختارية بواسطته هو (الشيخ سيد باب أحمد ) لتضع حدا لها ، كعادتها مع جميع أزمات المنطقة ...
و قد شكل قدوم الشيخ سيد باب أحمد إلى الحوض أول عودة تذكر لكنتة الشرقيين إلى موريتانيا بعد هجرتهم أيام حرب " تينيگي " ، كما شكل - بصورة أخص - النواة الأولى لوجود آل الشيخ سيد المختار في المنطقة ، على الرغم من قدوم أخيه الأصغر الشيخ سيد أحمد البكاي إليها قبله ، حيث توفي بها ، و دفن في منطقة " الفوز "قرب قرية " لگران " التابعة لمقاطعة " كيفه " عاصمة ولاية لعصابه ، إلا أن وجوده هذا كان عابرا ، و لم يكن بدافع الاستقرار ممثلا للزاوية المختارية .
عاش الشيخ سيد باب أحمد ثمانية و سبعين سنة (78) حافلة بالعطاء العلمي و السياسي ، تنقل خلالها ما بين " أزواد " و الحوض ، ثم استقر به المقام أخيرا في الحوض حتى وافاه الأجل المحتوم به عام 1840م ، و دفن في منطقة " مُفْتاحَهْ " إلى الشرق من مدينة " النعمه " الموريتانية ، على بعد 40 كلم ، و قبره هناك مشهور يُزار .
و الواضح أن الشيخ سيد باب أحمد - رغم علمه الجَمِّ - لم يكن لديه اهتمام بالتأليف ، حاله كحال العديد من إخوته الذين كانوا على قدر كبير من العلم و الأدب ، و على الرغم من عزوفه الواضح عن التأليف ؛ فقد ترك لنا بعضا من التراث المكتوب ، تمثل أساسا في مجموعة من الرسائل كان أغلبها نثريا ، و منها كذلك ماهو شعري ، كقصائده الطوال المعروفة بالسُّبَدِيات ، و المتبادلة بينه و الشيخ سيد محمد الخليفة ، و كقصيدته التي يرد بها على والده و يستعطفه فيها ، و يقول في مطلعها :
أمُنقِذُ من في مهاوِي التلفْ ++ و من قد يُبرُّ إذا ما حلفْ
و يا نورَ إنسانِ عينِ العُلا ++ بدون مراء و لا مُختلَفْ
حنانيكمُ فاغفروا زلَّتي ++ كما هو شأن هداة السلفْ
......
و لو لم يكن للشيخ سيد باب أحمد من فضلٍ يحسب له سوى تربيته و تخريجه لأبنائه الستة العلماء الأعلام لكفاه ذلك ، و هم على الترتيب :
1- سيد المختار (باب )
2- حمادي
3- البكاي
4-عابدين
5- سيد امحمد(أچ)
6- سيد حيبلله .
فرحمة الله تعالى عليه ، و على أبنائه الأعلام ، العلماء ، الصلحاء ، و على جميع المسلمين . آمين .
بقلم: عبدالله بن عابدين
نفعنا الله به امين
ردحذفبباب احمد مفتاح الخير ** دنيا واخرى فاكشف عني ضيري
بركة النبي لامجد **تعمر خيمة باباحمد