"المقاومة"
متلازمة فطرية لكل كائن حي وجد نفسه في خضم هذه الدنيا؛ حيث يولد مستشعرا ضعفه
الوجودي، ونسبية الحياة من حوله، واستحالة الخلود لغير الخالق، فيبدأ في مواجهة
عوامل الفناء الحتمي المتربصة به من الداخل والخارج، لتأسيس خلوده النسبي،
"لسان صدق في الآخرين"؛ ومن هنا تأخذ مقاومته طابعا مزدوجا، بين الذاتي
الداخلي، والغيري الخارجي، لا سيما بالنسبة للإنسان، الذي "خلق في أحسن تقويم"
متنازعا بين قبضة من طين، تشده إلى الأسفل، تُخْلِدُ به إلى الأرض، وبين نفحة من روح،
تسمو به إلى مصدره العلوي، ليكون تردده بين هذين القطبين هو مجال اختباره
وابتلائه، في جدارته بالخلافة في الأرض: هل ينجح.. أم يفشل؟ هل يفضل.. أم يرذل؟ هل
يسمو.. أم يسفل؟
ومن هنا تتأطر صفة "الأخلاقية"، التي
وسمت بها المفهوم الشامل لـ"المقاومة"، واخترتها زاوية للمقاربة، حيث
يبدو تكريس هذا المفهوم -لمقاومة العدو الخارجي- اختزالا وتسطيحا، دَرَجَ عليه
الناس، حتى أصبح مبتذلا، لكثرة ما خاضت في لجته الأقلام.. وأنا -بطبعي- أكره
مطروقات المواضيع، ومألوفات المقاربات.. لأن اتباعها مناف للإبداع، إذ ليس إلا
تحصيلا لحاصل، وتكرارا بدون طائل.. فبدلا من رصد وقائع وتجليات مقاومة العدو
الخارجي، بالمتاح من الأسلحة العادية.. ينبغي أن نسلط الضوء على الوجه الآخر لهذه
العملة، فنترصد تجليات البعد الداخلي "للمقاومة الأخلاقية"، التي ينبغي
أن تكون ذاتية في البداية، لتنطلق- بنجاح- من الأنا إلى الآخر.. بأسلحة مغايرة،
وبأهداف مختلفة.. استلهاما للتوجيه النبوي بنقل المعركة - مبدئيا- إلى الداخل..
داخل أسوار الذات الإنسانية؛ فـ"أعدى عدوك نفسك التي بين حنبيك"، وعندما
رأى الناس -من حوله- منبهرين بالقوة البدنية لرجل عملاق؛ لا يقوم له أحد إلا صرعه،
شاء- عليه الصلاة والسلام- أن يصرف ذهنية الجمهور عن تمجيد القوة البدنية المادية
الموجهة إلى الأخر، نحو القوة الروحية الموجهة إلى الذات.. فزلزل قناعاتهم السائدة،
نازعا معنى القوة العضلية الخارقة من كلمتي" الشديد= الصُّرَعَة"، اللتين
عبأتهما بها مواضعات اللغة العربية الجاهلية، ليشحنهما- بعد تفريغهما- بمعنى القوة
الروحية الداخلية، ففاجأهم بقوله النافي:" ليس الشديد بالصرعة"، وقبل أن
يفيقوا من هول الصدمة اللغوية، وكلهم يتساءل في داخله مستعرضا معجمه العربي: بادرهم
باستدراك الحكم المذهل؛ مكملا حديثه:
"إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"، مؤسسا بذلك لمفهوم روحي للقوة،
في إطار ثورته الأخلاقية الجديدة على المفاهيم الخاطئة، حيث ينطلق "الجهاد
الأكبر" من محاربة نوازع الغرائز الحيوانية في النفس الإنسانية، لتتخفف من
ثقل كتلة الطين الجسدية المثبطة، حتى ترتقي في "مدارج السالكين"، إلى
"مراقي السعود"، عبر محاطات الأشواق الروحية العليا، وهذا ما فهمه أبطال
"المقاومة الأخلاقية" من المتصوفين الصالحين، في عملهم لتصفية الأرواح؛ فعبروا عنه بمصطلحي"
التخلية" من الرذائل، و"التحلية" بالفضائل.
وقد اخترت فن
"الشعر عند أهل آدب" مظهرا لتجليات هذه المقاومة الأخلاقية، لأن الموهبة
الشعرية، والمنزع الأخلاقي لصيقان بهذه الأسرة التي تعتبر- فعلا- أحد أعرق بيوتات
الشعر والتربية الروحية معا، وعند ملتقي هاتين الصفتين يتأطر مبحثي هذا، حيث لا يكاد
مفهوم بيوتات الشعر -كما حدده النقاد قديما وحديثا- ينطبق على أسرة بقدر ما هو
متحقق في "أهل آدب"، فنسغ الشعرية، متغلغل بعيدا في جذور وفروع شجرة هذه الأسرة، حيث للجذر الكنتي صلة نسب ما
مع جذر التجربة الشعرية في بلاد" البيضان"، فعنما نعود لحفريات الدارسين
في نشأة الشعر الموريتاني بشقيه الفصيح واللهجي، نجد لأجداد هذه القبيلة نصيبا معتبرا
من دعوى ريادة هذا الشعر بنوعيه؛ حيث نسب بعض الدارسين إلى الشيخ سيد أحمد البكاي
ريادة الشعر الحساني المفترضة أسبقيته على الفصيح، في هذه الربوع؛ وذلك بقوله في
"الكاف" المشهور:
كتاب الله كيميا وكرامَه***وكنز ما تخش عليه نفادْ
دير الهمهْ فيهْ لا تتعامَ*** واعملْ منهْ خاصهْ وورادْ
كل انهار إجد للفهامه *** منُّهْ
معاني بالتردادْ
أما في ريادة الشعر الفصيح فإن د.عبد الله بن أحميده في بحثه عن نشأة هذا
الشعر، أعتبر أن سيد أعمر الشيخ أحد رواد هذا الفن في القرن العاشر الهجري، من
خلال القصيدة الميمية الموسومة بـ "القبة الخضراء"، المنسوبة إليه.
وللأمانة العلمية أسجل اعتقادي أن هذه القصيدة للشيخ المقيلي، وليست لتلميذه سيد اعمر الشيخ ،
حيث التبست مراجع الضمائر بين الشيخ وتلميذه، في نص الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي
المختار الكنتي، في كتابه "الطرائف والتلائد"، فشوش ذلك على جهاز التلقي
عند بعض القراء، ومن ثم التبست نسبة النص بين الرجلين.
ولكن، مهما تكن هشاشة مستندات مباحث ريادة الشعرين، تبقى نشأتهما معا توأما
لنشأة قبيلة كنتة، ولو في أذهان هؤلاء الدارسين على الأقل، علما بأن الشيخ سيدي
أحمد البكاي نزيل ولاتة ، هو الجد الذي تفرعت منه جميع فروع "كنتة الشرقيين" والغربيين، وحتى
الشماليين، بينما ابنه سيدي اعمر الشيخ هو الجد العام لـ "كنتة
الشرقيين" خصوصا.
وإذا تجاوزنا توأمة جذر هذه القبيلة بجذر الشعر، عبر تأريخ نشأتيهما
المفترضة في تلك "البلاد السائبة"، إلى ترصد علاقة الفروع هنا وهناك،
نجد أن الشعرية قد جعلها ذانك الجدان الرائدان "كلمة باقية" في عقبهما،
فتفرقت مورثاتها في جينات جميع القبائل
الكنتية، بدليل أن الباحث يحيي بن سيد أحمد، قد أصدر مؤخرا مدونة شعرية لهذه
السلالة المنتشرة في الصحراء الكبرى، تجاوز عددها البالغ حوالي(7000)بيت، كم
المدونة الشعرية المنشورة حتى الآن من الشعر الموريتاني، في كل من كتابي:
"الوسيط في أدباء شنقيط"، لأحمد بن الأمين، و"الشعر والشعراء في
موريتانيا"، للدكتور محمد المختار بن أباه، الذين لم يخصصْ فيهما موقع لقبيلة
كنتة ضمن القبائل الشاعرة.
ولكي نتدرج أكثر في دوائر شاعرية القوم، من العموم، إلى الخصوص، إلى الأخص،
نلاحظ أن فخذ "أولاد بوسيف"، من سلالة الشيخ سيد أحمد الكنتي الصغير ابن
سيد محمد الكنتي الكبير، يبدو أكثر شاعرية من إخوانه الأفخاذ الخمسة المشكلين معه، لأغلب الكتلة الكنتية الغربية، رغم أنه لا
يوجد واحد من هذه الأفخاذ إلا وله "شعر"، حيث جمعت لهم مدونة مستنقذة من
يد الضياع، لا تمثل إلا "بقية من بقاياه" ولكن حتى داخل أولاد بوسيف،
يتركز الشعر أكثر في فرع " الخضر" أبناء الجارية، أكثر من
"البيض" أولاد "البيضانية"، حيث نستحضر هنا أسطورة تسمى "القصيدة الأربعينية" متواترة
في أوساط الجماعة كابرا عن كابر، تقول إن أربعين فارسا من "أولاد بوسيف
الخضر" قد شكلوا ذات يوم طليعة "سلفة" لجيش، جهزوه من أعماق
"تيرس"؛ لنجدة أخوتهم "أولاد بوسيف البيض"، المحاصرين من طرف
حلف معاد لهم، في منطقة "شكاركادل" في ولاية البراكنة الحالية بوسط
موريتانيا، وفي طريقهم لخوض معركة فك الحصار هذه، ارتجل كل واحد من فرسان
"السلفة" الأربعين، بيتا شعريا، حتى اكتملت "القصيدة
الأربعينية"، التي ما زلت أحفظ منها بيتين، علِقا بذاكرتي من قصص الرواة، في
مجالس السمر، وهما:
غدت أرضنا والدهر ديدنه المكر
كأن لم يكن فيها حماء ولامكر
وأضحت ولا مرعى فيها لخروفة
وكانت بها ترعى الهنيدات والعكر
ومهما كانت خيالية هذه الأسطورة الفروسية الشعرية، فإن الأساطير لا تنبثق
عادة إلا من نواة واقعية، يستطيع الخيال البناء عليها، بمعنى أنه لو لم يكن الشعر منتشرا
يومئذ بشكل واسع في ذلك الفخذ الكنتي، لما كان هناك مسوغ لميلاد هذه الأسطورة،
وقبول تداولها أمثولة في الذاكرة الجماعية؛ فوجود أربعين فارسا من فخذ واحد، تم
انتقاؤهم طليعة على معايير عسكرية، وهم- في الوقت نفسه- يستطيعون ارتجال الشعر
بيتا بيتا، على طريقة الإجازة، هو في الحقيقة معطى له دلالته الكبرى والعميقة، في
سياق تأطيري للتسلسل الوراثي للشعر، بالنسبة لـ"أهل آدب" "بيت القصيد"،
في مقاربتي هذه، حيث يغريني بمواصلة
المغامرة في تتبع سيرورة الجينات الوراثية الشعرية أنها تتكثف أكثر كلما اقتربنا من
الدوائر الضيقة لهذه الأسرة، فداخل "أولاد بوسيف الخضر"، يتركز الشعر
أكثر في أهل أمحمد بن الطالب أعمر بن خيري، أعمام "آدب" وبني عمومته،
مثل المختار ولد أمحمد، وبنه أحمد بن المختار، وأحمد بوها بن محمد بن أمحمدـ
وأخيرا سيد الأمين بن أمحمد بن الطالب أعمر بن خيري، والد "آدب" نفسه،
الذي كان قاضي جماعة أولاد بوسيف "الخضر"، حين جاءهم صريخ إخوتهم
"البيض" في معركة شكار، فأوقف زعيم الجماعة استجابتهم للنجدة، على فتوى
القاضي سيد الأمين، التي أرادها شعرية، وشرعية، في الوقت نفسه، فارتجل
"قافه" الحساني المشهور:
عدْنا المْحَاصَرْ طمْعَهْ***مرْحَانْ لَقِلِيمْ انْسَرْمُ
يوْلادْ بُوسيفْ الرَّتْعَهْ***وامْنَازلْ السَّاحلْ حرْمُ
ثم طرح خيمته أرْضًا، إيذانا بالتحرك لنجدة الإخوة المستباحي الحريم،
منخرطا في الفرسان الأشاوس، المنتخبين طليعة للجيش، وقد كان له دور كبير في صنع
النصر الحاسم للمعركة، مقدما نفسه فداء للجماعة، حيث قتل في مطاردة فلول العدو،
بعد الهزيمة، شعبان 1237 هـ الموافق: 30/04/ ،1822 متوفيا عن ابنه
"آدب" الأصغر المسمى" "عبد القادر"، مع شقيقيه الأكبرين:
محمد "ويقي" والشيخ ابنيْ سيدي
الأمين، وقد كانا بالمناسبة شاعرين مفلقين، حيث كان "ويقي" تلميذا للشيخ
الكبير: سيدي المختار الكنتي، وابنه: الشيخ سيدي محمد الخليفة، مشكلا مع الشيخ
سيدي الأبييري، فرسي رهان في تلك الحضرة، علما وشعرا، وخصوصية لدى مشايخهم هناك، ونحن نمتلك له ديوانا
لما يزل مخطوطا، يعتبر خير شاهد على روعة شاعريته الفذة، حيث يقول من ضمْنه متشوقا
من "أزواد"، إلى أهله في منطقة
أكان"، في موريتانيا، ربع عَزَّته، وعِزَّته:
صبٌّ.. لنأيكمُ.. جفَاه هجوعُهُ*** تُحْنَى على جمْر الغرَام ضُلوعُهُ
أبدًا.. هواكمْ في سَوادِ فُؤادِه*** يجْري.. فيجْري بِالدموعِ نَجيعُهُ
ويَدُومُ كتْمانُ الغرَامْ.. ودمْعُه*** مُغْرًى بمَكْتُومِ الغَرَامِ
يُذيعُهُ
كما أنَّ أخاه الآخر: الشيخ بن سيدي الأمين، كان شاعرا أيضا، حيث يقول
مادحا الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي:
الحقُّ أبْلجُ.. نورُه يتلالا*** يزْدادُ كلَّ أنًى سنًا وجَمَالا
والشمسُ تبْدُو للبَصير ولا ترَى*** في مُقْلة الأعْمى لهَا إعْمَالا
وهنا -طبعا- ينتهي بنا المطاف إلى "آدب" (عبد القادر) الشقيق
الأصغر لهذين الشاعرين، سليل هذه الدوحة الشعر الشعرية الراسخة الجذور، الفينانة
الفروع، حيث لم تزل تفاعلات هذه السلالات الشاعرة تتكثف، حتى انتهت إلى وريثها
الشرعي "آدب"، الذي كان أخوه
الأكبر: امحمد "ويقي" بن سيد الأمين، يقول لشيخيه في الحضرة المختارية
الكنتية بأزواد، أنه لا يدرس العلوم، ولا التربية الصوفية، لنفسه، وإنما يخدم
بالنيابة عن شقيقه الأصغر الذي تركه وحيدا يعتني بعائلتهم، في الوقت الذي تفرق من
حوله، كل أقاربه- طلبا للمعرفة والعرفان- باتجاه أهل الشيخ سيدي المختار في الشرق،
أو أهل الشيخ سيدي في الغرب، وقد استجاب
الله لرغبة أخيه فيه، حيث ورث- من لَدُنْهُ- سرَّ أسْرته العلمي، والروحي،
والشعري، فكسفت شهْرته إشعاع أخويه، وأبيه، وأعمامه، العلماء الشعراء، دون أن يكون
له رحلة في طلب العلم، غير رحلته إلى حضرة الشيخ سيدي حوالي ستة أشهر فقط، تكللت
بإجازته ،1265هـ(فى الأوراد القادرية، والأحزاب والتوجيهات المحمدية والمختارية، أخذا وعطاء
ورواية وإرواء، بالشرط المألوف والسنن المعروف خلفا عن سلف...
وأجزته أيضا فيما
تحصلتْ وتحصُل فيه أهليته من العلوم الشرعية أصولها وفروعها ومقاصدها ووسائلها على
نحو ما أذن لي وأجازني فيها شيخنا الخليفة سيدي محمد..."
ونظرا لأن مثل هذه
الإجازات لم يكن المشايخ العلماء الأتقياء يمنحونها جزافا، كما تمنح اليوم
الشهادات العليا، فقد أوضح الشيخ سيدي المرتكزات التي أسس عليها حكمه بالأهلية
المزدوجة للمريد المجاز في المعارف الصوفية، والعلوم الشعرية مطلقا:
"وإنما أذنت
له وأجزت له؛ لما لاح لي فيه من لوائح الصلاحية للتقديم، ولما شممت فيه من روائح
الخصوصية الممزوجة بالصدق والتسليم "
وكما كانت الإجازة مزدوجة في مضمونها، كانت مزدوجة أيضا في أسلوبها، حيث
شفع الشيخ سيدي نثره، بشعره، مخاطبا تلميذه عبد القادر "آدب":
لك الخير يُرْجَى.. والمُنَى.. والأمَانُ**وفيكَ لمَكنُونِ الخُصُوصِ.. بَيَانُ
براهينُ من ناسُوتِ ذاتِكَ أنْبَأَتْ** بمَا -يَنْطَوِي فِي سَرِّها- ويُصَانُ
بأنَّك مَيْمُونٌ.. وسَعْدُكَ طالِعٌ** وربْحُكَ -في الدَّاريْن- فيهِ ضَمَانُ
ولعل اختيار الشيخ سيدي للشعر وسيلة إضافية لتوديع "آدب"، كان
فيه إجازة لشاعريته، التي لا نجد دليلا
على أنه أبان عنها خلال فترة تلمذته عليه، لكنها ربما كانت من "براهين
ناسوته" التي قرأ الشيخ -ببصيرته الوقادة- " ما ينطوي في غيبها
ويصان".. حيث كان "آدب" سليل الشاعرية الكنتية عموما، وخلاصة
شاعرية أولاد بوسيف الخضر خصوصا، وملتقى روافد شاعرية بيتي أهل أمحمد بن الطالب
أعمر بن خيري، أعمامه، وأهل سيد الأمين بن أمحمد بن الطالب أعمر، أبيه وأخوته،
وحتى شاعرية أخواله أهل "أحمد أشنان" البوسيفيين أيضا.
فبعد هذا كله لا غرابة أن يكون "آدب" عمود بيت الشعر"
الأعرق في هذه السلالة الكنتية، دون منازع، وأن يورث أبناءه وأحفاده
-حتى الآن- سر القوافي، لدرجة أنه كان "يُحَنِّكُ" أبناءه بالشعر، بدل
التمر واللبن المألوفين عند الآخرين، حيث كان كلما ولد له ابن يصدع في أذنه
اليمنى، بتكبيرات الأذان، وتعاويذ القرآن، ويدندن في أذنه اليسرى أبياتا شعرية
يرتجلها في حق ذلك الوليد، لتندس نفحات الإيمان، وإيقاعات الأوزان، مع أول قطرات
لبان الأم، التي كان أخواها شاعرين، فعندما رزق ابنه البكر(سيدي محمد) لقَّبَه "سيديَّ"
تيمنا باسم الشيخ سيدي، ورغم أننا لم نعثر على الشعر الذي استقبله به، فقد كان
شاعر كنتة الغربيين بإجماع، وكان فارسا، وقاضيا، وقلم "البيان والتبيين"
لدى جماعته، ولسانها الناطق باسمها.
ثم رزق بابنه" الشيخ أحمد" فتنبأ له شعريا، بما سيكون له من
زعامة سياسية، ومشيخة روحية، ومكانة علمية وشعرية، وكانه يقلد شيخه الشيخ سيدي عبر
قراءته ما ينطوي ويصان في غيب ناسوت أبنائه: فناجاه:
إليك تضرب أكباد العطاميس*** يا شيخ أحمد نبراس النباريس
تسعى إليك رواد الحاج من بعد*** فيفلحون بتخويل وتقديس
ثم ولد له "محمد" الذي لقبه
بـ"الحِوَار" استلهاما لما يسمى في الثقافة الشعبية بـ "حِوار
الجنة"، فخاطبه أيضا:
إن الحوار محمدا سيسود*** ولقومه وعشيره سيقود
وقد صدقت فعلا فراسة والده، الذي كان- بإيمانه- "ينظر إلى الغيب من
وراء ستر رقيق"، حيث كان محمد الحوارهذا عالما وشاعرا وفارسا وسيدا، وهو
الوحيد من أبناء آدب، الذي رحل في طلب العلم، وتخرج -متبحرا فيه- من محظرتيْ: "
الكحلاء والصفراء"، في أحياء قبيلة "أجيجب"، بمنطقة البراكنة، دون
أن يعتمد على "الوهب" (العلم اللدني)، المزعوم توارثهم له، من أبيهم
الذي نال ما نال من مكانته الروحية والعلمية، دون كسب معرفي مشهود، هذا مع مفارقة
أخرى تعزز هذا المنحى ، تتمثل في أن "أدب"، غطت شهرته على صيت أخوته
وأبناء عمومته، رغم أنه الوحيد- بينهم- الذي لم يرتحل في طلب العلم، وكذلك إبناه: سيدي،
والشيخ أحمد، الذين غطت شهرتهما على شهرة أخيهما: محمد الحوار، رغم أنه
تفرد-دونهما برحلة علمية مظفرة، وقد حاول شقيقه الأكبر: سيدي إقناعه، بالرضى
بطريقة الأسرة، ضاربا له المثل على جدواها، بما ناله والدهما: آدب، وبما ناله سيدي
نفسه، من مواهب " لدنية"، مؤلفا في ذلك رسالة سماها: فتح القهار في الرد
على محمد لحوار".
المهم أن أبناء آدب كلهم كانوا شعراء، مثل سلفهم، وقد تركوا الشعر كلمة
باقية في عقبهم.. أبناء وأحفادا...باستثناء رابعهم سيد امحمد بن آدب، الذي كان هو
نفسه شاعرا، غير أنه لم يترك عقبا.
وبعْد هذه الحفْريات الخاطفة في عمْق الترابُط بيْن "أهْل آدبَّ" و" الشعر" يبدو موقعهما في العنوان، مسوغا، لا إقحام فيه، فحتى
اسم هذه الأسرة، مشتق من صميم مادة
"الأدب"، بكل ما تعنيه من الأدب النفسي، والدرسي، ومن المآدب الروحية،
والمادية، حتى لكأنهم المعنيون بقول الشاعر الجاهلي: طرفة بن العبد:
نحْن في المَشْتاةِ نَدْعُوا الجَفَلَى
لا ترَى الآدِبَ فيِنا ينْتَقِرْ.
وذلك أيضا ما يؤهل لترابط عضوي بين
عجز العنوان وصدره، فـ "المقاومة
الأخلاقية" تليق بالفرسان، الشعراء، العلماء، المربين، وهذا ما سنتلمس أصداءه
وتجلياته عبر مدونة القوم، لاختبار صلابة أطروحة العنوان.
تجليات المقاومة الأخلاقية:
بعد تأسيس أطروحة الموضوع، وتحليل بنية العنوان، تفكيكا وتركيبا، حان لنا
استجلاء، تجليات شواهده، الدالة على مقاصده، من نصوص "شعر أهل آدب، وفصوص
أدبياتهم العامة، عبر النقاط التالية:
مقاومة الذات:
لقد أدرك القوم -بتربيتهم الروحية العريقة – أن معركة بناء الشخصية السوية،
وتعزيز السلوك المستقيم، تبدأ من داخل كينونة الإنسان، قبل أن تشرع أسلحتها إلى
الخارج/ الآخر، لا سيما لمن تتركب نفسيتهم من نوازع الشاعر العاشق- بفطرته-
للجمال، بكل تجلياته، وروادع العالم الصوفي الناسك، وعلى ضوء هذا التحليل كانت
نصوص عتاب النفس، وتأنيب الضمير "تيمة" حاضرة بقوة في مدونة القوم،
فهذا "آدب" رب "البيت الشعري" العلمي، يقرع أجراس
الإنذار لنفسه، قبل أن يفرعها لغيره، قائلا:
ألا أيها العبد.. الكسير.. المهيضُ*** ألمْ يان- بعد الشيب- منك نهوض؟!
ألم يان أن تسلو.. وللنفس- بعدما*** طغتْ جهْدَها، واستخْدَمَتْكَ-
تَرُوضُ؟!
وتأخذ منك الجهد.. دأبا.. مشمرا*** ومالك- في ليل التمام- غموض!
رأيتكَ.. لم تستحيي بيضا.. تلامعت*** برأسكَ.. أن يقتاد قلبكَ بيض!
فهيئ..دواء.. حمية.. وعقائدا*** تنال بها برء.. فأنت مريض!
فبادر.. ولا تشغلك.. سوف.. وعلما*** ولا يلهكَ الطرفُ.. الكحيلُ.. الغضيضُ!
هكذا نرى مراصد الوالد، تتوجه مراياها العاكسة إلى ذاته،- قبل غيره، وتشخص
مأزقها الصعْبَ، في مقام "النفس اللوامة"، منصرفة عن "النفس الأمارة" المرهوبة، إلى
" "النفس المطمئنة"، المرغوبة، وعلى هذا المنهج تبع البنون أباهم،
و "من شابه أباه فما ظلم"، حيث وجدنا هناك نصا- في هذا السياق نفسه-
عانق فيه صوت "سيدي"، صوت "آدب"، حين قام الابن بتخميس أبيات
الوالد، وعندما أصبح سيدي عميد الأسرة، كان أخوه الشيخ أحمد في ريعان فتوته، فبدأ
بينهما الحوار – شعرا- بين "الشيخ والمريد"، حول " المقاومة الأخلاقية"
ذاتها، إذ كان الفتى يستشعر بعض جنوح نفسه، إلى شهواتها، شاكيا ذلك إلى أخيه
الأكبر شيخه:
يعود السلام الحافل الأوفر الأسْنى *** إلى سيدي "سيديَّ" والدي
الأحْنى
ثمال اليتامى.. فهْوَ بَهْجَةُ عصره*** وطلَّاعُ تل المجْد.. وهو له
مَغْنَى
وشافي مريد.. عن مريد.. بنظرة***ومرْمى عِصِيِّ السيْر الأقصى.. أو الأدنى
بأني لم أرددْ.. لنفسي.. عن هوى*** ولم- سيدي- يرددْ لها ربها الأعنى
وأنتمْ.. إذا تاقتْ ترومونَ ردَّها*** وقولكم هذا.. كــ "الأعور قد
جُنَّا"!
وقد كانت الوصفة الشافية قصيدة "سيدي"، التي فعلت فعلها الخارق،
في نفسية الشيخ أحمد، وفي سلوكه، حيث سميت هذه القصيدة في أوساط تداولها بـ
"التربية":
عتبتُك.. فاهْنأ.. لا عتابَ.. ألا فاهْنا*** ومأْتاكَ -أيًّا كانَ- عنْدي
هو الأهْنَا
أحب الذي أحببتَ.. غَيْرَ مُحَرَّمٍ*** وأبغضُ.. ما أبْغضتَ.. بالحِسِّ..
والمَعْنَى
وأبذلُ.. مَالِي.. في رضاكَ.. وكلَّما*** حميتكَ.. لم أمْنَعْهُ.. حرْصا..
ولا ضَنَّا
ولكن لأمْرٍ.. لم أُكَلَّفْ.. بنشْرِه*** مَغَبَّتُه محْمُودَةٌ.. لمَنْ
اسْتَأْنَا
وما خِلْتُ تصْريفي لأمْرٍ.. مخالفا*** هواكَ.. كما عندي هواكَ مُنًى
حُسْنَى
وحاشى.. ويأبى الله.. تقليدك الهوى*** وطوْعَكَ قِتْلا.. مُفْسِدًا.. غير
أنْ يُثْنَى
فلَلنَّفْسُ أعْدَى كُلَّ قِتْلٍ.. كما أتَى*** وأخْبَثُ منْ عيْنِ
الشياطينِ.. بلْ أجْنَى
فلا خير إلا في الذي هي لم تُرِدْ*** وما زينتْ.. لا خيْرَ فيه.. ولو
أغْنَى
تَزَخْرِفُ شِبْهَ الخيْر.. وهْيَ وسيلةٌ*** إلى الشرِّ.. لا تألو..
خَبَالًا.. لها .. خِدْنَا
لها اللؤم.. وصفٌ.. لازمٌ.. إِنْ منًعْتَها*** -على رغْمِها- أعْطتْكَ
سُؤْلَكَ أو أسْنَى
فرُضْها.. وذُدْها.. عنْ هواها.. وزَكِّها*** ولا تُعْطِها نيْلا.. تنلْ ما
به تُعْنَى!
لأنَّ بظَلْفِ النفْسِ.. عن شهواتها*** ينالُ الفتى.. المأمولَ- في الله-
والأَمْنا
ولا عِزَّ.. إلا بَعْدَ إِذْلَالَ
مُهْجَةٍ*** ولا راحةٌ- دُونَ العَنَا- ثَمْرُها.. يُجْنَى
فتلْكَ سبيلُ الحق.. قامتْ بقوْمِها*** ومَنْ لمْ يُقِمْها.. لا يُقِيمُ
لَهُ وزْنا
وما حازَ قَصْبَ السَّبْقِ إلا مُشَمِّرٌ*** قد آثرَ.. ما يبْقَى.. على كل
ما يَفْنَى
وأَلْقَى حُظوظَ النَّفسِ.. ظِهْرِيةً.. ولمْ*** يعرِّجْ.. على كأسٍ..
سقتْه.. له.. وهْنا
وضمَّرَ طِرْفَ العزْم.. لمْ يثْنِ طَرْفَه*** إلى غير مطلوبٍ.. أمامَ..
لها اسْتدْنى
وجَدّ سبيلَ القَوْمِ.. لمْ يأْلُ.. قاطِعا*** صحاصِحَها.. والمَهْمَهَ..
القَفْرَ.. والدَّهْنا
تلاشَى.. لدَيْهِ الكوْنُ.. ينْحُو مكوِّنا*** فقدْ هَجَرَ الأفراحَ..
واسْتَصْحَبَ الحُزْنا
ولمْ يتَّخِذْ -غيْرَ المُهَيْمِنِ- صاحِبًا*** ولا دُونَ ما يخْشَى-سِوَى
ذِكْرِهِ- حِصْنا
هنالكَ.. يَحْظَى.. بالذي هُوَ آمِلٌ*** ويَصْحَبُه التَّيْسِيرُ.. فيما له
عنَّا
وتصْحَبُه منْهُ العِنايَةُ.. كائِنا*** له- في المَرَامِ- العيْن..
واليَدَ.. والأُذْنا
وتُطْوَى له قُصْوَى المَفَاوِزِ..
مُلْقِيًا*** عَصَا سَيْرِهِ.. قد بُوِّئَ المَقْعَدَ الأَسْنَى
على نحْوِ هذا.. فانْحُ.. أنْ كنْتَ ناحِيًا*** ولا تَرَ شأْنًا.. غيْرَ
مَا شَأْنُهُ شأْنا
لتبلغَ أقْصَى ما تُريدُ.. وتقْتَفي*** وراثة من أغْنَى مُحِبَّيهِ.. من
أقْنى
عليْه صَلَاتِي.. مَحْوَ ذنْبٍ.. بتوْبَةٍ*** وما زهْزَهَتْ أرواحُ
شَامِيةٍ غُصْنَا
وهكذا أستتب الشيخ أحمد- بعْدَ هذه القَصِيدة- على طريق "
القوم"، مرتقيا "في مَدَارج السالكين"، حتى أصبح وريث أخيه
"سيديّ"، في المشيخة، وتصدير المريدين، جاعلا من عتاب النفس، موضوعا
لجملة من نصوصه، لا يتسع لها المقام
الآن.. وهو الموضوع الأثير عند جميع أفراد " بيت الشعر" هذا، فهذا محمد
لحوار بن آدب، شقيق سابقيْه، يرفعُ أنين روحه- في مقام العبودية- شاكيا إلى الله
كثافة رين الذنوب، على مرآة نفسه، مشفقا من هاجس القطيعة مع لذيذ صلته بربه:
عبْدٌ.. شَجَاهُ.. لمَا رَأَى.. من حالِهِ*** حذَرُ القطيعةِ من لذيذِ
وِصالِهِ
عبْدٌ.. تراكمَ.. من كثافة ريْنِه***بحِجاهُ.. جالِبُ حتْفِه.. ووبالِهِ
وإذا تراكمتِ الهُمُومُ.. فحَسْبُه*** ربٌّ.. يرى.. ما قد يرَى من حالِه
يرجو.. ويدعو.. أن يُقابلَ.. بالذي*** يَعْتَادُ من إفْضالِه.. ونَوَالِهِ
والحقيقة أن شباب هذه الأسرة ينزع إلى الفتوة، بكل تجلياتها، ولكنه سرعان
ما يُدْرِ
+ "أنَّ منْ يتقي الله البطل"
وروي الحسن
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: "العلم علمان: فعلم ظاهر به
المعاملات وعلم باطن فى القلب، فذلك هو العلم النافع[1]"
وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو؟ قال:"هو سر من أسرار الله تعالى
يقذفه الله تعالى فى قلوب أحبائه لم يطلع عليه ملكا ولا بشرا فقد قال صلى الله
عليه وسلم: "ان من امتي محدثين ومعلمين ومكلمين وان عمر منهم"[2] وقرأ
ابن عباس: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبئ ولا محدث"
4/يعنى الصديقين
والمحدث هو الملهم والملهم هو الذى انكشف له فى باطن قلبه ضياء من حهة الداخل لامن
جهة المحسوسات الخارجية، والقرآن مصرح بان التقوي مفتاح الهداية والكشف وذلك علم
من غير تعلم قال تعالى: {وما خلق الله فى السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون[3]}
خصصها بهم، وقال: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين[4]}
وكان ابو يزيد[5]
وغيره يقول ليس العالم من يحفظ وإلا لصار جاهلا وإنما العالم الذى يأخذ علمه من
ربه أيّ وقت شاء بلا تحفيظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني والى مثله الإشارة
بقوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علما[6]}
مع ان كل علم من لدنه ولكن بعضه بوسائط تعليم الخلق ولا يسمى ذلك علما لدنيا بل
العلم اللدني الذى ينفتح من سر القلب من غير سبب مألوف من خارج. وبالجملة فالتقوى
رأسا، والعلم الناشئ عنها إنما ينالان بظلف النفس عن شهواتها ومالوفاتها مع الحكمة
عليها واتهامها فى منهياتها ومأموراتها اذ هي كما قيل كالدابة التى تراض أما تري
انك ان ضيقت عليها بالحكمة والزمام والضرب لانت فانقادت الى مرادك ووجدت منها
السير الفسيح وإذا تركتها تتفسح فى مراتعها حتى سمنت ركضت بك فالقتك عن ظهرها
سالما او ميتا او معطوبا وقد قال صلى الله عليه وسلم: "النفس أخبث من سبعين
شيطانا" وقال: "أعدى عدو لك نفسك التى بين جنبيك"[7] فلا
تجاب الى ما دعت إليه ولا تستنصح لما من الخداع جبلت عليه فقد قال رأس الصديقين
عليه وعلى نبينا السلام تأسيسا لأصل نفي امتهانها بالاتهام: {وما أبرئ نفسي ان
النفس لأمارة بالسوء[8]}
وقد علم ضرورة ان كل خير تحت ما تهوى مخبوء وللسلف الصالح رضي الله عنهم فى
مكايدتها ومخادعتها لاتهامهم إياها فى حركاتها وسكناتها أخبار عجيبة وحكايات غريبة
فمن ذلك ما حكي عن بعض الفضلاء انه كان مداوما للتعبد مثابرا على وجوه الخير ثم
وقع فى نفسه ان يخرج الى الجهاد فبقي متحيرا فى أمره من كون الجهاد من أعمال البر
والنفس هي الآمرة بذلك ومحال فى أمزجتها ان تطلب الخير او تريده فبقي متهما لها
فيما أمرت به فلجأ الى الله تعالى ان يطلعه على خبيئة أمرها فإذا بقائل يقول له قد
سئمت من كثرة الموت وتكرارها بالمجاهدة بالصيام والقيام ويئست ان تستريح منه
فأرادت ان تموت بمرة فى الجهاد لكي تستريح مما هي فيه ويحصل لها الثناء
هذه الخواطر، والملاحظات، التي لا تنبثق من أي
دراسات سابقة علمية تحيل عليها، حيث أتحرك الآن في منطقة مجهولة، انحسر دونها مد
الدراسات الوطنية، وبقيت جزيرة معرفية بكرا، لم تطمثها أقلام الباحثين،
المولعة بالخوض في المواضيع المطروقة،
وتكرار المتداول، وتحصيل الحاصل
(وإنما جلبت لك ما جلبت فى متفقهة الزمن دون متصوفته حرصا على مطابقة مكتوبك
وموافقته مع أنى أفردت فيهم تأليفا دعوته فتح الجليل فى الرد على الدجاجيل
فليطالعه من أراد الفرق بين أرباب الدعوى ومشائخ الحق اهل التقوى
............الفكر فى هذا الميدان، حرصا على بيان شبه اهل الزمان، لئلا يغتر
بشعوذتهم الجاهل، ويتيه فى غرور بهرجتهم الغافل)
(اذ قد أدركت
والدنا رضي الله عنه فقد حدثني ـ رضوان الله عليه ـ عير ما مرة ـ وأنت شاهد ـ أنه
نشأ فيما ينشأ فيه مثله من أطفال اهل الحرب، من معاناة المعيشة وكد العيال، فى شظف
العيش وشغل البال، موافقةَ مسير إخوته طلبة، فما زال كذلك حتى بلغ، وهو على تلك
الحالة، لم يكتسب علما، ولم يطالع)
شعر سيدي
يعود السلام
الحافل الاوفر الاسنى الى سيدى سيدي والدي الاحنا
ثمال اليتامى بهجة
العصر نوره وطلاع تل المجد وهو له مغنى
باني لم اردد
لنفسي عن هوى ولم ـ سيدى ـ يردد لها ربها الاغنى
وانتم اذا تاقت
ترومون ردها بقولكم هذا كالاعور قد جنا
... ولم تقصد بذاك تقاطعا وفى ما كرهتم سيدى جهدنا
الاسنى
سلام مذاقا فاق
ساكنة دنا ايا من له فى حل ما قد قسىا دنا
فاجابه سيدي رحمه
الله:
عتبتك فاهنأ لا
عتاب الا فاهنا فماتاك ايا كان عندى هو
الاهنا
احب الذى احببت
غير محرم وابغض ما ابغضت بالحس والمعنى
وابذل مالى فى
رضاك وكل ما حموتك لم امنعه حرصا ولا ضنا
ولكن لامر لم اكلف
بنشره مغبته محمودة لمن استانى
وحاشى وياب الله
تقليدك الهوي وطوعك قتلا مفسدا غير ان يفنى
فلا اعدى كل قتل
كما اتى واخبث من عين الشياطين بل اجنى
تزخرف شبه الخير
وهو وسيلة الى الشر لا تالو خبالا لها خدنا
لها اللؤم وصف
لازم، ان منعتها ـ على حرصها ـ اعطتك سؤلك او اسنى
فرضها وذدها عن
هوها وزكها ولا تعطها نيلا تنل ما به تعنى
لان بظلف النفس عن
شهواتها ينال الفتى المامول فى الله والامنا
ولا عز الا بعد
اذلال مهجة ولا راحة دون العنا ثمرها يجنى
فتلك سبيل الحق
قامت بقومها ومن لم يقمها لا يقيم له وزنا
وما حاز قصب السبق
الا مشمر قد آثر ما يبقى على كل ما يفنى
والقى حظوظ النفس
ظهرية ولم يعرج على كاس سقته له وهنا
وضمر طرف العزم لم
يثن طرفه الى غير مطلوب امام له استدنى
هنالك يحظى بالذى
هو اهله ويصحبه التيسير فيما له عنا
وتطوي له قصوي
المسافات ملقيا عصى سيره قد بوئ المقصد الاسنى
على نحو هذا فانح
ان كنت ناحيا ولا تر شيئا غيرما شأنه شأنا
لتبلغ اقصى ما
تريد وتقتنى وراثة من اغنى محبيه من اغنى
عليه صلاة محو ذنب
بتوبة وما هزهزت ارواح شامية غصنا
سيد المين بن
امحمد بن الطالب اعمر بن خيري توفى : 9 شعبان 1237 هـ الموافق: 30/04/ 1822
آدب
سيديه شهد معركة
اكمون سنة 1882
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تضمين الرسالة أدناه