بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

قصائد للشاعر الكبير أدى ولد آدبّ


أنا والنخلة .. توأما أزل يَـرُوقُ لِي .. أنْ أُغَـنِّي- مُسْنِـدًا كَتـِــفِي- شِعْـري .. إلى نَخْلَةٍ .. فيْنــــانَـةِ السَّــعَف<إنْ هَفَّتِ الرِّيحُ - في أفنانها –هَجَـسَ الــــــــإيقـاعُ..مِلْءَ دَمِي .. نَبْضًا..عَلَى الصُّـحُفِ
فاسَّـاقَـطَتْ – رُطَـبًا – أعْـذاقَ قـــافـيةٍ  تَنوءُ بالسحْرِ.. يُغْـــــوي كــلَّ  مُكْــتَـشِفِ

هُنَــا.. يُعـــانِقُ ظِـلِّي ظِلّــهَا..أبَــــــــدًا     ويزْدَهـي  خَــلَـفُ  الأرْواحِ .. بـالسَّــــلَفِ
تَجُـوبُ ذِهْنِي وُجُـوهُ العــابِرينَ .. بِـهَا     فَيَـــا لَمُؤتَـلِفٍ .. مِنْــها ..و مُـــخْـــــــتَلِفِ!
تَنْـأى.. وتَزْدَلِفُ الأطْيَافُ.. فِي خَـلَدِي     لَهْــــفِي .. لِمُبْتَـعِدٍ .. مِنْـهَا ..  و مـُـزْدَلِفِ!

قَوافِلٌ.. مِنْ جُدُودِي .. خَلَّفُوا..عَبَقَ الـتَّـــــــــا ريخ .. مَلْحَـمَةَ الإبْــــــــداعِ.. والشَّـرَفِ
مَـــرُّوا..هُنا..واسْتَظَلُّوا النَّخْلَ..هاجِرَةً       و اسْتَطْعَـمُــــوهُ .. فأغْـــنَى كَـفَّ مُقْـتَطِفِ

حَتَّى إذا مــا تَوَلَّى اليَوْمُ .. وانْتَعَشُـــوا       بِمَا تَنَفَّسَ - فِي الـــواحـــاتِ - مِنْ طُـرَفِ
و اجَّـلَّلُـوا القُبَّةَ الزَّرْقَــــاءَ .. زاهِــــيةً       مِن النُّجُــومِ .. بأبْـــهَى زُخْـرُفِ السُّــقُـفِ
فضُّـوا..عَلَى النَّخْلِ مِنْ أثْمارِ سامِرِهِمْ        مَعــــارفَ الكَـوْن .. جَلَّتْ رَوْعَةُ التُّحَـفِ!
وأثملــــوهُ.. رَحِيقَ الشاي ..مازَجَـــــهُ        مُعَـتَّقُ الشِّـعْـرِ.. نَجْـوَى العَــاشِقِ الدَّنِـفِ
وحَرَّكُـــــوا الوَجْدَ.. فِي أعْتَى عَراجِنِهِ        بِأنَّــةِ المُخْــبِتِ .. الأَوَّاهِ .. في السُّــــدَفِ

لَهْفِي..عَلَى زارِعِي الصَّحْراء..مُعْجِزَةً         حَـتَّى غَـدَا الرَّمْلَ- عِلْـمًا- لُؤْلُؤَ الصَّـدَفِ
تَحَلَّلُوا.. فِي سَحِيقِ الدَّهْرِ.. وارْتَهَــــنَتْ        أرْواحُهمْ ..فِي عُرُوقِ النخْلِ.. مِنْ شَغَفِ
بَادُوا.. ولمْ يَبْــــــــــقَ إلاَّ إرْث سَيْـبَتِهِمْ        مـَـا أثقَلَ الإرْثَ.. مَحْمُولاً.. عَلَى كَـتِـفِي!

هَلْ عَمَّتِي.. النَّخْلَةَ الغَـنَّـــاءُ..تُوسِعُ لِي        مِنْ حِضْــنِهَا كَنَــفًا..؟ وَا رَحْمَةَ الكَـنَفِ!
أُلْقِي عَلَى جِذْعِها– عَنْ كَاهِلِي- حَـزَنِي        إذا خَلَصْنَا.. نَجِـيًا ..ضَجَّ كُــلُّ خَــــــفِ
رُوحـانِ..عِشْـنا.. قُــرونًا.. تَوْأَمَيْ أزَلِ        وسوْفَ نَبـْـقَى ..عِنـــاقَ الــــلاَّمِ لـلألفِ
قَدْ أرْضَعَتْـنِيَ عِشْقَ الأرْضِ ..رَاسِـخَةً        وألْهَمَـتْـنِي شُمُـــــــــوخَ العِزِّ.. والأنـَفِ
وأقْرَأتْنِي أســــــــاطيرَ الصُّمُــودِ..عَلى        رَيْبِ الزَّمانِ..وقَحْطِ الأرْضِ والشَّظفِ

تاللهِ.. يـا مُدُنَ الطِّيـــــنِ التي ازْدَحَمتْ         بالجِنِّ.. تَلْهَثُ خَلْفَ الطين.. والعـَــلَفِ
قدْ ضِقْتُ.. ذَرْعًا.. بِكِ ..الدُّنْيَا هنا نَكَـدٌ         طاحُــونَةٌ.. تَسْحَقٌ الأعْـــمارَ.. لَمْ تَقِفِ

فَلْتُعْطِني .. أُمَّنَا الصَّحْراءَ.. مُرْتَـــــفَقًا         أعِـشْ.. غِنَى مَلَـكُوتِ الله .. في تَـــرَفِ
أصْغِي إلى النَّاي.. صَوْتِ الكَوْنِ..إنْ نفخَتْ   ثُقُوبُ شَبـَّــابَةِ الأرْواح .. يَـــــــــنْعَزِفِ
وإنْ تَنَفَّسَ صُبْحٌ .. هَلَّلَـــتْ رِئــــــــتِي:        بَشـائرَ النُّـورِ.. والأنْسـام .. يَــا لَهَــــفِي!
صُبِّي.. مِنَ المَلإ الأعْــــلَى .. سَكِيـنَـتَهُ         يَجْلُ الهَـنا قَـلَقِي .. يَنْفِ الرضـــا أسفي
أَفِــــــرُّ.. مِنْ مُدُنِ الأبْراجِ .. مُخْــتَــنِقاً         أَعُــوذُ بالنّخْلَةِ الغَــــــــــــنَّاء..مِنْ قَرَفِ

يـــا أختَ آدَمَ .. يــــا رَمْزَ الهوية.. لِي        كُـلُّ ابْـنِ آدمَ - إلاَّ نَحْـــــــنُ - غَـيْر وَفِ
فنَحْنُ .. والنَّخْلُ .. والصَّحْرا.. سَفائنُها        والشِّــعْرُ.. والنُّبْلُ .. حِلْفٌ.. جِدُّ مُـؤْتَلِفِ
كُـنَّا.. ونَبْقَى.. رِفاقَ الدَّرْبِ..فِي أبـَــــدٍ        بِحُبِّنَا السَّرْمَـدِي .. نَسْـعَى .. إلَى الهَدَفِ  

آوِي ..إليْكِ.. فَضُخّي السِّرَّ..مِلْءَ دَمِي         يا باطِنَ الرُّوحِ .. جَوْهِرْ ظاهِرَ الخَزَفِ
يــا عَمَّـتِي ..النَّخْلَةَ الغَـنَّــــاءَ.. مُلْهِمَتِي        إنِّي اعْتَرَفْتُ .. بِحُبِّي الآنَ .. فاعْتَـرفِي
                    أدي ولد آدب- قطر-18-/6/2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                 
                     نشيد الشاعر المهاجر                                     
تَأَلَّتْ بَنَـــاتُ الشِّـعْر : إنِّـي أمِـــــيـرُهـا     ولِي .. مِنْ قُلُوبِ العَاشِقِينَ .. كبـيرُها
وَسِعْتُ.. جَمالَ الكوْن .. حُبًّا ..عَزَفْــتُه     نَشيدًا..فروحِي فِي القوافي..عَصيرُها
تَأبَّطْتُ .. مِنْ أرْواح مِلــيــون شَــــاعِر    أساطـيرَ .. أبْنــــــيها .. ولا أسْتعيرُها
أنا ابْنُ صَمـيم الضادِ .. مَمْلكتي الرُّؤى    بِبيْت القصيدِ .. البِدْعِ .. جَلَّ سَريـرُها
عَلَى صَهَواتِ الرِّيح..أغْزُو مَدَى المَدَى    طَواحِينَ ..في سَحْق الحياةِ .. نَعيرُهـا  

فَهَلْ لِي .. إلَى شِتْقِيطَ ..أوْبٌ.. يُريحُني     فَكَمْ شاقَنِي.. مِلْءَ الجِـنانِ .. سَعـيرُها!
ومَهْما تُـراودْنِي .. سِـــــواها .. تَبَـرُّجًا     فَلِي .. كَعْبَةٌ .. فِي رَمْلِهَا ..أسْتَجيرُهــا
زَوابِعُــــهَا .. تَعْصِفْنَ .. بَيْنَ جَــوَانِحِي     وَمجْرَى دِمائِي .. نَبْعُهَا .. وَغَدِيـرُهــا
هَـوَا رِئَـتِي .. أنْفــاسُـها .. إنْ تَــنَهَّـدَتْ     غُبارَ السَّــوَافِي .. أوْ تَفَـــشَّى عَبـيرُها
وفِي .. تَنْفخُ النَّاياتُ.. شَجْوَ رُعَـــــاتِها      وَيأتِي.. مِن أعْماقِ الوُجُودِ .. نَفِـيرُها
تُهَدْهِدُ.. نَبْضِي .. دَبْـدَبَاتُ طُبُـــــــولِها      وسَامِرُها المَشْهودُ .. جـَــــلَّ سَمِـيرُها!
يُعانِقُ.. عُمْقِي..فِي الثَّرَى.عُمْـق نَخْلِها      وتَدْرِي ذُراها..الشُّمُّ .. أنِّي نَظِــــيرُها

يَطُوفُ.. مَعِي الْآفَاقَ .. رَكْبُ حَجِيجِهَا      مَناراتُها.. الغازي الدَّياجي .. مُنيرُهـا     
 مَجَـابَـاتُها الكُبْـرَى .. فُتُـوح ُرِبـــاطِها      مَحَاظــرُها.. وِرْدُ المناهلِ .. عِـيرُها
بُطـــولاتُها.. تـــاريخُ سَيْـبَةِ أرْضِـــــها      مَضافاتُها..المَبْسُوطُ..دَوْمًا..حَصيرُها
مَـدائِنُها .. أحْــــزانُ بَحْرِ حَيـَـــــــاتِـها      طُمُوحاتُها.. خَلْفَ السَّــرَابِ مَسِـيرُها
غِنَاهَا .. بِخَيْرِ البَرِّ.. والبَحْرِ.. فَـقْـرُهـا     هِيَ البَلَدُ الأغْـــنَى ..وشَعْبِي فَقــيرُهـا

لَئِنْ عَقَّت الإبْنَ .. المَــــــــــدِينَ بِبِـرِّهَا     فَإنِّي .. بِكُلَّ الصَّـالِحاتِ ..سَفِـــــيرُها
تَأَبَّطْتُ .. أوْراقِـي ..رُؤايَ .. مَعـارِفِي    ولَمْ أتَأبَّطْ .. أيَّ مَعْنًى.. يَضِــــــيرُهــا
تُطَوِّحُ .. " بَيْنَ الحـاءِ والباءِ"..رِحْلتِي     وَراءَ المَـــعانِي .. والمَعَالِي.. أُدِيـرُها
وكُلُّ حَصَــادِ العُمْرِ.. رَهْن حِســابـِـها      أنَايَ .. أنـَاهاَ.. والضَّمِيرُ.. ضَمِيرُها

تَأبَّطْتُهَا..حُلْـمًا.. تَبَرَّجَ .. فـــي دَمِـــي      مَدائنَ..فُضْلَى..لا يُضاهَى..صَغِيرُهـا
فَهَلْ كُلُّ ذَنْبِي .. أنَّنِـي لَسْتُ تّــــــافِـهًا      وأنَّ الدُّنَا .. لاَ يَطَّبِينِي .. حَقِـــــيرُها؟
                    أدي ولد آدب- الدوحة-7-7-2012  



الاثنين، 29 يوليو 2013

امسية تأبينية




تقرير عن الامسية التأبينية للأمير الراحل علوات بنواكشوط تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه تنظيم الامسية التأبينية للمرحوم الامير الكنتي الازوادي علواته ولد بادي ولد الشيخ سيدي محمد الخليفة – في دار الشباب القديمة بنواكشوط مساء اليوم الجمعة وكانت المسطرة كالتالي : 1- الربط مع الكاتب الصحفي المتألق السيد : محمد يسلم ولد الشيخ سيدي محمد 2- الافتتاح بالقرآن الكريم مع القارئ : الداه انه 3- كلمة ترحيبية لأحد الرموز الكنتية السيد : خطاري ولد باب ولد حمادي 4- كلمة تأبينية باسم زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي مع امام وخطيب جامع زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي السيد سيدامحمد ولد الشيخ ولد حمادي 5- كلمة تأبينية باسم المجتمع الكنتي في موريتانيا مع السيد د. محمد ولد عابدين ولد سيدي الامين الملقب أنور 6- مداخلة من طرف العلامة الشيخ محمد المختار ولد امباله 7- مداخلة مع فضيلة العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو 8- مداخلة مع فضيلة الامين العام لزاوية الشيخ محمد المامي 9- مداخلة مع ممثل زاوية الشيخ محمدو بمبابا 10- مداخلة أدبية من الادب الحساني مع الاديب الكبير محمد يحي ولد امصيدف 11- الختام وهذا نص البيان : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين كلمة ترحيبية السادة العلماء والأئمة والوجهاء والمشايخ السادة الدبلوماسيون والمنتخبون وممثلو المجتمع المدني بكل مكوناته السيدات والسادة، الحضور الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اسمحوا لي بادئ ذي بدء، وباسم المجموعة الكنتية بكل مكوناتها وجميع امتداداتها من المغرب وحتى بوركينافاسو ومن السنغال إلى ليبيا، أن أرحب بكم جميعا كل باسمه ووسمه، ترحيبا كبيرا وخاصا. فمرحبا قولها باللفظ متحد ولكنها باختلاف الناس تختلف إن حضوركم معنا اليوم في هذه اللحظة الخاصة، برهان قاطع ودليل ساطع على عميق تضامنكم وبالغ مؤازرتكم في هذا المصاب الجلل، الذي لحق بالأمة الإسلامية عموما، ومنطقة الصحراء الكبرى على وجه الخصوص التى خسرت علما كبيرا وقائدا أميرا، ألا وهو الشيخ علواته ولد بادي ولد حمادي أمير منطقة أزواد. أيهــــــــــــــــا الإخوة والأخوات : إن التئام هذا الجمع الغفير من صفوة الأمة ونخبة البلد ضمن فعاليات هذه الندوة التأبينية للفقيد، يعتبر مساهمة مشكورة في التخفيف من وطأة هذا الرزء الكبير، وسعيا إلى تضميد الجرح الغائر الذي تركه في النفوس، ليس على مستوى المجموعة الكنتية فحسب، بل على امتداد المجال الجغرافي للمنطقة وجميع مكوناتها التاريخية والاجتماعية. فشكرا لكم جميعا مرة أخرى على الحضور والمؤازرة وشكر الله سعيكم ..وتغمد الفقيد بنعيمه.. وأدخله فسيح جنانه..ورحم الله السلف وبارك في الخلف. وإنا لله وإنا إليه راجعون..ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم نواكشوط 10 مارس 2013 بيان فقدت الأمة الإسلامية عموما ، ومنطقة الصحراء الكبرى على وجه الخصوص ليل الجمعة الماضي 26 ربيع الثاني 1434 هجرية، الموافق 8 مارس 2013 , علما كبيرا وقائدا أميرا هو الشيخ علواته ولد بادي ولد حمادي أمير منطقة أزواد الذي انتقل إلى جوار ربه في مدينة )قاو( بجمهورية مالي. وبهذه المناسبة الأليمة , فان مجموعة العشائر الكنتية بموريتانيا ترفع أحر تعازيها القلبية لأسرة الفقيد ممثلة في شخص صنوه: السيد عمّه ولد بادي وعبره إلى كافة ساكنة أزواد قبائل ومجموعات مختلفة وكذالك إلى المجموع الكنتي في كل أرجاء المنطقة : بالمغرب والجزائر وليبيا والنيجر ومالى و بوركينا فاسو السنغال. لقد كان الفقيد سليل دوحة كريمة وممثلا لسفارة علمية إيمانية نورانية امتدت في بعض تجلياتها من "بولنوار" إلى " بوتلميت". انبثق المرحوم وأسلافه من رحم رحلة معرفية فكرية روحية حضارية امتدت في فضاءات التاريخ وانغرست في مداءات الجغرافيا..جابت مشارق الأرض ومغاربها..وأنجبت جهابذة العلماء وأفذاذ الأعلام ممن تحتفظ الذاكرة العربية والإسلامية بغزارة عطائهم وعمق حضورهم وإسهامهم في تراث المعرفة والحضارة الإنسانية. وهل علاوته- رحمه الله- إلا فرع لذلك الأصل طاب فطالا؟.. أجل طال ليمتد في عمق الرحلة..ويندغم في ألوان اللوحة، ممتطيا صهوة المجد ..فارس من زمن العطاء والكبرياء، ظل يصل الحلقات بالحلقات ..ويقلب نفائس الصفحات .. بيض الصفائح أو سود الصحائف..لافرق فذاكرة هذه الدوحة غنية بالصلحاء والعلماء..بالفرسان والأمراء. إنه وريث تاريخ ثقافي وعلمي حافل وتراث معرفي مجيد يترجمه) الشيخ الكبير ( الشيخ سيد المختار الكنتي الذي أفاض منطقة السودان وتخومها بعلمه الغزير وفكره المستنير ودعوته التجديدية وحركته الإصلاحية وحرصه الشديد على نشر قيم السلم بين مختلف مكونات الإقليم حتى فتحت له بلاد السودان صدرها، وطار ذكره في الآفاق وارتحل الأئمة إليه، وتوافد الأعيان عليه وتزاحم الطلاب من كل حدب وصوب عنده منبهرين بذكائه واتساع مداركه ونبوغه في البحث  والمناظرة وتركيزه الدامغ على الكليات وتغييبه للمقاصد الكبرى، حيث خلعوا عليه الألقاب وعقدوا له لواء المشيخة الحصرية طبقا لتعبير النابغة الغلاوي : الشيخ بالإطلاق للمختار ابن احمد على الخـــــيار وغيره لابد أن يقـــــيدا باسم به سمي حين ولدا لقد سعا خلفاء الشيخ الكبير من بعده إلى انتهاج استراتيجيته الإصلاحية وحرصه على نشر قيم السلم في منطقة الصحراء الكبرى والممالك السودانية. وتشكل الذاكرة التاريخية لمدينة "تمبوكتو"خير شاهد، إذ أن تلك المدينة الأسطورية تدين بإنقاذها من النهب والإبادة , أربع مرات مختلفة لتدخل الشيخ الكبير أو خلفائه من بعده. • ففي عام 1771, تدخل الشيخ سيد المختار الكنتي من أجل انقاذ تمبوكتو من حصار طوارق " تادمكه " المنتقمين لاغتيال زعيمهم " اكتيتي " على أيدي الرماة ( حكام تمبوكتو) . • ونجح الشيخ سيد محمد الخليفة عام 1825 في إقناع " فلان ماسنة " برفع حصارهم عن المدينة على أن يضمن لهم تمثيلا رسميا لدولتهم الجديدة معترفا به من ساكنة تمبوكتو . • وأيضا نجح الشيخ سيدي المختار الصغير الملقب بادي وهو الخليفة الثاني عام 1847 في إعادة السلم للمدينة بعد تمرد سكانها على سلطة " فلان ماسنة " . وقد اضطر الشيخ للإقامة بتمبوكتو لضمان احترام الاتفاق الذي رعى , حتى توفي بها.و يوجد ضريحه في الجزء الشمالي الشرقي من تمبوكتو , حيث تعرض القبر العام الماضي للتدنيس من طرف القاعدة تماما كما فعلوا بالمدافن الكبرى للمدينة ومن ضمنها ضريح الشيخ سيد أحمد بن أعمر الركادي الكنتي وهو مزار كبير غربي تمبوكتو يطلق عليه مقبرة الأولياء الثلاثة . • أما التدخل الأخير لصالح المدينة فكان عام 1864 , وتم على يد الخليفة الثالث الشيخ سيد أحمد البكاي الذي أستطاع تجنيب "تمبوكتو" الحرب إثر تحالف سكانها مع الطوارق ضد سلطة دولة " فلان ماسنه " حيث ضمن الاتفاق بقاء قاض وجاب " من ماسنة في المدينة مقابل انسحاب الحاميات العسكرية منها. ويحتفظ سكان تمبوكتو بذكرى عطرة لهذا الشيخ المنقذ إذ أنهم أطلقوا اسمه على أكبر ثكنة بالمدينة بعد الاستقلال . وتختزن أيضا تمبوكتو وهي المدينة الحاضنة للتاريخ والثقافة الإسلامية بمالي في ثناياها ميراثا كنتيا آخر ذو بصمة لا تزول ذالك أن ما يناهز 60% من مقتنيات مركز أحمد باب التمبوكتي للمخطوطات ترجع لعلماء وفقهاء كنتيين . ومن بعد هؤلاء الأوائل ذي الذكر الخالد شكل باستمرار من جاء بعدهم : حمادي , سيدي علواته , الميمون , بادي وصولا إلى علواته الراحل حجر الزاوية في استقرار منطقة أزواد والمحافظة على وحدة الكيان المالي وتعانق شعوبه . ولم يكن لحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي سادت مالي وأزواد منذ عام 1991 , أن تظهر إلا بعد رحيل الأمير بادي ولد حمادي وابن عمه بودمعة ولد سندي ( منطقة هاري بندا ) الذي كان نائبا في البرلمان المالي وشيخا روحيا كبيرا متنفذا إبان حكم الرئيس موسى أتراورى . فقد أدى تراجع مكانة الأمراء التقليدين الذين لم يعودوا يحظون بنفس المكانة والاعتبار من طرف الحكم المركزي المالي , إلى إيصال المنطقة إلى خلخلة القواعد بشكل مستديم ومأساوي بحيث أودت المفاعيل المتراكمة بالجميع في أتون الكارثة الحالية التى تعيشها منطقة الساحل . إننا نضع الجميع , الحكومة المالية وفرنسا والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أمام مسؤولياتهم اتجاه الإمارة التقليدية الكنتية بمالي التي فقدت خليفتها في هذا الوقت العصيب الشيخ الأمير علواته الذي تأتي وفاته أياما بعد عودته من اختطاف جبان وإجرامي نفذه أعداء الإسلام والوحدة المالية وأعداء السلام والإزدهار والتنمية , نعني بذالك مهربي المخدرات بمنطقة "تلمسي" الذين أضحوا يلتحفون بسلفية حركة التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا والذين لا يزالون يواصلون فسادهم وبغيهم في أرض قاوة. لقد دفع المرحوم "علواتة" ضريبة كبرى بشجاعته وجرأته في الوقوف علانية وبكل صدق مع وحدة شعبه وبلده . أن عاصمة الإمارة بلدة " أكمهور " تحتاج اليوم إلى الحماية العسكرية والإعانة اللوجستية ) الغذائية والطبية( . فالأمير علواته لم يقبل في حياته أبدا الرحيل عن أرضه أو اللجوء بمن معه إلى الخارج كما اضطر إلى ذالك الكثيرون في أزواد والآن وبعد شهادته في سبيل دينه ووطنه وشعبه يتعين على الحكومة المالية وكل الأطراف الفاعلة أن تكون على قدر التحدي وإلا فإن الضمير الجمعي الكنتي سيشعر بالخذلان من تقاعس تلك الأطراف عن النهوض بمسؤولياتهم السياسية والأخلاقية والإنسانية كما نهيب بالحكومة الموريتانية وعلى رأسها فخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز الذي كانت له البصيرة النافذة لاستبانة خطر الإرهاب وامتلك الشجاعة لمحاربته مبكرا في أوكاره بشمال مالي , واستنهاضا لروح المسؤولية لديه وتأسيسا على اهتمامه الراسخ بالعمل على وحدة واستقرار الجار المالي , إلى استخدامه لنفوذه الكبير لدى جميع الأطراف الفاعلة بالشمال المالي للتعاطي الجاد والسريع مع هذه القضية الملحة والتي تشكل مصدر انشغال كبير لطيف واسع من الشعب الموريتاني الذي يرتبط في مجموعه بالشعب المالي عبر أواصر الدين والقربى والجيرة والتاريخ المشترك . أيها الإخوة والأخوات، لقد رحل عن عالمنا فقيد الأمة والمنطقة، علواتة ولد بادي ولد حمادي، ولسان حاله يقول : سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وسنظل نذكره ولسان حالنا يقول : إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك لمحزونون غير أننا لا نقول إلا  ما يرضى ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا القائل : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون). القائل : (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتن الذين من قبلهم فليعمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). القائل : (وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). القائل : (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها). القائل: (من يعمل سوء يجز به ولا يجد من دون الله وليا ولا نصيرا). القائل: (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). و الصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم. الذى صح عنه أنه قال : (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ) الحديث . وصح عنه أنه قال : (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وصح عنه أنه قال في أحد بنود إعلان مكة ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذ ا في شهركم هذا في بلدكم هذا ). وصح عنه أنه قال (كل المسلم على المسلم حر ام دمه وماله وعرضه) وصح عنه أنه قال : (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتا رك لدينه المفارق للجماعة). وجاء الوعيد من رب العالمين تشنيعا للقتل وتنفيرا للناس منه وتعظيما لحرمة الدماء. فقال جل وعلا في محكم التنزيل : (ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). صدق الله العظيم . ها نحن نجتمع اليوم في هذا الجمع الكريم وهذا المقام المهيب وهذا الظرف العصيب. تشبثا بحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فهذه أمة الإجابة جسد واحد وهى اليوم أحوج ما تكون للتآخي والتراحم من أي وقت مضى. لقد تفرقت الأمة شذر مذر فرقا ونحلا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون . كل يدعى وصال ليلى @ وليلى لا تقر لهم بذاكا. من هنا ندعو لوحدة المسلين في كل بلد ونعبر عن رفضنا واستهجاننا واستنكارنا لسفك دماء المسلمين المسالمين ظلما وعدوانا غدرا وهدرا وبغيا وطغيانا لا يرقب من قام به إلا ولا ذمة ولا يراعى فيه شرعة ولا إنسانية يمارس فعلته بكل غطرسة ووحشية في شخص مسلم مسالم تقي نقي حسبما بلغنا من سيرته وشنفت به آذاننا ممن يوثق به من اهل صقعه ومعارفه واقرانه ولا نزكي علي الله احدا انه الشيخ والامير علواته ولد باد ولد حمادي ولد الشيخ سيد المختار الصغير الملقب باد بن شيخ الاسلام الشيخ سيد محمد الخليفة بن شيخ الشيوخ وعمدة اهل العلم والرسوخ خاتمة السلف وعين أعيان الخلف مجتهد عصره ومجدد قرنه واوانه بشهادة اهل الحل والعقد من اقرانه انه الشيخ سيد المختار الكنتي نجارا الأزوادي دارا ومدفنا العقبوي الفهري العالمي علما وشهرة واصلاحا وصلاحا حيث كان قمرا سيارا. فهذا الفقيد علواته شبل من ذاك الأسد. وهذا الفقيد علواته غصن من شجرة كنتية أصلها ثابت في أرض الشريعة و فرعها شامخ إن شاء الله في سماء الحقيقة. أيها الإخوة الكرام صلوا علي نبيكم نبينا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم كما أمركم خالقكم. صلوا علي من قال أنتم شهداء الله في خلقه. فشهادتنا علي الأخ علواته ليست من باب إلقاء الكلم علي عواهنه ولا من باب الإطراء وذكر المرء بما ليس فيه بعد مماته فقد جالسته شخصيا إبان قدومه إلي انواكشوط سنة 2012 المنصرمة فاستقرأت فيه صدقا وتواضعا وسماحة ورباطة جأش وعزوفا عن الدنيا وشهامة ومهابة تعلوها حلاوة وطلاوة (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين). فرحم الله الشيخ الأمير علواته بن باد وأسكنه فسيح جناته وغسله بالماء والبرد والثلج وأبدله أهلا خير من أهله ودارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه. وجعله من الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وجعله ممن يؤتون كتبهم بأيمانهم وجعله من المصطفين الأخيار وألحقه بالذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجعله ممن يحظون بالحسني وزيادة وتلك النهاية (وأن إلي ربك المنتهي). أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عبد ربه الغني به : سيد محمد الشيخ سيدن

الأحد، 28 يوليو 2013

جُنة المُريد دون المَريد


كتاب نفيس يصدر تحت عنوان :"جُنة المُريد دون المَريد تم بحمد الله وحسن توفيقه تقديم كتاب من أنفس كتب التراث في افريقيا جنوب الصحراء ألا وهو " جنة المُريد دون المَريد" لمؤلفه : الشيخ سيدي محمد الخليفة .
وفد قام بعمل الدراسة والتحقيق مشكورا ومأجورا السيد الدكتور محمد المهداوى من المملكة المغربية بإشراف ورعاية من الرابطة المحمدية للعلماء ومركز الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة.
وقد قام المحقق بمجهود كبير وقيم حيث قسم الكتاب الى جزأين :

- الجزء الاول " الدراسة " يقع في 209 صفحة خصصها المحقق للحديث عن المؤلف وكتابه
1 المؤلف : التعريف بالشيخ سيدي محمد الخليفة نسبه ونشأته وتكوينه العلمي والصوفي في ظل الاشعاع العلمي والروحي للزاوية الكنتية كما تم التطرق لمكانته العلمية ومرجعيته الروحية اضافة الى ذكر الانتاج الفكري له ولشيخه ووالده الشيخ سيدي المختار الكنتي والحديث عن الطريقة القادرية ومراحلها الى وصول الشيخ سيدي محمد الخليفة الى التربع على عرشها في بلاد السودان والصحراء كما تم سرد تلامذة الشيخ ومريدوه
2 الكتاب : وفي سياق تقريب الكتاب من القارئ خصص المحقق تمهيدا وثمانية مباحث كالتالي:
- المبحث الاول الكلام عن عنوان الكتاب ودواعي التأليف
- المبحث الثاني موضوع الكتاب وأهم مضامينه
- المبحث الثالث مصادر المؤلف في الكتاب
- المبحث الرابع الخصائص العامة لمنهج المؤلف في الكتاب
- المبحث الخامس قيمة الكتاب وأهميته
- المبحث السادس وصف النسخ المعتمدة في التحقيق
- المبحث السابع الطريق المتبعة في التحقيق
- المبحث الثامن خلاصة عامة وملحق " عبارة عن نص رسالة ووجهها الشيخ سيدي المختار الحفيد الى المولى عبدالرحمن بن هشام "
-
الجزء الثاني يقع في 725 صفحة " النص محققا "
وقد اعتمد فيه المحقق على أربع نسخ أقدمها تم الفراغ من نسخها في فاتح محرم 1242 في السنة التي توفي فيه الشيخ سيدي محمد الخليفة .... كما اجتهد المحقق في تخريج الايات والاحاديث والتعريف بالاعلام والمعالم وشرح الغامض من الالفاظ اضافة الى وضع فهارس عامة للكتاب (للايات والاحاديث والقوافي والاماكن والمصادر والمراجع وفهرس للمحتويات )
****معنى عنوان الكتاب : "جُنة المُريد دون المَريد"


يتألف عنوان الكتاب من ثلاث كلمات هي : "جُنة المُريد دون المَريد" فالجُنة معناها الوقاية ، والمريد اصطلاح صوفي يقصد به السالك طريق القوم الذي نور الله بصيرته بنور الهداية ، والمَريد يقصد به الشيطان الرجيم الذي يكيد ويوسوس للمُريد الساعي الى تهذيب نفسه

سيداعمر ولد حمه لمين رئيس مجمع الشيخ سيدالمختار الكنتى

محمد محمود ولد ودادي


  
كتاب " بول مارتي": قام بتعريبه السفير السابق الدكتور محمد محمود ولد ودادي، الذي ترجم أيضا للمؤلف بعض كتبه الأخرى مثل :"تنواجيو " ،" كنته الشرقيون " و" البرابيش"، وهي أجزاء من سلسلة ضخمة تضم أحد عشر كتابا وثلاثين دراسة أعدّها الكاتب الفرنسي عن الإسلام وشعوبه في المنطقة التي تضم الآن أجزاءً كبيرةً من دول مالي والسنغال وموريتانيا، وما يعنينا من تلك الكتب هو مرجعه هذا عن القبائل البيضانية التي استغرق " مارتي " في دراستها ثماني سنوات ما بين 1912 و 1920 والبيضان تنطق محليا في موريتانيا بالظاء : بيظان، هو المعني الذي ارتآه المعرب كمقابل للمفهوم الفرنسي Maure، وقد عرض " مارتي " تاريخ هذه القبائل التي بلغت بحسبه حوالي اثنتا عشر قبيلة رئيسية. 

الجمعة، 26 يوليو 2013

البنك الدولي للعقول مقترح إلى منظمة المؤتمر الإسلامي

    
   البنك الدولي  للعقول
 مقترح إلى منظمة المؤتمر الإسلامي   
عندما يُذكر البنك يتبادر إلى ذهن السامع- لأول وهلة- محل إيداع الأموال،وإدارة الأرصدة والسندات...ونحن بحمد الله جل إقبالنا منصب على ذلك المنحى.
وإذا انتقلنا إلى المجاز قليلا قد يخطر ببال السامع "بنك الدم"، حيث تجمع- بشتى الطرق - أكياسه وصفائحه في المستشفيات، لإمداد المرضى والمصابين بها عند الحاجة، ونحن أحوج ما نكون اليوم لمثل هذا البنك لكثرة ما نزف من دمائنا في هذه العشر الأوائل من القرن الحالي ،  كما قد يخطر بذهن السامع أيضا - في هذا السياق- "بنك المعلومات" الذي يعني خزان القواعد البيانية، في شتى حقول المعارف والخبرات، والذي مازال لم يأخذ موقعه المكين في التداول الاصطلاحي، ضمن جهازنا المفاهيمي، لتدني اهتمامنا بتخزين  المعارف، والاستثمار فيها.
وعلى ضوء هذا وجدتني- وأنا في دوامة العصف الفكري الذي يغرق فيه المتتبع للمؤتمرات والندوات المتلاحقة في الدوحة عاصمة قطر، حيث تزدحم العقول، وتتبرج المعارف والخبرات- أفكر في إمكانية إنشاء مشروع  "بنك دولي للعقول الإسلامية"، وخصوصا أن هذه الفكرة تولدت لدي وأنا أتابع وقائع مؤتمر "محاكاة منظمة المؤتمر الإسلامي"،الذي نظمته كلية الشريعة بجامعة قطر، فأبدع طلابها في تمثيل أدوار جل الدول المنضوية في عضويتها ، بدرجة جعلتني أستشعر أن الصورة هنا ربما تكون أفضل من الأصل وعيا وطرحا وتحليلا، فهجس في خلدي أن هذه الدول- بغنى تركيبتها السكانية والجغرافية والحضارية، وبثرائها الاقتصادي والمعرفي- قادرة على أن تخرج من واقع التخلف المناقض تماما لإمكانياتها وموقعها وخلفياتها،ووجدت أن التركيز في هذا السياق على اقتصاد المعرفة أولى، لأن إهماله والتركيز- بالمقابل- على السياسة الجوفاء ، والاقتصاد المالي، المُتَحَكَّم في خيوط لعبتهما  من طرف القوى الخارجية المهيمنة ، هو أكبر سبب  لتردي الأوضاع المستشري في عالمنا منذ عقود وعقود...لأن هذه القوى الخارجية الموصوفة بالعظمة والهيمنة لا تملك – مع تقدمها- ما نملك – مع تأخرنا – من موارد بشرية واقتصادية، ولكنها أدركت أن طريق تقدمها،وضمان تطورها وقوتها، هو أن تترك هذا العالم الإسلامي يسبح في سياساته الديكتاتورية العرجاء، ونُظُمِهِ الاقتصادية المتهالكة العمياء،وذلك – يا للمفارقة!- عبر استغلال ثرواته الاقتصادية المُتَنَاهَبَةِ، وتسيير دورتها بعقوله العلمية المهدورة والمهجورة داخل أوطانها، والمعتبرة المستثمرة خارجها، من لدن حتى أعدائها- ويا أ سفاه- في بعض الأحيان.
ومادامت منظمة المؤتمر الإسلامي أرخبيلا من الدول التي يعتبر دينها  أكبر جامع لشتاتها، رغم احتوائها لكيانات متعددة في نواظمها الداخلية، مثل جامعة الدول العربية،بما فيها اتحاد دول الخليج العربي، واتحاد المغرب العربي،وكذلك بعض الكتل الآسيوية بما فيها نمورها ، إضافة إلى غالبية دول الاتحاد الإفريقي، فإن اهتمام هذه المنظمة بفتح بنك للعقول الإسلامية المتناثرة عبر العالم، يفوق في أهميته- حسب نظري- تجربة البنك الإسلامي،والبنك العربي ...، حيث إن رأس المال المعرفي أهم من رأس المال الاقتصادي،  باعتبار الأول فاعلا، والثاني مفعولا به، رغم ما يكتنف تفاعلهما من جَدَلٍ خلاَّق ، قد يؤدي بعلاقة الفاعلية والمفعولية بينهما إلى حالة الدور والتسلسل، لا سيما إذا توفرت لهما السياسة الذكية المدركة  لسر التباس تأثير بعضهما ببعض، كما هو حال العقول اليهودية عبر العالم ، التي تستثمر المال في العلم والإعلام ، وتستثمر العلم والإعلام في المال، متحكمة بهذه الجدلية العتيدة في مفاصل صنع القرار الدولي، وفي توجيه بوصلة الرأي العام، حيثما اتجهت مصالحها الخاصة.
إن فكرة هذا البنك- كما أراها- هي عبارة عن خلق جهاز ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي، مهمته رصد العقول العلمية في كل دولة من أعضائها،وجمع سيرهم الذاتية في قاعدة بيانية ، باعتبارها أرصدة رمزية بالغة الأهمية في بناء الأمم وتقدم عجلة تنميتها وحضارتها ، وذلك عن طريق وضع هذه العقول رهن سداد حاجات السوق الداخلي لدول المنظمة أولا، ثم تصدير فائضها- دون تسليع ممجوج، أونخاسة مرفوضة - عبر تصريف رساميلها ، بشكل منظم ومؤسسي،إلى الخارج ،حسب الطلب، وبشروط مقننة وممتازة، حتى لا تظل العقول الإسلامية مُتَنَاهَبَةً بين الدول الأجنبية ، تمتص رحيقها، وتستهلك طاقاتها الجبارة، بأقل الأثمان، وحتى ضد مصالح بلدانها أحيانا، مستغلة حالة الضياع والتشرد والإهمال، وحتى المطاردة- في بعض الحالات- لهذه العقول من طرف أمهات أوطانها،ويالها من أمهات.!
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه العقول لن ينفعها أن تظل سيرها الذاتية وخبراتها المعرفية والمهنية أرصدة مجمدة ، تنتظر من يطلبها في سوق كاسدة، بل لابد من تضحية منظمة المؤتمر الإسلامي بتسويق هذه الأرصدة الرمزية، وبتوفير وضعية يحصل عليها السكوت، لكل عقل مخزن لديها ، ما لم تتوفر له الجهة الراغبة فيه داخليا أو خارجيا، ولأن هذا الشرط قد يكون القشة التي تقصم ظهر مشروعنا المقترح وهو في مهده، كان لا بد أن أفكر في حل معقول،يكمن في ضرورة نظر منظمة المؤتمر الإسلامي إلى هذه العقول باعتبارها مشاريع استثمار، وكما أن مكاتب استيراد وتأجير اليد العاملة، من المفروض أن تتكفل بمن تستورد،  سواء وجدت له مستخدما أم لا، في انتظار الربح الذي ستجنيه من يديه فور تشغيله، فإن المنظمة ينبغي أن تنظر إلى هذا المشروع من هذه الزاوية على الأقل، فتقتطع من ميزانيتها جزءً للاستثمار في هذا المجال،على أن تسترده – بعد التشغيل- من  رواتب علمائها المضمونة خارجيا، إنْ لم تتوفر داخليا، فأمريكا وأوربا- مثلا- لا تنظران إلى العقول العلمية التي يزخر بها العالم الإسلامي بالمنظار الذي تراهم به أوطانهم دولا ومنظمات، وإنما تعتبران أن هذه العقول العلمية روافع جاهزة وضرورية لتنمية القارتين المتقدمتين والمتفوقتين بواسطة مثل هذه الأطر، حيث يرون أن نمو مجتمعاتهم المتناقص ديمغرافيا، لا يساير توسع حاجاتهم التنموية المتزايدة باضطراد، ثم يحسبون- أيضا-:كم كان سيكلفهم إعداد كفاءات وطنية أمريكية أو أوربية بمستوى هذه العقول الإسلامية ، وبمجرد عملية جمع وطرح غير معقدة ، يتجلى لهم – بما لا يدع مجالا للشك- أنهم الرابحون ، مهما قدموا لهذه الكفاءات المستوردة، حيث لن يكون إلا مجرد فُتات، بالمقارنة مع ما يتطلبه تكوين مثيلاتها داخل أمريكا وأوربا، وهكذا ظلت عقول الدول الإسلامية مُضَيَّعَةً بين مطرقة أوطانهم الأزلية ، وبين سندان مواطن هجرتهم الاضطرارية، فبلاد الهجرة عموما - والغربية منها خصوصا – تحتاجهم، ولكنها تريدهم بأقل من نظرائهم المحليين، وفق معايير انتقائية ، تُحْكِمُ إغلاق حدودها، إلا في وجوه المهاجرين النوعيين، من ذوي العقول الكبيرة، أو الجيوب المنتفخة، أو الأرجل اللاعبة ، حتى إن بعض واضعي شبكات الكلمات المتقاطعة، يعبرون عن كندا- مثلا- بالبلد الذي يصطاد الأدمغة، وهي ليست بدعا في هذه الهواية الاحترافية، فهذا شأن القارة الأمريكية كلها، القائمة على أكتاف المهاجرين منذ اكتشافها،وهي تسمى: " امبراطورية العقول المستوردة "، وقد ظل للعقول الإسلامية موقع بارز في تنميتها وتقدمها، حتى بعد الحادي عشر من سبتمبر، ويكفي هنا أن نذكر العبقري: فاروق الباز في وكالة نازا، الذي هو صنيعة علمية مصرية خالصة، نشأ علي يد أساتذة مصريين ، ظل يعترف بأنهم – وحتى بعض زملائه- كانوا أعلم منه،ولكنه عاش-وإياهم - في وطنهم معيشة ضنكا، حتى أقتنصته " نازا " ،وانتشلته من الضياع، وكذلك العبقري: أحمد زويل، الذي هو الآن مستشار علمي للرئيس الأمريكي:أوباما، وليس مستشارا- ويا للمفارقة-لأي حاكم عربي، ولا حتى مسلم !، والأدهى أن كلا من الرجلين قدم مشروعا علميا – في اختصاصه- كفيل بالمساهمة الفعالة في النهوض ببلده،ولكن الرئاسة وبطانتها التي تزين لها- دائما – سوء أعمالها، كانت تنظر إلى المشروعين - كل في وقته - بعين الريبة والتوجس، وتعتبره تهديدا لشعبية الحاكم، مقابل شعبية العالم، فترمي به في سلة المهملات ـ رغم أن العالمين،لم يفكرا في هذه المآلات السياسية الضيقة.
 أما في في فرنسا فنجد أن ساركوزي - خلال حكمه- كان قد أثار ضجة بإعلان عدائه للمهاجرين غير النوعيين، وألمانيا وإيطاليا  وإسبانيا...ظلت تدافع النزعات الشوفينية للأحزاب اليمينية فيها ضد المهاجرين المسلمين والأفارقة خصوصا، بأن تنمية هذه البلدان الأوربية لا يمكن أن تعتمد على  صفوة أبنائها الآئلة للانقراض ، بل لا غنى لها عن هذه العقول المهاجرة ، مهما كانت درجة العداء للإسلام والمسلمين.
 هذا في الوقت الذي وجَدتْ فيه هذه العقول الإسلامية نفسها داخل بلدانها ، مُكَوَّنَةً – هكذا- بدون سابق تخطيط حصيف، وحين أصبحت جاهزة لرد الجميل لهذه الأوطان أدركتْ- ويا للمفاجأة! – أن حكومات دولها تبدو كما لو كانت درَّسَتْها داخليا، وابتعثتها خارجيا خطأ، أو بمحض صدفة عمياء، في غفلة من الزمن والرشد والحكمة، وعندما رأتهم  طوابير ينتظرون العمل المشروع المناسب لكفاءاتهم- بينما مواقعهم مشغولة بأنصاف الجهال، وذيول الأنظمة المستبدة هنا وهناك - أصبحت هذه الحكومات-ا لمعادية للمعرفة دائما- تراهم مصدر قلق، يجب قمعه، وتجويعه، وتهميشه، وتحقير المعرفة والخبرة اللتين يزهون بهما،وتمرغيمها تحت أقدام الجهال المُمَكَّن لهم في الأرض، حتى يموت هؤلاء العلماء غما،أو يودَعوا غياهب السجون بشبهة المعارضة، أو ينفوا من الأرض، لتنهض  بعقولهم المحتقرة في مساقط رؤوسهم، بلاد الغرب والشرق المتقدمة ، في حين تستورد هذه الدولُ الإسلامية- الطاردة لعقولها الفعّالة- كفاءاتٍ أجنبية بامتيازات مضاعفة لما يتمتعون به في بلدانهم الغربية، مع أن نظراءهم من بلاد الإسلام متوفرون  بكفاءات عالية،ربما داخل الدولة ذاتها، فإلى متى نظل نعقتد أن "زامر الحي لا يطرب" ، وأن" العود في أرضه نوع من الخشب"؟ غير مفكرين- بالمقابل- في مقولة : " وظلم ذوي القربى أشد مضاضة".
أعتقد أننا الآن مطالبون بمراجعة مسلماتنا حول أنفسنا،فإن "في الإمكان أبدع مما كان"، وليس  التخلف قدرا مكتوبا- أزلا- في سجل المسلمين، كما يراد لنا أن نعتقد، بل نحن نملك من مقومات التقدم والتفوق الحضاري ما لا يتوفر لغيرنا، ممن هم - الآن- أكثر تقدما منا، ولكننا نحتاج مجرد "إرادة الحياة"، وحسن إدارتها،تصميما على تغيير ما بأنفسنا.
ولا شك أن مناخ الثورات الذي يجتاح اليوم عالمنا يمثل لحظة مواتية للمثقفين والساسة من أجل إنتاج الأفكار، بدل الاكتفاء باجترار ما أنتجه الآخرون، بطريقة ببغاوية ،لا سيما إذا كانت تلك الأفكار المجترة سلبية في حقنا.
ولعل فكرة تأسيس هذا البنك العلمي تكون فاتحة شلال من الأفكار البناءة القابلة للانجاز، إذا وجدت من يملك "زمام المبادرة"،ومقود القيادة والريادة،وخصوصا إن الإحساس بالحاجة الملحة إلى الموارد البشرية أصبح يفرض نفسه ربما أكثر من أي وقت مضى ، وآخر مثال على ذلك"منتدى الدوحة،ومؤتمر المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط"،في الشهر الماضي، حيث صرح رئيس وزراء قطر بأن" الاقتصاد العالمي مقبل على أزمة جديدة بسبب تراجع معدلات النمو في أوربا وأمريكا"، وأكد وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام : "أن الموارد البشرية عامل رئيسي في تحقيق التنمية المستدامة، وعليه فإن مراجعة الخيارات التنموية ضرورية"، بينما أعتبر جورج ميتشل:" أن الشرق الأوسط - وحده- بحاجة لخلق أربعة ملايين فرصة عمل سنويا"، كما خلصت جلسة الأزمة المالية في هذا المؤتمر إلى " أن البطالة ساهمت في صنع الثورات العربية"، وأنا أضيف إلى ذلك أن هذه الأزمة ذاتها ساهمت - أيضا- في تصدير هذه الثورات حتى إلى أمريكا وأوربا، فهل يُساوِرُنا – بعد هذا- شك في جدوائية إنشاء مثل ذلك البنك الدولي للعقول الإسلامية؟
وعلى كل حال هناك إحصائيات هائلة حول وفرة عدد هذه الأدمغة العلمية الإسلامية، وأخرى صادمة حول نزيف هجرة عقولنا المبدعة من عالمنا الزاهد فيها، الطارد لها، إلى العالم الغربي ، الجاذب المستقطب لها،وهناك ثالثة أعنف صدمة حول تدني نسبة النفاق العلمي في بلداننا ، مقارنة مع إسرائيل على سبيل المثال.
وانطلاقا من كل ما تقدم أعتبر أن منظمة المؤتمر الإسلامي ربما لن تنجز مشروعا أكثر نفعا على أعضائها –حاضرا ومستقبلا- من إعادة هيكلة عقولها العلمية، والاستثمار فيها وبها، داخليا، وخارجيا، وهنا لا يفوتني أن أسحل لمؤسسة قطر سبقها في محاولة استقطاب هذه العقول الكبيرة، للعمل ضمن مشرروع المدينة التعليمية، وبما أن سقف طموح هذا الاقتراح يرقى إلى مستوى تطبيقه في الإطار العام لهذه المنظمة ، فإن ذالك لا يمنع من تطبيقه جزئيا، وبصفة تدريجية، إذا تعذر تعميمه، لأن" ما لا يدرك كله، لا يترك جله"، وحينئذ يمكن أن ننشئ بنكا للعقول العربية، في إطار"جامعة الدول العربية"، أو مؤسسة العمل العربي، فإنْ لم يمكن، فلتحاول ذلك دول " اتحاد الخليج العربي"، أو دول "اتحاد المغرب العربي"، أو لتتبناه الدول الإسلامية الآسيوية، أو الدول الإسلامية الإفريقية....ففي كل دائرة من هذه الدوائر أرصدة هائلة من العقول العلمية الكافية – إنْ أُحْسِنَ استثمارها- لنهضةٍ تنموية جبارة، إلا أن من المؤسف جدا أن الفضاء الإقليمي أو القُطْري قد لا يكون مدركا لحدود طاقاته العلمية، لعدم وجود قوائم أو قواعد بيانية لباحثيه،وغياب خرائط توضح توزع عقوله عبر العالم، فنحن- مثلا- في موريتانيا المشتهرة بالتفوق في اللغة العربية وعلومها- حتى عرفت في المشرق والمغرب بـ "بلاد المليون شاعر"- حاول مرة عبقري الرياضيات فينا  لبروفسور المرحوم يحي بن حامد، المصنف أولا في اختصاصه الدقيق، على مستوى العالم العربي، وثانيا أو ثالثا على المستوى الدولي،أن يُنَظِّمَ في بلده مؤتمرا للباحثين الدوليين الموريتانيين في العلوم البحتة، فلبَّى دعوتَه عشراتُ الباحثين، في أعرق الجامعات الدولية  بأمريكا وأوربا وغيرهما، ممن لا علم لدولتهم بوجودهم أصلا، هذا مع ضرورة ملاحظة أن هناك الكثير من عقولنا العلمية التي يعرفها الأستاذ ولم تصلها دعوته، أو وصلتها دعوته وتعذر عليها الحضور، فضلا عمن جهلهم المرحوم يحيى بن حامد من عباقرة موريتانيين، منتشرين في أرض الله الواسعة،لا يأبه لهم وطنهم، ولا هم يأبهون له، لتفريطه في رعايتهم، وزهده في استقطابهم، مع شدة حاجته إليهم، رغم أن جلهم مستعد لخدمة وطنه بأقل ما يحصل عليه السكوت من امتيازات، وقد عبر عن ذلك من حضروا المؤتمر العلمي السابق ذكره، حيث أعلنوا عرضهم الجميل للرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع المخلوع منذ سنة2005،حيث كان مؤتمرهم في أخريات أيام حكمه، ولم يتجاوب مع ذلك العرض المغري ،وترك صوت ضميرهم الوطني يضيع صرخة في واد.
وإذا كان  هذا مجرد مثال، من ذلك البلد المُنْتَبِذِ مَكانا قصيا، همزة وصل ، بين الوطن العربي ، وبين القارة السمراء،فما بالك بالدول،الأقدم تأسسا، والأعرق تمدرسا، و الأكثر عددا وعدة!؟
مهما يكن، فأنا أدرك أن سوق العقول- في هذا الزمن الرديئ - أصبحت بائرة، لدرجة أن السجال تحول من الجدل بين"العقل والنقل" قديما، بدون ترجيح نهائي، إلى سجال جديد بين"العقل والرِّجْل"، حُسم فيه النزاع بتفضيل الأقدام على الأفهام،ورجحان "الجسم على العلم"، حتى أضحت ركلات اللاعبين، وتراقص الفنانات- بضع دقائق- فوق المسارح، تكافأ بالملايين،وتُجْنَى منها المليارات، في وقت يموت فيه العلماء والأدباء جوعا، ولا يَتَلَقَّوْنَ- مقابل عصارة أفكارهم، ورحيق آدابهم وأشعارهم- إلا"دراهم معدودة"،إنْ وجدتْ أصلا، لأن الجميع في إبداعهم من الزاهدين.
مهما يكن، فإن العقول- في عالمنا الإسلامي- لن يُحْتاج إليها أكثر من فترة كهذه، يسودها السفه والنزق والجنون،ويقود الجهل سفينتها الجانحة، في بحر لُجِّي من الأحداث المتلاطمة.
وفي الختام، يبقى مشروع البنك الدولي للعقول الإسلامية، مقترحا بناء لمن "ألقى السمع وهو شهيد"،إلا أنني أخاف أن ينتحله بعض المستثمرين "الشاطرين"-ضمن فضاء منظمة المؤتمر الإسلامي- فيعبئوا هيكله المقترح بغير العقول،مؤسسين : "البنك الدولي لأرجل اللاعبين الإسلاميين"، أو "البنك الدولي لخصور الراقصات الإسلاميات"...،لأنهم يعتقدون- خطأ- أن الاستثمار هنا أربح منه هناك، ولكنني أتوعد من تسول له نفسه ذلك بمقاضاته دوليا،لاعتدائه على الملكية الفكرية،فمن الظلم الفادح أن تسرق الأثرياء الأفكار ممن لا يملك غيرها.
                  د- أدي ولد آدب- باحث موريتاني- مقيم في قطر


قبيلة كنتا بين البداوة والتمدن للباحث الاستاذ عبد الله موما البوعطاوي


هجرات الحسانية قد نشرت النظام القبلي الحربي ، و حياة البداوة الظاعنة مما أدى إلى تقلص الحياة الحضرية و إنحصار حياة الإستقرار ، هذا ما يفسر إنحصار المدن بمجال البيضان بعيدا إلى الشرق حيث يقل نفوذ هاته المجموعات القبلية أو ينحصر، و إذا إستثنينا إمارة أولاد مبارك الحسانية التي قامت ببلاد الحوض الموريتاني في الفترة ما بين ( 1712 – 1854 )، التي نمت و ازدهرت و بسطت هيمنتها على المنطقة ، و التي عملت على إستيعاب حاضرة ولاتة و حمايتها ، من هنا توافرت حدود مقبولة من الأمن لقوافل الميرة و مصادر العيش لزوايا المدن و البوادي الواقعة تحت نفوذ هذه الإمارة ، و إلى يومنا هذا لا زالت سيرة أمراء أولاد مبارك طيبة في مجمل البلاد البيضانية لما يشاع عنهم من عدل و حسن سياسة و تدبير ، و الأكثر من ذلك ما تحلى به هؤلاء الأمراء من نزوع نحو التدين ، و رغبة في التعلم حتى أن السلطان ( الأمير ) كان يسلم يوم توليته السلطة لوح سلفه مستأنفا الإفادة من دروس الفقه التي يقدمها يوميا كبير قضاة الإمارة و قد نزعت الإمارات البيضانية إلى "الذود عن أهل العلم والصلاح" .
لقد كانت علاقة كنتة وطيدة بالمدن ، فرغم كون الأغلبية الساحقة من الكنتاويين كانوا أهل بادية ، يحلون و يرتحلون و يظعنون لمواشيهم ، إمتلكوا قطعانا مهمة من الأغنام و الإبل و الأبقار و تكيفوا مع حياة البداوة و التي تلزم صاحبها بالتنقل الدائم بحثا عن المرعى لماشيته ، و الأمن لأهله و عشيرته ، إلا أن هذا لم يمنع هذه القبيلة من المساهمة في الحياة الحضرية بالبلاد البيضانية ، من خلال إستقرار أعداد مهمة من الكنتاويين بالمدن ، بل الأكثر من ذلك تشييد مدن جديدة ، و تنميتها حتى استقطبت أعدادا مهمة من البيضان ، و من أهم المدن التي شيدها الكنتيون ، نجد المدن التالية :
قصر البركة : حاضرة تقع قرب الواد الأبيض القادم من تيجكجة ، و قد مكن هذا الموقع قصر البركة من مراقبة القوافل القادمة من المغرب الأقصى و المتوجهة إلى ولاتة و تلك القادمة من أدرار نحو تيشيت ، يقول محمد بن المختار بن بده في كتابه سطور في تاريخ حاضرة قصر البركة ' قامت مجموعة أولاد سيدي حيب الله ببناء أول حاضرة في الشمال الغربي من تكانت على رأس القرن الحادي عشر الهجري و قد استوطنته جماعات من أبناء سيدي محمد الصغير ( كنتة الغرب ) و دليل ذلك وجود أضرحة بعضهم بالقصر إلى اليوم ... و قد روعي في إختيار هذا الموقع التوسط بين شنقيط شمالا و بلاد النهر الصنهاجي في الجنوب و تمبكتو شرقا و باغنة جنوبا' لقد ظلت حاضرة قصر البركة إلى حدود دخول الفرنسيين تقطنها بطون من كنتة ( أولاد سيدي حبيب الله ، أهل آدبه ) و مجموعة من قبائل إدوبسات ' وجمع من قبائل بني حسان و هم أولاد ملوك البيض و الخضر و الزاقورة و البريكات و أولاد كافي و الكواطيط و جماعة من تكاط' ، تعرض القصر للهدم سنة 1822 م من قبل أهل سيدي محمود في الحرب الناشبة بينهم و بين كنتة ، و تماشيا مع الهدف الأساسي الذي شيدت من أجله يضيف صاحب ديوان الصحراء 'و أصبحت حاضرة قصر البركة منذ ذلك الحين تزخر بالعديد من الفقهاء و العلماء و ظلت تدرس فيها جميع العلوم و كان طلاب العلم يفدون إليها من كل فج و معاشهم فيها جيد و منظم' .
الرشيد : قصر عامر أسسه بطن من كنتة يعرف بأهل سيدي الوافي في القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي أي في حدود سنة 1723 ، إذ بناها سيدي أحمد بن سيدي الأمين بن الطالب سيدي أحمد بن سيد عمر بن محم بن سيد الوافي بن سيد بوبكر بن الشيخ سيدي محمد الصغير هدم على يد أهل سيدي محمود في حربهم على كنتة ، و قد ظل الرشيد علما لكنتة و خصوصا أولاد سيدي الوافي ، و لا سيما في حربهم على أهل سيدي محمود ثم صراعاتهم مع إدوعيش و غيرهم .
زاوية كنتة : بعد وفاة الشيخ الكبير و المجدد العظيم سيد أعمر الشيخ إبن الشيخ سيدي أحمد البكاي سنة ، أسس أحد أحفاده و هو الشيخ سيدي أحمد بن سيدي محمد الرقاد بن سيدي أحمد الفيرم بن سيدي أعمر الشيخ المتوفى سنة 1562 م زاوية كنتة بإقليم توات ، و التي لا زالت تحمل إسمها إلى اليوم بدولة الجزائر تحت إسم ( بلدية زاوية كنتة) ، لعبت هذه الزاوية دورا مهما في تسيير المتصوفة و التجار على حد سواء إلى العمق الإفريقي ، و كذلك لنشر الورد القادري و إعادة فتح إفريقيا ، فقد شكلت هذه الزاوية قاعدة خلفية للكنتاويين ، وصفها المستعمر كابولاني بأنها من أغنى الزوايا التواتية ، و أكبر مقاطعاتها من حيث السكان .
قصر المبروك : تأسس بالأزواد في 1133 هــ و حسب رواية سيدي محمد الكنتي في الغلاوية أنه ' تأسس بعد عامين من زمان أكفاف' و هو يوافق تاريخ فك الإرتباط بين كنتة الشرق و الغرب بعد الحوادث التي وقعت بين الفريقين إذ يعود نفس الحدث ليظهر مجددا مع سيدي محمد الكنتي في الطرائف لكن هذه المرة بمسمى آخر و هو 'هاوية كناتة' إذ يقول ' أسس سيدي الحاج أبو بكر بن محمد بن أعمر بن الوافي قرية المبروك بأزواد' ، هذه القرية التي سيرى فيها سيدي المختار الكنتي النور و سيعيش في رحابها و يتربى في أجوائها ، قرية كنتية بكثيب أوغال شمالي الأزواد ، هذا القصر الذي يقع على مسافة 275 كلمتر شمال بنبا و قد تاسس في بداية القرن 18 [ 1720/1721 ] من طرف كنتة أهل الوافي الذين الذين وفدوا ازواد بعد كوارث كانت القبيلة ضحية لها ، و بنيت المبروك بجوار بئر يعرف بنفس الاسم و اصبحت مع مرور الوقت محطة مهمة على طرق القوافل الكبرى الشمالية و اقام بها التجار و ازدهرت التجارة لتعذر قيام الزراعة
لا غرو أن الحواضر الكنتية السالفة الذكر لم تكن الوحيدة التي يضع السادة الكنتيون الأوائل حجر زاويتها ، فهناك العديد من القصور و القصبات و الزوايا و الربط و الواحات المنتشرة في طول الصحراء و عرضها كان للكنتاويين سبق السهم فيها ، نورد بعضا منها و قد جاءت مفصلة في مقدمة المؤلف الفريد من نوعه [ ديوان الصحراء ] الذي بدل صاحبه مجهودا جبارا لجمع كل الشذرات الدالة على دور الكنتيين الحضاري بالصحراء الكبرى :
- واحة تالمست : في الشمال الشرقي من تكانت ، كان أول من غرس نخلها الولي الصالح أعمر بن سيدي أحمد النويكط سنة 1008 هــ.
- واحة تالغزة : تقع إلى الشمال من قصر البركة ، قامت على يد الطالب يوسف بن سيدي أحمد الفقيه بن الحاج بوبكر بن الولي سيدي أحمد البكاي .
- واحة تيجكجة الأولى : اختطها ثلاثة مشائخ من كنتة الغرب قبل أن ينتقل إليها إدو علي من شنقيط و يعمروها .
هذا ناهيك عن عدد مهم من الزوايا و القصور في منطقة توات بأدرار الجزائر ، و قد إستفادت هذه الزوايا و القصور من مكانة مميزة و إحترام و تقدير كبيرين لدى العامة و الخاصة نظرا للدور النبيل الذي تلعبه هذه المؤسسات ، إذ تلقت دعما و تشجيعا متواصلا من البلاط العلوي و يورد الباحث يحيى ولد سيد أحمد إشارة فريدة من نوعها نقلا عن وثائق فرنسية بحوزته فيقول 'استفادت الزوايا الكنتية عموما من عناية شرفاء تافيلالت الحاكمين في المغرب الأقصى ... زوايا سيدي عبد القادر بن عمر و الشيخ سيدي المختار بالجديد و زاوية سيدي محمد بن أحمد و زاوية كنتة و زاوية بونعامة و زاوية الهمالي بأقبلي و زاوية سيدي باصباح بدلدول استفادت جميعها من الهدايا السلطانية و ذلك بتاريخ آخر جمادى الاولى 1244 هــ دجنبر 1828 م ' ، الشيء الذي يؤكد متانة العلاقات بين البلاط العلوي و الزاوية الكنتية . لقد أسس الكنتاويون مدنهم على طول الطرق التجارية و المحاور المهمة ، الشيء الذي يزكي دورهم في حماية الطرق التجارية ، على أن الأقطاب الكنتيين و منذ القرن العاشر الهجري و هم يعمرون هذه الربوع علما و صلاحا إذ ساعد إستخراج الملح من تاودني و تغازة على إزدهار الحركة التجارية بين المنطقة و واحات توات ، بل الأكثر من ذلك تسيير قوافل خاصة بهم إذ سيطرت العائلات الكنتية مع مرور الوقت على تجارة الملح و قوافله التي يطلق عليها محليا ( أزلاي ) ، على الخط الرابط ما بين تنبكتو و تاودني ببلاد الأزواد، رغم صعوبة هذا المسلك الذي وصفه حسن الوزان أنه ' أرض فلاة لا يقطعها التجار إلا بصعوبة بالغة' ، ، تجارة الملح هذه و التي سيطر عليها الكنتاويون سيطرة تامة جعلت السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله يفاوض سيدي المختار الكنتي على إستعادة السيطرة على عائداتها ، الشيء الذي يؤكد أن كنتة في إنتشارها في هذه الربوع لم تأل جهدا في تنظيم هذا المرفق الإقتصادي المهم ، و العمل على حمايته ، الشيء الذي يوضحه سيدي محمد الكنتي في مراسلة نادرة توضح أهمية تجارة الملح داخل المنظومة الإقتصادية للمنطقة بصفة عامة ، و بالنسبة لكنتة بشكل خاص ، و قد إعتمدت الزاوية الكنتية التي أسسها سيدي المختار الكنتي في تسييرها و تدبيرها على عائدات مراقبة تجارة الملح كما توضح الوثيقة السالفة الذكر .
لم يقتصر دور الأسر و العائلات الكنتاوية على تأسيس المدن و الربط و الزوايا ذات الأهداف الدينية و الإقتصادية ، بل أسهم الكنتاويون بحظ وافر في تعمير المدن البيضانية و السودانية و الطارقية على حد سواء ، بما توفر لديهم من ميكانيزمات روحية و أقتصادية ، إذ استقرت بعض العائلات الكنتية بالمدن التجارية الكبرى ، و يأتي على رأسها :
- تنبكتو : هذه المدينة الاسطورية التي استحوذت على إهتمام الباحثين ، و كانت بحق مهوى أفئدة العلماء و الشرفاء و التجار ، كما كانت محط أطماع القوى المحلية و الإقليمية المتنفذة ، علاقة الكنتاويين بتنبكتو لم تكن دائما على ما يرام ، و هذا ما توضحه قصة الشيخ سيدي المختار الكنتي الذي كان يتوصت دائما لإنقاذ المدينة من غزوات الطوارق ، و قد تسد شيوخ كنتة على تنبكتو و أصبحوا أهل الحل و العقد بها بعد إنهيار سلطة الرماة ، و خصوصا على يد الشيخ سيدي أحمد البكاي الصغير ( 1865 م ) ، و الذي جمعته علاقة وطيدة بأمراء الماسينا كما تدل على ذلك مراسلاته المتعددة مع أمراء حمد الله ، الشيء الذي أهلهم ليبسطوا هيمنتهم الفعلية على المدينة إلى حدود الحملة العمرية التجانية التي أطاحت بدولة الماسينا سنة 1865 م ، و قد أسس الكنتيون زاوية بتنبكتو على يد الشيخ علواتة بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي و المتوفي في حروب الزاوية الكنتية ضد العمريين الفوتيين .
- ولاتة : المدينة العتيقة الضاربة في القدم ، و التي تمثل للكنتاويين المنشأ و مهوى الأفئدة، فبها قبر الولي الصالح سيدي أحمد البكاي منشئ شجرة كنتة و باعث عزها و الواقعة بقلب الحوض الموريتاني ، إستوطنتها ذرية هذا الولي قبل أن تتفرق في الأقطار ، و تستوطن كافة الأمصار ، و تدين مدينة ولاتة لهذا الولي بالشيء الكثير إذ دشن بها ثورة إصلاحية في مطلع القرن 16 و هو ما فصله سيدي المختار الكنتي في المنة ، و سيدي محمد في الطرائف و الغلاوية .
مستند لاميرال الشيخ فى مجمع الشيخ سيد المختار الكنتى الثقافى الإسلامى .




وصلى الله على الهادى الأمين