بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 نوفمبر 2015

من روائع قوافي الصحراء الكبرى( 10)




الأحد, 20 يوليو 2014 00:00
الشيخ سيدي المختار الكبير*
يا أيها المُتحلِّي غيـرَ شِيمتِه   أَقْصِرْ فَلَيس وجـودُ العَينِ كالأَثَرِ

هَذِي مَيادينُ كَعَّ دون غَلْوتِها   حمارُك الأعورُ المهزولُ ذو الدَّبَر
تَزَبَّبَ الحِصْرِمُ المُلْقى بِغـابتِه  وليس يُشبِه طَعمَ التمـر والسُّكَر
وإن تَنَسّـرَ عُصفـورٌ يُكذِّبُه   بين البَريَّــةِ نَقصُ القَدْرِ والقَدَر
ما كان لله دام الدهـرَ متصلا   وما لغيرِ الإلـــهِ مُجّ بالضَّجَر
لا ينقص الشمسَ قَدْرًا وهي ضاحيةٌ
نُباحُ كلبٍ على العِـلّاتِ مُحتَقَر
قد يَنبحُ الأُسْدَ وهْـو لا يماثلهــا
ويُنكِرُ العُمْيُ ضَوءَ الشمسِ مِن ضَرَر
ويُنكِــر الجُعَلُ المِسكَ الثمينَ فلا  يحظى بنفحتِه كالجنّ والبشر
كلٌّ على قَدْرِه حُكمٌ يُصــرِّفُه  ربُّ البريةِ ليس المِسكُ كالبَعَر


القصيدة يردّ بها الشيخ الكبير على بعض من تطاول بالطعن في قبيلته. وقد نقلنا القصيدة عن ديوان الشيخ الكبير الجزء الأول منه تقديم الشيخ الأستاذ باب أحمد بن حم الامين المقيم بمكة المكرمة، والديوان المذكور مخطوط من منشورات زاوية الشيخ سيدي المختار الكبير بانواكشوط.
* المتحلّي: المتزيّن بالحلي وهو هنا المُتّصِف والمنتحل. أَقصِر: انتَهِ. العَين: يقصد عَين الشيء أي ذاته. الأثر: ما يُستدلّ به على العين.
*كعّ: تعب دونها وقصّر عنها. غلوتها: الغلوة المَرماة والهدف. ذوالدَّبَر: ذو القروح.
*تزبّب: صار زبيبا وهو العنب بعد جفافه. الحصرم: الثمر قبل النضج.
*تنسّر: صار نسرا وفي المثل إنّ البغاث بأرضنا يستنسر أي أن ضعيف الطير يتنسّر.
*مُجّ: رُمِي. بالضجر:الضجر الملل. *ضاحية: ظاهرة، مرتفعة. على العلّات: على كل حال. *الجُعَل: دويبّة تألف النجاسة وتقتات عليها.


فحظُّ كُلِّ لئيمٍ شتمُ سيّدِه فَقِسْ     فليس الدِّراري الشُّهْبُ كالحَجَر
فلا يَجود بخيلٌ في تصرّفِـــه    ولا يَسود حسودٌ آخرَ العُمُر
ينازِعُ اللهَ في فضلٍ يُصــرِّفُه   بين الكـرامِ فيُجزى منه بالغِيَر
فإنما الدِّيـن نُصحُ اللهِ يَتبعُه     نُصحُ البريةِ جاء غَيرَ ذي عَوَر
لا يَحسد الناسَ إلا كُلُّ ذي بُجُــرٍ 
منافقٍ فاسقٍ قد جاء في الخَبَر
والنُّصحُ مِن شِيَمِ الأخيارِ فاصْغِ لِما أُبْدِيهِ مُنتخَبًا مِن نُخبةِ الزُّبُر



*الدِّراري: المضيئة قال تعالى { كأنها كوكب دُرّيّ}. الشهب: الكواكب.
*فلا يجود: أي لن يدعى جوادا. ولا يسود: أي لا يصير سيّدا. حسود: الحسد أوّل معصية عصي بها الله على وجه الأرض حين حسد قابيل أخاه هابيل فقتله فكان أول قتيل والحسد هو تمني زوال نعمة شخص آخر وهو منهي عنه شرعا ومذموم قال تعالى { لا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض} وفي الحديث (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا) وقال الشاعر:
اصبر على حسد الحســــود فإنّ صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها            إن لم تجد ما تأكله

أما تمني نعمة شخص آخر دون زوالها عنه فهو الغبطة ولا شيء فيه.
والحسد يدخل في عموم التمني الذي هو كالعجز واتباع هوى النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم( الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)  وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال( ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسستُ ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
*الغِيَر: غِير الدهر أحداثه المتغيرة. *الدين نصح الله يتبعه نصح البرية: اقتباس من الحديث الشريف( الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). *بجر: البُجْر الشر. *الزبر: ج زبور وهو الكتاب وزبور نبي الله داود عليه السلام الكتاب المنزل عليه والمِزْبر القلم.


لا يُجتنى التمرُ إلا مِن شَمارخِه  أو يَقذِف الشّهدَ إلا النّحلُ بالوَكَر
طِيبُ الفروع يُنالُ  مِن مَعادِنِها  وخُبثُها تَقتنيه مِـن طَخى المَدَر
وقد نَمتْنا الكرامُ مِــن أَرومَتِهـا                                                                   مِن جِذ ْمِ عبدِ منافٍ مِــن ذرى الغُرَر
*شمارخه: ج شِمراخ وهو العِثكال عليه بُسر أي تمر أو عنب. الشهد: العسل. الوكر: في الأصل عش الطائر.
*معادنها: أصولها. طخى: الطخى الكرب على القلب والظلام الشديد. المدر: قطع الطين اليابس. ومثل هذا البيت قول زهير بن أبي سُلمى:
وهل يُنبت الخَطّيَّ إلا وشيجُه     وتُغرس إلا في منابتها النخلُ
*أرومتها: الأرومة الأصل. جذم: الجِذم: الأصل. عبد مناف: بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وعبد مناف هو أبو هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم  وقد دأب البعض على الظن بل الجزم بأن عقبة بن نافع الفهري فاتح إفريقية هو من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي إذ خلطوا بين أمية المذكور وبين أمية بن الظرب بن الحارث بن فهر جد عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الظرب وزاد البعض اعتقادا لذلك بيت الشيخ هذا وإنما قصد رحمه الله إلى أنه من جذم عبد مناف أي أنه من الأصل الذي منه عبد مناف أما احتجاج البعض أيضا ببيت الشيخ سيدي البكاي بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكبير، وهو لعمري حجة: غيداء كنتاوية أموية       قرشية ومن الطراز الأوّل
فيجاب عليه بأنه يقصد أموية من أمية بن الظرب بن الحارث بن فهر. ويؤكّد ما ذهبنا إليه الشيخ باي بن الشيخ سيدي اعمر الكنتي في نوازله مجيبا على سؤال العلامة سيدي اعمر بن سيدي علي المختاري الكنتي: "اتفقت كلمة الصحراء قاطبة على أن كناتة من نسل عقبة مفتتح إفريقية وباني القيروان" ثم ساقَ نص ابن حزم في جمهرة النسب حول فهريّة عقبة مؤكّدا قبل ذلك أن ما وقف عليه من كتب الأنساب والتاريخ اتفقوا على أن عقبة فهري. وعلى ذلك مضى تلميذه العلامة الشيخ سيدي حم بن بادي رحمه الله في نظمه لأنساب كنته حيث يقول:
كنته انتمت بالإتفاق الشائعِ     للمستجاب عقبةَ بنِ نافع
ابنِ عبدِ قيسِ بنِ لقيطِ عامرِ      أُمَيْ ظَرِبٍ حارثِ بنِ فهرِ
وهذا الذي ذكرنا مما اختلط أيضا على صاحب الوسيط عفا الله عنه إذ نَسَبَ كنته إلى بني أمية وردّ ذلك إلى النسّابين في الصحراء؟ حتى لقد اجتهد في التوفيق بين القولين بجعله الشيخ سيدي المختار الكبير من قبيلة كنته بالولاء لا بالنسب. راجع الفصل الثاني من الباب الأول من ديوان الصحراء الكبرى.  ذرى: الذرى بضم الذال الأعالي. الغُرر: البيض.



الخِيمُ يَمنعُهم مِن كُلِّ ناقصةٍ والمَجــدُ يحرزُهم مِن كلّ ذي حَذَر
همُ الأئمةُ قِدْمًا غير ذي كَذِبٍ  المنقذون الوَرى مِـن رِبقةِ الكَدَر
القائمون بأمــر الله لا شَطَطٌ  يُلْفى لَدَيهِم ولا طَيشٌ على خَطَر
الحِلمُ شيمتُهم والعدلُ سيرتُهم  والرِّفقُ حِــرفتُهم فَجِدَّ واخْتَبِر
أَعِفّةٌ يَعلمُ الرحمــنُ عِفّتَهم   والجار يَحمونَه بالبِيضِ والسُّمُر
منهم وليٌّ ومنهم مُقسِطٌ بَدَلٌ  والغوثُ منهم ومنهم قائمُ السَّحَر


*ناقصة: وفي رواية باقعة وفي أخرى بائقة وهي الداهية و المصيبة. *المنقذون الورى: بنشر الإسلام وأمانتهم عليه. *البيض: السيوف. السمر: الرماح.
*منهم ولي ومنهم مقسط بدل: أخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم ينصرون) وأخرج أحمد في الزهد بسند صحيح عن ابن عباس (ما خَلَت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض) وعن ابن عمر مرفوعا (لا يزال أربعون رجلا يحفظ الله بهم الأرض كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر)  وعنه مرفوعا( خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر قالوا يا رسول الله دلّنا على أعمالهم قال يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويواسون فيما آتاهم الله وهم في الأرض كلها) وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي عن الكتاني قال( النقباء ثلاثمائة والنجباء سبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد...)أخرجه ابن الخطيب في المواهب اللدنية. راجع كتاب الطرائف والتلائد للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكبير


وفيهمُ قد يُـرى المُجدِّدون ومَن تَحْيى بحُرمتِه المَوماةُ بالخَضِر
والسالكون ومَـن يَحْيى بنَفحتِه قلبُ المُريدِ ويحظى منه بالوَطَر
ومنهمُ السابقـون في تصرّفِهم فالكَون يَطوونه كاللَّمح بالبصر
والسائحون على رُغمٍ لِشانِئِهم  السائرون مَسير الشمس والقمر
الغائثُو المستجيرِ في تَبلُّدِه  كأنهم عنده إذْ مُسَّ بالضَّــــرَر
والدافعون عن الأكوان هِمَّتهم  لِقُربِهم مِـن عظيم المُلكِ مُقتدِر
همُ المُدِلُّونَ إمّا مَعشرٌ فَخَروا    عندَ الفَخارِ بِأَصلٍ طَيّبٍ عَطِـر
فعُقبةُ المستجابُ الغَرْب فاتحُها  كَفْرًا فكَفْرًا بإذنِ سيّدِ البَشَــر
ومات بعدُ شهيدًا بالصَّلاة وقد  ساسَ البريةَ من بدو ومن حضر


*الموماة: الصحراء القاحلة. *لشانئهم: الشانئ المبغض قال تعالى{ إن شانئك هو الأبتر}. *تبلده: التبلّد ضد التجلد الذي هو الصبر.
*الدافعون: أي المدافعون قال تعالى{ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. *المدلّون: المفتخرون.
*المستجاب: سمّي بذلك لاستجابة دعائه؛ وفي الفتوح لابن عبد الحكم وفي المُغرب في بلاد إفريقية والمغرب للبكري نبذ من دعواته المستجابة وكراماته.
كَفرا فكَفرا: الكَفْر الأرض البعيدة والمستوية.
*ومات بعدُ شهيدا بالصلاة: في الرسالة الغلّاوية للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكبير أن "كسيلة الأوربي رئيس أوربة وكان أسيرا لدى عقبة أراهم من نفسه الإسلام وطلب مبايعة عقبة رضي الله عنه بالإسلام والطاعة وهو متهيّئ لخطبة الجمعة فأطلقوا كسيلة ولا يرون إلا أنه صادق وليس معه حديدة فدبّ إلى عقبة وهو على المنبر وكانت بينه وبين ما يلبس مدية فانخرط منها وطعنه بالمنحر فخرّ لوجهه على المنبر ميتا" وكانت وفاته رضي الله عنه سنة 63 هـ 682 م.


وقام عمرو العُلا مِن بَعده وبه تَقطَّبَ العَشرةُ الأَبـدالُ في الزُّبُر
مِـن جِلَّةِ التابعين في أَرومتها    حاز العُلومَ وفَتحًا بَيِّـنَ الأَثَر
وعامـرٌ بعده حاز العلومَ بها    بَدْءًا وعَودًا وحاز السَّبقَ بالكِبَر
وبعده شاكِـرٌ يَهْسٌ ودَومَنُها    حازوا التقطُّبَ لا نُكْـرٌ لِذي نُكُر

*عمرو العلا: هو ابن عقبة بن نافع الفهري. ورد اسمه في تاريخ دمشق لابن عساكر من بين أبناء عقبة الذكور الأربعة: عياض، وأبوعبيدة واسمه مُرّة، وعبد الرحمن، وعمر.  راجع الفصل الثاني من الباب الأول من ديوان الصحراء الكبرى.
تقطّب: صار قطبا وحاز على مقام القطب والأقطاب سبعة كما أن الغوث واحد والأوتاد أربعة والأبدال أربعون. انظر هامش البيت المتقدم من هذه القصيدة: منهم ولي ومنهم مقسط بدل...
*جِلّة: عظماء. التابعين في أرومتها: التابعون هم من خير القرون من الجيل الذي يلي الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). وأبوعبيدة من أبناء عقبة معدود في رواة الحديث عند الإمام مسلم، وهو وإخوته، بما فيهم عمرو، في طبقات التابعين.
*عامر، شاكر: راجع البيئة الزمنية في الفصل الثاني من الباب الأول من ديوان الصحراء الكبرى.


ويَحْيَ قد حَيِيَتْ به القلوبُ وقد  سَقى بنفحتِه السبعين مِـن نَهَر
ورَدَّ كُلًّا إلى قَــومٍ يُسدِّدُهـم    والكُلُّ مات لَدَيــهِ آخِرَ العُمُر
وقد عَلا بَعدَه إلى سَمـاءِ العُلا   عَلِيُّ مَجدٍ بِسَقْيِ الأَلْفِ مُفتخِر


*يحي: هو صاحب كرامة السبعين المدفونين إزاءه بعزّي من قرى توات. راجع الفصل الثاني من الباب الأول، المرحلة الثانية من مراحل التاريخ الكنتي من كتابنا ديوان الصحراء الكبرى.

*عليّ: هو سيدي علي بن سيدي يحيى، دفين عزّي في توات، أيضا، إلى جانب أبيه سيدي يحيى الإبن وجدّيه سيدي يحيى الأب وسيدي عثمان الذي كان ثاني الأجداد الكنتيين وصولا إلى توات بعد عقبة بن نافع الفهري الذي مرّ بتوات، سنة 62هـ، قافلا من السوس الأقصى، حسب حوليات توات. وكان سيدي عثمان أول الأجداد الكنتيين استقرارا بهذه المنطقة. وهي فترة امتدّت من عهده إلى عهد ابنه ثم حفيده سيدي يحيى وانتهاء بسيدي علي الذي دشّن مرحلة السياحة في الأرض من أجل الدعوة إلى الله، وكانت تربطه علاقة قوية بالسلطان الحفصي، آنذاك، في تونس، أبي فارس عزّوز الذي زار توات سنة 833هـ/1434م. وفي الطرائف والتلائد أن سيدي علي بن سيدي يحيى كان: "في دولة السلطان أبي فارس وكان مقلدا له لا يعمل إلا على وفق إشارته".
راجع الرسالة الغلاوية للشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيدي المختار الكبير. وحوليات توات بعناية برنارد سافروا مركز الوثائق الصحراوية، غرداية، الجزائر. والواحات الصحراوية للضابط الترجمان آ. جى. ب. مارتان.
أنظر كذلك الباب الأول الفصل الثاني، البيئة الزمنية، مراحل التاريخ الكنتي، المرحلة الثانية من كتابنا ديوان الصحراء الكبرى.


نَزِيلُ فَصكٍ له قَدْرٌ ومَنقَبَـةٌ    شديدُ رُكـنٍ عظيم القَدرِ مُعتكِر
وهْـو الذي دَوَّختْ لَمتُونَ دَعْوتُه حتى عَلَتْهم بنو حسّانَ بالخَفَر
ونَجلُه قد بَكى التسعينَ تَتْبَعُها    عَشرٌ مَخافةَ ربِّ الكَونِ مُزْدَجر
بأمره نَقلَ الأخيارُ جُثّتَـــه    مِـن بَعدِ قَرنٍ فَلَم ترِمْ ولم تَحِر
وكانت الأُسْدُ بالمَوماةِ تَقْصِدُه    تَبَـرُّكًا فَيُــزِيلُ الضُّرَّ بالنَّظَر
تُطوَى له الأرضُ والأخيارُ تَخدمُه   لِجَبرِ خُلَّتِها كالضَّيغَمِ الخَدِر


*نزيل فصك: هو الشيخ سيدي مَحمد الكنتي الكبير. وفصك هو الموضع الذي دفن عنده وهو جبل بين أرضي تيجريت و تازيازت شمالي غربي موريتانيا.
*دوّخت: قهرتْ. الخفر: أن تأخذ من شخص أو قبيل أو قافلة أو نحوهم مالا لتجيرهم.
*ونجله: الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي مَحمد الكنتي الكبير. مزدجر: مرهوب.
*الأخيار: هم ذرية سيدي عبد الرحمن المحجوبي قال الشيخ سيدي المختار الكبير في الإرشاد: " لما انتقل السودان من بلاد ولاته إلى غانة صار موضع البلدة مسيلا للمياه فلبث المطر عن ولاته أعواما وذلك الوادي لم يسل حتى همّوا بالجلاء فأتى سيد أحمد البكاي في النوم بعضَ الأولياء من ذرية عبد الرحمن المحجوبي  فقال له إن أردتم أن يسيل واديكم فانقلوني من مجرى السيل فإنه لا ينبغي للسيل أن يمر على قبري ثم أتى ثانيا في النوم فقال له مثل ذلك ثم أتى ثالثا فقال له مثل ذلك فأخبر الناس بما رأى ثم قال الآخر وإني رأيت مثل ما رأيت وقال الثالث وإني رأيت مثل ما رأيتما فاجتمعوا كلهم  وكان في ولاته يومئذ سبعون عالما متفننا فاجتمع رأيهم على أن الأولياء لا تأكلهم التراب فذهبوا إليه فنبشوه فإذا هو كالنائم لم يتغير شيء من أكفانه فضلا عن جسده فأدخل رجل منهم يده بين وجهه وكفيه فإذا عيناه تهملان بالدموع كما كانتا في دار الدنيا فنقلوه إلى الموضع الذي هو فيه الآن". ترم: تبلى. تحر: تنقص وكان النبي صلى الله عليه وسلم (يتعوذ من الحور بعد الكور) أي من النقصان بعد التمام.
*خلّتها: الخُلّة الحاجة. الضيغم الخدر: الأسد الخادر أي المتستّر عن الأنظار في أجمته أي غابته.


ونَجْلُه عُمَرُ المشهورُ عَمَّرَه   فصـار بَحْرًا خِضَمًّا طافِحَ الدُّرَر
فامتَدَّ مِنه ومِن صِنْوَيهِ جوهرةٌ   زيتونةٌ سَطَعتْ بالنُّور والحَوَر
ليست بشرقية ولا بغربيـة   لكنَّها سِدرَةُ المبعوثِ مِـن مُضَر
عَينُ الخليلِ بَدَتْ تَسقي جَداولَها مِن نَبعةِ النُّور لا مِن نَبعةِ المَطَر
إذ هُم بَنُوه وطِيبُ الأَصلِ يَشمَلُهم إذا أتوه غدًا في طَلْعَـةِ الغَفَر


*ونجله عمر المشهور: هو سيدي عمر الشيخ بن الشيخ سيدي أحمد البكاي. عمّره: يقصد إلى أن الشيخ سيدي أحمد البكاي استجاب طلب أم بنيه الثلاثة في عدم الدعاء عليه بخمول الذكر لما رأته يحدّ النظر إليهم ويعقب بسيدي عمر الشيخ وكان أصغر الثلاثة فكأنما عمّره بذلك.
*صنويه: الصنو الأخ الشقيق ويقصد بصنويه سيدي محمد الكنتي الصغير وسيدي الحاج أبوبكر. النور: أي خالص البياض. الحور: السواد في البياض ولعله يرمي إلى التفريق بين الزيتونة التي في القرآن إذ نورها خالص البياض وشجرة أنساب قومه إذ صاروا كالحور في العين وهي صفة ممدوحة إذا اشتد سواد سوادها وبياض بياضها.
*بنوه:  فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم( أنا جد كل تقي ولو كان حبشيا وبريء من كل شقي ولو كان قرشيا). وطيب الأصل يشملهم: من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن غالب بن فهر وهم أبناء الحارث بن فهر. غدا: أي يوم القيامة. في طلعة الغفر: أي في مقدمة الخلق.


قُلْ لِلْمُحاوِلِ شَأْوَ القَومِ مَهْلَك لا تُتعِبْ قَلُوصَكَ ليس الرأيُ كالخَبَر
فلا تُعانِدْ وَرِدْ فالقومُ قـد شَرِبوا  عَذبًا زُلالًا هَنِيءَ الذَّوقِ مُنهَمر
مِن دُونه خَرطُ القَتادِ ومَعمَعةٌ    يَشِيبُ مِن هَوْلِها الأَبطالُ بالذُّعُر
والزُّرْقُ والبِيضُ والأنيابُ كاشرةٌ والرَّشْقُ والطَّعْنُ بين النَّحْرِ والسَّحَر
لكِنًّها قُرّةُ العينين إن حَصلتْ  فجِدّ تَجِدْ كُلَّ ما تـرجوه وانْشَمِر
ولُذْ بِجاههمُ إن كُنتَ ذا وَطَرٍ واشْدُدْ يَدَيْكَ بِهم إن كُنتَ ذا نَظَر
وإن طُرِدتَ فَعُدْ فالقومُ قد جُبِلُوا على السخاء فَـرَجِّ الخيرَ وانتظِر
مِنهم نَوالًا فلا بُخلٌ يُخافُ ولا في القوم جافٍ فقُمْ بالباب واصْطَبِر
فنظْرةٌ منهمُ تُغني الجميعَ فلا  تَعجلْ وراعِ مَقــامَ الحُِبِّ بالحَذَر
وكُـن أديبا لبيبا غيرَ مُكترِثٍ بِقَولِ عمرٍو وزَيـدٍ قاصِرِي البَصَر
يُعطُوكَ مِن نَفحَةِ القُدُّوسِ بارِقةً    تُغنِيكَ عن كُلِّ نُورٍ ساطعٍ بَهر
همُ الساداتُ لا تَعْبأْ بِغيـــرِهمُ   إلا مُشاركَهم في نَبعـةِ الأَثَر
ثُمَّ الصلاةُ على المختـار سيّدِنا  الطاهِرِ المُجتبى المبعوثِ بالعِبَر
والآلِ كُلهمِ والصحبِ ما غَرَّدَتْ   حَمامُ أَيكٍ على الأَغصانِ بالذُّعُر


*شأو: غاية. قلوصك: القلوص الناقة الفتية.
*رِدْ: أي ائت الورد واشرب. زلالا: الزلال الماء الصافي.
*خرط القتاد: انتزاع شوكه وهو مثل لما يعرض دون الأمر الصعب من عراقيل. معمعة: معركة. 
المصدر: ديوان الساحل

السبت، 7 نوفمبر 2015

فتى يمسي ويصبح بالرشيد ،، مقال للدكتور أباية محمد محمود .



فتى يمسي ويصبح بالرشيد يعلل بالنسيب وبالنشيد

وأكمام النحيل تريه زهوا على جنبات ذا القصر المشيد

يحن لأهله وفضول مال لعمر الله لم يك بالرشيد

الرشيد مركز إداري في ولاية تكانت وسط موريتانيا أسسها الفقيه أمينوه في النصف الثاتي من القرن الثامن عشر وهي حاضرة لقبيلة كنته. وبالاخص بطن أولاد سيد الوافي وهو واحة نخيل غناء يقطعها مسيل الوادي وبطحاؤه الجميله ولنستمع الى الشيخ سيديا عندما خاطب تلميذه الرشيدي المغترب في طلب العلم بمنطقة الكبله المامي ولد امحمد لعمر الكنتي الأزرقي بهذا الشعر


أتذكر يا مامي أيام رذاذ وأطباقَ تنوازيدَ يوم جذاذِ

وبطحاء بالرشيد تزهوا عـشية وماءَ فرات في بطون وِجاذِ

إذ الدهر سلم والخطوب غوافل والأقدار لم تأذن لها بنـفاذِ

ولم يكن التلميذ المغترب عيا في جوابه، ولا أقل شاعرية من أستاذه حين أجاب قائلا :

تذكر أوطاني وشرب لذاذي

وماء فراة في بطون وجاذ

نســــيت لها حبا لشيخي إنـــــــه

لدى الخطب والهول العظيم ملاذي

تأسست مدينة الراشيد سنة 1722 ونحت أبناؤه من مرتفعات "آلكوط" و"تلمدين" مدينته التاريخية القديمة التي لا تزال أطلالها شاخصة على هضباته الشرقية ،ناطقة بما كان لها من تاريخ حافل ومجد أثيل ؟ تقول الباحثة الفرنسية في كتابها " مدخل إلى موريتانيا" في تكانت أسس كنته كصر البركه 1690 والرشيد 1722م).

ومدينة الرشيدَ فجرها ابناؤها عيونا رقراقة عذبة وزرعوها نخيلا وقمحا من " إريج" جنوبا إلى "آكنان"شمالا على مسافة 30كلمترا، واستظل بظله "لكياطين" من ولايات لبراكنه ولعصابه والحوضين في ما مضي من تاريخ هذا البلد العريق..؟

يقول أحمد بن الأمين الشنقيطي صاحب الوسيط متحدثا عن مدينة الرشيد التاريخية واصفا نخلها "الرشيد مدينة لكنته وفيها واد كثير النخل جيده ما رأيت مثله نخلا . وقد عددت في جذع النخلة الواحدة ست نخلات تنبت من نواحي تلك النخلة .ونخله كثير الحمل لا يحتاج إلى السقي لقرب الماء من عروقه . وقالوا سبب جودته أكثر من غيره إن الجبلين المكتنفين له يمنعان نخله من الرياح ، وآخر نخيله مما يلي تجكجه يقال له إريجي ، وفيه ماء ينبع من الأرض وحده من غير حفر ، ولكن لا يبعد سيلانه ،ولو وجد مهندس يصلحه لسقى جميع الوادي." الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ص 448.

الرشيدَ مدينة المقاومة والصمود والإباء وعزة النفس ذلك ما تجلى في بنادق أبنائه المقاومين عندما سددوها في نحور المستعمرين الغزاة وألحقوا بهم الهزيمة تلو الهزيمة في النيملان 25/10/1906وتجكجه 05/11/1906 والمينان 1910 وفي الرشيد ذاته في 16 أغسطس 1908 ؟

فكان الرشيدُ بحق قلعة من قلاع المقاومة الوطنية يحسب لها المستعمر ألف حساب ويجند للنزال معها أعتى قواته الضاربة يقول الدكتور محمد محمود ولد وداديِ[إن مجموعة الشيخ محمد المختار شاركت في عملية الجحافية بأفلة حيث أبادت مجموعة بقيادة ضابط صف فرنسي وهاجمت المعسكر الفرنسي في بو عش وسلب المجاهدون أمواله بينما لاذ زعماؤه بالفرار وكذالك قامو بعملية أخري خلف أفلة في منطقة لبيرات وشنوا عمليات في لتفتار وكانو ضمن مجموعات المينان ولفريوات وتنواعدين وأنتاكش وقبل كل ذالك المشاركة المتميزة لمجاهدي كنته بقيادة البطل المجاهد محمد المختار ولد حامد في معركة النيملان التاريخية والتي أفضت إلي انتصار حاسم لكتائب المقاومة ضد القوات الفرنسية

أصبحت الرشيد ملاذا لكل المقاومين ضد الإستعمار وحصنا ينطلقون منه لتنفيذ عملياتهم ضد دوريات وقواعد المستعمر عندئذ قررالفرنسيون الهجوم علي الرشيد للقضاء علي محمد المختار مصدر إزعاجهم وكان "الرشيد"لا يبعد عن تجكجة 50 كلمترا

ولهذه الاسباب حقد عليها المستعمر وجهز لها كامل عدته وعتاده ودمرها وعاث فيها فسادا فاجهز علي الجرحي ومثلوا بجثث الشهداء كما فعل بمحد بن محمد بن خواه ،وعاث جنود المستعمر في الوادي فسادا فأحرقوا الكتب والخيام، وهدموا المنازل ،وأستولوا علي المواد الغذائية والمواشيي

ذكر ذلك الشيخ ماء العينين في كتابه علماء وأمراء في مواجهة الإستعمار الأوربي



ويقول الرائد جيليى في كتابه "الاختراق" يتحدث: "في تكانت قام رئيس كنته المسمى محمد المختارولد الحامد ـ الذي غدرنا في النيملان بانحيازه إلى العدو أثناء المعركة ـ بالإقامة بالرشيد مع حوالي مائة وخمسين رجلا مسلحين وحصن نفسه في القصر القديم الذي أصبح ملجأ للنهابين في المنطقة .وفي 16 من أغسطس (1908) قام المقدم شامبير قائد كتيبة موريتانيا ودائرة تكانت بالهجوم على الرشيد وذلك مع القوة التي ذكرناها آنفا والقادمة للمعاونة : الكتيبة الأولى السنغالية المحمولة بقيادة النقيب مالافوس والملازم اترانشو ، وكتيبة رماة المجرية بقيادة النقيب قامي والملازمين ماركني وسيشي وفريق رمات ومجموعة من السباهيين. وقد صاحبهم فريق من حامية تجكجه يضم 85 من الرماة بقيادة النقيب بوتان والملازم دي افور وكان الجميع بقيادة المقدم شامبير )) ذكر ذلك جمال ولد الحامد في بحثه تدمير قصر الرشيد من طرف الفرنسيين.
ومما يذكر هنا استهزاءُ قائد مقاومة الرشيد البطل المجاهد محمد المختار ولد الحامد بالطاغية كبلاني عندما
طلب منه ان يكون من جنوده وحاميته فقال محمد المختار ول الحامد :
كبلان يا غيلان
مارت عن ماه واع
داير مني راع وان
مان كاع الراص راع

مدينة الرشيد العريقة تخلدها المحاظرُ والمكتباتُ الزاخرة وأفذاذ العلماء

من أمثال أحمد ول وداد وامينوه وحم ولد ودادي وسيد الامين واحمد ولد امينوه واحمد ولد احمد للهادي واحمد ول افظيل ومحمد ولد ايوه وامحمد ولد وداي وغيرهم من علماء وفقهاء وقراء تلك المدينة العريقة

مدينة الرشيد مدينة علم وأدب كانت مهدَا للشعراء والأدباء، وموئلهم ومهاجرهم الذي به يتشبثون فتغنوا بقصره المشيد وتمنوا قضاء أيام العمر بين أحضانه وأرجائه ؟ يقول أحود ولد أج بوب الكنتي البحي :
ألا ليت شعري هل أروح وأغـــــتدي
من الدهر يوما بالرشيد أسيــــر
بذي النبع فالمبروك فالدخل فالربــا
إلى المالح الميمون فيه أزور
وفي التيمررت أمشي وأقعد مــــرة
ومن تلمـدين لا أزال أحـــــور
إلى نخيلات بالشنينيفه كـــــان لـــي
بهن مقيل بالمصيف شـــــهير
ووادي الرشيد هو الذي لجأ إلى حماه شاعره الوفي محمد ولد آدبه وهو على فراش الموت من بلدة آجوير قرب انبيكه و"انخيل امحيميد" يبثه أشواقه وأشجانه ويشكوه غربته وضياعه في مقطوعة نادرة من شعر محمد ولد آدبه الفصيح ؟:
ألا حي الرشيد وقل مذيعا
مقالا ليس من قول المجون
وأقرئه مسامع كل نـــــــاد
واسمعه الحمام على الغصون
باني هاهنا ملقى غريــــــب
قريح الجفن متصل الشجون !
بأرض لا أنيس بها مواس
يؤنس وحشة القلب الحزين!
كان الرشيد كل هذا وأكثر، مدينة تاريخية عريقة، وقلعة مقاومة وطنية شامخة،ومنارة علمية ومنطلق فتوحات، وكان واحة شعر وفن وتراث شعبي أصيل.



أصبح الرشيد مركزا إداريا منذ سنة 1968[5] يبلغ سكانه حوالي عشرين ألف نسمة ومساحته تقدر ب ثمانية آلاف و مئة كلم، (8100) وتتبع المركز بلدية الرشيد التي يطلق عليها اسم الواحات، وبلدية انييملان وتسمى بلدية التنسيق، ويتبع المركز العديد من الحواضر، مثل:

الََحْويطات، وهي واحة نخيل.: وحاضرة تالمست، وحاضرة الشويخ، وحاضرة المينان، وكلها حواضر ذات نخيل وواحات. ويتبع المركز الإداري أيضا حواضر أفّـامْ لوديات (غرب الرشيد)، مثل:

ﺍﻠﺸﮝﻴﮚ، وتيموجيج ، و افريوات، وانواشيد ،

ويتبع الرشيد ايضا وادي أشاريم، وهو واحة نخيل وزراعة، وهو الذي يقول فيه محمد ولد آدبه:

اشاريم انتيي من ماه..............
حارك فيه اعلي نسيم.............
ايغنوليلي فيه اترباه...............
بيني وياه عهد اقديم.............
فيام اعرفت اشوي لخيام.......
فاشوي مزال اشوي نعيم........
واشاريم اعرفتو فايام.............
مزال اشاريم اشاريم...............


ومن الحواضر التابعة للراشيد بلدية انييملان، التي تسمى بلدية التنسيق وهي واحة ذات نخيل وزراعة، ويتبعها: حواضر كثيرة .

ولا زالت مدينة الرشيد الجميلة على ما كانت عليه من جمال للممسي والمصبح فيها أن يردد طربا مع الشاعر محمد الامين ولد ختار رحمه الله الذي سحرته المدينة وملكه خلق أهلها فقال عندما طلب إليه بعض قومه أن يعود إلى موطنه ويترك الرشيد قال

فتى يمسي ويصبح بالرشيد** يعلل بالنسيب وبالنشيد وأكمام النخيل تريه زهوا على جناب ذا القصر المشيد

أو يردد مع محمد بن آدبه:


بل امْگيل البظان اَوَانْ الحَرْ اُتَنزاهْ الشّبان

والگِفان اُخوض الكَحلانْ والناس الرفاعْ الرشيد

وابْلد زاد ارْفُود اَزوانْ واطْروحُ مرفود ابلا گيدْ

رَفّادُ مصطاد اُفرحان وَالكسْحَه گاعْ اعْليهْ ابْعيدْ

وِجوهْ اِمَليانْ اُگُمانْ اعْليهمْ ما فيهمْ رشيدْ

علاّهْ المنّانْ اعْلَ ظَانْ لڱصورْ اُوَسّاهْ المَجيدْ

اَيّامُ بَاطْ اَيّامْ اَعْـيَادْ وَالْياليهْ اُدَوّارْ الغيدْ

اُفيهْ الْغيدْ اعْلَ كَثْرَه زَادْ الي تتحفل يوم العيد

أباية مجمد محمود .

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

أحمد ولد هابو ولد عبدي ولد سيدي أحمد


أحمد ولد هابو ولد عبدي ولد سيدي أحمد البوبكري الكنتي حفيد الولي الصالح الشيخ ولد أحمد مؤسس قرية الحويطات التاريخية عرف هذا الشيخ الوقور المهاب في مجتمعه بباع طويل وأطلاع واسع في شتى المجالات من التصوف وتاريخ وفكر إضافة لكارزميته القوية التي أهلته للزعامة السياسية المحلية داخل قريته العتيدة وقدحظيت البارحة بالقائه وكان لقاء ممتعا لايمل حديث صاحبه الممزوج بالتصوف والزهد أستفدت منه الكثير عن تاريخ الأمة وأخبار السلف .أطال الله فى عمره .
من صفحة الشيخ ولد سيدي حبيلل.

الشهيد: أج ولد عابدين.. علو في الحياة وفي الممات



الشهيد أج ولدعابدين من مواليد 1969م في ضواحي مقطع الحجار التي أتم فيها دراسته الإعدادية والثانوية وأكمل دراسته الجامعية في انواكشوط حيث تخرج من قسم الجغرافيا بكلية الآداب عام 1993م وهو نفس العام الذي ألتحق فيه بالجيش الوطني الذي أرتقى فيه من ملازم إلى نقيب ، عرف الشهيد في وسطه الاجتماعي والمهني بخلق دمث، وتدين عميق ، وحب للآخرين .
لقد وفق الله الشهيد أج في فترته القصيرة نسبيا في الجيش الوطني أن يجعل في حقيبة التاريخ عملين كبيرين في خدمة الشعب الموريتاني يندر أن يوفق العسكريون في الجمع بينهما وهما نبل الدفاع عن حرية الشعب في مواجهة أنظمة الاستبداد، وشرف الدفاع عن حرمة الوطن في مواجهة المعتدين الصائلين ، ففي الجبهة الأولى كان الفقيد في طليعة الضباط المشاركين في انقلاب الثامن من يونيو 2003م وهو الإنقلاب الذي مثل علامة فارقة في التاريخ السياسي لموريتانيا المعاصرة ، فقد وثب أج ولد عابدين - مضحيا بروحه ومستقبله – رفقه زملاءه لوضع حد لنظام فاسد ومطبع كان سقوطه مطلبا لكل الوطنيين الأحرار ،وهو بذلك يؤكد على معنى مهم للغاية مفاده أن الجيوش ينبغي أن يكون ولائها أولا للشعوب وللأوطان وليس لحماية كراسي وعروش الظالمين ، وقد دفع الشهيد ثمنا لموقفه هذا فأعتقل 18 شهرا وتعرض لصنوف التعذيب والتنكيل التي تلقاها بصبر وجلد ، وكانت قمة البلاء في فترة أعتقاله تلك يوم وصل إليه خبر وفاة أمه السيدة لالة بنت زين العابدين ليلة الثامن من نوفمبر 2003م عندما علمت بنبأ فوز ولد الطايع في الإنتخابات الرئاسية فقد كانت الأم المسكينة المصابة بالضغط تعلق الأمل على سقوط ولد الطايع ليسلم لها إبنها الغالي وقد تلقى تلك المصيبة بصبر واحتساب أما العمل الثاني الهام الذي من الله به على الشهيد أج ولد عابدين ورفاقه فهو الموت في شهر رمضان المبارك على ثغرمن ثغور المسلمين في مواجهة عصابات الجريمة والقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ليحمي بني وطنه من كيد الكائدين وغدرالغادرين رغم غياب التسليح الجيد وسوء القيادة والتخطيط في الجيش الذي ينتمي إليه ،والمشغول بتكديس السلاح في انواكشوط لحماية السلطة تاركا البلد مكشوف الظهر في صحراء تعج بعصابات الإرهاب ومرتزقة المخابرات الدولية وشبكات مافيا المخدرات، إن الشيئ الذي لم يعرفه الكثيرون حتى الآن ولكنه بات ثابتا عند المصالح المختصة في الجيش أن الشهداء قاوموا ببسالة وأتخذوا مواقع قتالية على أرض الميدان وأن إطارات الرصاص الفارغة كانت متناثرة بينهم ،وأنهم ماتوا بنيران عدوهم ولم يستسلموا ،أما أن يذبحوا بعد ذلك أو يمثل بهم فلايهم وهل يضر الشاة السلخ بعد ذبحها كما قالت أسماء بنت أبي بكر لأبنها المقتول ظلما عبدالله ابن الزبير أو لم يكن القائد الكبير عبدالرحمن الخافقي قائد معركة بلاط الشهداء يقول اللهم أحشرني من بطون السباع وحواصل الطير لقد صدق في الشهيد اج و إخوانه قول أم معدن الأنصارية : رعوا من المجد أكنافا إلى أمد *** حتى إذا كملت أظماؤهم وردوا كانت لهم همم فرقن بينهم *** إذ القعاديد عن أمثالها قعدوا بذل الجميل وتفريج الجليل وإعـ *** طاء الجزيل الذي لم يعطه أحد إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولانقول إلا مايرضي ربنا وإنابفراقكم لمحزونون ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا ).

مقال للدكتور/ سيداعمر ولد شيخنا

الاثنين، 2 نوفمبر 2015

الشيخة لاله عيشه .. مثال المرأة الصالحة .


في عام عُرَف " بالبطحاء " ؛ ظهرت إلى الوجود نجمة ستصبح لاحقا قمرا يعانق الشمس في سماء الساحل و الصحراء ، و ظل ينير الدروب مقدارَ عُمرِ النبي الكريم عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم ، و لما خسف القمر ، بكته أجرام الأرض ؛ فسال الدمع مدرارا على روضة حوت من قال عنها الشيخ سيديا الكبير :
و فِيــكِ دُرَّةُ غَوْصٍ مَا تَجُــودُ بِهَا ** لِلْغَائِصِينَ مَدَى الدَّهْرِ الْقَمَامِيــسُ
غَـــرَّاءُ طيِّــــبةُ الأرْدانِ مُنــجِــبةٌ ** مَيمُــونّة ٌلا تناديــها المَناحــيــسُ
سمْحًا مُوَطّأَةُ الْأَكْنَــافِ مُفْــدِقَةٌ ** فَسِيحُ رَحْمَتِهَا لِلْخَلْــقِ مَكْنُــوسُ
عُيُـــونُ أَجْدَانِــهَا لِلْجَــارِ جَــارِيَّةٌ ** فَكُلَّــمَا أَنْفَدُوا بَعْضَ الْجَدَى إِيسُوا
حَازَتْ مِنَ الْخَصْلِ ما عَنْ شَأْوِهِ وُجِدَتْ ** عُونُ الْكِرَائِمِ حَسْرى وَ الْعَطَامِيسُ .
وُلدتْ " رابعة الأزرقية " بعد أخواتها ربات العفاف : فاطمة ، و خديجة ، و ميجة . و قبل إخوتها الأخيار : سيدي محمد ، و سيدي الأمين ، و سيدي الحبيب .
إنها الشيخة لاله عيشه بنت سيدي المختار بن سيدي الأمين (الأزرق) ، دفين المبروك ب "انبيكه" في تامرت انعاج بموريتانيا ، بن احمد بن محمد بن سيد احمد (فقيه كنته) ، دفين " امبالات" شمال الرشيد الموريتاني ، بن الحاج أبي بكر بن سيدي احمد البكاي بن سيد امحمد الكنتي . و أمها لاله آسية بنت الشيخ سيدي محمد بن سيدي عبد الرحمن بن سيدي محمد أبي نعامة .
يُجمع المترجمون لها ؛على اتصافها بالعلم و السياسة و العقل و الصلاح . و قيل إنها المرأة الوحيدة التي لقبت بالشيخة في التراث العربي ـ الإسلامي القديم .
ولدت في " أزواد " عام ( 1160هـ ـ 1747م ) في بيت عز و شرف ، فنشأت على الاستقامة و المروءة ، و تجلت عليها أمارات الصلاح و الولاية منذُ الصغر ، فكانت تُخبر عن الحوادث فتكون كما أُخبرت . و قد أُخْبِرتْ ذات مرة و هي صغيرة بمقدم الشيخ سيدي المختار الكنتي ، وبأنها زوجه ، فكتمت الأمر حياء ، فكان يأتيها رجلان يتوعدانها إن لم تخبر بما رأت ، و لما عاوداها و غمزها أحدهما في يدها حتى ورمت ؛ حدثت بالأمر الذي كوشف به الشيخ كذالك ، و هو يومئذ في رحلة إلى موريتانيا مكث خلالها بعضة أعوام .
و في العام ( 1170هـ ـ 1757م ) ؛ تحققت الرؤيا الصادقة فور عودة الشيخ إلى " أزواد " ، فزفت ربة العفاف في عامها العاشر إلى بيت عز آخر أسس على التقوى من أول يوم فيه . فكانت نعم المرأة الصالحة وراء الرجل العظيم . و شهدت معه المشاهد كلها من بداية نشأة الزاوية المختارية التي غيرت مجرى الحياة في منطقة الساحل و الصحراء بفكرها الإصلاحي المتكامل .
عُرفت رحمها الله تعالى طوال حياتها بالتقى و الورع و الزهد و العبادة ؛ " فلا تكاد تراها في نفس من أنفاسها خالية عن ذكر أو فكر أو تلاوة لكتاب الله عز و جل ، أو قراءة لأورادها من أحزاب و أدعية ، و أذكار متداولة عن سلفها الصالح ، أو صلاة نافلة ، أو قراءة ل " دلائل الخيرات " و " شوارق الأنوار " ، بوجه خارق للعادة لا يكاد يتفق لغيرها . مع إصلاح شؤونها الضرورية ، و قيامها غالبا بغالب مؤن الزاوية " و تلك لعمري أمارات المرأة الصالحة القادرة على الجمع بين أمورها الدنيوية و الأخروية .
و قد أودع الله قلبها من الشفقة و الرحمة بعباده و جميع مخلوقاته ما يجل عن الوصف ؛ فكانت تمرض لمرض المريض و تُشفى لبرئه و تجتهد في الدعاء له . و إذا رأت طائرا أو كلبا به عطش أمرت بحمل الماء له .
لم تقبل الشيخة التقية الزاهدة الناسكة أن يكون حجابها حائلا بينها و بين تدبير شؤونها الدنيوية ، فقد كانت عينا ساهرة ، تقيم الأعوج ، و تصلح الفاسد ، و تربي النشأ و تسهر على مصالح العباد ، رحمةً بالصغير ، و شفقةً على الضعيف و المريض و ذي الحاجة بسخاءِ عزَّ نظيره .
ومن مأثور قولها : " إنما نحن غرباء بدار غربة ، و الفقراء و المساكين حملة يحملون ما بأيدينا من دار غربتنا إلى دار أوبتنا ، و الكيس من نقل جميع ما في الدار المتنقل عنها إلى الدار المتنقل إليها " .
كانت و زوجَها الشيخ الكبير عنوانا للأسرة المسلمة النموذجية ، في تعاونها و تكاملها الذي لم يسلم منه ميدان التدريس ، إذْ ليس حكرا دون النساء العالمات من أمثالها ؛ و قد ذُكر أنهما ختما في وقت واحد تدريس مختصر خليل ، ، أما الشيخ فختمه للرجال ، و أما الشيخة فختمته للنساء . فرحمة الله على من كانا فرقدي سماء ، و زندي وعاء .
و في ليلة الأحد 14 يناير 1810 م ؛ رحلت عن عالمنا العالِمةُ العاملة ، و المربية الصالحة ، و المنفقة السخية ، فكانت وفاتها يتما للضعيف ، و المسكين ، و المريض ، و ذي الحاجة ، و عابر السبيل ، و الطالب المغترب ، و الجار ذي القربى و الجار الجنب ، فضلا عن أسرتها و عائلتها و عائلتها الكبيرة .
و قد رثاها ـ من بين من رثاها ـ زوجها القطب الجليل و العالم النحرير الشيخ سيدي المختار الكبير بقصيدة ، يقول فيها :
عَفَا اللهُ عَمَّنْ لمْ تُقــاربْ صغيرة ** و لا كبيرة حتى أتى الموتُ مغلقا .
ثَوَتْ جــانبا بالبـيـت تعـبـد ربــها ** على ثقة من وعده تجتني التقى
فما غرها من زخرف العيش رائق ** و ما غـــرها تِبْــرٌ نفيـسٌ مروقا
تُقــدّم دنيـــاها ليوم معـــادها ** فلا البخل تُلفيهِ لديها و لا الشقا
و لا ثمَّ ريــاء و لا ثمَّ سمـعـة ** بل الجــود طبعا تزجيــه نية اللقا
سقاها من التنسيم غبا وفاتها ** و أسكنها الفردوس في روضة التقى
مع الحور و الولدان يرفلن عدوة ** بوشي جميل في الجنان تألقا.
من صفحة الباحث عبد الله بن عابدين.

الأحد، 1 نوفمبر 2015

هداية الطلاب ، الكتاب الذي ضاهى مختصر خليل للشيخ سيدالمختار الكنتى.


" الكتاب الذي ضاهى مختصر خليل "..!؟.
(( الصُّلْحُ انْتِقَالُ حَقٍّ ، أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ ؛ لِدَفْعِ نِزَاعٍ ، أَوْ خَوْفِهِ . فَيَجِبُ لِخَوْفِ تَفَاقُمٍ ، وَ نُدِبَ لِذِي فَضْلٍ ، وَ جَازَ لِخَوْفِ ضَغِينَةٍ ، وَ كُرِهَ لِمُحَابَاةٍ ، وَ حَرُمَ لِتَبَيُّنِ حَقٍّ.... )) اهـ .
أوردنا هذا النص من " باب الصلح " في كتاب " هداية الطلاب " للشيخ سيد المختار الكنتي ؛ و نحن بين يدي دعوى بمضاهاته لمختصر خليل ذائع الصيت ؛ فربما نحتاج بعد مقارنة موضوعية بين الكتابين إلى صلحٍ و قول وسط ؛ إذا لم يحرم علينا ذالك لـتبين الحق بالمضاهاة . و لكن ؛ هل يمكننا فعلا وضع تلك المقارنة بموضوعية.؟
الحقيقة أنني لست متأكدا من إمكانية وضع مقارنة موضوعية بين كتابين ؛ أحدهما ذاع و شاع و ملأ الأسماع و دخل البيوت و القلوب و حاز الشيعة و كسب الأتباع . و بين آخر رغم قيمته الكبيرة و علومه الغزيرة إلا أن قلةٌ قليلة من الناس سمعت باسمه من قبل ، فلا زال كغيره من كنوز تراثنا المنسي ينتظر التحقيق و النشر لينال حقه من القراءة و من ثَمَّ التقييمَ و الملاحظةَ ، و لكننا سنحاول بحسب المستطاع وضع الكتابين أمام القارئ الكريم ليكون حَكَمًا بنفسه و لنفسه .!
أـ مختصر خليل : هو آخر مؤلفات الشيخ خليل بن إسحق المالكي ، مكث في تحريره أزيد من عشرين سنة ، و لخص فيه أمهات المتون الفقهية المالكية بإيجاز عجيب ، و بألفاظ جزلة ، فجمع للمالكية مذهبهم في أوراق ؛ بحسب تعبيرٍ نُقِلَ عن بعض الشافعية . فقد كان الكتاب مختصرا بأربع مرات من المدونة .!
نال مختصر خليل من ثناء العلماء ما لا حصر له ، و اهتموا به شرحا و نظما و تعليما و عملا بمسائله ، حتى قال فيه بعضهم :
يـــا قـــارئا مختصـــر الخليـــــل *** لقد حويت الفقه يا خليلي
حصِّله نصا ، و اصرف الهمة له *** فقد حوى مائة ألف مسألة
نصا ، و مثلها من المفهــوم *** فإن شككت اعدده في المرسوم .
و فعلا يوجد من يشكك في هذا العدد ، معتقدا أن الرقم يفوق ما أورده صاحب الأبيات .! و رغم هذه الأهمية و ذالك الاهتمام ؛ فثمة من يعتقدون بحاجة جل مسائل المختصر إلى التأصيل و استخراج الأدلة . و قد اهتم بذالك عدد كبير من العلماء المتقدمين و المتأخرين ، و ممن اهتموا به من علماء عصرنا ؛ العلامة محمد سالم بن عبد الودود رحمه الله ، و الشيخ محمد الحسن بن الددو أطال الله بقاءه .
ب ـ هداية الطلاب : كتاب نفيسٌ ، ألفه الشيخ سيد المختار الكنتي ، و مكث في تحريره عشرين يوما فقط مقابل عشرين سنة قضاها خليل في تحرير مختصره ، و ما ذالك التفاوت إلا لما قد ألمح إليه الشيخُ رضوان الله عليه في مقدمته بأن كتابه هذا كان فيضا ربانيا و علما لدنيا فاض به المولى على مجتهد مجدد ، فــ" الحمد لله الذي خص هذه الأمة المحمدية أن جعل لها في كل قرن وارثا يجدد لها دينها ، يفيض عليه العلوم من لدنه ليحقق تمكينها " .
و الكتاب هو ؛ مختصر يبين للسالك تفريع مسائل مذهب الإمام مالك ، و قد " انتهج فيه طريقة خليل و سلك مسلكه في الاختصار و الاقتصار ، بأسهل أسلوب و أجمل عبارة و أوضح بيان ؛ على غير ما مشى عليه خليل " كما يقول القاضي محمد عبد الرحمن بن عبدي الذي ذكر هو الآخر في مقالٍ له أن الكتاب ضاهي مختصر خليل .
أما المؤلف نفسه فقد وصف كتابه في مقدمة شرحه الذي وضعه له بقوله : " و كان هذا المصنَّف المبارك من الفقه بمنزلة العقد من النحور ، أو منزلة الشمس من سائر الكواكب و البدور ، اعتنيت بشرحه لشدة إيجازه ، لينتفع به كل عبد شكور "
و هذا الشرح المذكور هو كتاب آخر قيم و نفيس سماه " فتح الوهاب " و لا زال مخطوطا ينتظر التحقيق رغم كل ما بُذل من جهود في سبيل ذالك .
تناول كتاب هداية الطلاب جل أبواب و فصول الفقه التي دأب المتقدمون على تناولها ، حتى تلك التي لم تعد الحاجة ماسة إلى قراءتها في هذا العصر ؛ كالعتق ، و المكاتبة ، و نفقه المملوك ، و أحكام أم الولد . و لكنه أيضا طرق أبوابا أخرى و فصولا تهمنا اليوم كثيرا إنْ في المعاملات أو في العبادات ، مثل البيع بفصوله ( فاسد العقد ، المرابحة ، تناول البناء و الشجر ، القرض ، الرهن ، الغرم و التفليس ....) و كذالك بعض الأبواب المتعلقة بالآداب ، و باب التقى ، و باب التوبة الذي اختاره المؤلف خاتمةً لكتابه القيم الذي بدأه بالعبادات كما هو مألوف .
و مما يُميِّز هداية الطلاب عن مختصر خليل رغم نسجه على منواله ؛ هو تداركه لبعض أخطاء المختصر في كثير من مسائله ، و إضافته أخرى لم يحم حولها خليل ، و ربطه للفروع بأصولها ، كل ذالك بأسلوب سهل ، و عبارات جميلة ، و بيان واضح .
و إذا كان للسابق المتقدم فضلُه و رتبه المعهودة ، فإن للاحق المتأخر مزيّتُه و و قيمته المشهودة . الباحث عبد الله بن عابدين

الأحد، 25 أكتوبر 2015

نصيحة البت لجميع كنته



رسالة رغم صغر حجمها (6 صفحات) فقد اشتملت على فوائد جمة و نصائح هامة ، ليس فقط لجميع كنته ـ كما هو عنوانها ـ بل أيضا لجميع الناس ، و قد اخترت أن أضعها أمامكم بنسختها ، و بطباعة أولية تسهيلا لقراءتها لمن لم يتعودوا قراءة المخطوطات ، حرصا مني على استفادة الجميع . و أسأل الله تعالى أن ينفعنا بها جميعا . آمين .
بسم اللله الرحمن الرحيم . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله .
قال الشيخ سيد المختار الكنتي رضي الله عنه و أرضاه و جعلنا ممن تولاه و اصطفاه :
الحمد لله الذي أزال عنا السنة و الأسنة ، بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و أحيا قلوبنا بحيا السنة و الكتاب ، و مجالسة العلماء أولي الألباب ، حتى أفاض علينا من بحور الحكمة و فصل الخطاب ميادين يقصر عن إحصائها الحساب ، و روح برياح أسماعها الطيبة أرواح أهل وداده و أصفيائه ، فشرح سرائرهم في رياض روضة قدسه و سنائه .
أحمده على ما وفق إليه من رشاده و أمدني به من إياده ، و أشكره على فضله المتواتر الوافر ، و أسأله المزيد من عطائه و كشف غطائه .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الفرد المنفرد في صمدانيته بعز كبريائه ؛ واصل من انقطع إليه إلى حضرة قربه و ولائه ، و أدرجه في سلسلة خاصته و أحبائه ، فأشرقت مشكاته في سلسلة خاصته و أحبابه .
و أشهد أن سيدنا محمدا عبده المرسل بأصح القول و أحسنه ، و رحمة لأهل الأرض و سمائه ، الماحي المختار الموضوع بشوارق بوارق شريعته وسيلة .
و بعد ؛ لما رأيت كثرة الفساد و الإلحاد ، و غلبة الغفلة على العباد ـ إلا من بمنه عصمهم ، و قل ماهم ـ قصدت ؛ و الله الموفق للصواب ؛ و وضعت موعظة لي و لكل لباب ، رجاء و إكماعا مني في الثواب ، و اقتداء بقوله جل من خالق : { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة } . و أرجو أن يكون ممن يحيي النفوس ؛ إذ قد قال جل في كتابه المؤسس : { و من أحياها ...} الآية . فهذا في الحياة المجازية فكيف بالحقيقية !. و كذالك قوله تعالى : { و الرسول يدعوكم لما يحييكم } .
و حذفت فيها الأسانيد للإختصار ، و سميتها : نصيحة البت لجميع كنته . و كلما فيها صحيح من الكتاب و السنة ، مفهوم معلوم نافع لمن نور الله بصيرته ، و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
أوصيكم و نفسي وصية الأخ لأخيه و الحبيب لحبيبه ، رجاء منه أن أكون من أهل الدين ، لقوله عليه الصلاة و السلام : (( إنما الدين النصيحة )) ، و قوله تعالى : { و أنصح لكم ...} الآية .
أما بعد ؛ أوصيكم بتقوى الله و إمساك ألسنتكم ؛ فإن اللسان أعدى الأعداء و أصدق الأصدقاء ، لخبر : ((لسانك أسدك ؛ إن أمسكته نجوت منه ، و إن أطلقته أكلك )) ، وقوله عليه الصلاة و السلام : (( أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاث ؛ عالم لم ينفعه الله بعلمه ، و مكثر الخوض في الباطل ، و عاق لوالديه )) . قال عمر لشاب مر به ذات يوم : " يا شاب ! . إذا وقيت شر ثلاث فقد وقيت الشر كله ؛ لقلقك أي لسانك ، و قبقبك أي بطنك ، و ذبذبك أي فرجك [فقد وقيت الشر كله] " . و قال عليه الصلاة و السلام لمن اختصر له في الوصية ((اتق الله و امسك لسانك )) فيكرر السؤال ثلاث مرات و هو يكرر الوصية ، فقال : يا رسول الله ! ؛ أيعذب أحد بلسانه !؟. فقال له عليه الصلاة و السلام : ((ويلك أو يحك ـ شك الراوي ـ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )) .
و من آفات كثرة الخوض أيضا أنه يكثر الغلط و يؤدي إلى النطق بالمشكوك فيه ، فيؤدي إلى الكذب الذي هو من أكبر الكبائر و أنكر المناكر ؛ لخبر : (( كل شيء يطبع عليه المؤمن ليس الكذب و الخيانة )) .
و من آفاته أنه يفسد الدين ، و يقسي القلب ، و يقلل الرزق ؛ لخبر : (( إذا رأيت وهنا في دينك و قساوة في قلبك أو إبطاء في رزقك ؛ فاعلم أنك نطقت بما لا يعنيك )) .
و من الحكمة : "إذا كان الكلام فضة فالسكوت ذهبا " .
و من الحكمة أيضا : " كن أبخل الناس بما إذا أخرجته لم تقدر على رده ، فتندم حيث لا تنفعك الندامة " .
و قال مالك : " من عد كلامه من عمله أقله " .
و من آفات كثرة الخوض أن صاحبه لا تنفعه شفاعة الشافعين ؛ و ذالك قوله تعالى : { ما سللكم في سقر قالوا لم نك ...} الآية .
و من آفاته أنه يتعب الكرام الكاتبين ، و يسر الشياطين ، و يغضب رب العالمين ، و فاكهة الغافلين ، و كسب الضالين ؛ لقوله تعالى:{و من الناس من يشتري لهو الحديث ...} الآية .
و من آفاته أنه من الذنب الذي لا يرجى غفرانه إلا بالتوبة ، لاستصغار الناس له غالبا . و ذالك قوله تعالى : { و تحسبونه هينا ... } الآية . و لخبر : (( لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار )) . و لخبر : (( إن الله يغفر الصغائر باجتناب الكبائر مالم يصروا[...] )) .
و في حكمة لقمان أنه أرسله سيده ذات يوم إلى شاة مذبوحة ؛ فقال : إيتني بأطيبيها ! . فأتاه بلسانها و قلبها . فقال له: إيتني بأمريها ! . فأتا بهما أيضا . فقال له : مالي أمرتك أن تأتني بأطيبيها فأتيتني بلسانها و قلبها ، و أمرتك أن تأتني بأمريها فأتيتني بهما أيضا !؟ . قال : هما أطيب طيب إذا طابا و أخبث خبيث إذا خبثا .
و من آفات النطق بما لا يعنيك ؛ أنه يضلك و يرديك ، لخبر : (( إن الرجل ليدخل الجنة بكلمة الحكمة كما أنه يدخل النار بكلمة الفضول )) و منها قوله عليه الصلاة و السلام : (( دع ما يريبك إلى مالا يريبك )) . قال علي كرم الله وجهه في هذا المعنى :" من علم أن السفر طويل و الحمل ثقيل و العمر قصير ؛ فكيف يشتغل بما ليس يعنيه " . و قال عليه الصلاة و السلام : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) . و هذا الأثر شامل لجميع أنواع ما ليس يعني ، و حقيقته :
في اللسان ؛ تكلم الإنسان بالكلمة ليضحك الجلاس . وقال أبو الحسن على الرسالة : " حقيقته تكلمك فيما لا ينفع الآخرة " . و قيل : حقيقته كل كلمة لا يحصل لك بها نفع .
و في العين ؛ نظرها بغير اعتبار في الأشجار و الأرض و البنيان .
و في القلب ؛ التفكر فيما إذا نطق به اللسان عد مما لا يعنيه . و ذالك قول أبي بكر : " من لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو ، و من لم يكن سكوته تفكر فهو سهو ، و من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو " .
و في اليد ؛ تخطيطها .
و من غوائله أيضا ؛ الغيبة . و هي القت الذي قال فيه صلى الله عليه و سلم : (( لا يدخل الجنة قتات و لا نمام و لا لحم ربى من حرام )) . و روى السيوطي في الخصائص الكبرى أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الناس ذات يوم ألا يفطروا إلا عنده ، فلما غربت الشمس أقبل الناس إليه للفطور فأخذ يفطرهم إذ وقف رسول امرأتين من نسائه فقال له : يا رسول الله ! ؛ إن فلانة و فلانة يستفطرانك . فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم قالها ثانية فأعرض عنه ، ثم قالها ثالثة فالتفت إليه فقال : (( إنهما لم تصوما )) فذهب النبي صلى الله عليه و سلم إليهما فدعى بإنائين عظيمين ، فأمرهما أن يتقايئا ، فتقايئا حتى امتلأ الإناءان ، فقال : ((أميل إحداكما إلى صاحبتها فتأكلا لحم صاحبتكما فتقولا إنكما صائمتان )) .
و حقيقتها ؛ ذكر الرجل أخاه بما يكره خلفه بما هو فيه و إلا فقد بهته . و كذالك لو ذكر دابته أو ثوبه أو شيئا مما يتعلق به بما يكره . و منه قوله عليه الصلاة و السلام لعائشة : (( قئي قئي )) لما قالت : يا رسول الله ! هذه المرأة طويلة الذيل ؛ فاستقاءت فقاءت مضغة لحم ، وقال : (( و الذي نفسي بيده لو متِّ و هذا في بطنك لدخلت النار و لا أغني عنك من الله شيئا )) .
و من خساسته أنه أشد حرمة من أكل ميتة الحمير ، و ذالك لما يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ذات يوم ذاهبا إلى المسجد حتى أتاه رجل فقال له : هلكتُ يا رسول الله ! . فقال له :(( مالك؟)) ؛ فقال له : واقعت امرأة كما أواقع زوجتي . فقال : (( آنت محصن أو عازب ؟ )) قال : بل محصن . فقال له : (( أدع الناس ليرجموك )) فدعى الناس فذهبوا به فرجموه . فبعد ذالك غزى النبي عليه الصلاة و السلام و معه رجلان ، فلما كانا في أثناء الطريق تأخرى فأخذا يغتابانه فيقولان : كان فلان مستورا ففضح نفسه حتى رجمه صلى الله عليه و سلم . فمر النبي صلى الله عليه و سلم بجيفة حمار فقال لهما : (( إئتيا و كلا من هذه الجيفة )) فقالا : أليست حراما !؟ . فقال : (( أوليس لحم أخيكما أحرم منها !؟ . فو الذي نفسي بيده إني لأراه يجر ثيابه في الجنة )) . فأنزل الله تعالى : { و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا } الآية .
و روى أن في جهنم واديا اسمه غي ؛ عقاربه كالبغال الدهم و إن جهنم و بئر الفلق يستعيذان منه في كل يوم سبعين مرة ، و لا يدخله إلا ذو الغي أو الخوض في الباطل و تارك الصلاة و ذو الوجهين ؛ و ذالك قوله تعالى : { و خلف من بعدهم خلف } الآية .
و قال الثعالبي : " آكلون القهوات ، مضيعون الصلوات ، تابعون الشهوات ، فسوف يلقون غيا " .
و هذا وصف أهل زماننا هذا ـ إلا من عصمه تعالى ـ لا سيما أهل البوادي منهم ، و هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه و سلم : (( سيهلك من أمتي أهل اللبن . قالوا : و ما أهل اللبن يا رسول الله ؟. قال :هم الذين يميتون الاسلام و يتبعون الشهوات ، و لا أخاف عليهم إلا من اللبن ؛ لأن الشيطان بين الضرع و اللبن )) و لذالك نبأ الباري عز وجل على كونه عبرة لمن اعتبر و نقمة على من ابتدر؛ و ذالك بقوله : { و إن لكم في الأنعام } الآية .
و عليكم بالصت ؛ فإن من صمت نجا . قال السيوطي : قال عليه الصلاة و السلام : (( طلبت خمسة فوجدتها في خمسة ؛ الغنى في القناعة ، و السلامة في الصمت ، و صفاء القلب في صيام الصيف ، و رضوان الله في إكرام الضيف ، و خير الدنيا و الآخرة في قيام الليل )) .
و قال عليه الصلام و السلام : (( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )) .
و من غوائله ؛ النميمة . فإياكم و إياها فإنها تورث العداوة و تشيع الفاحشة و تزيل الخلة و تؤدي إلى القطيعة ، حتى قيل ؛ إن النميمة ما كثرت في قوم قط إلا كثر فيهم الخلاف و الجفا و النزاع . و ذالك أصل كل فساد و ضلال دنيا و أخرى . و ذالك قوله صلى الله عليه و سلم : (( لا تخالفوا فتذهبوا فإن أمما قبلكم تخالفوا هلكوا )) و كان يكره الخلاف . و لا يقع إلا على ضلالة ، و ذالك قوله تعالى :{ فماختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } ، {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } وهو منتهى الهلاك و مقدمات النزاع ، و ذالك قوله تعالى : { و لا تنازعوا فتفشلوا } الآية . و منه قوله عليه الصلاة و السلام : (( لعن الله النمام فإنه يقطع بين المتحابين )) و قوله : (( لا يدخل الجنة نمام )) . و يكفيك من ذمه أنه من أوصاف الوليد بن المغيرة ؛ و هو قوله تعالى : { هماز مشاء بنميم } الآية . و قوله أيضا : { ويل لكل همزة لمزة } الآية . قال أبو جريج : الهمزة بالعين و الشدقين و اليد ، و اللمزة باللسان ، و هو أِشد من الغيبة لزيادة البغضاء و العداوة .
قال النووي : حقيقتها نقل الحديث عن الشك ليمريه على وجه الإفساد ، و هي سم قتل ترياقها الإعراض عنها ، و ذالك قوله تعالى : { و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } .
من ذالك قول الشاعر :
و أَلْغِ أحاديث الوشاة فقلما *** يحاول واشٍ غيرَ هجرانِ ذي وُدِّ .
و من غوائله ؛ الكذب ؛ و هو أكبر الكبائر.
قال أبو الحسن : حقيقته ؛ نطقك بما لم تشاهد عيناك و لم تسمعه أذناك و لم تنقله عن موثق .
قال مالك : إذا كنت متكلما بكل ما سمعت فأنت كاذب .
قال بعضهم : حقيقته نقل الشيء على خلاف ماهو عليه .
قال تعالى : { و من أظلم ممن افترى على الله كذبا } الآية .
قال صلى الله عليه و سلم : (( لا يزال العبد يكذب حتى يعد عند الله كاذبا )) . و أخرج الترمذي ((إن العبد إذا كذب كذبة تخرج من فيه حتى تبلغ ساق العرش ، فتقول ؛ أنا كذبة فلان لعنه الله ، فيلعنه الله و الملائكة ، فتكتب سبعون خطيئة ، كل خطيئة مقدار جبل أحد .
و ينقسم إلى خمسة أقسام : واجب ، و جائز ، و مندوب ، و حرام ، و مكروه . و قد نص على ذالك صاحب (درر المسالك) إذ قال :
للخمسة الأقسام قسموا الكذب *** فمنه مندوب و منه ما يجب
مــندوبــه للــحرب و الإرهـــاب *** لكـــافر مخـــادع كــذاب
واجـــبـه لفــك مال مسلم *** أو مال نفسه ، حقيق في الدم
مباحه يا صاح للإصلاح *** بين الورى ما فيه من جناح
مكروهه لزوجة تطييبا *** لـنفســـه و لابنــه تحـبـيـبا
حرامه هو الذي لغير مــا *** منفعة شرعية قد علما
و قـــال قــوم كــله قبــيح *** و هو في مذهبنا الصحيح .
و إياكم من القيل و القال ، و كثرة السؤال ، و إضاعة المال ، فإنها أسباب لكل ممات و ضلال .
و أسباب هذه الآفات ؛ كثرة ملاقات الناس لا لحاجة ؛
و ذالك قول الشاعر :
لقاء الناس ليس يفيد شيئا *** سوى الهذيان من قيل و قال
فأقلل من لقاء الناس إلا *** لأخذ علم أو إصلاح حال
و من يطلب سوى هذين يردى *** و كل نفسه طلب المحال .
و إياكم و كثرة المزاح فإنها تسقط المروءة و تزيل الهيبة ؛ لخبر : " من مازح استخف به " .
قال علي كرم الله وجهه : اجعل مزاحك كالملح في الطعام ؛ فمازح و لا تستكثر ، و إذا مازحت فلا تقل إلا حقا ؛ فإن الكذاب ملعون و لو كان مازحا .
و إياكم و جلساء السوء ؛ فإن من جالس مجالس السوء التهم .

اهـ
من صفحةالباحث عبد الله بن عابدين.

مقال بعنوان (الطريق إلى قصر البركة ) للأستاذ عبدالله بن عابدين

الطريق إلى " گصر البركه "

توجد مدينة "گصر البركة" أقصى شمال وادي تامورت انعاج الذي يتبع إداريا لمقاطعة المجرية بولاية تكانت ، و قد شهدت المنطقة كلها في العقود الماضية جفافا و تصحرا، وقد زاد من معاناتها العزلة الخانقة التي عاشتها قبل إنشاء الطريق الذي أصبح يربطها بـ "طريق الأمل " و هو الطريق الذي أعاد الأمل برجوع الساكنة إليها بعدما شهدته من هجرات متتالية و ساهم في استقطاب السياح الأجانب من جديد .
هذا الطريق يوصلك و أنت الوافد من انواكشوط عبر "طريق الأمل " انطلاقا من المقطع " صنكرافه ـــ المجرية " و عند الوصول إلى المجرية ذات الموقع الجميل بين الكثبان الرملية غربا و في أعضان الجبل شرقا حيث يتعين عليك للوصول إلى كصر البركة الصعود معه عبر ممر "أشتف" الوعر و الساحر في آن ؛ فقد يتملكك الخوف قبل أن ينسيك جمال المنظر الآسر و أنت تطل من علياء على "المجرية" في السفح أسفل منك و كأنها قطعة شطرنج على أديم ذهبي من رمال تراها مد البصر و قد طرزتها الشجيرات بما تخاله وشما على أديمها يأسر الألباب . و قد تكون لك في المكان وقفة ــ و أنت الباحث عن الآثار ــ فثمة علي القرب من المجرية مواقع أثرية هامة مثل خزان "كانكارا" للحبوب الذي يرجع تاريخه إلى أبعد من 2000 سنة .
بعد الصعود عبر ممر أشتف على الطريق الاسفلتي الوحيد و على بعد أقل من20 كلم شرقا حين تنبسط الأرض و تتنوع التضاريس من هضاب و سهول و كثبان هناك ستجد نفسك في الحضن الدافئ لأشجار " آمور " مصدر اسم وادي " التامورت" بلغة سكانها الأوائل ، حينها تأكد أنك على مشارف البساتين المحيطة بقرية "أنبيكة" على الضفة الأخرى للوادي الذي تغمره مياه الأمطار في الخريف و ربما أوصلها المد أطراف القرية مبشرة بحلول موسم الحرث حين تتراجع هذه المياه فيتتبع السكان جزرها بزراعة الفصوليا و الذرة و القمح و أنواع الزراعة الموسمية لتأتي أكلها في بواكير الشتاء و قد لا تجد لها كبير أثر بحلول الشهر الثاني من كل عام .
يحتضن الوادي ثلاثة أحواض كبيرة ؛ ففي الجنوب الشرقي يوجد حوض "مطماطا" الآهل بمختلف الحيوانات و الأحياء البحرية كالتماسيح و غيرها ، و إلى الغرب من مطماطا في الركن الجنوبي الغربي يوجد حوض " بُراگَّهْ" الذي يحتضن مياه الأمطار طوال فصول السنة كلها و هو مرتع خصب توجد به أسماك المياه العذبة و حيوانات بحرية أخرى ساهمت في وجودها شلالات المياه في بساتين و حدائق الحسينية القريبة منه .
و إلى الشمال من قرية أنبيكة واسطة عقد الوادي يوجد حوض آخر يعتبر الخزان العام الذي تتجمع فيه كل المياه التي تمر عبر الوادي و روافده إنه حوض "گَبُّو" و هو أكبر حوض للمياه في المنطقة كلها .
و غير بعيد من "گبو" يتعين عليك تتبع المسالك الوعرة في طريق غير معبدة إلى الشرق على بعد كيلومترات قليلة لتحظى بشرف زيارة مدينة " گصر البَرْكَه " ، و هي مدينة تاريخية يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الـ17م على يدي مؤسسها العالم الرباني الطالب سيد امحمد بن باجد رحمه الله ، و قد اختفت هذه المدينة بالكامل و لم يبق منها سوى أطلال مسجدها و جدران بعض المنازل . و تسعى الوزارة الوصية إلى اعتمادها تراثا وطبيا .
تقع المدينة في شمال وادي " تامورت أنعاج " شرق بحيرة "گبو" ، إلى الغرب من قرية " أقوديت" التاريخية ، و عند التقاء مصبي " الواد لَبْيَظْ" و "وَادْ لَمْرَيْفَگْ" على بعد ما يقارب الـ 60 كلم من قرية " أنبيكه " شمالا . "و قد روعي في اختيار هذا الموقع للمدينة جماله و كثرة البحيرات من حوله و الروافد التي تضمن انتعاشها على المستويين الزراعي و الرعوي و التوسط بين "شنقيط" شمالا و بلاد النهر الصنهاجي " الواو" في الجنوب الغربي و "تمبكتو " شرقا و " باغْنَه" جنوبا "
و قد شهدت إبان إنشائها ازدهارا عظيما استمر ردحا من الزمن ، تضافرت بعده عوامل خارجية و داخلية لتضع حدا لذالك الإزدهار و تفرغ المدينة من ساكنتها ، مثل الجفاف و التصحر ، و اشتداد وطأة الصراع القبلي ، و ساهم في ذالك انتشار الواحات في مناطق قريبة . و قد فشلت محاولة جادة لإعادة إعمارها تمت على يدي أحد أعيان المنطقة بالتعاون مع المستعمر الفرنسي الذي كاد أن يتخذ المدينة مركزا لوجوده في المنطقة ثم عدل عن قراره لأسباب استراتيجية ..
و يبقى جمال موقع المدينة و سحر الطبيعة من حولها يبعثان على استجلاء روائعها الأثرية التي لا تزال شامخة في صمت حدادا على ماض تولى شهدته حصونها و قلاعها و مساجدها و شهدت عليه قوافلها و يومياتها الملحمية.
من صفحة عبد الله بن عابدين.

السبت، 30 مايو 2015

المفاضلات في الأدب الأندلسي





ومضة عن كتابي الصادر أخيرا:
المفاضلات في الأدب الأندلسي/الذهنية والأنساق
لقد سَعَتْ هذه الأطروحة-حسب العنوان أعلاه- إلى مُقارَبَة الأندلس انطلاقا من تراثها الأدبي خاصة، ومن ثم الإنساني عموما، مُقارَبَةً نسَقِيةً، تسْتَكْنِهُ أبْعادَ بنيتها العميقة، وتُفَكِّكُ ذَرَّاتِ نسيجها ،وتُلَمْلِمُ أشْتاتُ مُنْجَز إبداعها البَيَاني، المُنْدَاح عبْر فضائها المكاني، المُنْتَبِذِ موقعًا قَصِيا، في شِبْهِ الجزيرة الإيبيرية، وعبْرَ فضائها الزماني المُمْتَدِّ أكثر من ثمانية قرون، وعبْرَ فضائها الإنساني المُرَكَّبِ الإثْنِيات والثقافات والخلْفيات، وحتى عبْر جَدَلِها الإيماني المُتَعَدِّدِ "المِلَلِ والأهْواء والنِّحَلِ"، وذلك كله تَتَبُّعًا لروح الأطروحة المُنْدَسَّةِ في صميم الذهنية الأندلسية، وكل الأنساق المنبثقة منها، نظرا لاعتقادي المبدئي بأن فاعلية فرضية "المفاضلات" كانت حاضرةً بقوة وراءَ المُنْجَزالأندلسي، بمُخْتلف حُقوله، وأنَّ اتخاذ منظور "المُفاضلة" آليةً لِمُقارَبَةِ مُجْمَل هذا المُنْجَز، يُعْتَبَرُ مدْخَلاً دِراسيا جديدا، وجديرا بالاهتمام، حيث يُفترضُ أنْ يُفْضِي إلى نتائجَ جديدةً، وعميقةً، ومُرَكَّبَة، تُساهِمُ في تسْليطِ الضوء على أسْرار هذه الظاهرة، ومُلاحَقة تَجَلِّيَاتِها، وتشْييدِ مِعْمَارية هَرَمِها، على أسُسٍ أكاديمية ركينة، مُنَافِية للمُلاحظَات السريعة الجزْئية، المُنْبَثَّةِ هنا وهناك، والمُنْبَثِقَةِ عن المَداخِلِ الدِّراسية الضيقة المألوفة في الأعمال السابقة، التي لم تتخذ "المُفاضَلاتِ" مَرْكزا لأطاريحها الأساسية.
والحقيقة أن تَعَدُّدَ هذه الأبعاد، وشَسَاعَةَ الأطر، وتَلَوُّنَ التجَليات، وضآلةَ الرصيد البَحْثي المَاهِدِ في هذا المجال، كلُّها عواملُ- من بين أخرى-قد انْتَصَبَتْ عوَائقَ أمَامَ سُرْعة تَحَقُّقِ الأطروحة على الوجْه المَرْغوب، وأطالتْ أمَدَ مَخاضِها العسير ثَمَانِي حِجَجٍ دَأْبًا، عانَي الباحثُ فيها من تَطاوُلِ التنْقيب نفْضًا لرُفوف المَكتبة الأندلسية، أيْنَمَا أتِيحَ له التَّقَصِّي فيها، داخِلَ مُوريتانيا، والمغرب، وحتى بعض دول الخليج، مما أسْفَرَ عنْ مُرَاكَمَة مَادةٍ كثيرة، وغنية، ومتنوعة، وَرَّطَتْهُ في حيْرَةٍ، طالَ فيها جَدَلُ المُدَوَّنَةِ والمَنْهَجِ والمَنْهَجِيةِ، حيث بدا من شبه المستحيل هَضْمُ هذا الكَمِّ الهَائلِ من المَعْلومَاتِ، وإنْضاجِ تَصَوُّرٍ حَصِيفٍ حوله، يَسْتَوْعِبُ خيوطَ شَبَكَةِ الأطروحة، ويَتَحَكَّمُ في بِنَائِها، وفْقَ مِعْمارٍ مناسب، يصوغ مَلامحها المُتَعَدِّدَة، ويُصَمِّمُ عناصرَ هيْكلها المُرَكَّب، بما يتطلَّبُه ذلك من قوة اسْتشعار عالية الحساسية في التقاطِ خَيْطِ "المفاضلات" الناظم لهذا الشَّتَات، أيْنَمَا انْدَسَّ في رُكام المُدَوَّنَة التي اخترقتْ كلَّ الأجناس الأدبية، جامعةً عشراتِ النصوص الشعرية: قصيدا ورجزا، وموشحا وزجلا، وعشرات النصوص النثرية: رسائلَ ومَقاماتٍ وخُطَبًا، وعشرات الشَّذَراتِ التي تجاوزت التصنيف التقليدي للمُدوَّنة الأدبية، فتلَمَّسَتْ روحَ المفاضلة-خارجَ النص- حتى في المَظهَر، والمَوْقف، والمَبْدإ، والحَدَث، والتصَوُّر....وتتبَّعَتْ تجلِّياتِ النَّفَسِ المُفاضلاتي، عبْر مختلف مُستويات مَفهوم الأندلس، بيانا، ومكانا ، وزمانا، وإنسانا، وإيمانا، وعرفانا، مُسْتقيةً كُلَّ مواد بناء الأطروحة – في رُكامها الهائل - من مكتبة أندلسية، ترْبُو على مائتين من الكتب الموجودة بالفعل في نسيج البحث، وما يناهزها –تقريبا – من المراجع الموجودة فيه بالقوة، باعتبارها مُساهِمَةً في إضاءة الأرضية التي يتأسَّسُ عليها هذا المَشْروعُ الأكاديمي، ومُسَاهِمَةً في إنضاج التصور العام حوله، وإن لم تدْخله بمُقتبَسات مُباشرة.
وقد تحكمت خطية وحدات العنوان، وترتيبها المنطقي- من الأخص إلى الخاص إلى العام- في بناء أبواب البحث ، حيث تمحض الباب الأول لشبكة مفهوم "المفاضلات" تأسيسا للأطروحة ، وانفرد الباب الثاني لــ "الأدب" مضمار العبقريات، بينما خصص الباب الثالث لـ "لأندلس" فضاء الهويات المتفاعلة، وكأن في ذلك إيحاء بأن المفاضلات ثمرة يانعة، والأدب غصنها النضير، والأندلس جذعها الراسخ ، الذي يمدها بالخصوبة والنماء .
وقد اندرج تحت الأبواب الثلاثة أحد عشر فصلا، توزعت على سبعة وأربعين مبحثا ، كل عنوان منها يمثل أطروحة مستقلة، إلا أن شتات هذه الأطاريح الصغرى قد تناغم وتساوق في محيط أطروحة المفاضلات الأم ، رغم صعوبة التحكم منهجيا في هذا الفضاء المترامي الأطراف، حسب ما يلاحظ من خطة البحث المركبة البناء.
أدي ولد آدب

السبت، 14 فبراير 2015

باب بن سيدي المختار الملقب التاي



هو باب بن سيدي المختار الملقب التاي بن سيدي محمد الملقب با الزين بن الشيخ سيدي اعمر بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكبير الكنتي. تولى الخلافة بعد أخيه المرحوم الخليفة الذي كان تولى خليفة بعد أبيهما التاي المتوفى في بداية الخمسينيات. وكان سيدي المختار الملقب التاي قد مكث في الخلافة أكثر من ربع قرن من سنة 1927 سنة وفاة عمه الشيخ باي العلامة الضليع الذي كان قد أخذ العلم عن أخيه با الزين جد المتوفى الذي هو بدوره شاعر مصقع وعلامة جهبذ ومربٍّ من الرعيل الاول.
يُذكر أن وفاة الشيخ باب يفصلها حوالي 48 ساعة فقط عن وفاة الشيخ إنتاله شيخ مشائخ إفوغاس؛ وهي صدمة كبيرة لسكان المجال البيضاني عامة وحتى بلاد السودان، رحم الله الفقيدين وأسكنهما فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأربعاء، 11 فبراير 2015

الشيخ سيدي أحمد الفيرم شيخ الطائفة القادرية وعمود السلسلة الذهبية



عاش خلال القرن السادس عشر الميلادي العاشر الهجري في المنطقة الممتدة من جنوب وادي درعة مرورا بالساقية الحمراء حتى وادي الذهب ، اهتم رحمه الله بنشر العلم والمعرفة معتمدا أساليب التربية الروحية أساسا لنشر رسالته النبيلة التي ورثها من أسلافه وأشياخه الاكرمين .
ترجم له الشيخ سيدي المختار الكنتي في كتاب "المنة في اعتقاد اهل السنة" كما ترجم له الشيخ سيدي محمد الخليفه في كتاب "الطرائف والتلائد في مناقب الشيخين الوالدة والوالد " وترجم له كثير من المتأخرين مثل : د. أحمد شيخي في كتاب "الطريقة القادرية البكائية الكنتية مصدر الخطاب الصوفي في الصحراء"
دفن رحمه الله في وادي الحبشي الذي يبعد حوالي 120 كلم عن مدينة السمارة بجوار الولي الصالح والقطب الرباني الشهير الشيخ سيدي احمد الركيبي .
قام سيدأحمد ولد أحمد ولد سيدي الرقادي - وهو أحد أحفاده- بكتابة تعريف على ضريحه من أجل زيادة الترحم عليه والدعاء له والتماس بركاته الظاهرة والباطنة.
أحمد باب احمد حمَ المين .

كنتة .. البداية و المنطلق



أخذت القبيلة اسمها ـ كُنت أو كِنتَ أو كنتة ـ منذُ النشأة من لقب جدها سيد امحمد الكُنتي نسبة لجده لأمه اللمتونية ، و هي عادة شائعة في المجتمعات البدوية ، فقد عاش في كنفهم ، و تربى في حضنهم حتى حفظ القرآن ، و مهر في سائر الفنون ، و قد كان من عادة سكان المنطقة ذكر النسب من جهة الأم ، حيث لم يكن تدوين الأنساب من جهة الأب معروفا لديهم إلا بعد أن تطورت علاقة مثقفيهم مع الأمصار العربية من خلال رحلات الحج المعروف .
و لما استكمل سيد امحمد الكنتي طلبه للعلم ، و بلغ مرتبة القطبية ؛ عاد فتزوج من قبيلة تجكانت ، حيث نشأت النواة الأولى لكنتة في حاضرة " تينيكي" ، ثم تفرقت بعد الحرب التي وقعت بين البطون الجكنية و كانت سببا في خراب " تينيكي " ، و سببا كذالك في تفرق كنتة طائفتين تبعا لفرقة أخوالهم يومئذ
و الحاصل الآن أن قبيلة كنته باتت تنتشر في منطقة الساحل و الصحراء ، و تفرقت بطونا و عائلات ما بين : موريتانيا ، المغرب ، مالي ، الجزائر ، النيجر ، نيجيريا ، بوركينفاسو ، و السينغال . و أصبح لها وجود في دول أخرى مثل ليبيا .
و لئن كان بعض من كتبوا عن تاريخ المنطقة يُعيد ظاهرة الشتات الكنتي هذه لأسباب اقتصادية ؛ كالتجارة التي مارسها أسلافهم ، و كذالك الرعي ، حيث إن " الأغلبية الساحقة من الكنتاويين يحلون و يرتحلون ، و يظعنون لمواشيهم " بحثا عن الكلأ و الماء ، و هو ما يفسر " انتقال قسم مُــهم من كنته نحو "أزواد" أيام المجاعة التي ضربت الأقاليم الشمالية للصحراء " ؛ أقول : لئن كان البعض إذن يعيد الظاهرة لأسباب اقتصادية بحتة ؛ فثمة من لا يريد إغفال الأسباب الدينية و الدعوية ، حيث من المعلوم أن أقطاب الطريقة القادرية الكنتية دأبوا على توجيه أبنائهم و مريديهم وجهات شتى ، لنشر الدين و تعاليم الطريقة في أصقاع المعمورة . و هذا ما يفسر اتساع خارطة الإشعاع الثقافي و العطاء المعرفي للمدرسة الكنتية ، فضلا عن قوة و عظمة النفوذ الديني و السياسي لأقطابها ، لدرجة جعلت بعض الرحالة الأجانب يسمون المنطقة في خرائطهم : " بلاد سيد محمد " ؛ نسبة إلى علم من أعلام كنتة و قطبا من أقطاب طريقتها القادرية .
و بالعودة إلى تاريخ القبيلة و نشأتها و أصلها و منبتها ؛ أقدم لكم ـ مما بسَط فيه الكلام الشيخ سيد محمد الخليفة رسالة الغلاوية ـ نصا مُختصَرا أجده كافيا لتوضيح ما نحن بصدده ، حيث يقول:
كنتة بإجماع أولي التاريخ نشأوا بالقيروان ، و به روضة جدهم الأعلى في الإسلام (عقبة المستجاب بن نافع).
و خلف إبنه العاقب بـــ بيرو المدعوة الآن بـــ ولاته ، و قبره بصحن مسجدها الذي هو بانيه
و خلف بعده ابن إبنه يعقوب بن العاقب بن عقبة المستجاب إلى أن توفي بــالزاب ، و قبره به مشهور يزار ( و إليه يجتمع كنتة و إيديعقوب من إدوالحاج و من تجكانت).
ثم خلفه إبنه شاكر مؤلف المدخل ، و قبره مشهور يزار بالقيروان ، و إليه تجتمع كنتة و المحاجي
ثم وقع العبيديون بإقليم إفريقية وقعة النباح ، فخرج إبنه يـهـس ـ و اسمه عبد الله ـ ببقية ولده إلى شرق الجريد ، فأقام بهم ببادية الظهر شيخا مربيا عالما ذا أتباع و شيع ، متجرهم و مدارهم تلمسان أيام ولاية أبي عنان ، فبقي هناك إلى أن توفي بمستغانم ، و قبره هنالك مشهور يزار.
ثم خلفه إبنه دومان و اسمه عمرو ، و كان عالما زاهدا ورعا مربيا ، انتقل أيام فتنة ابن الأحمر بحَشمته و غاشيته إلى توات ، فتوفي ببلاد أمزاب قبل الوصول إلى توات ، و قبره هناك معروف يزار
و خلفه إبنه سيد عثمان ، استوطن عزي فتوفى ببلاد أمزاب من قري توات ، فأقام بها مربيا مرشدا ، تؤخذ عنه فنون العلم ، حافظا محدثا ، إلى أن توفي بعزي ، و قبره بها مشهور ، و خبره مأثو. .
ثم خلفه إبنه سيد يحي ، و كان علامة حافظا ورعا زاهدا مربيا ، تخرج على يده جماعة فرقها في القرى و المدن للإرشاد و التربية ، و وعدهم بالموت عنده و الدفن بإزائه ، فربوا ما ربوا و أرشدوا ما أرشدوا ، ثم ماتوا عنده و دفنوا جنب روضته ، و قبورهم مشهورة إلى يومنا هذا تزار.
ثم خلفه إبنه سيد اعلي ، و كان قطبا علامة مربيا قدوة ، يهتدى بهديه و يرجع إلى إشارته و رأيه ، و كان يخرج إلى المرابطين أيام دولتهم بالصحراء ، و جيل حسان يأخذون عنه الأوراد و يستمدون منه الأمداد ، و ذالك في دولة السلطان أبي فارس ، و كان مقلدا له لا يعمل إلا وفق إشارته ، فخرج إلى الصحراء فتزوج بنت محمد بن آلمّ بن كـنْـتَ بن زَمَّ رئيس أبدوكلْ و اسمها أَهْـوَ ، فأولدها إبنه خاتمة السلف و عين أعيان الخلف سيد امحمد الكنتي ، فنشأ في أخواله أبدوكل من صنهاجة ، و قفل سيد اعلي إلى توات ، و بها توفي رحمه الله ، فدفن إلى جنب أبويه بعِــزِّي ، و تخرج على يديه أكثر من ألف واصل.
ثم لم يزل سيد امحمد الكنتي بأخواله حتى تدرب و حفظ القرآن و مهر في سائر الفنون ، و تربى على يدي جماعة منهم : الإمام أبو العباس السبتي ، صحبه بسبتة و تخرج على يديه و دعاه بالقطبية ، و كان مجاب الدعوة لا يجاريه في مجاريه خلف ، و هو أغلى وزنا و أعلى محلا ، دام يحيي ما قد أميت من الفضل ، و ينفي فقرا و يطرد محلا ، ثم رجع إلى الصحراء مابين تيرس إلى الساقية الحمراء ، و استوطنها بمن معه من تلامذته و جيرانه ، محترما مكرما معظما عند سائر دولة المرابطين من لمتونة و بني حسان ، مقدما عليهم محكما فيهم ....... .
و تزوج سيد امحمد الكنتي بنت آل محمد بن الحسن بن أيشف الجكني ، فولدت له إبنه الشــــيخ ســـيد أحــــمد البــــكاي ، الغوث العلامة النحرير الفهامة ، المجدد المسلك المسدد ، مغرس شجرة كنتة ، و منبع نبعتها ، و قرارة عزها ، و مغرس طلعتها ، .... تزوج جكانية بنت يعقوب الرمظانية فولدت له ثلاثة أولاد ، عنهم تفرعت شـــــــــجرة كـــــنتة ...)) اهـ
أجل ؛ من هنا تفرعت شجرة كنته ، و أصبحت بطونا ، ثم أفخاذا و عشائر ، بعضها في الشرق (كنتة الشرقيون ) ، و بعضها في الغرب (كنتة الغربيون) ، و إلى كل من هؤلاء و أولئك انضمت جماعات وافدة من أصول شتى ، دخلت تحت لوائها و اصبحت جزء من الكيان الكنتي العام ، لا تقل شأنا ـ من حيث العدد و صدق الولاء ـ عن كنتة الصميم ، و لا تزال موضع فخر ، و مصدر اعتزاز ، و محل تقدير إلى اليوم .
نحن إذن أمام شجرة بات أصلها معلوم لدينا تماما ، إذا نحن سلمنا ببطلان الفرضيات المشككة في انتساب كنتة إلى عقبة بن نافع، حيث لم تقم هذه الافتراضات على دعامة ، و لم تستند إلى حجة تضاهي في قوتها و صلابتها ما تمسك به أسلاف كنتة من نسب و تاريخ .
ولا أجد هنا مانعا من ذكر تلك الفرضيات ـ على علاتها ـ و تبيان هشاشتها ، و نقلها بأمانة و تجرد ، و هي كالتالي :
1ـ فرضية تشكك في صلة نسب كنته بعقبة بن نافع ، و تجعلها صنهاجية من بقايا مسوفة ، و حجتهم في ذالك اشتراكهم مع الزوايا من أصل صنهاجي في خاصية الاشتغال بالعلم و خدمة الدين ، و أن " العرب" ميزتهم التجرد لحمل السلاح دون الاشتغال بالعلم ، و أن الزوايا عكس ذالك . و هذا ليس على إطلاقه ؛ فمن العرب " متسيرون بسيرة الزوايا ، متدينون ، يتعلمون العلم و يعلمونه ، و فيهم العلماء و الأولياء ، ثم من تعدى إليهم ، مدفوع المواسات من لص و محارب دفعوه عن أنفسهم و أموالهم و حُرَمِهم " .
فالظاهر إذن أن أصحاب هذه الفرضية خلطوا بين عروبة النسب ؛ و ما يعنيه مفهوم العروبة " اسْتَعْرِيبْ" في مجتمع البيظان ، و لعلهم نسوا ما لسيد امحمد الكنتي ـ جد كنتة ـ من دور في ترسيخ هذه التراتبية الإجتماعية (العرب ، الزوايا ، ...إلخ) .
2ـ فرضية ثانية تقول بانتماء سيد امحمد الكنتي إلى تجكانت القادمين من اتوات ، وحجتهم في ذالك أن تجكانت لم يكونوا يزوجون بناتهم للأجانب . و تستثني هذه الفرضية آل الشيخ سيد المختار الكنتي بدعوى أنهم كنتيون بالولاء لا بالنسب ، ثم تقطع بانتسابهم للفهريين ، و الحقيقة أنني لم أقف على حجة لهذا الاستثناء ، و لا دليل على ذالك الأصل سوى ما تقدم من كلام غير مقنع .
3 ـ فرضية ثالثة تشترك مع الثانية في سلخ أل الشيخ سيد المختار من جسم كنتة ، و إبعادهم عن نسبها و محتدها ، لا لكي تنسبهم لعقبة كسابقتها ؛ بل لتنسبهم هذه المرة إلى تجكانت . و مدعية انتساب كنتة إلى بني أمية . و الظاهر أن هؤلاء وقعوا في مصيدة الخلط بين أمية بن ضرب بن الحرث ـ جد عقبة ـ و بين أمية الكبير بن عبد شمس جد الخلفاء الأمويين . و أما نسبة آل الشيخ سيد المختار لتجكانت فلم أقف على حجة للقائلين بها .
4ـ موقف الجمهور ، و الذي عليه اسلافنا ، هو انتساب كنتة إلى عقبة بن نافع الفهري ، عبر سلسة ناصعة ، لا لبس فيها و لا غموض ، فما من جد واحد لكنتة إلا و تاريخه مشهود، و قبره مشهور يُزار .
و اعتمادا على ما قدمنا من كلام الشيخ سيدي محمد الخليفة و غيره ؛ يمكننا أن نستخلص سلسلة أجداد قبيلة كنتة ، و تحديد أماكن أضرحتهم ، من لدن عقبة إلى سيد احمد البكاي ، في ظاهرة تكاد تنفرد بها هذه القبيلة . و ذالك على النحو التالي :

1ـ عقبة بن نافع الفهري ــ سيدي عقبة ( الجزائر)
2ـ العاقب بن عقبة ــ ولاته ( موريتانيا )
3ـ يعقوب بن العاقب ــ الزاب ( الجزائر )
4ـ شاكر(مؤلف كتاب المدخل) ــ القيروان ( تونس)
5ـ يهس (و اسمه عبد الله ) ــ مستغانم ( الجزائر )
6ـ دومان ( و اسمه عمرو) ــ أمزاب ( الجزائر) )
7ـ سيد عثمان ــ عزي ( الجزائر )
8ـ سيدي يحي ـ عزي ( الجزائر )
9ـ سيد اعلي ــ عزي ( الجزائر)
10ـ سيد امحمد الكنتي ــ تازيازت"فصك" ( موريتانيا )
11ـ و سيد احمد البكاي ــ ولاته ( موريتانيا )
و هؤلاء هم المعروفون بـ " لفراده" ، و لهم حديث لآخر ، أما سيد احمد البكاي فقد خلف ثلاثة أبناء ، عنهم تفرعت شجرة كنتة .
عبدالله ولد عابدين

الثلاثاء، 10 فبراير 2015

كنتة .. و قصة " لفراد"



كنتة .. و قصة " لفراد :
لست هنا بصدد الكتابة عن تاريخ هؤلاء الأعلام ؛ بقدر ما أريد التموقع لالتقاط صورة ذاتية بصحبتهم . !.
إذا ذكرت بعض كراماتهم ؛ فما هي إلا نقرة عصفور من بحر مسجور .
و إذا وقفت على بعض أخبارهم ؛ فلأن أخبارهم لا تعدم كلمة تدل على هدى وأخرى تنهى عن ردى .
حقيقتهم هي كما قال الشيخ سيد محمد الخليفة عن كنتة في رسالة منه إلى أخيه باب احمد :
" إنما نحن ظل الله ، و ركنه الذي يأوي إليه كل مهتضم و مهين ، و يلجأ إليه كل خائف و شجين ، فالآوي إلينا آوٍ إلى ظل الله ، و المعتز بنا معتز بعزة الله ( و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين) .
تعالوا معي في رحلة طويلة من حيث الزمان و المكان ؛ رحلة يمتد مداها الزماني من قدوم عقبة إلى إفريقيا فاتحا ، حتى قدوم سيد احمد البكاي إلى ولاته مصلحا مُرَبِّيا .
و يمتد مداها المكاني من القيروان بتونس ، إلى اتوات بالجزائر ، فتيرس زمور و ولاته بموريتانيا

عمود النسب الكنتي :
في الحلقة الماضية تعرفنا على سلسلة عمود نسب كنتة على النحو التالي :
سيد احمد البكاي بن سيد امحمد الكنتي بن سيد اعلي بن سيد يحي بن سيد عثمان بن دومان(عمرو) بن يهس(عبد الله) بن شاكر(ورد) بن يعقوب بن العاقب بن عقبة المستجاب ( و لا ترفعوني فوق عقبة ) . و به سنبدأ :
1 ـ عقبة المستجاب بن نافع الفهري : قرشي من الظواهر(قسم من قريش) ، فاتح و قائد ، تنفست رئتاه نسائم النبوة ، غير أن لا صحبة له . شهد فتح مصر ، و وليَّ على إفريقية مرتين ، فبنى مدينة القيروان ، و توغل في تخوم السودان فاتحا ، و اكتسح كل بلاد المغرب حتى وصل إلى المحيط الأطلسي ، لكن يد الغدر أصابته و من معه من أجلاء الصحابة عند عودته بالقرب من تهودة (الجزائر) حيث دفنوا هناك .
له مواقف جليلة ، و كرامات عظيمة ، تزخر بها كتب التاريخ ، و يضيق المقام عن ذكرها .
2 ـ العاقب بن عقبة المستجاب : هو خامس أبناء عقبة ( عباس ، موسى ، عثمان أبو عبيدة ) . كان حاكما على ولاته الموريتانية أيام كانت تدعى بـ "بيرو" بنى أول مسجد قام في البلاد حيث تم دفنه فيه .
3 ـ يعقوب بن العاقب : أحد الحجاج الأربعة الذين هاجروا إلى الصحراء تحت ضغط الزحف الموحدي ضد المرابطين و شيعتهم . عاش في منطقة الزاب (الجزائر) ، و دفن فيها ، و قبره مشهور يتوافد إليه الزوار من كنتة و القبائل الأخرى التي تجتمع معها عنده ؛ كإيديعقوب "إيدياقب" من إيدولحاج و ازلامطه من تجكانت
4 ـ شاكر : لُقِّبَ بـورد ، و كان يدعى القطب الخليفة ، فقد خلف أباه يعقوب . يعرف عنه أنه هو مؤلف كتاب المدخل ، عاش في المغرب يعلم الناس شرائع الإسلام ؛ حتى سمي عليه رباط من أشهر رباطات المغرب [رباط شاكر] على الرغم من وجود من يعتبر حصول خلط في الاسم ،" إلا أن الراجح أنه بالفعل كان من مرتادي هذا الرباط و لكنه توفي بعد ذالك بالقيروان و دفن بها ، و إليه تجتمع كنتة و لمحاجيب .
5 ـ يهس (عبد الله) : عاش في منطقة الظهر (الجزائر) ، يعلم الناس و يربيهم ، حيث ذكر عنه أنه " مكث في اتوات 25 سنة يدرس و يربي إلى أن توفي بها و دفن في عزي ، و بإزائه الآن قبور إبنه سيدي يحي ، و ((حفيده سيدي يحي)) ، و سيد اعلي حفيد ابنه " .
6 ـ دومان ( عمرو ) : عاش في تلمسان ، ثم غادرها إلى اتوات ، و لكنه توفي في الطريق ، في وادي أمزاب ، و به دفن و قبره مشهور يزار .
7 ـ سيدي عثمان :وصل إلى اتوات خلال القرن الـ 13 م قادما إليها من القيروان ، و استقر بقرية عزي داعيا مربيا إلى أن توفي و دفن هناك
8 ـ سيدي يحي : كان علامة حافظا ورعا زاهدا مربيا ، ، عاش في اتوات ( الجزائر) بين أتباعه و مريديه ، و قد توفي هناك و دفن ، و قبره مشهور يزار .
9 ـ سيد اعلي : عاش في عهد السلطان أبي فارس الحفصي في تونس ، و كان ذا حظوة لديه لا يعصي له أمرا ، لكن ذالك لم يمنعه من العودة أكثر من مرة إلى زاويته بالصحراء ، حيث تزوج بنت زعيم ابدوكل ، و توفي هناك خلال إحدى أسفاره ، فدفن في عزي .
كانت له علاقات واسعة مع مشايخ صنهاجة و زعماء عرب بني حسان .

10 ـ سيد امحمد الكنتي : خاتمة السلف و عين أعيان الخلف ، كان عالما صالحا مجاب الدعوة ، له مكانة عظيمة بين الناس لدرجة أن كل من خاف على قطعان ماشيته يكفيه أن يَسِمها وَسْمَ سيد امحمد الكنتي : "لا" ؛ و هي اختصار لا إله إلا الله .
لقب بالكنتي نسبة إلى جده لأمه اللمتونية جريا على عادة أهل زمانه ، كان شخصية علمية ودينية ذات أثر كبير على تاريخ وحضارة هذه البلاد ، حيث يعتبره الدارسون " الأب المؤسس لتاريخ البيضان " ، فقد كان له الدور الفاعل في جميع أحداث عصره ، و أسس بذالك مكانة سامقة لأحفاده من بعده ، جعلتهم يتولون أدوارا كبيرة في أهم مفاصل تاريخ المنطقة .
عاش ما بين تيرس إلى الساقية الحمراء ، و قبره في تازيازت " فصك" مشهور يزار .
11 ـ سيد احمد البكاي : كان قطبا جليلا ، عالما ضليعا ، داعيا مجددا ، شديد الفطنة حكيما يُجيد قيادة الناس . تواتر عنه أنه لبث مائة عام لم ترقأ دمعته و ذالك من صلاة واحدة فاتته في الجماعة .
عاش ما بين الساقية الحمراء و زمور ، و سكن تينيكي ، إلى أن ارتحل حاجا إلى مكة مع بعض مريديه ، فمر في طريقه إليها بولاته ليستقر به المقام فيها بعد حادثة شهيرة طالبه أهل ولاته إثرها بالمقام معهم فاستجاب بشروط ، " و نصب خيمته على مقربة من ولاته ، و كرس وقته لتعليمهم و إصلاح أخلاقهم " .
و بقي هناك إلى أن توفي رحمه الله عن عمر فاق المائة عام ، و دفن في الوادي لينقل لاحقا إلى مرتفع مجاور لا زال عليه ضريحه إلى اليوم في حادثة أخرى شهيرة يحفظها الولاتيون جيدا .
" تزوج سيد احمد البكاي جكنية بنت يعقوب الرمظانية ، فولدت له ثلاثة أولاد عنهم تفرعت شجرة كنتة . و كانوا قبله أفرادا و أولياء أقطابا ، لا يبلغ الواحد منهم درجة أبيه في الفضل إلا كما تبلغ أنملة الخنصر من اليد ، و كان فيما يَـنْقُـل عنهم خلف من سلف ، أن الواحد منهم متى ولد له أولاد ، و شبوا و علمهم و دربهم ، و أحس من نفسه بقرب الأجل ، اختار منهم من توسم فيه وسم الصلاح و الصلاحية للإرث فعمّره ، و دعى الله في أخذ الباقين. .
لكن الرمظانية بتوجيه من والدها تتبعت خطوات زوجها في خلواته تترصد لحظة دعائه ، فأفلحت ذات هجيع و ناشدته الرحمة بأبنائها ، فـرَقَّ لها ، وقال :" لولاك بعد الله عشنا أفرادا لا يقع منا خلاف للشرع العزيز و لا خروج من السنة .
"لنتوقف هنا قليلا مع هذا النص لنلتقط كلمة " أَفْرَادا " التي وردت فيه مرتين :
مرة على لسان صاحب النص نفسه و هو الشيخ سيد محمد الخليفة .
و مرة على لسان سيد احمد البكاي في رده على زوجته و أم أولاده .
فمنهم الأفراد هؤلاء و كم عددهم ؟ و ما هي حقيقة هذا التفرد ؟ و ما طبيعة و شكل "الاصطفاء المتوارث " في النسب الكنتي ؟ .
هناك إشارة وردت في بعض المصادر تقول "إن هذه العادة ـ اصطفاء الابن الواحد ـ قد استمرت خلال أجيال ثلاثة حتى الشيخ سيد احمد البكاي " .
و النصوص الموجودة لدينا تذكر اجتماع نسب كنتة مع قبائل أخرى عند كل من شاكر(ورد) ، و يعقوب ، و العاقب ، و كذالك عقبة . و يعني ذالك أن هؤلاء قد خلفوا أكثر من واحد ، فلا يمكن أن نطلق علي أبنائهم صفة " الأفراد" بهذا المعنى.
أما ما بعد يهس بن شاكر فلم نجد أثرا لغير السلسلة الفردية (سيد احمد البكاي بن سيد امحمد الكنتي بن سيد اعلي بن سيد يحي بن سيد عثمان بن دومان ) ، و بالتالي يكون " لفراده" ستة فقط إلا إذا اعتبرنا بالقول القائل بوجود "يحي الابن" الذي توفي عنه أبوه و هو في بطن أمه ، فسمي عليه فيصبحون به سبعة .
و لكن الشائع المتداول أن هؤلاء " لفراده" عددهم عشرة .
و من ذالك ما جاء في قصيدة منسوبة إلي الشيخ سيد المختار يتوسل فيها بـ " العشرة الأفراد"، و يعدهم واحدا واحدا ، من لندن سيد احمد البكاي إلى عقبة ، يقول في نهايتها :
(يا رب بهذه "العشرة الأفراد" ... أهل التقى و العلم و الرشاد
أجب دعاءنا و طيب كسبنا......إلخ ) اهـ
إذاما أخذنا بالقول الأخير و اعتبرنا عدد " لفراده"عشرة ؛ فسيكون لزاما علينا الجواب على جملة أسئلة : ما هي حقيقة هذا التفرد ؟ و ما طبيعة و شكل " الاصطفاء المتوارث " في النسب الكنتي ؟ و أي نوع من "القتل" هذا الذي توارثه خلف من سلف ؟ .
هناك عبارات في النص السابق يجب التوقف عندها لفهمها :
" أحس من نفسه بقرب الأجل "... "فعمّره "... " دعى الله في أخذ الباقين ".
هل باستطاعة أي شخص ـ و لو كان وليا مكاشفا ـ أن يحس قرب الأجل أو بُعده ؟
و ما هو التعمير المقصود هنا ؟
و ما معنى أخذ الباقين ؟ هل بالموت الطبيعيي أم بالموت المعنوي ؟
أما بالنسبة للسؤال الأول ؛ فقد جاء في كتاب الجرعة الصافية و النفحة الكافية للشيخ سيد المختار الكنتي ما يلي :
"و في [النفس]الأمارة نزل قوله تعالى :{ و ما تدري نفس بأي أرض تموت...} الآية . سئل الشيخ فتح العجمي عن هذه الآية مع اطلاع الأولياء على المغيبات ؛ فقال : النفس لا تدري ذالك ، إنما تعلمه الروح التي هي من أمر ربي ، فإذا تزوجت النفس ادركت بواسطة الروح و عودها ، و ما اكتسبته من أشعة نورها .
و في قوله تعالى:{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلكه من بين يده و من خلفه رصدا } و كذالك اتباع الرسول بواسطته ، كما يشهد له قوله تعالى: (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ) و عطف النسق يقتضي المشاركة كما هو معلوم بالمشاهدة.
و في قوله تعالى :{ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية و ادخلي في عبادي و ادخلي جنتي } ، فاشتراك الأولياء و الأنبياء في الإرتضاء و العبودية يقتضي اشتراكهما في المعجزات و الكرامات و الدعوة إلى الله ؛ فافهم ." اهـ
لن أخوض بعد هذا النص في حقيقة إحساس سلفنا بقرب آجالهم ، و لكن ؛ ماذا يعني تعميرهم لولد واحد ، و أي نوع من "الموت " ينتظر الآخرين ؟ .
لدينا الآن نصان ؛ أحدهما للشيخ سيد محمد الخليفة (ورد في منشور سابق) ، يذكر فيه اجتماع نسبنا العقبوي مع قبائل أخرى من لدن غقبة إلى شاكر . و الثاني منسوب للشيخ سيد المختار الكبير يحدد عددهم بالضبط .
"العشرة الأفراد" . و لن يكون بإمكاننا التسليم بهذا العدد إلا إذا اعتبرنا موت إخوتهم "موتا معنويا " ، و ذالك بحرمانهم من خلافة الأب المتوفى مع ما يقتضيه ذالك من التهميش و العزل ، و هذا ما لم يحصل لأبناء سيد احمد البكاي الثلاثة ، لما حالت أمهم دون الدعاء عليهم ، فقد كانوا ثلاثة أقمار مضيئة ،و تقاسموا الزعامة السياسية و الروحية بينهم.
فهل أصبح بإمكاننا الجزم أن عدد " لفراده " عشرة ؟ .
و هل أصبح بإمكاننا الجزم بانتماء كنتة إلى هذا المحتد ؟ .
دعوني أترك الجواب لكم إخوتي القراء .

عبد الله ولد عابدين .

الاثنين، 9 فبراير 2015

من وصايا الشيخ سيداحمد البكاي بودمعة لبنيه:


* يا بني عليكم بتقوى الله ؛ فإنها سبب كل فتح ، والسُلم الذي يرتقى به إلى كل نجاح .

* وعليكم بالفرار بدينكم ؛ فإن هذا الزمان لا يسلم فيه لذي دين دينه ، إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية ... واقتدوا في ذلك بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم : يوشك أن يكون خير مال المسلم غنيمة يتتبع بها شعب الجبال ، ومواقع القطر ...يفر بدينه من الفتن ..

* واجتهدوا في طلب العلم ؛ فإن عبادة بلا علم تكون يوم القيامة هباء منثورا ..

* ولا تفارقوا جماعة العلم فتفارقوا دينكم وأنتم لا تشعرون ..

* واعلموا يا بني أن من قنع بما قسم الله له مات غنيا ، ومن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس مات فقيرا .. قال تعالى : (( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى )) ، فإن من لم يرض بما قسم الله له فقد اتهم الله - سبحانه وتعالى - في قضائه .

ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره ، ،،

ومن كشف عورة غيره انكشفت عورات نفسه ،،،

من سل سيف البغي قتل به ،،،

ومن حفرلأخيــه بئرا وقع فيها ..

ومن خالط السفهاء احتقــر ..

ومن خــالط العلمــاء وقــر ..

ومن دخل مداخل السوء اتهــم ..

* ولا تزدروا الرجال فتزدريكم الرجال

* وإياكم والدخول فيما لا يعنيكم فتذلوا بذلك ..

* واتبعوا الحـــق لكم أو عليكـــم ..

* وكونوا لكتاب الله تالين ..

وللسلام فاشين ..

وبالمعروف آمريــن ..

وعن المنكر ناهيـــن ...

ولمن قطعكم واصلين ...

ولمن هجركم مبتدئيين ...

ولمن سألكـــم معطيـــن ...

* وإياكم والنميمة ؛ فإنها تورث الشحناء بين الرجال ...

* وإياكم والتعرض لعيوب الناس ...

* يا بني إن طلبتم الجود فعليكم بمعادنه ؛

فإن للجود معادنا ،

وللمعادن أصولا ،

وللأصول فروعا ،

وللفروع ثمارا ،

ولا يطيب الثمر إلا بفرع ،

ولا الفرع إلا بأصل ،

ولا أصل إلا بمعدن طيب ..

* وإذا زرتم فزوروا الأخيار ، ولا تزوروا الفجار؛ فإن زيارتهم لا خـــير فيها ..

* وعليكم بالحرث في المعادن الطيبة ؛

فإن البلد الطيب يخرج نباته طيبا بإذن ربه ،

والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ،،،

فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه - رضوان الله عليهم - :

إياكم وخضراء الدمن ، ،،

قالوا : يا رسول الله وما خضراء الدمن ؟

قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ..

* واعلموا يا بني أن سلفكم كانوا لا ينكحون إلا صالح كل قوم وخير كل قبيلة ، فإن الشاعر يقول :

فأول خبث الماء خبث ترابه *** وأول خبث القوم خبث المناكح ....

* واعلموا يا بني إن العرق نزاع وأن المرأة تلد :

أباها ..

وأخاها ..

وعمها ..

وخالها ..

وأن آباءكم كانوا يحافظون على انسابهم ، ويحافظون على دينهم ، وأحسابهم ..

وقال النبي : - صلى الله عليه وسلم - للذي استفتاه في النكاح بعد أن عدد له الأسباب التي تنكح المرأة لأجلها .. (( .. فاظفر بذات الدين تربت يداك ))


* وأوصاهم كذلك بحفظ العهد ، وشدد عليه فقال لهم :

صحبة يوم: صحبـــــــة ..

وصحبة شهر : عهـــــــــــد ..

وصحبة سنة : رحــــــــــم ؛

قطع الله من قطعها ..

ووصل من وصلها ..

ومن الوصايا التي تنسب للشيخ / سيد أحمد البكاي بودمعة كذلك ..:

* يا بني اتقوا ثلاثة أمور :

1 - الجمــــل في صولته ؛ فإنه إذا صال حطم ما تعرض له ..

2 - والسيــــل في هيجته ؛ فإنه إذا هاج أغرق ما تعرض لهيجته ..

3 - والعامــــة في غوغائها ؛ فإن من تعرض لها في فسادها وغوغائها فتنته ، وأهلكته ..

وختـــم الشيخ وصاياه بقوله :

واحفظوا وصيتي فإنكم إن حفظتموها عشتم سعداء .. ومتم شهـــــداء ...

وفي الختام رحمة الله على الشيخ .وهل منا من مازال يسترشد بهذه الوصايا ، ويضعها في برنامج حياته ، ومعاملاته مع الآخرين ...؟!!

من صفحة رابطة الشباب الكنتى

السبت، 31 يناير 2015

بابه ولد عابدين


الأمير باب ولد عابدين ولد بابه ولد عابدين ولد باب أحمد ولد زين العابدين ولد الشيخ سيدي المختار الكنتي أحد الأمراء الكنتين سليل إمارة أهل زين العابدين في الساحل (آدرار) وهو حفيد عابدين الذي يقول فيه الفنان نفرو أتهيدنة مطلعها
الشيخ ساحل عابدين @الساحل كامل فيه أنهاب
وكانت لهذه الأسرة علاقات وطيدة مع إمارة أهل أحمد عيدة وأهل ببوط
وقد عرف باب ببعده عن السياسة والمحابات وميكانيزما السلطة، متمسكا بالنهج القويم في نشر العلم والدعوة وهو الآن قد إستقر به المقام في ولاية لبراكنه ببلدية صنكرافه من المنطقة الشرقية من المدينة حيث الإمامة بالمسجد هناك أطال الله بقاءه.

من صفحة الشيخ ولد سيدي حيبلل.

الأربعاء، 21 يناير 2015



تقرير عن الامسية التأبينية للأمير الراحل علوات بنواكشوط تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه تنظيم الامسية التأبينية للمرحوم الامير الكنتي الازوادي علواته ولد بادي ولد الشيخ سيدي محمد الخليفة – في دار الشباب القديمة بنواكشوط مساء اليوم الجمعة وكانت المسطرة كالتالي : 1- الربط مع الكاتب الصحفي المتألق السيد : محمد يسلم ولد الشيخ سيدي محمد 2- الافتتاح بالقرآن الكريم مع القارئ : الداه انه 3- كلمة ترحيبية لأحد الرموز الكنتية السيد : خطاري ولد باب ولد حمادي 4- كلمة تأبينية باسم زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي مع امام وخطيب جامع زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي السيد سيدامحمد ولد الشيخ ولد حمادي 5- كلمة تأبينية باسم المجتمع الكنتي في موريتانيا مع السيد د. محمد ولد عابدين ولد سيدي الامين الملقب أنور 6- مداخلة من طرف العلامة الشيخ محمد المختار ولد امباله 7- مداخلة مع فضيلة العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو 8- مداخلة مع فضيلة الامين العام لزاوية الشيخ محمد المامي 9- مداخلة مع ممثل زاوية الشيخ محمدو بمبابا 10- مداخلة أدبية من الادب الحساني مع الاديب الكبير محمد يحي ولد امصيدف 11- الختام وهذا نص البيان : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين كلمة ترحيبية السادة العلماء والأئمة والوجهاء والمشايخ السادة الدبلوماسيون والمنتخبون وممثلو المجتمع المدني بكل مكوناته السيدات والسادة، الحضور الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اسمحوا لي بادئ ذي بدء، وباسم المجموعة الكنتية بكل مكوناتها وجميع امتداداتها من المغرب وحتى بوركينافاسو ومن السنغال إلى ليبيا، أن أرحب بكم جميعا كل باسمه ووسمه، ترحيبا كبيرا وخاصا. فمرحبا قولها باللفظ متحد ولكنها باختلاف الناس تختلف إن حضوركم معنا اليوم في هذه اللحظة الخاصة، برهان قاطع ودليل ساطع على عميق تضامنكم وبالغ مؤازرتكم في هذا المصاب الجلل، الذي لحق بالأمة الإسلامية عموما، ومنطقة الصحراء الكبرى على وجه الخصوص التى خسرت علما كبيرا وقائدا أميرا، ألا وهو الشيخ علواته ولد بادي ولد حمادي أمير منطقة أزواد. أيهــــــــــــــــا الإخوة والأخوات : إن التئام هذا الجمع الغفير من صفوة الأمة ونخبة البلد ضمن فعاليات هذه الندوة التأبينية للفقيد، يعتبر مساهمة مشكورة في التخفيف من وطأة هذا الرزء الكبير، وسعيا إلى تضميد الجرح الغائر الذي تركه في النفوس، ليس على مستوى المجموعة الكنتية فحسب، بل على امتداد المجال الجغرافي للمنطقة وجميع مكوناتها التاريخية والاجتماعية. فشكرا لكم جميعا مرة أخرى على الحضور والمؤازرة وشكر الله سعيكم ..وتغمد الفقيد بنعيمه.. وأدخله فسيح جنانه..ورحم الله السلف وبارك في الخلف. وإنا لله وإنا إليه راجعون..ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم نواكشوط 10 مارس 2013 بيان فقدت الأمة الإسلامية عموما ، ومنطقة الصحراء الكبرى على وجه الخصوص ليل الجمعة الماضي 26 ربيع الثاني 1434 هجرية، الموافق 8 مارس 2013 , علما كبيرا وقائدا أميرا هو الشيخ علواته ولد بادي ولد حمادي أمير منطقة أزواد الذي انتقل إلى جوار ربه في مدينة )قاو( بجمهورية مالي. وبهذه المناسبة الأليمة , فان مجموعة العشائر الكنتية بموريتانيا ترفع أحر تعازيها القلبية لأسرة الفقيد ممثلة في شخص صنوه: السيد عمّه ولد بادي وعبره إلى كافة ساكنة أزواد قبائل ومجموعات مختلفة وكذالك إلى المجموع الكنتي في كل أرجاء المنطقة : بالمغرب والجزائر وليبيا والنيجر ومالى و بوركينا فاسو السنغال. لقد كان الفقيد سليل دوحة كريمة وممثلا لسفارة علمية إيمانية نورانية امتدت في بعض تجلياتها من "بولنوار" إلى " بوتلميت". انبثق المرحوم وأسلافه من رحم رحلة معرفية فكرية روحية حضارية امتدت في فضاءات التاريخ وانغرست في مداءات الجغرافيا..جابت مشارق الأرض ومغاربها..وأنجبت جهابذة العلماء وأفذاذ الأعلام ممن تحتفظ الذاكرة العربية والإسلامية بغزارة عطائهم وعمق حضورهم وإسهامهم في تراث المعرفة والحضارة الإنسانية. وهل علاوته- رحمه الله- إلا فرع لذلك الأصل طاب فطالا؟.. أجل طال ليمتد في عمق الرحلة..ويندغم في ألوان اللوحة، ممتطيا صهوة المجد ..فارس من زمن العطاء والكبرياء، ظل يصل الحلقات بالحلقات ..ويقلب نفائس الصفحات .. بيض الصفائح أو سود الصحائف..لافرق فذاكرة هذه الدوحة غنية بالصلحاء والعلماء..بالفرسان والأمراء. إنه وريث تاريخ ثقافي وعلمي حافل وتراث معرفي مجيد يترجمه) الشيخ الكبير ( الشيخ سيد المختار الكنتي الذي أفاض منطقة السودان وتخومها بعلمه الغزير وفكره المستنير ودعوته التجديدية وحركته الإصلاحية وحرصه الشديد على نشر قيم السلم بين مختلف مكونات الإقليم حتى فتحت له بلاد السودان صدرها، وطار ذكره في الآفاق وارتحل الأئمة إليه، وتوافد الأعيان عليه وتزاحم الطلاب من كل حدب وصوب عنده منبهرين بذكائه واتساع مداركه ونبوغه في البحث  والمناظرة وتركيزه الدامغ على الكليات وتغييبه للمقاصد الكبرى، حيث خلعوا عليه الألقاب وعقدوا له لواء المشيخة الحصرية طبقا لتعبير النابغة الغلاوي : الشيخ بالإطلاق للمختار ابن احمد على الخـــــيار وغيره لابد أن يقـــــيدا باسم به سمي حين ولدا لقد سعا خلفاء الشيخ الكبير من بعده إلى انتهاج استراتيجيته الإصلاحية وحرصه على نشر قيم السلم في منطقة الصحراء الكبرى والممالك السودانية. وتشكل الذاكرة التاريخية لمدينة "تمبوكتو"خير شاهد، إذ أن تلك المدينة الأسطورية تدين بإنقاذها من النهب والإبادة , أربع مرات مختلفة لتدخل الشيخ الكبير أو خلفائه من بعده. • ففي عام 1771, تدخل الشيخ سيد المختار الكنتي من أجل انقاذ تمبوكتو من حصار طوارق " تادمكه " المنتقمين لاغتيال زعيمهم " اكتيتي " على أيدي الرماة ( حكام تمبوكتو) . • ونجح الشيخ سيد محمد الخليفة عام 1825 في إقناع " فلان ماسنة " برفع حصارهم عن المدينة على أن يضمن لهم تمثيلا رسميا لدولتهم الجديدة معترفا به من ساكنة تمبوكتو . • وأيضا نجح الشيخ سيدي المختار الصغير الملقب بادي وهو الخليفة الثاني عام 1847 في إعادة السلم للمدينة بعد تمرد سكانها على سلطة " فلان ماسنة " . وقد اضطر الشيخ للإقامة بتمبوكتو لضمان احترام الاتفاق الذي رعى , حتى توفي بها.و يوجد ضريحه في الجزء الشمالي الشرقي من تمبوكتو , حيث تعرض القبر العام الماضي للتدنيس من طرف القاعدة تماما كما فعلوا بالمدافن الكبرى للمدينة ومن ضمنها ضريح الشيخ سيد أحمد بن أعمر الركادي الكنتي وهو مزار كبير غربي تمبوكتو يطلق عليه مقبرة الأولياء الثلاثة . • أما التدخل الأخير لصالح المدينة فكان عام 1864 , وتم على يد الخليفة الثالث الشيخ سيد أحمد البكاي الذي أستطاع تجنيب "تمبوكتو" الحرب إثر تحالف سكانها مع الطوارق ضد سلطة دولة " فلان ماسنه " حيث ضمن الاتفاق بقاء قاض وجاب " من ماسنة في المدينة مقابل انسحاب الحاميات العسكرية منها. ويحتفظ سكان تمبوكتو بذكرى عطرة لهذا الشيخ المنقذ إذ أنهم أطلقوا اسمه على أكبر ثكنة بالمدينة بعد الاستقلال . وتختزن أيضا تمبوكتو وهي المدينة الحاضنة للتاريخ والثقافة الإسلامية بمالي في ثناياها ميراثا كنتيا آخر ذو بصمة لا تزول ذالك أن ما يناهز 60% من مقتنيات مركز أحمد باب التمبوكتي للمخطوطات ترجع لعلماء وفقهاء كنتيين . ومن بعد هؤلاء الأوائل ذي الذكر الخالد شكل باستمرار من جاء بعدهم : حمادي , سيدي علواته , الميمون , بادي وصولا إلى علواته الراحل حجر الزاوية في استقرار منطقة أزواد والمحافظة على وحدة الكيان المالي وتعانق شعوبه . ولم يكن لحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي سادت مالي وأزواد منذ عام 1991 , أن تظهر إلا بعد رحيل الأمير بادي ولد حمادي وابن عمه بودمعة ولد سندي ( منطقة هاري بندا ) الذي كان نائبا في البرلمان المالي وشيخا روحيا كبيرا متنفذا إبان حكم الرئيس موسى أتراورى . فقد أدى تراجع مكانة الأمراء التقليدين الذين لم يعودوا يحظون بنفس المكانة والاعتبار من طرف الحكم المركزي المالي , إلى إيصال المنطقة إلى خلخلة القواعد بشكل مستديم ومأساوي بحيث أودت المفاعيل المتراكمة بالجميع في أتون الكارثة الحالية التى تعيشها منطقة الساحل . إننا نضع الجميع , الحكومة المالية وفرنسا والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أمام مسؤولياتهم اتجاه الإمارة التقليدية الكنتية بمالي التي فقدت خليفتها في هذا الوقت العصيب الشيخ الأمير علواته الذي تأتي وفاته أياما بعد عودته من اختطاف جبان وإجرامي نفذه أعداء الإسلام والوحدة المالية وأعداء السلام والإزدهار والتنمية , نعني بذالك مهربي المخدرات بمنطقة "تلمسي" الذين أضحوا يلتحفون بسلفية حركة التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا والذين لا يزالون يواصلون فسادهم وبغيهم في أرض قاوة. لقد دفع المرحوم "علواتة" ضريبة كبرى بشجاعته وجرأته في الوقوف علانية وبكل صدق مع وحدة شعبه وبلده . أن عاصمة الإمارة بلدة " أكمهور " تحتاج اليوم إلى الحماية العسكرية والإعانة اللوجستية ) الغذائية والطبية( . فالأمير علواته لم يقبل في حياته أبدا الرحيل عن أرضه أو اللجوء بمن معه إلى الخارج كما اضطر إلى ذالك الكثيرون في أزواد والآن وبعد شهادته في سبيل دينه ووطنه وشعبه يتعين على الحكومة المالية وكل الأطراف الفاعلة أن تكون على قدر التحدي وإلا فإن الضمير الجمعي الكنتي سيشعر بالخذلان من تقاعس تلك الأطراف عن النهوض بمسؤولياتهم السياسية والأخلاقية والإنسانية . كما نهيب بالحكومة الموريتانية وعلى رأسها فخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز الذي كانت له البصيرة النافذة لاستبانة خطر الإرهاب وامتلك الشجاعة لمحاربته مبكرا في أوكاره بشمال مالي , واستنهاضا لروح المسؤولية لديه وتأسيسا على اهتمامه الراسخ بالعمل على وحدة واستقرار الجار المالي , إلى استخدامه لنفوذه الكبير لدى جميع الأطراف الفاعلة بالشمال المالي للتعاطي الجاد والسريع مع هذه القضية الملحة والتي تشكل مصدر انشغال كبير لطيف واسع من الشعب الموريتاني الذي يرتبط في مجموعه بالشعب المالي عبر أواصر الدين والقربى والجيرة والتاريخ المشترك . أيها الإخوة والأخوات، لقد رحل عن عالمنا فقيد الأمة والمنطقة، علواتة ولد بادي ولد حمادي، ولسان حاله يقول : سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وسنظل نذكره ولسان حالنا يقول : إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك لمحزونون غير أننا لا نقول إلا  ما يرضى ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا القائل : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون). القائل : (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتن الذين من قبلهم فليعمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). القائل : (وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). القائل : (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها). القائل: (من يعمل سوء يجز به ولا يجد من دون الله وليا ولا نصيرا). القائل: (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). و الصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم. الذى صح عنه أنه قال : (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ) الحديث . وصح عنه أنه قال : (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وصح عنه أنه قال في أحد بنود إعلان مكة ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذ ا في شهركم هذا في بلدكم هذا ). وصح عنه أنه قال (كل المسلم على المسلم حر ام دمه وماله وعرضه) وصح عنه أنه قال : (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتا رك لدينه المفارق للجماعة). وجاء الوعيد من رب العالمين تشنيعا للقتل وتنفيرا للناس منه وتعظيما لحرمة الدماء. فقال جل وعلا في محكم التنزيل : (ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). صدق الله العظيم . ها نحن نجتمع اليوم في هذا الجمع الكريم وهذا المقام المهيب وهذا الظرف العصيب. تشبثا بحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فهذه أمة الإجابة جسد واحد وهى اليوم أحوج ما تكون للتآخي والتراحم من أي وقت مضى. لقد تفرقت الأمة شذر مذر فرقا ونحلا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون . كل يدعى وصال ليلى @ وليلى لا تقر لهم بذاكا. من هنا ندعو لوحدة المسلين في كل بلد ونعبر عن رفضنا واستهجاننا واستنكارنا لسفك دماء المسلمين المسالمين ظلما وعدوانا غدرا وهدرا وبغيا وطغيانا لا يرقب من قام به إلا ولا ذمة ولا يراعى فيه شرعة ولا إنسانية يمارس فعلته بكل غطرسة ووحشية في شخص مسلم مسالم تقي نقي حسبما بلغنا من سيرته وشنفت به آذاننا ممن يوثق به من اهل صقعه ومعارفه واقرانه ولا نزكي علي الله احدا انه الشيخ والامير علواته ولد باد ولد حمادي ولد الشيخ سيد المختار الصغير الملقب باد بن شيخ الاسلام الشيخ سيد محمد الخليفة بن شيخ الشيوخ وعمدة اهل العلم والرسوخ خاتمة السلف وعين أعيان الخلف مجتهد عصره ومجدد قرنه واوانه بشهادة اهل الحل والعقد من اقرانه انه الشيخ سيد المختار الكنتي نجارا الأزوادي دارا ومدفنا العقبوي الفهري العالمي علما وشهرة واصلاحا وصلاحا حيث كان قمرا سيارا. فهذا الفقيد علواته شبل من ذاك الأسد. وهذا الفقيد علواته غصن من شجرة كنتية أصلها ثابت في أرض الشريعة و فرعها شامخ إن شاء الله في سماء الحقيقة. أيها الإخوة الكرام صلوا علي نبيكم نبينا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم كما أمركم خالقكم. صلوا علي من قال أنتم شهداء الله في خلقه. فشهادتنا علي الأخ علواته ليست من باب إلقاء الكلم علي عواهنه ولا من باب الإطراء وذكر المرء بما ليس فيه بعد مماته فقد جالسته شخصيا إبان قدومه إلي انواكشوط سنة 2012 المنصرمة فاستقرأت فيه صدقا وتواضعا وسماحة ورباطة جأش وعزوفا عن الدنيا وشهامة ومهابة تعلوها حلاوة وطلاوة (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين). فرحم الله الشيخ الأمير علواته بن باد وأسكنه فسيح جناته وغسله بالماء والبرد والثلج وأبدله أهلا خير من أهله ودارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه. وجعله من الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وجعله ممن يؤتون كتبهم بأيمانهم وجعله من المصطفين الأخيار وألحقه بالذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجعله ممن يحظون بالحسني وزيادة وتلك النهاية (وأن إلي ربك المنتهي). أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عبد ربه الغني به : سيد محمد الشيخ سيدن حمادي
وصلى الله على الهادى الأمين