بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 مارس 2013

قصر البركة


قصر البركة 
إنها مدينة الأجداد يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الـ17م على يدي مؤسسها العالم الرباني الطالب سيد امحمد بن باجد رحمه الله و قد اختفت هذه المدينة التاريخية بشكل شبه كامل غير أن بعضا من آثارها مازالت شاهدة مثل المسجد و جدران بعض المنازل .
توجد المدينة في شمال وادي " تامورت أنعاج " عند التقاء مصبي " الواد الابيظ" و " لمريفكـ" على بعد ما يقارب الـ 60 كلم من قرية " أنبيكه " أكبر الحواضر في هذا الوادي الخصب الفسيح ذي الروافد الكبيرة و الذي سجل في يومياته ملاحم بطولية مشهورة لأجداد قبيلة كنته عموما سواء على مستوى المقاومة المسلحة للاستعمار الفرنسي أو على مستوى الحروب القبلية السابقة التي كانت قبيلة كنته طرفا فيها و قد كان الوادي و لا يزال محل أطماع الطامعين و ملاذ الفقراء و الضعفاء و المقهورين و رغم تراجع عطائه أخيرا إلا أن هناك مشاريع طموحه للاسثمار فيه لو توفرت لها الإرادة فستعود بالنفع الكبير ليس على ساكنة الوادي فحسب و إنما للوطن كله كما أكدت ذالك الدراسات غير أن تجاذبات السياسة في المنطقة كانت دائما تقف بالمرصاد دون تنفيذ مثل تلك المشاريع .
ربما كان للحروب القبلية و الخلافات البينية دور في هجرة السكان عن مدينة كصر البركه التاريخية غير أن عوامل أخرى لاحقة كالجفاف و تنامي و انتشار الواحات في مناطق مختلفة من الوادي ربما كان لها الدور الاكبر في فشل محاولة إعادة إعمارها على يدي احد اعيان المنطقة بالتعاون مع المستعمر الفرنسي الذي اختارها في البداية مركزا لتواجده في المنطقة قبل ان يعدل عن ذالك لاسباب استراتيجية ، ثم إن بروز مراكز استقطاب منافسة في التامورت ــ مثل أنبيكه في الوسط ( 1970م تحديدا) و دار السلام و انتاكش و غيرهما ــ كان له كذالك دور كبير في إفراغ كصر البركه من ساكنتها و تركها تحت رحمة الخراب بفعل عوامل التعرية التي لم تترك سوى بقايا حيطان و مئذنة تصدح بنداء الاستغاثة و تشهد على أنه و في هذا المكان في سالف العصر و الأوان كانت توجد مدينة  عامرة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان  .
يتبع كصر البركه و أنبيكة و باقي الحواضر في تامورت انعاج من الناحية الإدارية لمقاطعة المجرية التي تبعد 170 كلم عن مدينة تجكجه عاصمة ولاية تكانت التي يتبع لها الجميع إداريا و قد شهدت المنطقة بكاملها في العقود الماضية جفافا و تصحرا و عزلة كبيرة  لكن الطريق الجديد رد إليها الأمل و التفاؤل خاصة في مجال استقطاب السياح و رجوع الساكنة إليها بعد الهجرات المتتالية التي كادت أن تفرغ المنطقة من سكانها الأصليين ، هذا الطريق الجديد يوصلك و أنت الوافد من انواكشوط عبر طريق الأمل مرورا بالمقطع " صنكرافه ـــ المجرية " و عند الوصول إلى المجرية ذات الموقع الجميل بين الكثبان الرملية و السلسلة الجبلية يتعين عليك للوصول إلى كصر البركة الصعود عبر ممر "أشتف" الوعر و الساحر في آن فلا بد أن يأخذك جمال منظره و أنت تنظر من علياء إلى مدينة المجرية في السفح و هي أسفل منك و كأنها قطعة شطرنج على أديم ذهبي من رمال تراها مد البصر و قد طرزتها الشجيرات بما تخاله من بعيد وشما على التلال الساحرة ، و قد تكون لك في المكان وقفة ــ و أنت الباحث عن الآثار ــ فثمة علي القرب من المجرية مواقع أثرية هامة مثل خزان "كانكارا" للحبوب الذي يرجع تاريخه إلى أبعد من 2000 سنة .
بعد الصعود عبر ممر أشتف على الطريق الاسفلتي الوحيد و على بعد 18 كلم شرقا هناك حين تنبسط الأرض و تتنوع التضاريس من هضاب فسهول فكثبان هناك ستجد نفسك في الحضن الدافئ لأشجار " آمور " مصدر اسم الوادي " التامورت " أي بلد " آمور " في لغة سكان المنطقة الأوائل حينها تأكد أنك على مشارف البساتين المحيطة بقرية أنبيكة على الضفة الأخرى للوادي الذي تغمره مياه الأمطار في الخريف و ربما أوصلها المد أطراف القرية مبشرة بحلول موسم الحرث حين تتراجع هذه المياه فيتتبع السكان جزرها بزراعة الفصوليا و الذرة و القمح و أنواع الحراثة الموسمية لتأتي أكلها في بواكير الشتاء و قد لا تجد لها كبير أثر بحلول الشهر الثاني من كل عام .
 إلى الجنوب الشرقي من الوادي هناك حوض "مطماطا" الذي توجد فيه أنواع من الحيوانات من بينها عدد كبير من التماسيح البحرية يعيشون في مياه الأمطار المنصبة من أعالى جبال تكانت ، و إلى الغرب من مطماطا في الركن الجنوبي الغربي للتامورت يوجد حوض آخر هو حوض " براكه" الذي يحتضن مياه الأمطار طوال فصول السنة كلها و هو مرتع خصب توجد به أسماك المياه العذبة و حيوانات بحرية أخرى ساهمت في وجودها شلالات المياه في بساتين و حدائق " الحسينية " المعلقة إلى الغرب منه .
و حين تتجه إلى الشمال من قرية أنبيكة واسطة العقد في تامورت أنعاج عبر مجرى الماء في الوادي فأنت على موعد مع حوض آخر يعتبر الخزان العام الذي تتجمع فيه كل المياه التي تمر عبر مصب وادي تامورت أنعاج إنه حوض " كبو" بكاف معقودة و هو أكبر حوض للمياه في المنطقة كلها و غير بعيد من هناك يتعين عليك تتبع المسالك الوعرة في طريق غير معبدة إلى الشرق من "كبو " على بعد كيلومترات معدودة لتحظى بشرف زيارة مدينة " كصر البركه " التاريخية .
إعداد عبد الله ولد سيدى محمد ول عابدين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تضمين الرسالة أدناه

وصلى الله على الهادى الأمين