دومان ولد الشيخ .. فقد الأهل والعشيرة والبلد
سيدي محمد ولد البكاي
فليتها إذ فدت عمروا بخارجة فدت (دومانا) بمن شاءت من البشر
ولكنه قضاء الله وقدره ولا راد لقضاء الله وقدره.
فجعنا وفجع الأهل والعشير والصحب من أهل هذا البلد برحيل العلامة والنسابة، الزعيم السياسي والقبلي والروحي، الأب الفاضل الذي جمع مناقب الفضل من كرم وجود وتقى وشجاعة وإقدام مع حكمة وحنكة ورجاحة وعقل جعلته من قامات هذا البلد السياسية التي لاتغيب مآثرها ولا آثارها وإن غابت ملامحها، كما جعلته من أعمدة هذا البلد التي لاتسقط دعائمها ولاتميل ركائزها وإن غابت في نور بارئها.
صباح اليوم الاحد الثامن من شوال 1433 ه الموافق 26آغسطس 2012 رحل دومان ولد الشيخ ولد أحمد عن دنيانيا الفانية لينيخ بدار خير من داره وأهل خير من أهله كما نحتسبه عند الله، ونشهد له بما استعد لهذا اليوم من زاد، وقد رأى في مرضه بما أوتي من صلاح وحكمة أن هذا المرض هو مرض التطهير والتنزيه له من كل عالقة أو شائبة من شوائب الدنيا، وظل يعزي أهله وذويه في نفسه قبل غيره ويوصيهم خير وصية من خير موص، مؤمن بقضاء الله وقدره. أن لاراد لقضاء الله وقدره.
لم يكن دومان طيلة حياته شخصيا عاديا ولارجلا عاديا، بل كان دومان بألف رجل، مقامه في ذلك مقام سلفه من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بغحسان، مثل القعقاع بن عمرو التميمي الذي قال عنه أبوبكر الصديق "لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل"، وكذلك مقام الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد، الذين أرسلهم عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص لعونه على فتح مصر قائلا رضي الله عنه لعمرو: "إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف". وقد كان دومان رحمه بمقام الألف إذا هم بفتح، أو إذا سار في ركب، أو ذاخطب في مجلس، أو إذا عاند في أمر، أو إذا غضب في شأن.
كان دومان عالما بأمر دينه، له باع غير معتاد ولامعهود في معرفة الأنساب، وكانت لدومان رحمه الله علاقة خاصة بربه، إنها علاقة الأولياء بمن والولوه بالطاعة، وأذكر كما يذكر من يعرفه عن قرب، سجدته الطويلة التي قد تدوم لساعة أو تزيد أو تنقص، حتى أن بعض من لم يعرفوا الله كما عرفه يأخذون عليه رحمه الله طول تلك السجدة، ولم يعلموا مارواه أبوهريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء". وقد قال الإمام النووي رحمه الله إن في ذلك دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة.
تميز دومان رحمه الله بالرحم والحنان على الصغير والكبير كما نقل لي ذلك والدي أطال الله في عمره وهو ابن أخته الوحيدة التي سبقته إلى الجنة بإذن الله، وهي في ريعان شبابها، وكان دومان زعيما سياسيا بلا ند وبلا منازع، حيث برز مميزا في مساره بين أقرانه منذ نعومة أظافره، وكان وجها معروفا في ولاية تكانت وفي موريتانيا. كان دومان صاحب رؤية ومشروع، إذ لم تكن تحركه النوازع الضيقة ولا المصالح الشخصية الآنية، وقد حدثني أخي العزيز سعادة السفير الشيخ سيدي أحمد البكاي ولد حمادي، سفير الدولة في قطر، فيما يذكر عنه من مناقب، وهي شهادة ذكرها لي في حياة دومان قبل رحيله لأن ما أذكره هنا حقائق وشهادة للحق والتاريخ لا شهادة الميت، ذكر لي سعادة السفير مدى الاعجاب الذي خرج به الجنرال مسغارو ولد سيدي أثناء زيارته لولاية تكانت خلال حكم المجلس الأعلى للدولة 2008 ، إذ فوجئ بالرؤية السياسية الثاقبة لدومان حين تحدث عن مايريده لموريتانيا عامة ولقبيلة كنتة خاصة حين حدثه عن مطالبه التي من بينها تحويل بلدية أم آفنادش إلى مقاطعة، ولكم أن تقيسوا المسافة بين بلدية أم آفنادش في الحوض الشرقي وبلدة الحويطات في شمال تكانت.
حدثني كذلك سعادة السفير محمد الأمين السالم ولد الداه أنه عندما كان واليا لتكانت، كان دومان الشخص الوحيد الذي يدخل مكتبه وداره دون استئذان. وعندما زار معاوية ولد الطايع تكانت، قال لي ولد الداه انظر إلى معاوية إنه لايبتسم إلا لدومان، واذكر وقتها أن دومان كسر البروتوكول حيث كان يسير إلى جنب الرئيس والوالي محمد كابر ولد خطري يسير وراءه. أذكر كذلك حجم الاعجاب والتقدير الذي يحمل سعادة الوزير محمدو ولد ميشيل وغيره الكثير والكثير من رؤشاء ووزراء وسياسيي ورجالات هذا البلد لهذا الرجل، الذي عاش رجل دولة كما يرضى لنفسه ورحل رجل آخرة كايرضى له ربه. لم تنسه دنياه في آخرته.
بعد رحيل أختي الزينة عليها رحمة الله وأزكى صلواته وبركاته وسلامه، لم يعد انواكشوط بالنسبة لي هو انواكشوط الذي أعرف قبل 2011 ولا الحويطات هي الحويطات ولا موريتانيا هي موريتانيا، فقد باتت كل تلك البقاع والأماكن موحشة، مقفرة، بلاطعم ولا رائحة ولاهواء، وسبحان الله، كم هي موحشة الحويطات بلا دومان، كم هي مقفرة تكانت بلا دومان، كم هي بلا طعم ولا رائحة ولا هواء موريتانيا بلا دومان. إني لأشفق على الأهل والعشير والوالي والحاكم والعمدة، ليس من قلة نحن، ولامن إفلاس نحن، ولا من جشع نحن، ولكن من فقد دومان. كم تيتمت الحويطات، وكم ترملت تكانت من فقد دومان، وياله من فقد فقدته موريتانيا من الرئيس إلى الوالي إلى الحاكم. كم فقدت من صاحب رأي سديد وتوجيه حكيم.
عزائي للحويطات ولرابطتها، لشعبها وبطاحها وصخورها ولمسجدها العتيق. عزائي للرشيد ولبلديته التي ستفتقد دومان أو من يقترحه دومان. عزائي لتجكجة ومجالسها التي لن تجد من يملأ مقعد دومان.
في آخز زيارة للحويطات كانت طريق تجكجة أطار على مشارفها وكان هناك مقترح بفعل أمر ما يحتاج فاعلا مقيما بالقرية ،، عندها نظر إلي أحد الشباب قائلا : نفتقد دومان.
فليتها إذ فدت عمروا بخارجة فدت (دومانا) بمن شاءت من البشر
ولكنه قضاء الله وقدره ولا راد لقضاء الله وقدره.
فجعنا وفجع الأهل والعشير والصحب من أهل هذا البلد برحيل العلامة والنسابة، الزعيم السياسي والقبلي والروحي، الأب الفاضل الذي جمع مناقب الفضل من كرم وجود وتقى وشجاعة وإقدام مع حكمة وحنكة ورجاحة وعقل جعلته من قامات هذا البلد السياسية التي لاتغيب مآثرها ولا آثارها وإن غابت ملامحها، كما جعلته من أعمدة هذا البلد التي لاتسقط دعائمها ولاتميل ركائزها وإن غابت في نور بارئها.
صباح اليوم الاحد الثامن من شوال 1433 ه الموافق 26آغسطس 2012 رحل دومان ولد الشيخ ولد أحمد عن دنيانيا الفانية لينيخ بدار خير من داره وأهل خير من أهله كما نحتسبه عند الله، ونشهد له بما استعد لهذا اليوم من زاد، وقد رأى في مرضه بما أوتي من صلاح وحكمة أن هذا المرض هو مرض التطهير والتنزيه له من كل عالقة أو شائبة من شوائب الدنيا، وظل يعزي أهله وذويه في نفسه قبل غيره ويوصيهم خير وصية من خير موص، مؤمن بقضاء الله وقدره. أن لاراد لقضاء الله وقدره.
لم يكن دومان طيلة حياته شخصيا عاديا ولارجلا عاديا، بل كان دومان بألف رجل، مقامه في ذلك مقام سلفه من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بغحسان، مثل القعقاع بن عمرو التميمي الذي قال عنه أبوبكر الصديق "لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل"، وكذلك مقام الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد، الذين أرسلهم عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص لعونه على فتح مصر قائلا رضي الله عنه لعمرو: "إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف". وقد كان دومان رحمه بمقام الألف إذا هم بفتح، أو إذا سار في ركب، أو ذاخطب في مجلس، أو إذا عاند في أمر، أو إذا غضب في شأن.
كان دومان عالما بأمر دينه، له باع غير معتاد ولامعهود في معرفة الأنساب، وكانت لدومان رحمه الله علاقة خاصة بربه، إنها علاقة الأولياء بمن والولوه بالطاعة، وأذكر كما يذكر من يعرفه عن قرب، سجدته الطويلة التي قد تدوم لساعة أو تزيد أو تنقص، حتى أن بعض من لم يعرفوا الله كما عرفه يأخذون عليه رحمه الله طول تلك السجدة، ولم يعلموا مارواه أبوهريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء". وقد قال الإمام النووي رحمه الله إن في ذلك دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة.
تميز دومان رحمه الله بالرحم والحنان على الصغير والكبير كما نقل لي ذلك والدي أطال الله في عمره وهو ابن أخته الوحيدة التي سبقته إلى الجنة بإذن الله، وهي في ريعان شبابها، وكان دومان زعيما سياسيا بلا ند وبلا منازع، حيث برز مميزا في مساره بين أقرانه منذ نعومة أظافره، وكان وجها معروفا في ولاية تكانت وفي موريتانيا. كان دومان صاحب رؤية ومشروع، إذ لم تكن تحركه النوازع الضيقة ولا المصالح الشخصية الآنية، وقد حدثني أخي العزيز سعادة السفير الشيخ سيدي أحمد البكاي ولد حمادي، سفير الدولة في قطر، فيما يذكر عنه من مناقب، وهي شهادة ذكرها لي في حياة دومان قبل رحيله لأن ما أذكره هنا حقائق وشهادة للحق والتاريخ لا شهادة الميت، ذكر لي سعادة السفير مدى الاعجاب الذي خرج به الجنرال مسغارو ولد سيدي أثناء زيارته لولاية تكانت خلال حكم المجلس الأعلى للدولة 2008 ، إذ فوجئ بالرؤية السياسية الثاقبة لدومان حين تحدث عن مايريده لموريتانيا عامة ولقبيلة كنتة خاصة حين حدثه عن مطالبه التي من بينها تحويل بلدية أم آفنادش إلى مقاطعة، ولكم أن تقيسوا المسافة بين بلدية أم آفنادش في الحوض الشرقي وبلدة الحويطات في شمال تكانت.
حدثني كذلك سعادة السفير محمد الأمين السالم ولد الداه أنه عندما كان واليا لتكانت، كان دومان الشخص الوحيد الذي يدخل مكتبه وداره دون استئذان. وعندما زار معاوية ولد الطايع تكانت، قال لي ولد الداه انظر إلى معاوية إنه لايبتسم إلا لدومان، واذكر وقتها أن دومان كسر البروتوكول حيث كان يسير إلى جنب الرئيس والوالي محمد كابر ولد خطري يسير وراءه. أذكر كذلك حجم الاعجاب والتقدير الذي يحمل سعادة الوزير محمدو ولد ميشيل وغيره الكثير والكثير من رؤشاء ووزراء وسياسيي ورجالات هذا البلد لهذا الرجل، الذي عاش رجل دولة كما يرضى لنفسه ورحل رجل آخرة كايرضى له ربه. لم تنسه دنياه في آخرته.
بعد رحيل أختي الزينة عليها رحمة الله وأزكى صلواته وبركاته وسلامه، لم يعد انواكشوط بالنسبة لي هو انواكشوط الذي أعرف قبل 2011 ولا الحويطات هي الحويطات ولا موريتانيا هي موريتانيا، فقد باتت كل تلك البقاع والأماكن موحشة، مقفرة، بلاطعم ولا رائحة ولاهواء، وسبحان الله، كم هي موحشة الحويطات بلا دومان، كم هي مقفرة تكانت بلا دومان، كم هي بلا طعم ولا رائحة ولا هواء موريتانيا بلا دومان. إني لأشفق على الأهل والعشير والوالي والحاكم والعمدة، ليس من قلة نحن، ولامن إفلاس نحن، ولا من جشع نحن، ولكن من فقد دومان. كم تيتمت الحويطات، وكم ترملت تكانت من فقد دومان، وياله من فقد فقدته موريتانيا من الرئيس إلى الوالي إلى الحاكم. كم فقدت من صاحب رأي سديد وتوجيه حكيم.
عزائي للحويطات ولرابطتها، لشعبها وبطاحها وصخورها ولمسجدها العتيق. عزائي للرشيد ولبلديته التي ستفتقد دومان أو من يقترحه دومان. عزائي لتجكجة ومجالسها التي لن تجد من يملأ مقعد دومان.
في آخز زيارة للحويطات كانت طريق تجكجة أطار على مشارفها وكان هناك مقترح بفعل أمر ما يحتاج فاعلا مقيما بالقرية ،، عندها نظر إلي أحد الشباب قائلا : نفتقد دومان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تضمين الرسالة أدناه